إلى الحرائر الفلسطينيات الطاهرات، اللواتي أصررن على الرباط في المسجد الأقصى لحمايته من عدوان الصهاينة, وأقسمن أن يفدينه بالأرواح, فكُنَّ الإيمان والفداء، وكُنَّ النموذج الباهر والقدوة الآسرة.
إياء الشمس: أشعتها وحسنها.ضراء: شدة.حباء: عطاء وإكرام.بالغة القوة.
هُنَّ الأجَلُّ معادناً وذكاءَ=وعزيمةً فوق السها شماءَ
المسبغات ثيابهن تعففاً=والمسبغات لدى الوضوء الماء
ماء الوضوء يزيدهن طهارةً=وثيابهن تزيدهن نقاء
هن الحسان خلائقاً ومبادئاً=وبهن جُزْن الكوكب الوضَّاء
وجمعن للحسن الذي أوتينه=حسن العفاف صيانة وإياء(1)
وجعلن للحسن الطهور مكانة=أعلى وأغلى عزةً ورُواء
فغدون ذروته فكل مزية=في الحسن تبدو جنبها شوهاء
* * *=* * *
الفاديات رأيتهن سماء=ورأيت فيهن المنى الحسناء
هنّ العزيزات اللواتي رُعْننا=وأثرن فينا نخوة وضَراء(2)
التاليات الآي في رأد الضحى=وأصائلاً في فرحة ومساء
المخلِصات المخلَصات قوانتاً=العاشقات الحق والعلياء
لما اتقين الله حق تقاته=أدركن منه عنايةً ورضاء
وقبسن من عمر العظيم حميّةً=ومن الفواطم عفةً وحياء
وتَخِذْن من زرد اليقين أسنةً=ومن التوكل أسيفاً وَوِقاء
ورأين عز الشمس في ريعانها=فقبسن منها عزةً وإباء
وقبسن منها إذ رأين سطوعها=مجداً جليلاً جانب الخيلاء
ومحون بالنور الذي أدركنه=منها المخاوف مَحْوَها الظلماء
فطلعن أرجى ما تؤمله العلا=وأتين أغنى ما نود رجاء
فإذا بهن الأسد في أجماتها=بالرعب رعن البغي والأعداء
* * *=* * *
وأعدن فينا خولةً وسُميةً=ونسيبةً في العزم والخنساء
وأعدن عائشة الطهور وزينباً=وأعدن أصبر أهلها أسماء
ووجدن في نيل الشهادة منحةً=جلَّت من المولى الكريم عطاء
الظافرون بفضلها موتى فإن=لبسوا كرامتها غدوا أحياء
فجعلنها الهدف الذي أُشربنه=وله سعين براءةً وولاء
هن الظباء فإن غضبن فلن ترى=منهن إلا أسيفاً حمراء
بوركن من فئةٍ أرتنا قدوةً=ميمونةً لا تعرف الإعياء
وترى المخاطر أنعماً مهما عتت=والذلَّ عاراً والونى ضَرَّاء
ولقد علون بنيةٍ أخلصنها=تستعذب الأهوال لا الأهواء
فغدون في الدنيا سماء جلالها=وغدون في عليا السماء سماء
إن الجراءة في النساء حمية=من شأنها أن تصنع الجرآء
وبها غدونا إذ قبسنا نارها=جرآء نجعل من بغوا أشلاء
أكفاء للجلَّى على أهوالها=ومن التلبُّث والونى طلقاء
* * *=* * *
الفاديات أعدهن بشائراً=قد جئن من عليا الجنان وِضاء
وغداً تكون وعودهن وفي الضحى=قدراً تراه عيوننا وقضاء
يلقى به الباغي جزاء ضلاله=وبه نكون بربعنا السعداء
* * *=* * *
الفاديات أعدهن كتيبةً=منصورةً وأعدهن لواء
نادى فلبَّى المسلمون نداءه=جلُّوا وجلَّ فوارساً ونداء
طوبى لهن فدين أقصانا الذي=يشكو اليهود أخسةً جبناء
لكنهم عاثوا لأن حماته=وهنوا فكانوا همةً شلاء
واليوم أيقظهم حُداء حرائر=طابوا وطبن عزيمةً وحُداء
طوبى لهن قيادةً وإهابةً=وبطولةً تذر البغاة هباء
القدس في أخلادهن أمانة=وشموخ مئذنة علت شماء
والهول مهما اشتد روض شائق=يبصرن فيه من الخنوع شفاء
* * *=* * *
إنا لنفخر أن فينا نسوةً=أرجعننا بعد الونى بُسَلاء
هن السوابق لا مراء وإننا=نجد الطريق سلكنه أرزاء
لكنَّ فيه مفازنا ورجاءنا=ونحب فيه الهول واللأواء
إنا سنسلكه أباةً أقسموا=أن يرجعوا بالنصر أو شهداء
والنصر أرجى ما يجيء لنا إذا=نسقيه منا في اللقاء دماء
قسماً سنسقيه الدماء غزيرةً=والفاديات يقدننا حُمَساء
* * *=* * *
إني أقبل راحهن تزلفاً=لله أرجو من لدنه رِضاء
وعساي أدرك بعض ما أدركنه=فأفوز فوزاً جاوز الأمداء
في جنةٍ أظلالها ممتدة=سعداً وجوداً بالغاً وبقاء
تفنى الدهور وليس تفنى إنها=هبة حباها ربها من شاء
ألقى النبيَّ وصحبه في ظلها=والآل والخلفاء والحنفاء
والفاديات النائلات كرامةً=طابت فكانت نعمةً غَرَّاء
إن يبد بعض النور منها فجأةً=يخفي النجوم طوالعاً وذُكاء
نلن الخلود بواهراً وشفعن لي=فحبانيَ الرحمن منه رِعاء
فبهن نلت مفازتي وسعادتي=شكراً لهن أيادياً بيضاء
طوقن جيدي بالجميل فليتني=كنت الذي أمضى الحياة فداء
وجعلتهن منارة في ناظري=أرنو إليها جهرةً وخفاء
وإذا خلوت وإن لقيت أحبتي=فيزيد إيماني هدىً ومضاء
* * *=* * *
ولقد رأيت المفتدين محاسناً=تربو وتبقى ثرةً معطاء
لكن صنع الفاديات رأيته=فاق المحاسن نصرة وسخاء
إذ بعنه لله وهو من اشترى=لما رآه كالضياء نقاء
فحباه من شرف القبول أجلَّه=سعداً يروع ورفعةً وحِباء(3)
أنا لست أجحد غيره لكنه=كان الأعز بطولةً وغَناء
وممحضاً لله جلَّ جلاله=لا كبر فيه يشين أو خيلاء
فعَلا ونال من الإله كرامةً=تزداد ما مرَّ الزمان علاء
مجد وطهر بردتاه فهل ترى=إلا الريادة غايةً حسناء
تزكو وترمقها الخلائق غبطةً=محمودةً أو نقمةً نكراء
والفوز يستدعي ثناء أولي النهى=ومن اللئام الحقدَ والبغضاء
* * *=* * *
وأنا رأيت وليس فيَّ حسادة=في الفاديات كتيبةً خضراء(4)
والقول فعلاً والعهود رعاية=والحسم يحرسه الهدى قد جاءا
البائعات الشاريات وعن رضاً=البالغات النجم والجوزاء
يا ليت قومي يعلمون مكانةً=أدركنها ميمونةً زهراء
طيّبنها فغدت نضارة منزل=لبس الجلال مجادةً وبهاء
الحسن فيه يجل عن وصف له=والسعد فيه كواكب تتراءى
وتسابق النعماء فيه نفسها=والمجد يسبق أخته العلياء
والطيب مسك نفحه مر الصبا=إن فاح يملأ ربعنا أشذاء
قد راعني فأتيت أطلب جوده=ثراً فكان عطاؤه آلاء
فشكرته شكر المقر بفضله=وحبوته نبض الفؤاد ثناء
لكنني أدركت أن عطاءه=أنقى وأبقى أنعماً وجزاء
شتان بين عطائه لما غدا=فوق الأنام غمامةً سحَّاء
وعطاء مثلي وهو سؤر سحابة=لم يرو زرعاً أو يبلَّ ظِماء
تتفاوت الأفضال في إحسانها=ويظل من جادوا بها فضلاء
عفوا فعاشوا لست تبصر بينهم=حسداً يشين وبغضةً وعداء
الصدق طهرهم فكانوا كالضحى=في رأده والإخوة السُّمَحاء
وتفاوت الفضلاء حكمة خالق=لم تجعل الأرضى لديه سواء
لكنهم باقون في سلطانه=ورِعائه الأخيار والصُّلحاء
* * *=* * *
صنع أعزته البسالة والتقى=فغدا لهن الجنة الغناء
أكبرتهن لِما صنعن وحينما=عاينته ألفيته لألاء
فحبوته قبل القريض مودتي=وجرى السرور بمقلتيَّ بكاء
وإذا السرور طغى فجاز حدوده=فانظره دمعاً وارتقبه غِناء
لكنه في حالتيه بسمة=لبست من الحلل الحسان رداء
والنفس بين هنائها وبلائها=كالريح تأتي شدةً ورخاء
ولربما الأفراح صارت حسرةً=ولربما صار البكاء هناء
* * *=* * *
شعري أجدْ في الفاديات قصيدةً=تُهدى لهن يتيمةً عصماء
واجعل مراميها وفاءً خالصاً=ومدادها الأطياب والحِنَّاء
لتكون بين الأوفياء مرادهم=وتكون أكرم ما نود وفاء
والشعر يعظم إن ترفَّع عن جداً=وأراد محض الحق لا الإطراء
وعسى قصيدتيَ التي حبرتها=في الفاديات ستبهر الشعراء
فتكون أنفس ما نظمت ودرةً=فاقت ضرائرها سناً وسناء
واحمل لهن هديةً من مقلتي=ومن الفؤاد محبةً ودعاء
وقلادةً من صنع أمة أحمدٍ=من أكرمين أراجلاً ونساء