فصل مِن كتاب الشدة
د. محمد علي الرباوي
لَقَدْ سَجَمَتْ مَنْ دَمْعِ عَيْنِيَ عَبْرَةٌ
وَحُقَّ لِعَيْنِي أَنْ تَفيضَ عَلَى صَحْبي
…………………………………
وُقوفاً بَغارِ حِراءَ الْمُعَذَّبِ ،صَحْبي ،لَعَلَّ بِهِ أَثَراً لِلأَحِِبَّهْ.
هُمُ دَخَلوا. رَكَعوا رَكْعَتَيْنِ. وَفي السِّجْنِ أَنْهَوْا تَشَهُّدَهُمْ. ثُمَّ قالوا : السَّلامُ عَلَيْكمْ. فَرَدَّ السَّلامَ مَلائِكَةٌ تَتَلأْلأُ بَيْنَ شِفَاهِهِمْ سورَةُ الْفَتْحِ. إِنّا فَتَحْنا طَريقاً إِلى الْفَجْرِ بِالرَّاحِلينَ مَعَ الْفَجْرِ. لا تَعْجَبوا إنْ سَمِعْتُم زَغَاريدَ أُمّي. فَأُمِّيَ قَدْ أَلِفَتْ اِخْتِطافَ بَنيها. وَلَكِنْ تُصِرُّ عَلَى أَنْ تَظَلَّ وَلُودا.
وُقوفاً فَعَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَها سَكْبا
تُبَكِّي عَلَى صَحْبٍ. وَمَا إِنْ تَرى صَحْبا.
أَلا إِنَّ صَحْبا في السُّجونِ تَكَاثَروا.
فَيا لَيْتَ شِعْري هَلْ أَرى لَهُمو قُرْبا؟
هُمُو نازَلوا الدُّنْيا. فَما اسْتَسْلَموا لَها.
وَمَا عَرَفُوا خَوْفاً وَمَا اجْتَرَحُوا ذَنْبا
سِوَى أَنَّهُمْ قَدْ هَاجَروا في حَياتِهِمْ
إلى جُزُرِ الْعُشَّاقِ ثُمَّ اكْتَوَوْا حُبّا.
َنِبيتُ عَلى مَعارِيَ[1] فاخِراتٍ
بِهِنَّ مُلَوَّبٌ[2] كَدَمِ الْعِبَاطِ[3]
وَهُمْ يَقْضُونَ لَيْلَتَهُمْ بِقَبْوٍ
عَلَى جَمْرِ الْغَضَا. وَعَلَى السِّيَاطِ
أَلِفْنا الدِّفْءَ في هَذَا الْفِرَاشِ
وَنَحْنُ أَجْسَادٌ مُغَطّاةٌ بِأَشْجارِ النِّمَاطِ[4].
كَأَنّا نَحْنُ لَنْ نُدْعى إِلى الْجُلّى
كَأَنَّ ثَيَابَنا الْبَيْضاءَ لَنْ تَنْدى.
وَنَحْنُ نَخوضُ أَمْواجَ الْبِحارِ الْهُوجِ.
يا نَفْسي الرَّقيقَةَ خَلِّصينِي مِنْ سَكَاكِينِي.
خُذينِي. ثُمَّ رُشِّينِي بِأَحْلامِ الرَّياحينِ.
خُذينِي زَلْزِلِي ذاتي بِآياتٍ مِنَ الأَنْفالِ وَالرَّعْدِ.
دَعي لَهَبَ الثُّلوجِ يَحُطُّ في جَسَدي.
لَعَلَّ الثَّلْجَ يَحْمينِي
إِذَا ضَيْفاً نَزَلْتُ عَلَى صَحَابَتِيَ الْمَسَاكِينِ
[1] الْمَعاري : الفرش ، وقيل أجزاء الجسم، وقيل ما لا بد للمرأة من كشفه
[2] المُلَوَّبُ: الْمَلاب وهو الطيب
[3] العِباط : جماعة العبيط، والعبيط ما دُبحَ أو نُحر من غير مرض، فدمه صاف.
[4] اَلنَّمَطُ :ظِهارَةُ الفِراش. ضَرْبٌ من البُسُط.ثوبٌ من صوف ملوّن له خَمْلٌ رقيق ويُطرح على الهودج، والجمع: نِماط