إلى حوراء الشَّـام
إلى حوراء الشَّـام
محمود بن باكر الشنقيطي
المصدر موقع واتا
رأيتُ حلقة عن أوضاع اللاجئين بسوريةَ أعانهم الله , وكان مقدمُها يتوسَّطُ مجموعةَ زهَرَاتٍ من بُنيَّات السُّوريِّينَ ,
وسألَ إحداهُنَّ عن أبيها الذي اختطفتهُ يدُ البغيِ فأجابته بالبُكاءِ المُـرِّ , وكانَ هذا النشيجُ من هذه الحَوراءِ مهيِّجاً لي على البُكاء رغم أنِّي عصيُّ الدَّمع , وكان أيضاً خُطبةً عصماء - بالنسبَةِ إليَّ - ومن تفاصيل هذه الخُطبة الطَّويلة استوحيتُ هذه القصيدة المتواضعةَ , التي لا أرتضي نشرَ مثلِها على النَّاس , ولعلَّ لي عُذراً في أنَّ المتألِّمَ - عادةً - لا يُقاسُ عند تشكِّيه حجمُ البلاغة والأدبِ في كلامه , وهذا ما جعلني أنشرُ القصيدة في لفافة ولادتها من غير زيادةٍ أو نقصان.!
حُوريَّةٌ تستمهِلُ الأيَّاما
وسِعَت بعَبرتِها الأنَامَ مَلامَا
ومَليكَةٌ للحُسنِ في قسَمَاتِها
لونٌ تخَالُ به الغَمامَ جَهَاما
شَاميَّةٌ تَبكي , وصوتُ نحيبِها
يَبْنِي ملاجِئَ رَحبةً وخِيَامَا
لجَأتْ بخَدَّيها المُروءةُ , واحتَمى
بوشَاحِها من يدَّعي الإسلاَمَا
شَاميَّةٌ تُردِي بأدمُع عينِها
زيفَ العُرُوبةِ إذْ أبَاحَ الشَّامَا
صرَخَت بوجهِ العَالمينَ وأصرَخَتْ
صمْتَ المدَى من خلفِها وأمَاما
صرَخَت فأجهَشَتِ المآسي رحمةً
لصُراخِها , واجتَثَّت الأوْهَاما
واهاً لهَا , واليُتمُ ملئُ أنينِها
يُصلي بنار شقائهِ الأيتَاما
والعالَمُ الأفَّاكُ أسلمَ نفسَها
وَلِدَاتِها للمُعتَدينَ , وحَامَا
حاموا بدَوَّامَات ألف تجمُّعٍ
والشَّامُ (هِتلرُها) يُطيرُ الهَاما
وتجَمَّعوا , وتفرَّقوا , وتواعدوا
وتعاهَدُوا , فاستولَدوا الآلامَا
وكأنَّني أبصَرتُ حينَ تجمَّعُوا
حوريَّةً تستنهِضُ النُّوَّامَا
حوريَّةٌ , سوريَّةٌ , وصبيَّةٌ
وأبيَّةٌ , تستنطقُ الأقلاما
قالت بمجمعِهم أفيقوا إنَّكُم
صرتُم لبطشِ المُعتدين لثَاما
الشَّامُ أشيَبُها مطالعُ عمرهِ
تبكي لمغرِبهِنَّ عاماً عاما
ونساءُ سُورِيَّا استَجَدَّ مُصَابَهَا
بغيٌ يطَاوِلُ ليلُه الإظْلاَما
ناشَدْن آسَادَ العُروبَةِ نُصرةً
فسَمعنَ أصواتَ الزَّئير بُغاما
أمَّا وُرودُ الشَّامِ أمْ طَفِلاَتُه
فغَدا عليهنَّ الأمَانُ حَرَاما
وارَحمَتي لخُدُودهنَّ إذا اصطَلت
بالدَّمعِ , فاستبكت لهَا الأكْمَاما
وارحمَتي لقلُوبهنَّ فإنَّها
للرُّعبِ باتت مرقداً ومقَاما
وارَحمَتي والذُّعرُ يقتادُ الصِّبا
منهنَّ كي يُغري بهِ الإعدَاما
أمَّا أبي وأخِي وأستاذي فقد
أوْدَى بهم مَن أثكَل الأيَّاما
وإمامُ مسجدنا , وعمدةُ حيِّنا
يتوسَّدَانِ البطشَ والإرغَاما
هذي هيَ الشَّامُ الجَريحةُ قصَّةٌ
البغيُ شانَ غِلافَها وأغَاما
نسجَت أيادي المُعتَدين فُصُولَها
واستوطَنت بعد العراقِ الشَّامَا
يا أمَّةَ الإسْلامِ أين صريخُنا
أوَلم يعُد جبرُ المُصاب لزَاما
أوَلم تعُد للدِّينِ أيُّ وشيجَةٍ
مابالكُم , قطَّعتم الأرحَاما
حتَّى رأيتُم في الرجالِ خَطيبةً
وسِعَت بعَبرتِها الأنَامَ مَلامَا