لذكرى مطرب عراقي عظيم

( هو ابن العراق الخالد الأستاذ الكبير الفنّان محمّد القبّانجي )

رحمه الله

سعود الأسدي

[email protected]

محمّدٌ ، وهوَ ذاكَ البلبلُ الشّادي

في الرافدينِ وفي الشطّينِ والوادي

بهِ القصائدُ تسمو فوقَ رُتْبتِها

بما يُمازِجُها من سِحْرِ إنشادِ

كأنّها خمرةٌ من بابلٍ سُكِبَتْ

صُبْحاً لشاربِ خمرٍ عاشقٍ صادي

وهو المغرِّدُ بالموّالِ يسحَبُهُ

جدائلاً من سَنًى للرائحِ الغادي

كأنّها حينَما تنسابُ جملتُهُ

جريُ السَّحَابةِ في بوحِ الرُّؤَى النّادي

يمشي بها فوقَ موجِ الشّوقِ مُتَّئِدًا

كما مشى فوقَ موجِ ( البَحْرةِ *) الفادي

و( للعتابا ) على أنغامِها زَجَلٌ

منهُ رقيقٌ بصوتِ الزّاجلِ الحادي

أبكي إليهِ بكاءَ الطِّفْلِ من وَلَهٍ

مُذْ أُمُّهُ مُنِيَتْ عَنْهُ بإبعادِ

و( جالغي بغدادَ *) ما أحْلاهُ مُرْتَجَلاً

به أَفيءُ إلى أفياءِ مِيْعادي

وإنّني حينَما يرتاحُ بي سَفَري

إلى ظلالِ أغاني الرَفْرَفِ الهادي

يَغْدو فؤادي جناحَيْ طائرٍ وبهِ

حُمِّلْتُ زادًا ، ونِعْمَ الحِمْلُ من زادِ

إنّي بحبّي لبغدادٍ وآهلِها

وخيرِ مَنْ ضَمَّ من أبنائِها النّادي

أُحِبُّ ما أنشدَتْ بغدادُ من قِدَمٍ

بِسَمْعِ آباءِ آبائي وأجدادي

عاشوا ببغدادَ رَدْحاً والزمانُ لهمْ

عَبْدٌ ، وللهِ كانوا خيرَ عُبّادِ

نَعَمْ ، وَجَدّيَ عَبْدُ القادرِ* اتّسَمَتْ

بِحُبِّهِ نُخْبَةٌ فاقَتْ بِتَعْدادِ

يا صَفْوَةَ اللهِ رُدُّوا صَفْوَ عاطفتي

عَذْباً فُرَاتًا كما كانَتْ لوُرّادِ

يا ليْتَ لي في مقامِ الشيخِ زاويةً

فيها أُغَنِّي لأهلِ العشْقِ أوْرادي

يَمُدُّني الشيخُ إنْ ناديْتُه " مَدَدًا "

في قبضةِ الحالِ منهُ خيرَ إمدادِ

يا سيّدي وإمامي أنتَ لي سَنَدٌ

فامْنُنْ على أهلِ بغدادٍ بإسنادِ

جاؤوا فلسطينَ يومَ الروعِ يُنْجِدُهمْ

حُبُّ الفِدَاءِ وما ضَنُّوا بإنجادِ

وأهْلُ بغدادَ ، مُذْ كانوا ، أولو هِمَمٍ

في كلِّ عَصْرٍ وَهُمْ أبناءُ أسيادِ

بناةُ مجدٍ وإنّ الشِّعْرَ يَذْكُرُهُمْ

فيما يُغَنِّي ، وَهُمْ أبناءُ أمجادِ

يجاهدونَ جهاداً لا مثيلَ لهُ

في حربِ ذي طمعٍ بالقَصْفِ جَلاّدِ

وسوفَ يُدْحَرُ عن أرجاءِ دولتِهِمْ

في مَنْ قد انتظموا في جيشِ أوغاد

تَبّاً لهمْ قد غَدَا الدّولارُ سَيِّدَهُمْ

وأرْهَقُوا شعبَهُمْ في حَرْبِ أضْدادِ

وإنَّ بغدادَ عن بغدادَ قد رَحَلَتْ

فهل تعودُ إلى بغدادَ بغدادي ؟!

نعمْ وبغدادُ قد شدَّتْ عزيمتَها

بكلِّ ليثٍ على الأعداءِ شدّادِ

من لي بمعضادِ قومٍ كي يعاضِدَها

نَصْراً فأدعوهُ مِعْضَادَ بنَ مِعْضَادِ

حَمَلْتُ بغدادَ حُبًّا جِئْتُ أوْرِثُهُ

بَعْدي لأهلي وأولادي وأحفادي

أُحِبُّ بغدادَ تِلْكمْ والهُواةُ معي

يُنافِسُونَ ، وقد أكْثَرْتُ حُسَّادي

ليلى العراقِ وبلقيسٌ وأختُهُما

سعادُ هَلْ جاءَها سَعْدٌ بإسعادِ ؟

نَعَمْ سيأتي بإسْعادٍ وتَقْدُمُه

بشرَى وأعلامُهُ من فوقِ أطوادِ

وسوف تُشْرِقُ بغدادٌ بطلعتِها

كيما تُضاءَ ليالي أُمَّةِ الضّادِ

يا أمّةَ الضّادِ رُدّي الصّاعَ إنَّ له

صاعاً بصاعينِ في مِعْيارِ رَدّادِ

وعندَها تُزْهِرُ الأعيادُ في وَطَنٍ

بهِ العروبةُ تزهو زَهْوَ أعيادِ

              

البحرة : بحيرة طبريّة المسمّاة في الإنجيل بحر الجليل .

جالغي بغداد : نوع من الغناء العراقي المميّز ،

وله أصول وتقاليد خاصّة به .

هو الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدّس الله سرّه) .