وصحوتُ أصرخُ أين أين صبايا = أين الربيع الحلوُ أين مُنايا ؟!
ما بالُ هاتيك السنينَ كأنّها = طيفٌ سرى كالبرقِ في دنيايا ؟!
وعلى جدار الأربعين تحطمتْ = كلُّ المنى وتسمّرت عينايا .
بفنائها حطتْ رِكابي فجأة = فرميتُ رحلي كلّهُ وعصايا !
ما عادَ يُسعدني الشباب وزهوه = ـ واحَرَّ قلبي ـ كيف ضاعَ صبايا ؟!
شيَّعتُ أحلامي على شُرفاتها = والحُزنُ أمسى مُطْبِقاً شفتايا !
أين الشبابُ وفيضهُ وبريقه = أين الخيالُ وأين فيه رُؤايا ؟!
لله هذي الأربعون وهل أتت = حتّى تُقرّبني إلى مثوايا ؟
أمسكتُ عيوني بالدموع غريقةً = والهمُّ أضنى مُهجتي وَحشايا !
ويلاه قد ولّى شبابي مُسرعاً = كالريح إني حزتُ في مَسعايا .
فالشّيبُ يغزو والنضارةُ ودّعتْ = عهدُ الصبا يا ربُّ كان خطايا .
ما سرُّ هذا العمر يمضي خِلسةً = والأمنياتُ تصير فيه منايا ؟!
كم كنتُ في ذاك السَّنا مستبشراً = قد غابَ ـ لَهفي ـ في سحيق دُجايا !
قيثارتي كُسرتْ فكيف لي الغنا = والحزنُ أخرسني وكمّم فايا ؟!
والواحةُ الخضراءُ صارتْ بَلْقعاً = والماءُ جفّ فتهتُ في صحرايا .
أضحيتُ فيها خائفاً مترقباً = أجترُّ أحزاني بها وأسايا !
والذكرياتُ تجمّعتْ في خاطري = أسَفاهُ ممّا قد جنته يدايا .
وصدى السنين الراحلات يُمضّني = غُصصاً فأجرعُ زفرتي وبُكايا .
يا نور عمري فيكَ عشتُ مؤمِّلاً = لِتُضيءَ أرضي بالسّنا وسمايا .
لا تيأس يا صاحِ من عمر مضى = فالدّهرُ يحوي في الخفاءِ خَفايا .
ما فاتَ ماتَ فلا تَعِشْ متحسّراً = مازال في الأيام بعضُ خَفايا .
وطفقتُ أشكو زلّتي وإساءتي = للهِ ليس لغيرهِ شكوايا .
ربّاه نور الكون أنت على المدى = ورضاك يا ربّاه أنت مُنايا .
إذ منك عوني أستمدّ وقوتي = ولأنت آمالي وأنت رَجايا .
وعليك تُكلي يا إلهي دائماً = فضلاً أجِبْ ربَّ السماء دُعايا .
إنّي تركتُ الخلق كلّهُمُ إلى = ساحات عفوك أنت يا مولايا .