عبْد الرحمَن المغربي فِي اغتِرابه العَاشِر
د. مصطفى المسعودي
(إلى كل الأحرار الذين يواجهون بصدورهم العارية وحوش هذا الزمان)
(قالت شهرزاد:.وكان هذا الرّجل اسمُه عبد الرحمن المغربي ..بَلغني أيّها الملك السعيد..سافروا- هو ورجاله- طول الليل إلى طلوع الشمس..فبيْنما هُم كذلك إذ أقبل الرّخ كالسحابة العظيمة وفِي رجْليه صخرة كالجبل العظيم أكبَر مِن السفينة ) ألف ليلة وليلة .
ــــــــ
ثـُـمَّ ...وَلمّا عِمْلاق الرُّخّ هَوَى بجَناحَيْهِ الجبّاريْن ِ
يُريدُ سَفينِي
وَصُراخُ الدّهْر يُدَوّي فيَهُزّ قِلاعَ يَقينِي ..
كلّ أفاعِي الوَادِي مَدّتْ أعْناقاً
تبْغِي قلبي
وتريدُ شرَايينِي
وأنا كالظلّ مُنبَهرٌ
مَا أرْهَقنِي خوْفِي
لكِنْ أرْهَقنِي عَطش الأيّامْ
إذ لا يَنبُوعَ هُنا كيْ يَرْوينِي..
حَتى أعْيُنُ عَبْلة دَهْراً قتلتنِي
هَاقدْ خذلتنِي ..
لا تمْلِكُ أنْ تحْيينِي ..؟
بَيْن رَحِيل المِجْدافِ ..وعُنفِ المَوْجِ
ترَاءَى حُزْنِي كعَرُوس خَذلتهَا زينتهَا
ليْلة فرْحَتِهَا..
لكِنْ قطعاًلمْ يَسْقط بُرْجُ يَقينِي
أنّى لِي - يَارَبّي- أنْ أتسَوّرَ كلّ خيُول المَوْج هُنا؟
كانَ الرّخُّ عَنِيفاً ..
يَبغي بَيْضَتهُ
وَرجَالِي ازْدَحَمَتْ فِي أعْيُنِهمْ سُحُبُ الدُّخانْ
لكِنْ لمْ أترَاجَعْ
لمْ أترَاجَعْ
بَلْ زادَ يَقِينِي
امْتلأتْ كلُّ دِلائِي ..
بغزيرِ دِمَائِي ..
لكِنْ لمْ أترَاجَعْ..
مَا أسْعَفنِي غيْر ذِراعِي
امْتشقتْ نَخوَة سِكينِي..
وَشِراعِي بَاتَ سِيَاجاً مَهْجُورًا
كقنَادِيل الليْل ذوَى فِيهَا زيْتُ الأيّامْ
وَأنَا بَيْنَ رَذاذٍ وَرَذاذٍ ..
نعْشُ حُطامْ ..
وَالليْلُ جَريحٌ ..وَالليْلُ قتامْ..
فِي الأفق بَعِيداً لاحَتْ دَمْعَة ُضَوْءٍ خَافِتْ ..
"لا ..لا ..تقتربْ – قالتْ لِي جنيَة ُالبَحْر-ِ
فذاكَ الضوْءُ ظلامْ ..
الغِيلانُ هُناكْ ..
الغِيلانُ ترَاكْ ..
وَجُنونُ الرُّخّ غدَا هَمَجيّا،
فِي كلّ الحَالاتْ ...سَتمُوتْ ..
بكلامٍ أوْ بسُكوتْ ..
بحُرُوبٍ أوْ بسَلامْ .."
قالتْ لِي الجنية ُ،ثمّ طوَاها جُنحُ ظلامْ .
لمْ أترَاجَعْ ..لمْ أترَاجَعْ
لكِنّ رجَالِي ..خَذلونِي
لمّا سَألونِي :
هَلْ سَتُقاتِلُ وَحْدَكْ ..؟
أفلا تبْصِرُ أنا نبْدُو تحْتَ جَناحِ الرُّخ
فِرَاخَ حَمَامْ ..؟
قلتُ لهُمْ :المَوْجُ لنا ..لِلرُّخ ضَبَابٌ وَظلامْ
قالوا المَوتُ لنا.. لِلرُّخ لحْمٌ وَعِظامْ ..
قلتُ : نُقاتِلْ ..
قالوا :نمْضِي ..
قلتُ : نقاتِلْ..
قالوا: نمْضِي..
قلتُ : سَنمْضِي لأيّ مَدَى؟
فزعِيقُ الرُّخّ غدَا
يَأخذنا مِنْ كلّ مَكانْ
فِي الأفْق حَلانْ..؛
نقتلهُ ..أوْيَقتلنا
وَلأنّ المَوتَ دَلِيلِي ..
وَهْوَسيَشهَدُ حَفلَ غسِيلِي
فأنَا أرْفضُ أنْ يَكتبَ عَنِي تاريخُ المَاءْ:
مَاتَ جَبَانْ.
قالتْ شهْرَزادْ :
مَوْلايَ المَلِكُ السّلطانْ ..
مِنْ عَجَبٍ أنّ الرُّخّ هَوَى مُندَحِراً بَعْدئِذٍ
وَغدَا طعْماً لأفاعِي البَحْر وَللحِيتانْ
فِيمَا..
عَاش طويلا وسَعِيدا
ذاك الفارسُ عَبدُ الرّحْمنْ...