نقوش من دم على معابر مغلقة

نقوش من دم على معابر مغلقة

مريم العموري

على هوامش الحياة ترتمي مواجعي

تئنُّ من خطى الذين يعبرونَ دونما أدنى اعتبارْ

كأنّني محضُ غُبارْ

تلفظني دروبهم إلى أذلِّ رُقْعَةٍ في الأرضِ

حيثُ لا مكان في المكانِ.. لا عروقَ لا مَدارْ

والجوُّ خائرٌ ينوشُه الصَّفَارْ

ولا مدى سوى أنين البائسين من أقاربي

في المُنتَفى..

في خيمةٍ كأنها غِلالة الغياهبِ

عشرونَ ألفاً؟!.. ربما..

خمسون ألفاً؟.. ربما!

فلم يعد للرَّقْم أيُّ قيمةٍ

يزيدهُم من ماتَ في الهجير كلَّ غَمْضةٍ للشمسِ..

كلَّ ومضَةٍ كذّابةٍ للانعتاقْ

دفنتُهم في حفرةٍ وَاريتُ فيها والدي المفلوجَ، من زمان

دفنتهم هناك حيث لا هناكَ بعدَهُ

سوى جدار غائرٍ في القلبِ

موغلٍ بلجّة السحائبِ العجافِ

بالمواجعِ الدِّفاقْ..

***

أنا الغريب في الفلا والشوك مهجعي المريع..

ينهشني إذا استرحتُ بعد رحلةٍ من الأسى.. في غورهِ

يعصُرني صبّارُهُ.. لقطرةٍ تسُدُّ جوعَ طفليَ الرضيعْ

***

وزوجتي في نفْضَةِ الحُمّى تُغالب الَمنونْ

أسمعُها تَأُوهُ ملءَ جرحها الهَتون :

"أريدُ أن أموتَ في بلادنا"..

تمدُّ لي في حرقة داليةَ العيون..

"أريدُ أن أُدفَن في بلادنا!!"

فأنحني.. أضمُّها

أُملِّسُ الضفائرَ المغبّراتِ ..

ألثمُ الندى

وأتقي برعشِها من قسوةِ الوداعِ :

"بُكْرةً نعود يا حبيبتي فهوّني عليكِ..

بُكْرةً نعودْ"

فتسكن الآلام من دوائيَ الخيالْ

وتنبري سِكّينةٌ في خافقٍ ليسَ لمثله مناصْ

تفرّقتْ دماؤه بين المعابرِ المغُلّقاتِ بالرصاصْ

***

 ناديتُ في المؤمِّلين رأفةً بحالهم من غلظة المآل

ناديتهم بما تبقى في انتفاضة المشنوقْ:

أوااااهُ يا مواكب المؤمِّلينَ.. المُرغَمينَ في شَتاتٍ كلُّه جدرانْ

القفرُ من أمامكم

والنارُ من ورائكم

فأيُّ موجٍ بعدها ستركبون؟!..

وأيُّ غربةٍ رمليّةِ الفجاج تسلكون؟!...

ولا مدى سوى غبار ظِلِّكم

تزيدُه قتامةً غِشاوةُ الطريقْ

***

 فهل ستكملون رحلة الغريقْ؟

وهل تَشَبَّثونَ في لُجاجها.. بقَشّة الأحلام للشواطئ التي

لَكَمْ..

تَغضّنتْ آمالُها في الانتظارِ والدموعْ

وابيَضَّ في عيونها قصائدُ الرجوعْ

مسكينةٌ!!

يا طالما أزجتْ رياحَ الشوق من منديلها

ترفُّ كُرمى موعدٍ.. أو همسةٍ...

من روحكم لروحها ..

للوعة تضجُّ باحتمالها:

"يا ليتَ!!..

لو إيماءةً للغيبِ يا (غِيَّابُ)..

لو إيماءةً للغيبِ!!.."

لكن!!!..

أيُّ أيُّ خيبةٍ تجيشُ في الضلوع!..

***

 واليومُ مثل الأمسِ زائرٌ ثقيلْ

وخاليَ الوفاض ليس في يديهِ ما يرمُّ رَمْقَةَ العليلْ

والموج ذا يجيء كل مرةٍ في القهرِ

هائجاً، وحاملاً، سفائن الدخيلْ

جنكيز موغِلٌ بصوته الأجشّ،

يفزعُ الهواءَ والزمان

يا هولَ ما رأى النهارُ في قتامةِ الدخان

جنكيزُ عاتٍ ينفض الزيتون عن عباءة الثرى

ليستريح تحت ظل غرقدٍ وشمعدانْ

جنكيزُ قاتل جبانْ

***

 وربَّةُ السلام تستغيثُ، ترتجي قيامةَ الضمير

لكنهُ المصلوب في الجدارْ

ذاك الذي اعتلى المدى ليخنقَ الفَراش والنهار

ويُغرِقَ السماءَ بالأسمنتِ، كي تضِلَّ زُرقةَ الديارْ

فلا تعودُ -في غدٍ- لأهلها

ولا تصيرُ غير منتهى الطيورِ كلّما تَصيّدَ الفناءُ عمرَها

مخنوقةٌ محروقةٌ في أسرها.. تموءُ مع مشاهد الدماءْ

فكل غيمها الحزينِ قد غدى منازل العزاءْ

***

وربّة السلام لا تزال تستغيثُ تستغيثْ

"إلى متى الدخان في مآذني يعيثْ ؟"

ولا تزال في صمودها

تخبّئُ المفَاتِحَ المعرّقاتِ بالضنى

في عُبِّها للفاتح الكبيرْ

تعرفهُ

سيماهُ في جبينهِ

محمّلاً بالنصر والآيات والتحريرْ

***

 أوّاهُ يا سليلةَ السماءِ

يا عكّازة الزمانِ كلما اعتلته عنوةً دناءَةُ الإنسانْ

يا قدس يا حمَّالة الأحزانْ

ها هم بنوك اليومَ في خطى جنكيز يخطرونْ

ويسحبونَ من دخان غِيِّهِ أنفاسَهم... ويَنْفُثونْ

يستروِحون في عذابكِ الأليمِ .. يعصرونَ في مداكِ غيمَ ملحهم..

يا حَيفَهم!!..

*   *   *

 هل كان غُنْجُ ودّهم إليكِ ذات محفَلٍ مجرّد افتعالْ؟!..

وطلقة البارودِ في هوائنا

والإصبعانِ ..

والعَتادُ

والمناجلُ الشِّدادُ..

والوعودُ..

والزعيم الرمزُ..

كلُّ ذا..

لِعْبٌ على الحِبالْ؟!..

وكَذِبٌ في كَذِبٍ وقمّةُ احتيالْ!

حتى إذا تمكَّنوا من حبْلكِ المُحالْ

شدّوهُ حول الصدر والأنفاسِ والآمالْ

 وجَرْجروكِ في الشقاءِ – ويحهم

 من مُشترٍ لمُشتر"ي"

 ومُفترٍ لمُفترِ"ي"

 وخائنٍ لأخونِ

 وإذ بهم يا قهرنا... أسدانُ الاحتلال

 يا كيف مُثّلوا لنا... وهم قفا نِعال

*   *   *

 أَخْ يا بشرْ..

 ضنَّ الزمانُ بالزمانْ

 زمانِ من إذا دُعُوا لَبُّوا بلا توانْ

 ماذا أقولُ.. والرجا من غيره-سبحانَه- امتهانْ

*   *   *

 يا جرحُ..

 دعكَ في مواجعي

 وغُــــصَّ

 غُـــــصَّ

 غُصَّ بالكِتمانْ

 فالموتُ كل الموتِ أن تُرى جَهارةً..

 ولم تُجِبْكَ نخوةُ الـْ..

 "إخوانْ"!!.