عُيونُ المَها ...

عبد الرحمن العشماوي

عيونُ المَها بينَ الرَّصافة و الجسْرِ

بَكينَ عراق المجدِ منْ شِدَّةِ القهْر

فليتكَ ياابنَ الجَهْمِ تُبصرُ ما جَرَى

وما اقتَرَفتْ إيرانُ فيها منَ الغَدْرِ

وما نَشرَ الإفرنْجُ فيها منَ الأسى

ومن حالةِ الفوضَى الكريهةِ والذُّعرِ

عيونُ المهَا يذْرفنَ دَمْعاً كأنَّهُ

تدَفُّقُ شلَّالٍ تحدَّرَ منْ صخْرِ

رأينَ دِماءً تصبغُ النّهر حُمْرةً

وأبصرْنَ أشلاء الأحبَّةِ في النَّهْرِ

وأبصرْنَ آلافَ الضَّحايا ،دِماؤها

على كُلِّ شبرٍ في عراق الأسى تَجْري

رأينَ طُغاةً لا يُراعونَ ذِمَّةً

قد الْتحَفُوا ثوب الضلالَةِ والكُفْرِ

يُبيحُونَ قتلَ الطِّفلِ تمزيقَ جسمِهِ

وإنْ أحسنوا ألْقوهُ في لُجَّةِ البحرِ

فرَوَّعهن الحالُ حتى كأنَّما

وقَفنَ على جمْرٍ وسِرْنَ على جَمْرِ

عيونُ المها ما عُدْنَ يُغرينَ شاعِراً

وما عدْنَ يُوقظنَ الصَّبابة في الشِّعرِ

رأينَ عراقَ المجْدِ في كفِّ ظالمٍ

يَجورُ بلا عُرفٍ لديهِ ولا نُكْرِ

تغذَّى غذاءَ الرَّفْضَ حتى غَدَا بلا

ضميرٍ ولا عقلٍ وصارَ بلا فِكْرِ

رأيْنَ عراقاً لو رآهُ خليفةٌ

بنى فيهِ صرحَ العلم والمجْدِ والفخْرِ

لهَزَّ حساما يخطف العين برقُهُ

وأعْلَنَها حرباً تُلوِّحُ بالنَّصرِ

لقد صارَ ياابن الجهم وجهُ عِراقِنا

بلا مُقْلةٍ ترنو إليْنا ولا ثَغْرِ

تدَاعَى عليهِ الغاصبون وأمَّتي

على ما يسوء القلب من حَالهَا المُزْري

تُسارِعُ في الأعداءِ ترجو موَدَّةً

وتلكَ - وربِّ البيتِ - قاصِمَةُ الظَّهْرِ

وكيفَ تنالُ  النَّصرَ والعِزَّ أُمَّةٌ

تسيرُ إلى الأعْداءِ مَكشوفَةَ النَّحْرِ

رُصافَتُك ارْتاعتْ وأصبحَ ليْلُها

حزيناً بلا نجْمٍ يلُوحُ ولا بدْرِ

عيونُ المها تشكو جَفافَ قلوبنا

فلا نحنُ نُغْريها ولا كُحلُها يُغْري

تَهَاوى على أهدابِها ليلُ حسرةٍ

كتَائِبُها السَّوداء تقصِفُ بالفجْرِ

وأنَّى ترى مايشرح الصَّدر ظبية

تُحدِّثها الظَّلْماء عن (مقْتدى الصَّدْرِ )

وعنْ مالِكِيٍّ ملَّك الحقدَ قلبَه

وعنْ كُلِّ مأفونِ الهَوى سيّءِ الذِّكْرِ

لَئنْ كنتَ ياابنَ الجهْمِ أبصرتَ ظبيَةً

أصابتْكَ عيناها بغائلةِ السِّحْرِ

فإنَّا رأيْنا في الرُّصافَةِ أعْيُناً

بكَيْنَ على العِرْضِ المُدنَّسِ والطُّهْرِ

مَشَيْنَ على جِسْرِ الرّصافةِ مِشْيةً

مُكبَّلةً بالخوف والبُؤسِ والفقرِ

حزِنَّا لِما يجري ولولا لُجوؤنا

إلى الله في عُسْرِ الحياةِ و في اليُسْرِ

لتِهْنا جميعاً في متاهاتِ ضعفِنا

كما تاهَ عادٌ والعماليقُ في القَفْرِ

لجَأنا إلى المَوْلى الكريم وحسْبُنا

بهِ راعِياً نهفو إليهِ مدَى العُمرِ

رجَوْناكَ يا ربَّ العبادِ فإنَّنا

نُشاهِدُ طُغياناً على الأرضِ يستشري

ونسمَعُ أبواقاً تُزيِّنُ باطِلاً

أكاذيبُها في كلِّ ناحيَةٍ تسري

رَجَوْناكَ يارحمنُ فاشرحْ صدورنا

وقرّبْ إلينا ما رَجَوْناه من  نَصْرِ

وسوم: العدد 653