وجدة في 30 ذي الحجة 1436، 14 أكتوبر 2015
ألقيت في حفل التكريم الذي أقامته للشاعر
الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية
هوامش:
1 فينيس: ربّة الجمال، عند الغربيين.
2 مجنون إلزا: ديوان للشاعر الفرنسي لوي أراغون، وإلزا زوجتها. وقد جعل اسمها مشتقا من (العزّى)، إلهة العرب في الجاهلية. وذلك ما يشير إليه بيت موال، حيث كلمة (عزّاه). والضمير يعود إلى أراغون، لا إلى قيس بن عامر النجدي.
3 قصة العندليب والوردة مشهورة في الآداب العالمية، وهي ترمز إلى العشق العذري.
4 قصة بجماليون وجالاتيا، مشهورة في الأدب الغربي، وهي ترمز إلى الذي يصنع معبوده ثم يحطمه.
5 ميخائيل، هو ميخائيل أنجلو، رسومه مشهورة، ومعظمها معلّق بالكنائس، لطابعه المسيحي.
6 اللغى، لغة في "اللغات" جمع لغة، وهي من لغة المتنبي.
7 (دلائل الإعجاز) و(سر الفصاحة) و(روح المعاني)، كتب مشهورة في البلاغة القرآنية والتفسير.
8 " وكمْ عَزّ أقوامٌ بعزّ لُغاتِ"، هذا لحافظ إبراهيم رحمه الله تعالى.
9 إياة: من أسماء الشمس، وهي في شعر المتنبي أيضا، فليراجع.
10 الصرح الممرّد: صرح بلقيس، المذكور في القرآن الكريم.
11 البابا سلفستر الثاني، أحد الرهبان الذين درسوا بجامع القرويين بفاس.
تعلَّقْتُها قبْلَ استواءِ قناتي= وقبل مسيل النُّور في جنَباتي
وعاشَرْتُها طفلا وأُشرِبْتُ حبَّها= ولا مثلَ حُبّ القَسِّ في الخلواتِ
أضاءتْ ليَ الدُّنيا ولولا ضياؤُها=لمَا غادرتْ أعضائي الظُّلُماتِ
وما كنتُ وحدي عاشقا غير أنَّني=بلغتُ بعِشْقي أشْرفَ الدَّرجاتِ
أنا العاشقُ المجْنونُ طابَ بحبّها= جُنُوني، فقيْسٌ قابسٌ جمراتي
وما أبْتغي من حبّها غيرَ عزَّةٍ= إذا ما أذلّ النّاسَ عشْقُ مَهَاةِ
فلسْتُ بها أبْغي بديلاً مِن المهَا= ولوْ=كنّ بالياقوتِ مشْتملاتِ
ولو سجَدتْ فينيسُ عاريةً لها=لما حظِيَتْ من حُسْنها بصِفَاتِ
ولم يترنّم بالهوى نايُ شاعرٍ=كمجنونِ "إلزا" ساحرَ النَّغَماتِ
وأنغامهُ تُعْزَى لنَجْدِ ابن عامرٍ= وعُزّاهُ قدْ أزرتْ بسِحْرِ مَنَاةِ
عَشِقْتُكِ عشقَ العنْدليبِ لوردةٍ= سَرَتْ من وراءِ الغيبِ بالنَّفَحَاتِ
وجئتكِ، إذ تعوي بيَ الريحُ، عاريًا= فقَدْ نسجَتْ كفّاك خير شِياتِ
أما بكِ قَدْ شيّدْتُ صرْحَ فرائِدي= وأعْليتُ تمثالي من الكلِماتِ؟
فإزميلُ بجْمَاليونَ أُخْرِسَ نُطْقُهُ= وريشةُ ميخائيلَ رَهْنُ سماتي
وصارتْ بنَاتُ الشِّعْرِ عندي عرائسًا= تضاءلتِ الأهْرامُ دون بَناتي
وهَلْ أدركتْ روحي بِغَيْرك ِغايتي=وغايَتِيَ الجنّاتُ بَعْد مماتي
وهل ذُقْتُ أسرارَ الهدايةِ واللُّغَى= سوى بكِ فاستشْعَرْتُ مجْدَ حَياتي
أما كنتِ مِفْتَاحِي إلى الآيِ نورُها=تجَلّى به ما كان مِنْ أزماتِ
وهَلْ كانَ قلبي قادراً دونَ سِرِّها= على كشْفِ مكنُونٍ من الصَّبواتِ
ومِنْ دونها كيف التقرّبُ خاشعا= إلى اللهِ في جهْري وفي همَساتي؟
ونجْوايَ في جَوْفِ الظَّلامِ لبارئي=لها لَذَّةٌ موصولَةٌ بهِباتِ
وإن قلْتُ: " يا اللهُ"، هل كانَ مُسْعِفِي= سواها، ف "يا اللهُ" روضةُ ذاتي
فلا تعْجَبُوا منْ أنْ تفيضَ بحبِّها=كؤوسي، وتَفْدي كأسَها نبَضَاتي
ولستُ أنا وحْدي فَلَوْلا بَهَاؤُها= لما سُدْتُمُ والنّاسُ في الدَّركاتِ
أحاطَ بها مستنفَراً ألفُ مِعْولٍ= وهدَّدَهَا سيْلٌ من النّكبَاتِ
فضجَّتْ، وقالتْ قوْلَ ثكْلى حَزينةٍ=عَروسُكمُ تُسْبى، فأين حُماتي؟
وهلْ ذُقْتُمُ إلا بها طِيبَ دوحَةٍ= من العلم والآدابِ مخْتَلِفَاتِ؟
دلائلَ إعْجاز وسرَّ فصاحةٍ= وروحَ معانٍ لم تزلْ خَضِلاتِ
وكم شاعِرٍ قد جاءَ قبْلي بآية= فكانَ كَمَنْ يتلو على نخرات
ألم تفْقَهوا يا قَوْمِ قولَةَ مُنْذِرٍ=" وكمْ عَزّ أقوامٌ بعزّ لُغاتِ"
وهلْ هَجَرُ الأقوامُ عزَّ لسانِهِمْ= وقَدْ كسَوُا الآياتِ ثوبَ إِياةِ؟
وهَلْ نهْضةٌ إلا اللّسانُ وحَدُّهُ= أسِيلٌ، سَلُوا الآثارَ والدَّعَوَاتِ
تهدّم صَرْحٌ في الصّروحِ مُمرّدٌ=ويخْلُدُ إنشادٌ وآيُ صلاةِ
وأينَ لِسانٌ في الوجودِ مُقدَّسٌ= سوى ما كساهُ الوَحْيُ من لمَساتِ
نهضنا إلى التّاريخِ وهْو مقيّدٌ= فحَرّرَ كفّيْهِ يراعُ ثِقات
يراعٌ كأنّ الشَّمْسَ تجري بأمره= إلى مستقرٍّ وارفٍ بعِظاتِ
سَرتْ منه نحْوَ الهِنْدِ بيضُ كواكبٍ= وقُرْطُبَةٌ شعّتْ بنور هداةِ
وأصْبحَ بالبابا إلى فاسَ لهفةٌ= تُروّي صداها رشْفَةُ الحلَقَاتِ
فمنْ غيرُنا أهْدى إلى النَّجْمِ ضَوءَهُ= وأسْرى به الرَّحْمنُ في العَتَمَاتِ
ومنْ ينتسِبْ للمُصْطفى بلسانهِ=يَنَلْهُ نصيبٌ وافرُ البَرَكاتِ