أقِلِ البكاء

أنمار محمد محاسنة

أنمار محمد محاسنة *

[email protected]

بحر الكامل

(1)

لملم دموعكَ أيها التاريخُ ... وارحل من هنا ...

هذا المساءْ

فجميعُ من في الحيِّ ... من موتى ... ومن أحياءْ

يتشاءمون من الرثاءْ

أقلِ البكاءَ ... فلا رجاءْ

(2)

الناسُ في وطني ... يخافون التذكر والحنينْ

أَوَما علمتَ بأنَّ حُرّاساً بباب عقولهم ...

                                وقلوبهم ...

يتواترون ...

يتوجفون ... إذا رأوا ... هَمَساتِ ذكرى في قلوب الشاردين؟

فارحل لكي لا يقتلوكَ ... إذا رأوكْ

ارحلْ ... رعاكَ الله ربُّ العالمين

(3)

أرجوكَ عذراً ... أيها الشيخُ الكبيرْ

أنا عالمٌ ما أنتَ تشكو ... من تباريح الضميرْ

فتعاقبُ الأقوام ...

       والحُكّام ... أنساك الكثيرْ

لكننّا ... لسنا أطباءً لنعلمَ ... ما يسُرُّكَ ... أو يُضيرْ

حتى وإن خِلتَ العلاجَ بقُربنا ... فاعلمْ بأنكَ واهمٌ

لسنا سوى داءٍ عُضالٍ ... قد فتكنا بالكثيرْ

 (4)

يا شيخُ قد أتعبتني

سمّرتَ أقدامي ... وأرّقتَ اللسانْ

لسنا البلاد الكفءَ ... إذ تبغي

ولسنا منقذي هذا الزمانْ

أتريدُ أن أضعَ النقاط على الحروف ... لتستبين اللحن إن ضَعُفَ البيانْ؟

لا بأسَ ... لا لا تبتئسْ

هي قصةٌ عجلى

ولا تحتاج تفسيراً لكي تُتلى

قد كان في قومي رجالٌ

يلبسون الموت إن ساروا ... دروعاً من حديدْ

كأبي عُبيدةَ ... والوليدْ

ويُرَوِّضون الخوف في أجفانهم ...

حتى إذا أبصرتهم ... سلقوكَ رعباً ...

فارتميتَ بدون قيدْ

أَوَما سألت الأرض عن أجسادهم؟!!!

تسمو إليهم كي تمسَّ نعالهم

وتقبلُ الجَبَهات في وضع السجودْ

(5)

يا أيها التاريخُ لا تبكي ... فنافذة البكاء عليلةٌ

وعلى ستائرها مصائبُ أمتي منسوجةً ...

دقق .... ستلمح في ثناياها انهزاماً ليس يشبهه انهزامْ

يا سيدي ...

إن الكلام خطيئتي ...

فأنا اقترفت القول ... والقول اتهامْ

فأنا المقيم ... بلا مقامْ

في موطني المحكوم بالإعدامْ

فالشعب مرتزَقٌ لدى الأقزامِ ... يكدَحُ ... لا ينامْ

ويكادُ أن يشكو لنفسه ما به ...

فيخاف أن تشكوه نفسه للإمامْ

 (6)

يا سيِّدي ...

يا من تدوّن كل أخبار الزمانْ

هلّا اقتنعتَ بما أقولْ

هلّا اقتنعتَ بأن يوسُفَ – ذلك الصدّيقُ –

قد فتنوه إخوتهُ ...

وألقوهُ ... ببئرٍ دونما أسفٍ ...

وجاءوا بعدها يعقوبَ يبكونا

وأتوا بمجلسهِ ... قميصاً ناضحاً كَذِبا

وقالوا الذئبُ أدركهُ ...

فأنشبَ نابهُ فيهِ ...

ولم نعلم لذئبٍ في الورى دينا

وإني الآن أعرفهم ...

          وألمحهم ...

وأقسم أنهم أحياءُ ... ما زالوا ...

وأن عروقهم فينا

فيوسف ما يزال هنا ...

برقته ...

وحكمته ...

وحنكته ...

فألمحُ في عواطفه ...

وفي أحلامه الطفلة ... فلسطينا

وإخوتهُ الذين رموهُ ...

كنتُ خَبرتهم عشراً ... فصاروا اليوم عشرينا

(7)

يا سيدي

هلّا اقتنعتَ بأنَّ ما في النار ... من لهبٍ

ليَنهَشُ بعضُهُ بعضا ...

ويأكلُ بعضُهُ بعضا ...

وأنّ النار لن ترضى ...

بأن تتصالح الأجزاءُ ... ثم تموتُ جذوتها ...

يلفُّ رمادُها الأشلاءْ

فإذا بها تهوي ... كراقصةٍ ...

تهاوت بعد نشوتها ... وفي أنفاسها استجداءْ

 (8)

يا سيدي ...

إن الشعوبَ تمزّقتْ تحت النعالْ

وهتافهم بالعيش ... أضحى جثةً ...

ضاقت بها ... همَمُ الرجالْ

فالداعسون على الشعوب ...

كما الجمال ... تدوس ذرّات الرمالْ

لكنها ليست جمالاً ... مثلما خِلتَ الجمالْ

فجمالنا ترقى القصورَ ...

وتلبِسُ البدَلَ الجديدةَ ... في احتفالات النضالْ

وتقلدُ القوَّادَ أوسمةً ...

فقد قادوا البلادَ إلى ... مواخير الجهادْ!!!

جاهدْ بما أوتيتَ ... من أموال شعبكَ ...

أيها الجَمَلُ المفدّى ...

حقق النصرَ المرادْ!!!

واشربْ دماءَ الشعب ... في أحضان مومِسَةٍ ...

ولا تخشى النفادْ

فدماءُ شعبكَ في ازديادْ

(9)

يا الله !!!

كم تَعِبَ العبادُ ... من الهزيمة

لم يبقَ فينا ... غيرُ أجسادٍ ذميمة

نبتاعُ بعضَ كرامةٍ ... سُلِبَتْ

وظلاً من عزيمة

فالفاتحون ... تكسرت أسيافهم

               وتنكست راياتهم

               وتبخرت أمجادهم

لم يبقَ منهم ...

غيرُ أوراقٍ ...

مُمزَّقةٍ ...

قديمة

صرنا كما الشطرنج ... أحجاراً ...

نقاتل بعضنا بعضاً ...

وأطرافٌ تحرّكنا ... لئيمة!!!

(10)

يا سيدي ...

أقلِ البكاءَ ... فكلّ أوطاني شريدة

كانت بلادي كالقصيدة

فضوا بكارتها ...

فأصبح كل بيتٍ وحدَهُ ... يحوي قصيدة

فارحل ...

ودع شعري يُصلي في هدوءٍ

وليُطِلْ شعري سجودَهْ

                

    * هندسة اتصالات