أجمل ما قيل من الشعر في الحج
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
كثيراً ما أنشد الشُعراء في موسم الحج وتمنوا شهوده مع الحجيج , فمنهم من أطال وفصل , ومنهم من أوجز واختصر ؛ فمن أطال أتى على وصف مناسك الحج , ووقوف الناس بعرفات , ورميهم للجمار , والنحر وغير ذلك ؛ ومن أختصر ذكر تشوقه وحنينه إلى تلك الأماكن المقدسة , وكلاً بحسب ما تجود به قريحته من شعر .
ومن أجمل ما قرأت من قصائد في هذا الباب , ثلاث قصائد .
الأولى : وهي قصيدة مطولة لابن القيم الجوزية – رحمه الله - , المتوفى سنة ( 751ه ) .
الثانية : قصيدة لشخص أسمه عبد الرحيم البُرعي- رحمه الله - , لم أقف على ترجمه له في كتب التراجم والرجال , ويقال أنه من أهل اليمن , وقد لفظ أنفاسه عند أخر بيت من القصيدة , – والله أعلم بحقيقة الأمر – .
الثالثة : قصيدة لأبي نواس , تعبر عن توبة ورجاء في الحج .
أما قصيدة ابن القيم المسماة ب" ميمية ابن القيم " , فسوف أنقل منها جزءاً يسيراً مما استحسنته , لأنها طويلة تبلغ 200 بيت تقريباً , وقد كُتبت على تسع صفحات بالورق العادي .. يقول فيها :
فـلـله ذاك الموقف الأعظم ويـدنـو بـه الـجبار جل جلالهُ يـقـول عـبادي قد أتوني محبةً فـأشـهـدكـم أني غفرت ذنوبهم فـبشراكم يا أهل ذا الموقف الذي فـكـم مـن عتيق فيه كمل عتقه وما رؤى الشيطان أغيظ في الورى وذاك لأمـر قـد رآه فـغـاظـه لـمـا عاينت عيناه من رحمة أتت بـنـى مـا بنى حتى إذا ظن انهُ أتـى الله بـنـيـاناً له من أساسه | الذيكموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ يـبـاهـي بهم أملاكه فهو أكرموا وانـي بـهـم بـر أجـود وأرحمُ وأعـطـيـتـهـم ما أملوه وأنعمُ بـه يـغـفـر الله الذنوب ويرحمُ وآخـر يـسـتـسعى وربك أرحمُ وأحـقـر مـنـه عندها وهو الأمُ فـاقـبل يحثو الترب غيظاً ويلطمُ ومـغفرة من عند ذي العرش تُقسمُ تـمـكـن مـن بنيانه فهو محكمُ فـخـر عـلـيـه سـاقطاً يتهدمُ |
وأما قصيدة البُرعي , فتقع في ثلاثة عشر بيتاً , وهي جميله جداً , وخاصة في تصويره لشدة شوقه إلى مكة المكرمة , وتمنيه حضور الموقف مع الحجيج .. فيقول :
يـا راحـلـيـن إلى منى سـرتـم وسـار دليلكم يا وحشتي حـرمـتـم جـفني المنام ببعدكم ويـلوح لي ما بين زمزم والصفا ويـقـول لـي يا نائما جد السرى مـن نال من عرفات نظرة ساعة تالله مـا أحـلى المبيت على منى ضـحـوا ضحاياهم وسال دماؤها لبسوا ثياب البيض شارات الرضى يـا رب أنت وصلتهم صلني بهم فـإذا وصـلـتـم سالمين فبلغوا قـولـوا لـهـم عبد الرحيم متيم صـلـى عـليك الله يا علم الهدى | بقياديهـيـجـتـم يوم الرحيل الـشـوق أقلقني وصوت الحادي يـا سـاكـنين المنحنى والوادي عـند المقام سمعت صوت منادي عـرفـات تـجلو كل قلب صادي نـال الـسـرور ونال كل مرادي فـي لـيـل عيد ابرك الأعيادي وأنـا الـمـتيم قد نحرت فؤادي وأنـا الـمـلوع قد لبست سوادي بـحـقـكـم يـا رب فك قيادي مـنـي الـسلام أُهيل ذاك الوادي ومـفـارق الأحـباب والأولادي مـا سـار ركـب أو ترنم حادي | فؤادي
وأما قصيدة أبي نواس – رحمه الله - , فهي تعبر عن توبة وندم ممزوجة بالتلبية , ولعلها من أخر قصائده التي تجب ما قبلها من لغو الحديث , ورفث الكلام , وخاصة خمرياته , فقد قال الله تعالى حاثاً الشعراء على التوبة : { إلّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِراً .. } [ الشعراء : 227] .
وممن نقل هذه القصيدة , الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " , بسنده عن ابن صفوان , قال : لما حج أبو نواس لبى فقال :
إلـهـنـا ما أعدلك لـبـيك قد لبيت لك والملك لا شريك لك لـبيك إن الحمد لك لـولاك يا رب هلك والملك لا شريك لك والسابحات في الفلك كـل نـبـي وملك سـبح أو صلى فلك والملك لا شريك لك عـجـل وبادر املك لـبيك أن الحمد لك | مـليك كل من لـبيك إن الحمد لك مـا خاب عبد سألك أنـت له حيث سلك لـبيك أن الحمد لك والـليل لما إن حلك على مجاري المُنسلك وكـل مـن أهل لك لـبيك أن الحمد لك يـا مخطئا ما أغفلك واخـتم بخير عملك والملك لا شريك لك | ملك