بعدتم
رائد عبد اللطيف
بَعُدتُمْ فَصَارَ الشَّوقُ يَسْكُنُ أَربُعِي وَحَالي كَحَالِ الطفلِ إنْ لَم يَرْضَعِ
أُنادِي ونارُ الوجْدِ تحْرِقُ مَضْجَعِي رُوَيدَكَ قَد أَفنَيتَ يا بَينُ أَدمُعي
وَحَسبُكَ قَد أَضنَيتَ يا شَوقُ أَضلُعي
***
كأَنِّي بكَفِّ الدَّهْرِ دَفْترُ غُربَةٍ دَواليكَ يَطويْ صَفحةً تِلْوَ صَفْحَةٍ
وما لي بذِي الأصْقَاعِ مَنزِلُ عزَّةٍ إِلى كَم أُقاسي فُرقَةً َعدَ فُرقَةٍ
وَحَتّى مَتى يا بَينُ أَنتَ مَعي مَعي
***
بُلِيْنَا بِليلٍ أثقَلَ الصَّدْرَ طُولُهُ وليلُ المُعنَّى ليسَ يَهْنَى خَلُيلُهُ
فَجَادَ بِوصْلٍ ما رَوتْكَ طلولُهُ فَيا راحِلاً لَم أَدرِ كَيفَ رَحيلُهُ
لِما راعَني مِن خَطبِهِ المُتَسَرِّعِ
***
أيا داخِلاً في لبِّ قَلبي، رَاعِهِ فأنْتَ غَدَوْتَ اليومَ كُلَّ مَتاعِهِ
وقَدْ أعْمَلَتْ بالصَّبِ حُسْنُ طِبَاعِهِ يُلاطِفُني بِالقَولِ عِندَ وَداعِهِ
لِيُذهِبَ عَنّي لَوعَتي وَتَفَجُّعي
***
فقُلْتُ: (أيَا مَنْ قدْ أطَلْتُ رجَاءَهُ) (وكيفَ بجرمٍ إنْ أضاعَ فضَاءَهُ؟!)
فقَالتْ: (بِقلبيْ قَدْ أقمْتُ سَمَاءَهُ..) وَلَمّا قَضى التَوديعُ فينا قَضاءَهُ
رَجَعتُ وَلَكِن لا تَسَلْ كَيفَ مَرجِعي
***
ولمَّا أضاعَ اللَّيلُ صوتَ رُعَاتِكُمْ وأطَّتْ (1) نياقُ البُعْدِ بينَ حُدَاتِكُمْ
صرَخْنَا ومَا في الحيِّ غيرُ صِفاتِكُم أَأَحبابَنا لَم أَنسَكُم وَحَياتِكُم
وَما كانَ عِندي وُدُّكُم بِمُضَيَّعِ
***
فيَا سَامعيْ وجْدِيْ وقلبيَ عندَكُمْ علامَ التَّجَافِي.. لِمْ أطلتَمْ ردَّكُم؟!
ولمْ يحَْلُ عَيْشٌ مُذْ حُرِمْنَا شَهْدَكُم عَتَبتُم فَلا وَاللَهِ ما خُنتُ عَهدَكُم
وَما كُنتُ في ذاكَ الوَدادِ بُمِدَّعي
***
وليسَ لبدرٍ بعدَ وجهِكِ مَطْلَعٌ وليسَ لشمسٍ بعدَ حسنِكِ مَضْجَعٌ
وأَيُّ جمَالٍ مِن جمالِكِ منبَعٌ مَلَأتُم فُؤادي في الهَوى فَهوَ مُترَعٌ
وَلا كانَ قَلبٌ في الهَوى غَيرَ مُترَعِ
***
أَموْتُ غَراماً، والمحِبُّ ملوَّعٌ ولَحْدُ المنيَّةِ في يديَّ مُشيَّعٌ
فَهَلَّا عَجِبتُمْ مَنْ بموتٍ مُولَّعٌ! لَئِن كانَ لِلعُشّاقِ قَلبٌ مُصَرَّعٌ
فَما كانَ فيهِم مَصرَعٌ مِثلُ مَصرَعي
(*) القصيدة مخمسة عن قصيدة الشاعر الأندلسي بهاء الدين زهير، والتي مطلعها:
رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي وحسبك قد أضنيت يا شوق أضلعي
إلى كم أعاني فرقة بعد فرقة وحتى متى يا بين أنت معي معي
(1). أطت النياق: أصدرت صوت أنين، أو هو صوت الحِمْل الثقيل فوقها.