الداعية
الشمس توشك أن تزولْ والورد يُدركه الذبولْ
أو ما علمتَ بأنَّ زهر العُمْر يؤْذنُ بالرَّحيلْ
كم ليلةٍ قَصُرَتْ ويا كم كنتُ أحسبها تطولْ
كم من أمانٍ مورقاتٍ لم تدُمْ إلا قليلْ
كم نجمةٍ لمعتْ قليلا ثمّ قالت في ذهولْ:
كلُّ الكواكِبِ والنجوم إلى الفناء غداً تؤولْ
أتظنّ أنّك خالدٌ وسْط التنعّم يا جهولْ؟
دنياك حسوةُ طائرٍ والخلْد فيها مستحيلْ
ولقد رأيتُ السّالفين كما بها دالوا تدولْ
فارتعْ بها ما شئتَ واعلمْ أنّ ما فيها يحولْ
أحببْ بها من شئتَ، هلْ يبقى عليها من خليلْ؟
وامكثْ بها ما شئت، ليس إلى خلودٍ مِنْ سبيلْ
أمسافرٌ من دون زادٍ في الفلاةِ ولا دليلْ؟
اكْفُفْ أذاك فما أنا من كنت تحسب يا ذليلُ
إني سعيتُ وفي يدِي من كلّ مكرمة فسيلُ
يأوي الجياعُ إلى خواني والعطاشُ لهمْ "سبيلُ"
لم يَثْنِ بطشُ الظّالمين عزيمتيَّ، ولا الفُلولُ
أو ما ترى كفّيّ قدْ آذاهما القيْد الثقيلُ؟
أو ما ترى قدمي، وكم شِعْبٍ قطعتُ دمي يسيلُ
ولكم حملتُ إلى المعذَّب ما به يشفى العليلُ
أو ما ترى لسْعَ السِّياطِ له على ظهري فلولُ؟
قدْ كنتُ في صمْتٍ أجوبُ وصاحبي الليلُ الطويلُ
أنا إن قُتلتُ فغايتي أنّ الشهادة لي سبيلُ
أو متُّ فالغفرانُ أرجو أن يمنّ به الجليلُ
لي في الجهاد صحائفٌ وعسى يوافقها القَبُولُ
حسْبي إذا عمري انقضى أنّي لمنْ بعْدي الدَّليلُ
وسوم: العدد 646