فرد الزمان

كمالُك زانَ الدهرَ ، فالدهر شاهدُ = بأنك فيما خصّك الله واحدُ
بُعثتَ .. فتمّ الدينُ ، واكتمل الهدى = وأغفتْ بأيدي الكائنات المقاصدُ
تخيّرك الرحمن من رحم الهدى = فأنت بما أُوتيتَ للخلق والدُ
وعفواً رسول الله إن قلتُ والدٌ = فعطفُك عن عطفِ الأبوة زائدُ
لئن وسعتْ روح الأبوة طفلها = فأنت وسعت الكونَ ، والكونُ شاهدُ
وماذا يفيد القول يا خير مرسل = ووحدك للأزمان هادٍ ، وقائدُ !
سجاياك لو بين الأنام توزعت = لما كان محروم ... ولا كان جاحدُ
سجاياك لا تحصى ، وكل سجية = بقيتَ بها فرداً ، وفيها الفرائدُ
فأنت الذي سماك ربك أحمداً = وسوّاك فرداً ، ما عدَتْهُ المحامدُ
وأنت المُرجَّى كلَّ آتٍ كمالُه = وأنت بفضلِ الله في الفضل واحدُ
حريص على خيرِ الأنام ، وهديهم = رحيمٌ بمن قد عشتَ منهم تكابدُ
تساوى لديك الناس يا منقذ الورى = فعشتَ لخيرِ العالمين تجاهدُ
فلم يُحرم الناؤون منك لنأيهم = ولا عن ذوي القربى ثنتكَ الأباعدُ
تذوبُ عليهم حسرة ، وتوجعاً = وتعفو ، وكم منهم أتتكَ المكائدُ !
صبرتَ على حقدٍ تلظى سعيره = فمن بعضِه كادت تذوب الجلامدُ
حلمتَ وزادوا في أذاك تحديّاً = وما كان منهم منصفٌ ، أو محايدُ
إذا جمع الحقدُ الدفينُ جموعهم = رجوْت لهم ما لا يُرجيه والدُ
بذلتَ جميل العفو عن كل حاقد = وما رقَّ حتى من ذويك مُعاندُ
ولو شئت أن يفنوا فناؤهم = ولو شئت أن يَعنوا لما كان حاقدُ
ولكنك المأمول في الضّرِّ حلمه = فلولاه لم يُعرف لربك عابدُ
تقول ، فكل الخير فيما تقوله = وقد جُمعت فيما تقول الفوائدُ
تميّزت في كل الأمور تميزاً = فكل الذي قد كان منك قواعدُ
فإنك ميزان الصلاح فمن يفُزْ = بتطبيق ما قد قلته فهو راشدُ
ومن زاغ عمّا قلته فهو هالكٌ = ومن شك فيما قلته فهو فاسدُ
وأدنى انحراف عن هداك ضلالةٌ = يذِل بها مهما تقوَّل عامدُ
أما شهد الأعداء أنك مفرد = وقبل أعاديك المهيمن شاهدُ !
أقمت على تقوى المهمين أمةٌ = وكل فتى جيشٌ لدى الحرب صامدُ
على عمر الأيام ما قلتَ خالدٌ = وليس كما قد قلت باقٍ وخالدُ
فقولك ، والأفعال للعقلِ عِصمةٌ = وهنَّ على جيدِ الزمانِ قلائدُ
أوابدُ ما قد كان منك جديدة = تجددُ عبر الدهرِ ... فهي الأوابدُ
فللهِ كم عاشت لنا منك حكمة = بها كل ذي عقل سليمٍ يماجدُ !
ولله كم سُدنا بهديك ، والتقى = على منهجِ التقوى مَسودٌ ، وسائدُ !
أطعنا هداك الحقَّ فالأرض جنة = ونحن بها الزرّاع ، والكونُ حاصدُ
ونحن لأدواء الزمان دواؤها = ونحن لمن عانى من الظلم ساعدُ
فكم ذا على الأهلين كان قضاؤنا = وكم نال حقاً من أضلّوا ، وعاندوا
إلينا انتهى علم الزمان ، وفضله = وتشهد في إبداع قومي المساجدُ
تصدّرت الدنيا مساجدُ أمتي = فعالمنا منها ، ومنها المجاهدُ
ومنها ، وعنها كلُّ قومٍ تعلّموا = فليس سواها للعلوم مواردُ
معالم شتى ما تزال شواهداً = وهيهات أن تُحصى لقومي الشواهدُ
وواأسفي ماذا أقول بردّةٍ = تردّى بها قومي وزاد الملاحدُ ؟
بإلحاد طاغٍ يخسف الأرض ربُّها = ولكن حلمَ الله للناس زائدُ
إلهي إن الأرض يملؤها الأسى = فلا حقَّ منصورٌ ، ولا عدلَ سائدُ
إلهي إن الحق قل دعاتُه = وليس لأهل الحقِّ فينا مساعدُ
مساجدنا يا رب بُدِّل أمرها = وصار بها للصائدين مصائدُ
وجفتْ أيا ربي الموارد كلّها = وهيهات أن يُلفى لدى النبع واردُ
إلهي إن الملحدين تجمّعوا = علينا ... وقومي يا إلهي تباعدوا
على حقّنا لم نجتمع عمرَ لحظة = أيا عجبي ... والمبطلون تساندوا !
تفرَّق قومي ألفَ حزبٍ ، وملةٍ = وشملهمو ـ ما وحّدوا الله ـ واحدُ
فها هو أقصانا تحرّق قلبه = ولذت لنا ـ وهو الأسيرُ ـ المراقدُ
رجوتك يا رباه نصراً لفتية = بتلك الحصى أعتى العتاةِ تطاردُ
همُ القلة الأقوى بعونك ربّنا = وأنت لهم يا رب بالنصر واعدُ
فأنجز إلهي وعدك الحقَّ عاجلاً = فقد أوشكتْ تودي بقومي المكائدُ
وردّ إلى التوحيد يا ربُّ أمتي = فما بسوى التوحيد تُرجى المقاصدُ
وصلّ على من أنقذ الكون هديه = وسلّم ... فما إلاّه هادٍ وقائدُ

وسوم: العدد 648