لو كان قلبي معي

خوضي بحار الشوق واغترفي

إني ارتديت لباس معترف

الله أعطانيك لؤلؤة

سكنت خبايا الروح لا الصدف

أنت الحقيقة جلّ بارئها

وسواك تمثال من الخَزف

ح. الأمراني

التأسيس الشعر

الكلمات

 (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لقمان:27

بحسبي منك سيّدتي الحروفُ

فلي من طيبها ظلٌّ وريفُ

وما يرجو سواك القلب مأوى

فكيف بغير كعبتها يطوفُ؟

إذا صدحت حروفك رنّ عود

وسبّحت الَمزاهرُ والدفوفُ

وما كالشِّعر يبعثُ فيّ شوقاً

إلى جنّاتِ عدْنٍ لا يحيفُ

ويفتحُ لي كتابَ الله صرفاً

يحصّنني إذا بغت الصُّروفُ

هَمتْ كلماتُه فالروح نشوى

له في كل فاصلةٍ رفيفُ

وقال: "اقرأ"، فهلّل كلُّ عِرقٍ

أليس بنوره عزَّ الكفيفُ؟

ورُدّدَ في الوجود صدى بلالٍ

وفاض السلم والقصد النظيفُ

وصار الناس إخواناً كراماً

وساد العدل، واقتُسم الرغيفُ

وشِعرك إن سرى في البيد يوماً

ونبضُ البيد ثاكلةٌ هَتوفُ

تفجّرت العيون وصار قلبي

يظلّلُ ساحَهُ قصرٌ منيفُ

وبي ظمأ إليكِ فأرضعيني

ندى الكلمات، صيّبها عطوف

وحبّك ليس تفنيه الليالي

وبعض الحبّ تحكمه الظروف

أجرني من لظى نفسي ومنّي

إلهي إنّني هشّ ضعيفُ

جنَاحُ فراشةٍ قلبي يغنّي

هواه وهْو تطلبه الحتوفُ

توحّدنا إلى أبدٍ فليستْ

تفرّقنا الأسنّة والسيوفُ

وإن عصف العَذول فما نبالي:

يحصّن ذاتنا الحبّ العفيفُ

تخوّفنا الريَاح ولات خوفٌ

أغير الله من شيء يخيفُ ؟

وكهفُ الله وجْهَتُنا جميعاً

إذا ضاقت على الباغي الكهوفُ

بحسبي منك سيّدتي نشيدٌ

يدثّرني فتقترب القطوف

25/09/2005

رجل من أقصى المدينة

يروى أن سكينة بنت الحسين رضي الله عنها قالت لبعض الشعراء مستنكرة:

"أعلى الدين اتّبعتها؟" وكذبوا، فما كان لسليلة بيت النبوّة أن تنكر جمال الدين والتقوى، أو تجهل تقوى الجمال والفن.

      تعانق روحي روحُ "عذراءِ وامِقِ"(1)

   صبوح المحيّا وجْهُها وجْهُ صادقِ

وتفزع روحانا إلى ظلّ أيْكة

ومن عجبٍ ما بيننا ألْفُ شاهقِ

كأني لم أعشَقْ ولم أدْرِ ما الهوى

فلما التقينا كنتُ أول عَاشقِ

إذا ما سقتني خمْرةً حَلّ شُربها

تأنّقْتُ فيها من بدائِع خالقي

كأنّ بيان الوحْيِ تحتَ لسانها

ولَلشِّعْرُ لِلظَّلْمَاءِ أعظَمُ فالِقِ

ولو أنّ في بعْض النساء نبوَّةً

رآها لها الرَّحْمنُ، والظَّنُّ صادقي

إذا وشوشتني أو سقتني حُروفها

أرتني بساتينَ الهوى والرَّقائقِ

بساتينَ لم يحلُمْ بها قلب شاعرٍ

ولا رسمتها قبلُ ريشة حاذقِ

فلا عطرُ شيرازٍ، ولا سحْرُ بابلٍ،

ولا بَارِقٌ "بين العُذَيْبِ وبارقِ"

وإن هتفتْ تشكو إلى الله جُرْحَها

تضعْضع تركيبي وسبّحَ خافقي

فداؤكِ يا موفورة الشِّعْر والتُّقى

كرائمٌ روح ما أبيحَتْ لسابقِ

أجيئُكِ من أقصى المدينةِ حاملا

أعاصيرَ "قيسٍ" وابتهالاتِ "طارقِ"

وأفْتَحُ أرضاً للضّياءِ جديدةً

وأُسْكِنُ شِعري ظِلَّ أبلجَ طارقِ

ولولاكِ لم يصدحْ بشعْريَ بُلْبُلٌ

ولا صار شعري خيرَ مسكٍ لناشقِ

ووجْدةُ دارُ الوجْدِ قدْ ضاعَ نفْحُها

وبسْتَانُ محْزونٍ ومطلع شارقِ

يميناً لو اَنّ الله يجمع بيننا

بحضرته، والعفْو خير الخلائق

لما طمحت نفسي إلى غير نوره

يظلّلنا، والله أكرم رازقِ

جَوى ابنِ زريقٍ بعضُ بعضِ مواجعي

ولابنِ ذريحٍ بعضُ بعضِ ودائقي

ولكنّني من دون من حمل الهوى

سعيدٌ بما يلقى الفؤاد وما لقي

ومن أين يأتي الحُزْن والله مغْدِقٌ

علينا بهاءَ الحرف عيْنَ الحقائِقِ؟

لسانٌ جرى ما بيننا وهو صامتٌ

ورُبّ صموتٍ صار أبلغَ ناطقِ

وكم زارني بَرْدُ الهوى فاتَّقَيْتُهُ

فصرت أخاف اليوم حرّ بوارقي

وما ولَهُ (المجنونِ) حنّ لإلفه

بأوْلَهَ من قلْبِ المحبّ المفارقِ

ولكنّ روضاتِ الجنانِ وموعداً

من الله يسلي عن جحيم حرائقي

(1) عذراء وامق عند الفرس بمنزلة ليلى المجنون عند العرب.

باقة وجْد

كم من سنة ضوئية

تلزمني كي أدخل حضرتك النورية؟

كم أزمنة شعرية

تلزمني كي أستوعب شلال عواطفك الوردية؟

كم أمكنة صوفية

تلزمني كي أهرب من لون ذهولي

القادم من أحرفك السحرية

كم يلزمني من خمر

كي أصحو من سكرتك الأبدية

كم أجنحة أحتاج لكي يعرج

هذا القلب المغسول بدهشته

نحو بساتين منازلك القدسية؟

كم ألسنة من حمدٍ أحتاج لكي

أشكر نعمة ربي الراضية المرضية؟

ولماذا أبكي

إذ يعجزني شكر عطايا

كالدفء بليلة حب شتوية؟

هل كانت وجدة قبل رياح الوجد

بهذا العالم شيئا مذكورا؟

هل كان الشيح بها نسريناً؟

أم كان صفير الريح بها شحرورا؟

وجدة حين يفوح عبيرك عن بعد

       بين حدائقها تتألق بالأشعار

وجدة – يعرفها القاصي والداني –

نافورة أحزان

لا ظلّ بساحتها، لا ورد

لكنْ... وجدةُ تغدو للضَّيْفِ إذا ما الحرُّ اشتدّْ

مصباحا من ندّْ

وسريراً من وجدْ

وجدة أهلوها فقراء، مساكين،

ولكنهمُ عُشّاقْ

من أجل صبابة عيش للجارِ

             ومن أجل ربابة عشق لنزيل الدّارْ

دمهمْ يوم النخوة مهراقْ

فإذا عصفتْ بهمُ ريح الأشواقْ

كتموا السكّين بصدر الجرح

                    وقالوا للأمطارْ:

دونك، فالأرض بوارْ

لكن الروح محصّنة بشذا الأسرارْ

وجدة أهلوها فقراء مساكين

ولكنهمُ نذروا من حطّين

دمهم لفلسطين

قالوا: لفلسطين هوانا

لفلسطين دمانا

إنا نعرفها حجراً.. حجرا..

شجراً.. شجرا..

نعرف حيفا..

والدفء الطالع من قلب الزيتون

نعرف يافا..

وبساتين الليمون

نعرف بيسان وبياراتٍ خضراء

تصدح فيها الطيرْ

من قبل مجيء فلول الشرّْ

نعرف رائحة الآباء وقد رقدوا

عند روابي القدسِ،

يُكبّر قبل صلاة الفجرْ

كلّ وريد ويذوب:

من يأخذ هذا القلب المحزون

إلى أرض المحبوب؟

وجدة في 05/09/2005

حراء

حراء

إشارة بين يدي القصيدة:

هذه من القصائد الطوال التي تفتق عنها القلب، وجرى بها القلم، وأنا لست ممن يقيسون الشعر بمقاييس الحساب الرياضي، فرب مقطعة أغنت عن ملحمة، وعسى ألا أكون ممن يأمرون الناس بالاقتصاد الشعري وينسون أنفسهم، ولكنني في العادة أقيس مساحة القصيدة بمساحة التجربة الشعرية، وأجعل سعتها بسعتها، فلا أجعل على نفسي رقيبا من هذه الجهة، فضلا عن أجعل لغيري في ذلك علي سلطانا.

وأنا إنما كنت أروي سيرة باطنية لصاحب اللواء، وهي سيرة امتزج فيها شيء من سيرة ذاتية لجيل كان يهرب صلاته وصيامه، كما يهرب أحلامه وأشواقه، أيام كانت تختطفه من قلب المساجد خطاطيف لا كخطاطيف النابغة، ويهمل زمنا في زنزانة تجمعه، مع السكارى والمنحرفين، بتهمة التشرد التسكع، ونحن طلبة في الجامعة، ليلقى به إلى النور مرة أخرى..

وقد وسعت على نفسي، والقافية الموحدة تقيدني، فلم أوثر اللفظ الغريب الوحشي على إيطاء بعيد، وتسمحت فيما يتسمح فيه المتحررون من الشعراء، داخل قواعد خليلية محكمة، فلذلك آثرت أن أقول مثلا:

ويا مولاي فضلك قد كساني

فمن في الخلق يفضلني ثيابا

بدلا من أن أقول، هربا من إيطاء مزعوم، بتكرير لفظ الثياب في القافية:

ويا مولاي فضلك قد كساني

وما يكسو الإله فلن يجابا

لغرابة اللفظ الأخير، وهو من الجوب، أي القطع.

وبعد، فما يعنيني شيء غير أن تكون هذه القصيدة قد وسعت تجربة ضاق عنها عمر قصير هارب.

حِراء

(سيرة باطنية لصاحب اللواء)

عندما أشار مرافقنا، عند مدخل قصر طوب قابي، بإستانبول، إلى نقطة في الأرض، وقال: "هنا كان يركز اللواء لتنطلق جموع الفاتحين إلى الجهاد"، أكب بعضهم على وجهه مقبّلا الأرض.. ثم جعلت قطعة قماش مباركة تطوف من شفة إلى شفة.

وفي قاهرة المعز، رآها القلب ترغب عن ثوبها الحجري وتستحم في نور الله، فتنال من نفخة الحق ما يسجد لها دمى الإغريق، وعذارى الفينيق، وهاجرت من الأطلسي بنات طارق تعانق فيها الخلود، فردد القلب:

فكان ما كان مما لست أذكره

فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

لقد لثمت شفاههُم التّرابا

ويلثم قلبي النّور المذابا

رحلتُ إلى الضياء وقد أقاموا

ومن رضي الهدى اجتاز السّحابا

وما سيّانِ قلبٌ مطمئنٌّ

وقلبٌ راح يضْطرب اضطرابا

ولي بالمصطفى نسبٌ عريقٌ

ولا آلو بحبّيه انتسابا

إذا ما جئت روضته بقلب

مشوق يسكب الدمع انسكابا

ونار العشق تستعر استعارا

وقد عذب المقام بها وطابا

فقد بلُّغتَ إربك دون شك

ونلت مُراد قلب قد أنابا

فيا قلبي الحزين إذا ادلهمّت

خطوب تسرق الذَّلِق الصوابا

فيمِّمْ شطْر نورٍ أحمديٍّ

تدفَّقَ من "حراءٍ" مستطابا

إذا اعتزلتْ جوانحها الخطايا

على التقوى فقد وعت الخطابا

ولولا ما تلألأ من (حراءٍ)

فجلّلَ نوره شَعَفاً ذؤابا

لما طُرِد الظلامُ عن الحيارى

وكان الظّلم للدنيا نقابا

فنوّر يا إلهي من سناه

سراديبي فإن القلب آبا

وخلّفَ ما تقدم من خطايا

وجاءك يرتجي منك المتابا

وإن تكن الذنوبُ تكنّفته

فذاق بحرّ جاحمها العَذابا

فمنك برحمة وجميل فضل

يصير البحر أنهارا عِذابا

                     *    *    *    *

أنا في مجمع البحرين أتلو

من الفرقان آيات عجابا

وقلبي في (حراء) له أزيز

يفتت رجعه الصم الصلابا

(لو اَنزلنا) دليلك يا فؤادي

إذا جئت المفاوز والشّعابا

وللعشق المجازيِّ التهابٌ

يقدّ جوانحا، ويسدّ بابا

وللبرق الحجازيّ اصطحاب

يحل القلب أودية رغابا

وللحسن الشرازيّ انتساب

إلى البطحاء ما كان اجتلابا

وقد طرقت يد الألطاف قلبي

وما أحرى المجيب بأن يجابا

يَزلّ العبد ثم له مآب

فمالك قد أطلت له العتابا؟

وقد صيّرتُ دمع القلبِ بحرا

وللإبحار أعددْتُ الركابا

هَيَا ربَّاه أنضيْتُ المطايا

وطفتُ مفاوزاً، وقطعت غابا

فما أدركت من وطري نقيرا

ولا ألفيت في دربي صحابا

كأني كنت أحرث في بحارٍ

وأودع بذرة العمر العُبابا

ألم ترَ أنّني أنفقتُ عمري

مع الأهواء أستسقي السّرابا؟

فكم ليلى اصطفيت وكم سعادٍ

رجَعْتُ بها الطفولة والشبابا

فلما صوّح الورد استبانت

ملامح هذه الدنيا خرابا

وقلت لمن بسطتُ لها يميني:

قطعتُ العمر شوقا واغترابا

فلما جئْتُ وِرْدكِ لم يزدني

سوى ظمأٍ.. ولم أملك خطابا

أإقبالا وإدبارا، وبردا

ونارا، وابتعادا واقترابا؟

ويا نفسي التي أترعت حزنا

وذقت مرارة الهجر انتحابا

كؤوسُ الحزنِ أعذبُ من كؤوس

تُوَرِّثُكَ العَذاب والاكتئابا

ولسعُ السيف أهونُ من جحيمٍ

إذا لم يجتز المرءُ الحسابا

وما الحسرات إلا في المعاصي

وإن أوتيت جنّاتٍ نصابا

وفي الطاعات نور ليس يفنى

وكأسُ الموتِ بالطاعات طابا

لقد جرَّحْتَني يا دهرُ حتى

تهيَّبْتُ الأساورَ والقلابا

وقد حصَّنْتُ دون الغيد بيتي

وحاذرت التكَحُّلَ والخِضابا

فهدّم بيتُ شعْرٍ ركنَ بيتي

وأصبح كلُّ معمورٍ خرابا

وأعلى للهوى العذريّ بيتا

ورفّع فوقه التقوى قبابا

طرقتُ بيادر الدنيا اختلاسا

وذقتُ طعامها شَهْدا وصابا

أنلني يا عظيم العفو عفوا

فإن الذنب أوسعني عقابا

تقرُّ الشامخات ولا قرارٌ

لعبدٍ خاف من غده الحسابا

                     *    *    *    *

أرى البوسفور يُطْلِعُ وجه أرْوى

تقولُ: أطلتَ يا أبتي الغيابا

فقلت: بُنَيَّتي.. هَيَّا الحقي بي

هنا الإسلامُ قد ضرب القبابا

لقد ترك المدينةَ مطمئنًّا

أبو أيّوبَ وامتشق الصعابا

تكنّفه الهدى من كلّ صوبٍ

فردّد كلُّ محرومٍ: أصابا

وما رغب المجاهد عن حماه

ولم يكسبه ترك (الدار) عابا

ولكنْ نورُ ربي وهو أبقى

غدا يحدو بهمّته الركابا

وقامت بنتُ مِلْحَانٍ تنادي

وخلّفتِ المزاهرَ والرّبابا

أناسا يركبون البحْر خُضْرا

ملوك أسرّةٍ ملكوا الرقابا

ملاحمُ لم يشُبْها ثوبُ زورٍ

وكمْ للحقِّ ثوبُ الزّور شابا

تحققت البشارة يا حبيبي

فهذا البحْر وطّأ لي الجنابا

فكيف يقيّد الطين انطلاقي؟

ويرجو النجمَ من وطئ الترابا

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد

غدت بيمينِ أورخانَ العُقابا

بغاثُ الطير تأمن في حماه

ويورِث كلَّ جَبَّارٍ عِقابا

وأسَّسَ ملكَ عدْلٍ لا يبارى

وأعلاه اقتدارا لا انتهابا

ألا يا أيها العلم المفدّى

ظمئتَ فلم يك الإثم احتقابا

ترى الفتحَ المظفّرَ خير كأس

وطاب الفتح للظامي شرابا

خرجتَ وريحُ جعفرَ خيرُ حادٍ

إلى الفردوس، تعتنق الضرابا

وسقت الخيل تطّلب المعالي

فكان النجم منزلها غلابا

فقل يا حالما بلواءِ حمدٍ

يظلّل في القيامة من أنابا

أنا الإيمان مثل الشمس يجري

لغايته وينتظم الهضابا

ويغدو الكوخ قصرا مشمخراّ

إذا ما النور للأحشاء جابا

وأرسلُ طائري نحو المعالي

فيمسي في دياجيري شهابا

وإنّ البلبل الموفور عشقاً

يخلّف للدياجير الغرابا

ويمنح لحنه للفجر يرجو

من الورد استماعاً لا رضابا

تأمل: "أن تكون" وليس "تبدو"

طريقُ هُدى لمن فقه الكتابا

تضيق بيَ البلادُ وباصطخابي

فتغدو السِّدرةُ الغرا مثابا

"ألستُ بربّكمْ" لي خير زاد

ونور "بلى" غدا عندي شرابا

أدرها يا نديم فما سواها

أريد... بسرها زدني اقترابا

ورشّ بها غداً قبري إذا ما

يد الأقدار قد طوت الكتابا

فتحت الأرض من شرقٍ وغربٍ

وسُدْتَ ممالك الدنيا غلابا

دمٌ بدمٍ وقد أعفو  اقتدارا

وقد أصطاد بالحجل العقابا

وسقتُ لساحتي الأبطال كلمى

وأكرمتُ النجيبة والكعابا

ولي بالحبّ والحربِ اصطحابٌ

وقد يبغي الخنا غيري اصطحابا

فلمْ تعْلق ثيابي بارتيابٍ

ونفْس الحرّ تحذر الارتيابا

وربّ غزالةٍ عرضتْ فأصمتْ

وأرضُ الرّوح ما كانت يبابا

أراها عُدَّتي وكمالَ أنسي

وإن ووريتُ في غدٍ الترابا

ولم يعرف ندى الإيمانِ إلا

محبٌّ في هوى المحبوبِ ذابا

إذا في الله كان الحبُّ فافرحْ

ووُقِّيتَ النّدامة والعذابا

                     *   *   *   *

أنا بمدارج العُشَّاقِ فذّا

كهمس المزن ينصبُّ انصبابا

أرى العشَّاقَ يصطرخون حولي

سكارى ما تحير لهم جوابا

ولي من نشوة الصحو احتراق

أذاب القلبَ واصطلم الإهابا

كأن هدير أو قيانوس وجْدٍ

تغلغل في الحشا لمّا أهابا

تطاول صمتُ محبوبي وكانت

به الأيّامُ مونقةً رحابا

وقلتِ: اصبر عليّ، فلي همومٌ

وبعض الهمّ يمنعك الجوابا

ألا صبرا، سأصبر، ما علينا

فحسبي صوتك الغالي ثوابا

فهل يأتيكَ بعد الصّمت صَبْرًا

خِطَابٌ؟ يفتدي دميَ الخِطابا

له من أبجديّات المعاني

حروفٌ تمنح القلب الشبابا

يجيئك والصّواعق مرسلاتٌ

كأنّك شاحذ ظُفراً ونابا

وعصفُ الرّيح يقتلع البرايا

كما أعددتَ للحرب الِحرابا

يجيئك فالربيع له انطلاق

يغنّيك (الليالي) و(العتابا)

فيا أكرومة الحيّيْنِ رفْقًا

وقاكِ الله سهما قد أصابا

وبلّغك المكارم سابغاتٍ

ولَقَّاكِ النّعيم المستطابا

خُلِقْتِ أميرةً تطأ الثريا

محاسنها منعّمة كعابا

لماذا أنت هادئةٌ شهودًا

لما أنتِ عاصفةٌ غيابا؟

فهل أشتطّ يوما في دعائي

وأستسقي رحيقك والملابا؟

وأطمع في ثيابك سندسيّا

ومن بستانك الخُضْرَ الرطابا؟

معاذ الله، حسبي من حبيبي

لقاء في ظلال الله طابا

وتلك الكأس تشرق في يميني

سنا الإيمان يعلوها حبابا

ومالي حين أهتفُ باسم ليلى

يقول الناس شيخٌ قد تصابى؟

كأنْ لم يهتف العبّاد قبلاً

وقسٌّ لم ير العشق اللّبابا

لئن كنَّيْتُ قد كنَّى ابن ثور

وسرحةُ مالكٍ برزتْ كعابا

وإن صرّحْتُ فالمجنون قبلي

أفاض، ومن أفاض فقد أنابا

"ومن شرف الهوى أني صريحٌ"

يوقّع شاعرٌ دمه انتخابا

أخاف يزلّ إن أنطقْ لساني

وإن أصمتْ يكن صمتي انتحابا

بذلت الروح في الغمرات حُبّا

ولم أطلبْ على الحبِّ الثوابا

فجاء دعاؤكِ الموفور سيبا

نديًّا يبعث الأرض اليبابا

تآلفت القلوبُ فلا انفصام

وما عقد الإله غَدَا كتابا

لماذا جئتني والقلْبُ عارٍ

وثوبُ العمر يُنْتَهَبُ انتهابا؟

يذكرّني جمالكِ حين يبدو

جنان الخلدِ مونقة رحابا

وضوءُ الشّمس خلف الغيْم أبهى

وأعذبُ وهو ينسكب انسكابا

ويحملني سناك إلى سناها

ويكشف دون غرفتها النقابا

تحدّر مزْنُك الفوّاح طيبا

سماويّا ولم يعرفْ سحابا

وشمسُ الحقّ من فَوْديك راحتْ

تضيء بأمر باريها الهضابا

كطيفِ يمامةٍ عبَرَتْ قرونا

إليك ممالكُ العشق انسيابا

لئن آنستُ عند حماك وردا

لقد لاقيت من نصبي نصابا

فقل لابن الملوحّ وهو يتلو

من الصّبوات شعرا مستطابا

إذا ما العشقُ لم يبلِغْكَ دارا

منعّمةً غدا عشْقا كِذَابا

وقل للعامريّةِ حيث حلّتْ

وقد لبستْ من التقوى ثيابا

سبيلُ النور أنت بدون شكّ

ومن يبصرْ حقائقه استجابا

                     *   *    *    *

أتيتُ القلعة العصماء أشكو

تباريحي، ولا أبغي جوابا

قرأت على ابن أيّوبٍ كتابي

ففاض الدّمعُ حين تلا الكتابا

أراياتُ العلوجِ بأفق عكّا

وأعلامُ اليهود بأرض طابا؟

وفي بغداد للكفْرِ اصطخابٌ

وكانت للهدى أبدا وِطابا؟

وأين الصيد من عجمٍ وعُرْبٍ

يرون بهارج الدنيا سرابا؟

وليس يلذهم إلا المنايا

لجنّات الرضا انجذبوا انجذابا

مررتُ بدار لقمانٍ عشاءً

فراح القلب يستدعي الشّبابا

هنا كنّا.. هنا كانوا.. وكانت

شبَا البَصْريّ تخترم الرّقابا

وأعين خالد القسريّ تعدو

على الفقراءِ.. سامهم عذابا

ومن يقرأْ كتاب الله جهرا

يَصِرْ دمُهُ لشيعته خضابا

وفوق جراحنا رقص السكارى

وسامونا انتقاصا واغتصابا

هم اغتصبوا كتاب الله منّا

وقالوا: العصر يستدعي انقلابا

فيا وطني الحزين غدوت سجنا

وكنت لكلّ مكروب مثابا

ويا وطني الحزين فدتك روحي

وإن حمّلتَ أوردتي الصعابا

فكيف غدا بنوك بكلّ أرضٍ

يعانون البعادَ والاغترابا؟

ويا عهد الصبا حيّاك ربي

وإن أكُ فيك غرا لا يحابى

فآنا كان "غيفارا" رفيقي

أقلّدُه العمَامة والقرابا

وأجعله سفاهاً خير حاد

وأجعل قوله رفدا حسابا

وآنا للغِفاريِّ انتسابي

وطاب، وحقّ خالقِنا، انتسابا

أبالغبراء أصدقُ منه قولا

وقد ناداه ربّه فاستجابا؟

                وكان يقول: "محبوبي دعاني"

        ألا طابت رسالته وطابا

                      *    *    *    *

طرقتُ ممالك الصّبوات شرقا

وغربا، والتمستُ بها رحابا

فلا سيتا أضاءت لي دروبي

ولا دوريسُ هيأت الرّكَابا

ولا حملتْ على عطشٍ روايا

إليك فلا حبابَ ولا عبابا

ولما جئت مصر صبا فؤادي

إلى امرأة بذلتُ لها الشّبابا

ولم ترها، وإن قربتْ، عيوني

ولم تعرفْ، وإن بعدتْ، غيابا

ومرآة الفؤاد لها جلاء

تريك الشمس جُلّلت الحجابا

عرتني الخفقةُ الأولى فضجّتْ

بقلْبٍ عاشقٍ رضي الخبابا

ونور الخفقة الأولى اختراق

يمزّق دون غايته الحجابا

ولولا الله لم أعْبأ أوردا

أعدّ الناس أم شرعوا حرابا

إذا صدحتْ بأرض القدس نشوى

فلا هندا أريد ولا الربابا

أقول لها وقد فاضتْ كؤوسي

بصيّبها، عبابا أو حبابا

يجيء إليّ صوتك بعد دهر

يصبُّ بقلبي الفرح انصبابا

فكيف نأت عراجين العطايا

إذا ما ازددت من ذاتي اقترابا؟

أخاف إذا رأى الناس اشتياقي

ببعض الظنّ يجنون العذابا

وظل الله مبذول قريبا

لأهل الحبّ لو فقهوا الخطابا

حبيبي أيّ كأس قد سقتنا؟

فقد فتحَتْ إلى الفردوس بابا

نراها كالشعاع ولا يراها

سوانا في الضُّحى إلا سرابا

أحبّك، فليقولوا ما أرادوا

عبابُ البحر لا يخشى السحابا

فلستِ دماً ولحماً، من يساوي

ببنت النور في الخلق الترابا؟

ولولا الروح لم يهتف حمامٌ

ولا هتف النّجيب ولا استجابا

فسبحان الذي سوّاكِ سرّا

عن الخطرات والأذهان غابا

وسبحان الذي روّى دمانا

ووحّدنا سرورا واكتئابا

وسبحان الذي حلاّك شعرا

إلهيّا، يضيء إذا أهابا

خديجةُ كانت الدرع الموقّى

وكان لمريم التقوى حجابا

وللزهراء سرّ أحمديّ

دم السِّبْطَيْنِ صار له جرابا

وكان مدينةً للعلم طه

وكان المرتضى للعلم بابا

ولما أن تجلّتْ غصن شعر

يوزّع حوله العطر المذابا

ويسعى نحوه قلبٌ مَشُوقٌ

ليدفع عن حماه الاغترابا

حملتُ حقائبي ووضعت رحلي

لدى أفيائها أبغي ثوابا

وفوق جبينها تاجٌ يصلّي

وإن طربتْ ترنم واستجابا

ويسكره النسيم إذا تهادى

على هون، ويمتلك الرقابا

فداه أبي وأمّي واصطباري

يفدّي أكرم الرسل احتسابا

ترقرقت الحروف فكلّ حرف

تفجَّر أعينا غُرًّا عِذابا

تُرَوِّي كلُّ فاصلةٍ عروقي

وتغدو شمسُ أيّامي كعابا

فيا الله كيف أضعتُ عُمْري

كأني كنتُ أتّبِعُ السرابا

وروح القدس للشّعراء أيْدٌ

إذا تبعوا لرشدهم الكتابا

صدروهم أنا جيلُ الحيارى

ومسحة سحرهم تَرْقِي المصابا

ويا عذراءَ وامقٍ اذكريني

إذا ما ووري الجسد الترابا

وإما راح ذو شجن يغنّي:

"فهل ترك الجمال له صوابا"

فحسبي أنني قبل ارتحالي

وجدت لديك ظلا مستطابا

وأرجو من يد الرحمن سيبا

يردد: "ذان للتقوى استجابا"

يوحّدنا اشتياقا حبُّ طه

وإن ظنّ الأنام بنا ارتيابا

وتجمعنا نجاوى عندليبٍ

بطِيبَةَ ذكرُهُ الميمونُ طابا

ويا مولايَ فضلك قد كساني

فمن في الخلق يفْضُلُني ثيابا؟

*    *    *    *

تملّكَ عندليبُ الكون قلبي

فأسكن مهجتي مُدنا رحابا

أليس معلّم الأكوان ألقتْ

إليه الأمر لله احتسابا؟

ومن غير المعلّم يرتجي من

يسوق لساحه النّجب العرابا

وعلَّمني المحبّة والتصافي

وبصّرني بها العجب العجابا

على دين الحبيبِ يكون موتي

وما الصبُّ الحزينُ كمن تصابى

لقد شرف الرقيم بساكنيه

وأعلى ذكرُ قطميرَ الكلابا

أحلّ العشقُ منزلةً هواه

رجاها بعض من لبس الثيابا

فكيف وفي حراءٍ قد تجلّى؟

وكيف ومن حراءَ همى شهابا؟

أنا قطميرُ من قَدَمَيْ حبيبي

أقبِّلُ عند حضرته التُّرابا

ولو أني قضيْتُ العمْرَ مدحاً

لما أفرغت من مدحي الوطابا

وقد عَرضتْ فقال: إليكِ عني

ولا آلوك بعدا واجتنابا

وقد كُشِفَ الغِطَاءُ له عيانا

وشاهدَ عالم الغيب اصطحابا

فما ازدادَ الفؤاد به يقينا

إذ ازدان الكمالُ به اختضابا

يَهيج لي البكاء الذكر حتى

جميل الصبر في الأحشاء غابا

تضعضع مركبي المسكينُ وجدا

فموج البحر يوسعني عتابا

وقال العاشق المجنونُ قولا

وعاه الكون فانشعب انشعابا:

"محمد ارتقى فأتى محلا

غدا للسّدرة الغرّاء بابا

ألا قسماً لوَ اّني يا إلهي

أتيته ما رضيت به إيابا"

صعدت إلى الجبال فطاش عقلي

فكيف وأحمد اخترق الحجابا؟

وكيف وقد دنا حتى تدلّى

فصار من الحبيبِ الفرْد قَابا؟

إستانبول. القاهرة : رجب 1426 – أغسطس / آب 2005

في الأرض؟

هل أنت أوّل فتنة في الأرض؟

لا والذي اتخذ الخليل خليلا

وتنزَّلَ التّوراة والإنجيلا

وأحب أحمد واصطفاه بمحكم

قد فصّلت آياته تفصيلا

لو جاءت الدنيا إلي ذليلة

وأتت محاسنها إلي قبيلا

لصرفت وجهي عن زخارف وجهها:

أنا لست أبغي عن هواك بديلا

إني أضنّ بوصف حسنك للورى

وأضنّ باسمك أن يُرى مبذولا

ما ضرّ إن قالوا: بخيلٌ مُقْتر

إن كان قلبي بالنفيس بخيلا

طوّفتُ في شرق البلاد وغربها

فوجدت أرض العاشقين بتولا

حتى تجلى نور وجهك ساطعا

وغدا إلى الظلّ الكريم دليلا

لما رقيتِ القلب أشرق نوره

ومضى يسبّح بكرة وأصيلا

عرّاف نجد واليمامة أبلسا

مذ صار نجمك عنديَ الإكليلا

هل أنت أول فتنة في الأرض؟ بل

أنت الطّهارة نزّلت تنزيلا

نام الخليّ وأنت عينٌ لم تزل

يقظى تناجي رَبَّها المأمولا

قد كنتِ في شرع المحبة برّةً

وجليلةً، لمَ لا أكونُ جليلا ؟

وأرى جمالك لا يزول إذا غدا

حسن امرئ بعد الرواء محيلا

ما كان سلطانُ الجمالِ مُخلّداً

إلا إذا كان التُّقى إكليلا

تفدي عذارى النّيل حسنك طاهرا

وأنا فديت على جداه النيلا

ما كنت أحسبني سأسقى عنده

قبل الرّحيل شرابي المعسولا

وأتى بيانك كالضياء رسالة

تليت على قلبي، وطاب رسولا:

"يا شاعري، إن الجمال هو التقى

فأحرصْ، فديتُكَ، أن تكونَ جميلا"

طلعت عليك الشمس مونقة السنا

أنداؤها نشرتْ عليك ذيولا

لا تطلب النجم البعيد جهالة

"طلع الصباح فأطفأ القنديلا"

لولاك سيدتي، ولست بآثم،

لم يألُ ركبي ضائعاً ضِلّيلا

سارت سفينتنا وربّان الهوى

يستعذب التكبير والتهليلا

ويقول: "حسبي بعد طول تشرّدٍ

أني اتخذت مع الرسول سبيلا"

قالت دوالي العمر: ويحك قد دنا

زمن القطاف، أما خشيت رحيلا؟

فسكبت في سمع الحبيب وصيتي:

أنا إن رحلت فلن أغيب طويلا

والموعد الرحمن، ينزلنا معا

من فضله ظلا يطيب ظليلا

وجدة: 10/09/2005

وباسمك أفتح الملكوت

وباسمك أفتح الملكوت

يقرّبني من الرّحمنْ

هواك فكيف أجحده؟

 يزمّلني،

            يدثِّرني،

وينشر لي بساط الحبّ والتَّقْوى

فكيف يدقُّ بابي ثم أطردُهُ؟

وفي يمناه أطباقٌ من السَّلوى

وفي اليسرى أباريقُ الهوى الفتَّانْ

وظلّ وارفٌ فينانْ؟

أنا ما قلتُ: (أوشِكُ يا خليَّ القلبِ أعبده)

وكيف وجنَّة المأوى

حبيبي أننا في حضرة الرّحمنْ

سويّا نسكب الآهات... نعبدهُ؟

يقرّبني نداؤكِ من جنان الخلد والرّضوانْ

ويمنحني عطاياه

فكيف يردُّ هذا القلبُ ما أعطاهُ مولاهُ؟

يُنصّبني حنانُكِ فوق عرش الحبّ سلطانا

تدور بأمره الأفلاكْ

يُزَينُ تاجيَ الذهبيَّ نورُ سناكْ

لسوف أغيظ باسمكِ ما يُزخْرِفُ  شاعرُ الطّاغوتْ

وأجعل وجهك الوضّاحَ مفتاحاً إلى الملكوتْ

فدى لوشاحك الخفاقِ كلُّ زخارف الدنيا

تنزّل باسم خالقه على قلب الفتى وحيا

أرشّ حروفك الخضراء باسم الله فوق مروج أحزاني

وينطلق الحُداءُ: (الرائد الميمونُ لا يكذبْ)

فتغدو النّونُ فُلكا صاحَبَتْهُ الريحْ

رخاءً نحو غايتهِ،

وأهتف باسم من حلى جبينك بالسنا العُلْويِّ  ثجّاجا

وأعطاك الهوى العذريَّ وهّاجا...

         وأعطاني

وأعلى شأن هذا الطّينْ

وأكرمَه ونَعَّمَهُ

وأسبغ من هواكِ على الظّلال بهيَّ أردانِ

سأتلو سورة الرَّحمنْ

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)

وأهتف: يا حبيب القلبِ،

سبحان الذي أوْحى لقلبينا

ليلتقيا على عتبات مولانا

نُسبّحُهُ، نُقدِّسُهُ ونَعْبُدُهُ

ويغدو كلّ حرفٍ من قصائدنا

فماً للحمدِ والتَّسْبيحْ

وجدة: 06/09/2005.

الهوى العذري

أخشى عليك من الهوى العذري

فأديمه يُفْرَى ولا يفري

ونعميهُ الباقي نَوَاصلُهُ

ترتجُّ في الأعماقِ كالجمْرِ

باتتْ عيون الصَّبِّ أدمعُها

تجري، ونارُ الشَّوقِ في الصَّدْرِ

والصَّبُّ لا تفنى لواعِجُهُ

إلا إذا أفضى إلى القبْرِ

عوّدتني طيبا على بُعُدٍ

يسري إليّ فينتشي شِعْري

مالي أعاني وحْدتي شجَنًا

كالطّير مشتاقاً إلى الوكْر؟

وأجلُّ ما أهْديتِني أرقٌ

كالذّكْر في الأسْحارِ إذ يسْري

لا تعجبي مِمَّا يمزّقني

إن الشجيَّ مشتّتُ الفكْرِ

إن جئتُ كالمجنونِ ممتشقا

شجَنَ الليالي فاقبلي عُذري

وتزوّدي بالصّبر مونقةً

أفياؤه، وبمحْكَم الذِّكْر

مُدّي رداءَ الصَّبر، سيّدتي،

فوقي، فإني موهَنُ الصَّبْرِ

جُنَّ الفتى.. لا تسفكي دمَهُ

قد يذهبُ الداءان بالعُمْرِ

قَرِّي بما صنعتْ يداكِ به

ما الموتُ، يا أختاه، كالأسر

لا تعذليه إذا قضى شغفاً

إن المحبّ أحقّ بالعذْر

والموعدُ الرحمنُ، إنَّ له

من فضله ذُخراً لذي حِجْرِ

نمضي، فروحانا إلى أجلٍ

أنفاسها بحواصلٍ خُضْرِ

صوني الجمال الحرَّ، لن تجدي

أحنى عليك من الهوى العذْري

تفنى زخارفها، ويصحبنا

طيبُ الهوى العذري للحشْرِ

وجدة في 11 شتنبر 2005

الاسم والمسمّى

ما كان قبلكِ كان وهما

ما كان قبلكِ كان رسما

ما كان قبلكِ كان حُلْماً...

                       هل يكون الحُبّ حُلْما؟

هل كنتُ أعْمى؟

أم كنت مثلَ مسافرٍ ظمآنَ في الصّحْراءِ

                 يحسب كل بارقةٍ على الآفاق غيْما؟

ويرى السَّرابَ ندًى ونجْما

كلا، ولكنْ رحلةُ الغارِ البعيدةُ أرّقتْ زمني،

                           وكان القصدُ أسمى

حتى إذا اشتدّ الهجيرُ، وطاردتْ شهبُ الصّحارى

                   عن مضاربها الوعولَ السُّودَ عُصْما

وعَدَتْ ضواري الشّوقِ توقظ قلبك الغافي

                   وتُسْمِعُ من بلاغتها الأصمَّا

مدّتْ إليكَ يدُ القضاءِ بفيئها الموعودِ،

مثل تفتُّقِ الأكمامِ، إفضالاً ونُعمى

أستغفر الرحمن،لم يَحْجُبْك عن قلبي لأزمنةٍ

                     سوى صدأٍ جنته أصابعي

وجلَته، بعد توهّج الأشواقِ، نارُ زوابعي

أستغفر الرحمنَ، لستِ الوهمَ أندبهُ،

ولست الحلم أطلبُهُ،

ولست السَّهْمَ يتركني على أرض الهوى شلْوًا مدَمًّى

لكنك الرؤيا، ووحيُ الله أنزلهُ،

         رآه العاشقون اسماً، وكنتِ به المسمّى.

الناس هذا اليوم أرّقهمْ طغاةُ الأرض من نصبٍ،

وحبُّ الله أرّقَ خافقينا.. أينا خير مقاماً؟

أينا خير نديًّا؟

إنَّ ربّك أكْرَمَ العُشَّاق إذْ آتاهمُ حُكْماً وعِلْما

وجدة في: 11 شتنبر 2005

لزومية

أختاه، إنَّ العيش عيشُ الآخرة

فهْي المعاني والمغاني الزاخرة

فتأنّقي برياض ذكْر مونقٍ

وتألّقي شِعْراً...لآلئ فاخرة

شعْراً إلهيّاً يؤانِسني إذا

ما صرتُ، يا أختي، عِظاماً ناخرة

ما هذه الدنْيا وإن عَرضت لنا

صورَ الجمال سوى فُصولٍ ساخِرة

بحرٌ خضمّ موجُه متلاطمٌ

والناسُ فيه أمنياتٌ ماخرة

والحبُّ خير الزاد لو علم الفتى

وفعاله الموفور نعم الباخرة

ماذا علينا لو ركبنا عُرْضَه

شوقاً، ووجهتُنَا نعيمُ الآخرة؟

وجدة، ليلة 14-15 شتنبر 2005

لست إلاي

لسْتَ إلاي

أنت مني... ناجتْك، بل أنت إني

لست إلاّي، كيف تذهل عني؟

وأنا أنت.. سل فؤادك إن شئت،

وسل ما حملتَه.. لا تسلني

أنا أحببت من تحب، فما شوقك

إلا شوقي، ولحنُك لحني

وإذا هبّت الأعاصير تبغي

بك سوءاً فإن حزنك حزني

لست مرآتك التي أنت فيها

تتراءى، ولست أوهام ظن

إنني أنت، لا سواك، عطايا

من عطاياه أقبلت دون منّ

يا إلهي، أتت عطاياك تترى

سابغات ما بين سلوى ومنّ

وأجلّ العطاء منك شذاها

وسناها، مولاي، ينعشُ ذهْني

فإذا لم يفض لساني بشكرٍ

والقوافي، لحسرتي، أعجزتني

فأجرني يا رب من ذل عيّي

واغفر الذنب، سيدّي، واعف عنّي

كيف أنفقت العمر أنثر شعري

مثل سرب القطا على كل غصن

ونحتُّ الجبال من كلّ شكل

ورسمتُ الطيور من كل لون

كيف أسرفت في الضّلال على نفسي

ولم ألتفت إلى خير حسن؟

أنا أرسلت ناظريَّ إلى الحُسن

ولكنْ سواك لم تر عيني

والتراتيل.. هل وعت غير ألحانك

سكْرى، يا قُرّة العين، أذْني؟

خبأ الله النّور ثم تجلّى

فإذا أنت النور كحّل جفني

أيها العارفون، كيف ضللتم

ورياض الحبيب تدنو وتدني؟

أيها العاشقون، كيف ظمئتم

ونجاوى الحبيب أطيب مزن؟

وصلاة اللهيب أقدس كأس

ودموع المشوق أكرم دنّ

أنا لولاكِ ما سكبتُ رحيقي

للبرايا، ولا طفقْتُ أغنّي

غير أن المنى، وقد علم الله،

ودنيا الفناء للمرء تضني

سجدة عند العرش ننهل منها

ونُغنّي معاً بجنات عَدْنِ

وجدة: 13/09/2005

رياح الذنب

رياح الذنب

(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)

قرآن كريم

أرى العمْرَ أضحى مقفر العرَصَاتِ

 فهل عندكم للقلب من نفحَاتِ؟

وما لي إذا وجهت قلبي للتّقى

يوسوس لي الشيطانُ بالشَّهَواتِ؟

ويسعى لكي يهوي بصرحيَ شامخاً

لدى غفلة الأعضاء للدَّرَكات

وأصبحت من بعد انطفاء سراجكمْ

أقَطِّعُ ليل الشَّوق بالحسَراتِ

ألوذ بصبْري ثم يغْلبني الشجا

فأُغرِق قلْب الليل بالعَبراتِ

أأذنبتُ أن أعلنتُ شوقي إليكمُ

فصار مدادُ القلبِ نورَ دواتي؟

وصرت إذا ما هزَّني الشّوق ليلة

تكاد تحيط النفس بالنّزواتِ

ولكن إذا اجتال الغَرورُ أردّه

وأقمع ما في النفس من خطراتِ

أيحْتنكُ الشّيطانُ ذارفَ دمعِهِ

لدى بابِ ربٍّ واسع الرَّحماتِ؟

أعوذ بنور الله من ظلماتهِ

وما هيأ الشيطان من نزغاتِ

أما أنتِ بالشّعر الجميل رقَيْتِني

فمن أين يسعى عنده بأذاتي؟

ومن ليَ بالصّبر الجميل عليكمُ

إذا قامَ يومُ الحشر ذو الغمَرات؟

ولست أخاف الموتَ إلا لفقدكمْ

فوا حسرتي إن آذنت بفَواتِ

ألا إنّ نار البعد أرفَقُ بالفتى

إذا فتَّحَتْ من أذْرُعِ القُرُبات

فتصبح للقربى إلى الله سلَّماً

وتجعل من نجواكِ ماء حياتي

وما النّار إلا الإثم يلتهم الحشا

ويلقيك في بحرٍ من الظُّلمات

وأحذر سيف الإثم بالروح فاتكاً

وأخشى رياحَ الذَّنْبِ مفترساتِ

وما هذه الدنيا سوى الظّلِّ زائلا

ومائدةِ الأحْزانِ والنّكباتِ

فويليَ ممّا تكسبُ النّفْسُ في غدٍ

إذا اللهُ لم يَسْتُرْ عليّ هناتي

هبينيَ يا أختَ الضياء ملامةً

إذا اقتربتْ نفسي من العثَراتِ

ولا تسكتي عنّي فإن أخا الهوى

يزلّ إذا لم يعتصم بصِلاتِ

وما صلةُ المحْزون إلا دمُوعُه

وآهاته ممزوجة بصَلاةِ

دعي بيننا يا أختَ روحي مسافةً

عسى يجمع الرَّحمنُ بعض شتاتي

فإنّيَ من ذلِّ الذُّنوب مشتَّتٌ

أبوءُ بثقْلي موهنَ الخطواتِ

فلا أنتِ جالاتيا أحيطتْ بمرمرٍ

ولا أنا بجماليونُ ذو اللَّمَسَاتِ

أأكسرُ كالمجنون ما نحتتْ يدي

وأحرقُ ما حبّرتُ من صفحاتِ؟

وإنِّيَ من ماءٍ مهينٍ وطينةٍ

وإنكِ نورٌ معجزُ القَسَماتِ

ولكنّ نفخَ الروح أورثني التّقى

وأسبغ ثوبَ التّوْبِ فوق قناتي

شقيقةَ روحي قد أضرّ بنا النوى

وأخشى انفلات الرّوح بعد ثباتِ

فيا ليتني شيَّدْتُ للقلب دارةً

محَصَّنَةً في عُزْلَةٍ وَفَلاةِ

ولكنَّ أبوابي من الذّنب أصبحت

مصاريعُها مهتزَّةً صَدِئاتِ

حبيبي، فداك الروُّح، إن كنتُ مذْنبا

فقد خُلقَ الإنسانُ بالسّقطَاتِ

أتدخلُ فردا في الجنان منعَّمًا

وتتركني للهمِّ والنَّقَماتِ؟

أتُدخلني نارينِ: بعدك واللّظى

وأنت قريرُ العين وسْط لِداتِ؟

وإني ضعيفٌ، شوكة تستفزّني

فكيف بنار البعْد والجمَرَات؟

وأدعو إله العرش جنباً وقاعداً

وعند قيامي فعلَ ذي الثَّفِنَاتِ

عسى أن يُرى القلبانِ تحت ظلالِه

ويغترفا من سجدةِ السَّجَدَاتِ

وتَعْذُبَ كأسُ الموتِ إن لحقت به

حياةُ نعيمٍ دائمِ البرَكَاتِ

أجرْني إلهي، فالهوى متمَكِّنٌ

وقلبي ضريرٌ، موجَعُ الجنَبَاتِ

أجرْني من الظنِّ المزَمْجِرِ في دمي

وخائِنَةِ الأبصارِ واللّفتات

ويا أختَ روحي إنْ يحنْ حينُ صاحبٍ

وقد حُرّرت روحي من الصّبوات

فلا تحرميه من دعائكِ صالحاً

ومن دمعةٍ تأتيه بالرّحمات

عسى يغفر الرحمنُ صبوةَ عاشقٍ

فيجمعُنا في جَنَّةِ الحسناتِ

لو كان قلبي معي

لو كان قلبي معي

أُمَنّي الجفن نوماً في الحوالكْ

وأنتِ معي بحلّك وارتحالكْ

فتصطخب البحار بكل عِرْقٍ

وأفتح ناظريّ على خيالكْ

ويغدو القلبُ ظبيا في البراري

ويصبح في دروبك خير سالكْ

وبي ظمأ، فمن يسقي فؤادي

إذا حنّ الفؤاد إلى زلالكْ؟

وقلتِ: أنا على سفَرٍ، سواءٌ

شربنا من ظلالي أو ظلالكْ

لئن عظُمتْ مفاوزُ أو تناءت

بلادٌ من جبالي أو جبالكْ

فإنَّ مسافة الأرواح أدنى

وأقربُ ما تباعدت الممالكْ

وهذا بيتك المختارُ قلبي

وبستان الجوى قلبي كذلكْ

وأهتف: أين بيتي يا رفيقي

فيومئ نحو خافقهِ: هنالكْ

فيا مصباحَ قلبي في الدّياجي

ويا منجاةَ روحي في المهالكْ

أجرني من لظى نفسي ومنّي

وإلا فالفتى لا شكّ هالكْ

ألستَ إذا سألتَ: وأين نصفي

أكون أنا الجواب على سؤالكْ؟

أنا مما اعتقدتَ إليك أدنى

وأقربُ من ضميرك وانشغالكْ

ومن خطرات نفسك في ابتهال

ومما قد يمرّ غَداً ببالك

وأنت إليّ أقرب من شعوري

ومن نفسي... فحالي مثل حالك

ومن عجبٍ على فمك اشتعالي

وفوق فمي المؤثّثُ من مقالكْ

وأجنحة الملائِك ظلّلتنا

تضيء الروّحُ من قبس اشتعالكْ

وما أرجو سوى الفردوسِ نُزْلا

إذا فكّرتُ يوماً في وصالكْ

ألا نِعْمَ الهوى رَحِماً أثيرا

إذا الْتُمِسَ الطَّهُورُ من المسالكْ

وأمنحُك المصفَّى من ودادي

وأوثقُ ما أتاني من حبالكْ

فما أبغي سواك العمرَ خِلا

وأجملُ ما أريد ندى جمالِكْ

جمالٌ ليس يفنى حين يفنى

جمالُ النجم... والغيدُ الفوالكْ

ولو قلبي معي يا راحَ روحي

لخفتُ عليه من حرِّ انتقالكْ

ولكنْ عندك استودعتُ قَلْبي

فهل أخشى انقطاعاً من نوالكْ؟

                                               شعبان 1426 شتنبر  2005

وسوم: العدد 752