حكمة ربي
د. محمد عبد المطلب جاد
أستاذ سيكولوجيا الإبداع
جامعة طنطا-جمهورية مصر العربية
إذا جَنَّ لَيْلُ السَّهَارَى وَكُنْتُ
وَحِيدَاً أُعَالِجُ لَوْعَةَ قَلْبِى
تَأَمَّلْتُ قُدْرَةَ مُبْدِعِ عَيْنِى
الذى جَعَلَ الدَّمْعَ يَغْسِلُ كَرْبِى
وكيفَ لها أنْ تُجِيبَ إذا ما
دَعَا الحُزْنُ واهْتَاجَ يَأْسِى وغُلْبِى؟
وكانَ أنِينِى يُدَاوِى حَنِينِى
بِصَبْرِ السَّجِينِ على غَيْرِ ذَنْبِ
تُجِيبُ الدُّمُوعُ على كُلِّ مَعْنَى
فَلا دمعَ تَوْبٍ كَدَمْعَةِ حُبِّ
ولا دَمْعَ يَأْسٍ كَدَمْعَةِ شَوْقِ
ولا دَمْعَ شَجْوٍ كَدَمْعَةِ عَتْبِ
فَحِينَاً تكونُ على العَيْنِ حَرَّىْ
وحِيْنَاً تكونُ ضِمَادَةَ رَطْبِ
تَأَمَّلْتُ كيفَ اصطفاني لآهٍ
وَدَبَّرَ لى أَلْفَ عَيْنٍ تُلَبِّى
وكيفَ اللطيفُ بِرِفْقٍ هَدَانِى
لِقَلْبٍ حَنُونٍ مُوَاسٍ بِقُرْبِى
إذا جَنَّ لَيْلُ السَّهَارَى أَرَانِى
أَثِيرَ الحَنَانِ بِحِكْمَةِ رَبِّى
* * *
تَأَمَّلْتُ كيفَ اصطفانِى لِنَارٍ
لِغَدْرٍ وَقَهْرٍ أَتَى بَرْبَرِيَّا
وكيفَ اصْطَفَى لِىَ قُرَّةَ عَيْنِى
لِتَلْمَسَ رُوحِى فَأَرْتَدُّ حَيَّا
تَأَمَّلْتُ كيفَ مِنَ الغَيْبِ جِئْتُ
وكيفَ إلى رُوحِ قَلْبِى دَنَوْتُ
وكيفَ لِفَيْضِ حَنَانٍ هَدَانِى
وكيفَ إلى مَنْ هَدَانِى اهْتَدَيْتُ
فَهَذِى دُمُوعٌ تُوَاسِى دموعاً
وكانَ الشهيدُ على ما ارْتَوَيْتُ
تَأَمَّلْتُ كيفَ لِرُوحَيْنِ كانَ
الفَضَاءُ رَحِيبَ المَرَاحِ خَلِيَّا
* * *
بِرَغْمِ الحَصَى وَرُكَامِ التُّرَابِ
برغمِ الضَّنَى واللَّظَى والعَذَابِ
برغْمِ الدَّمَارِ ورَغْمِ الخَرَابِ
أَتَتْ نُورُ عَينِى نَسِيمَاً نَدِيَّا
* * *
تَأَمَّلْتُ كيفَ تَدَلَّى السَّحَابُ
لِيَلْمَسَ نَارَ الضَّنَى فى التُّرَابْ
وكيفَ انْحَنَى حانِيَاً فى سُمُوٍّ
يُدَاوِى الجِرَاحَ ويَشْفِى العَذَابْ
وكيفَ تَوَسَّدْتُ مِنْهُ بِعَطْفٍ
وكيفَ تَلَحَّفْتُ أحْلَى خِطَابْ
وكيفَ الحَنَانُ على كُلِّ عُمْرِى
تَهَادَى وبينَ نَسِيجِىَ ذَابْ
وكيفَ حَرَقْنَا كِتَابَ عَذَابٍ
لِنَفْتَحَ للنُّورِ فِيْنَا كِتَابْ
وكيفَ الْتَقَتْ بالتُّرَابِ الثُّرَيَّا
* * *
تأمَّلْتُ يا نُورَ عَيْنِى حَيَاتِى
وكيفَ اعْتُصِرْتُ وحَانَتْ وَفَاتِى
وكيفض الْتَقَينَا على غَيْرِ وَعْدٍ
وكيفَ ارْتَمَى القَيْظُ عَبْرَ الْفُرَاتِ
وكيفَ الْفُرَاتُ حَنَا وَتَرَامَى
بِهِ مَوْجُ عَطْفٍ لِيُحْيِى رُفَاتِى
وكيفَ تَلَطَّفَ مِنْ كُلِّ دِفْءٍ
لِيَبْعَثَ فِىَّ جَوَاهِرَ ذَاتِى
وَيُطْلِقَنِى بينَ أَعْلَى النُّجُومِ
ويَبْقَى مَعِى أَعْيُنَاً ساهِرَاتِ
وفى كُلِّ يومٍ يَجُودُ بِعَطْفٍ
يُؤَكِّدُ لى حَانِيَاً كُنْهَ ذَاتِى
وأَرْتَاحُ بينَ يَدَيهُ كَطِفْلٍ
وأَطْلُبُ بينَ يَدَيهِ مَمَاتِى
* * *
إذا جَنَّ لَيْلُ السَّهَارَى شَقِيَّا
أرى قلبَ لَيْلِي نَدِيَّاً رَضِيِّا
بِحُضْنِ عَطَايَِاهُ يَحُضُنُ قلبِى
ويملأُ رُوحِى حَنَانَاً سَخِيَّا
وإنْ قُلْتُ :أَخْشَى الفِرَاقَ نَهَانِى
وقال: اذْكُرِ الْمُلْتَقَى الأَبَدِيَّ
سَنَبْقَى هُنَا وَهُنَاكَ سَوِيَّا