من ذكريات انتفاضة الثمانين
الأكلة التي كشفت هوية الضيف !
مضيت مع الأخ تركي على دراجة نارية من الكندة إلى بداما ، وكان بيت مضيفي الجديد متطرفاً ، في الطريق الواصل بين جسر الشغور واللاذقية !
أنزلني في غرفة الضيوف ، وأوصى زوجته ألّا تُعلم أحداً بوجودي ، حتى أهله الذين يسكنون في دار مجاورة !
كان مضى عليّ أكثر من تسعة أشهر لم أستقر في بيت فيه كهرباء وماء في أنابيب !
قضيت ليلتي تلك وأنا مطمئن النفس ، على الرغم من أن أمر الاعتقال لا يكلف المجرمين كثيراً في هذا البيت المنفرد ، ويستطيع حتى الأ نذال في كتائب الحزب المسلحة القيام بذلك !؟
قبل أن ينطلق مضيفي إلى عمله ، سألني : ماذا أشتهي من طعام ؟
قلت : ست جْوارا ( وهي عدس ورز وبصل بالمرق )
عاد بعد قليل ، وهو يضحك ، ليقول : إن أم عبدالله كادت أن تعرفك ، وقالت لي : إن ضيفك جسري ، ونحن لم نطبخ هذه الأ كلة منذ سبع سنين !
كانت زوجته من بنات بلدي ، وأخوها المعتقل صديق وزميل قديم !
أكرمتني ، وهي لم تكن تحتاج إلى توصية ! وبعد أشهر من انضمام زوجها إلى الشباب المجاهد ، عرفت الضيف بعد أن عرفت بلده ، واعتُقلتْ أكثر من أربع سنين ... !؟
مررت والأخ عبد الغني يونسو على البيت الذي خلا من وجودها في ليلة العيد
وأحسست بحزن عميق ، حملته في أعماقي إلى أن تفجر في قصيدة : أم في القيود ، التي اختارها الناقد أحمد الجدع لتكون ضمن أجمل مئة قصيدة من الشعر الإسلامي المعاصر !
والذي أعترف به أنني بكيت مرات وأنا أصوغ أبيات مقدمتها :
أتطرقني الحوادثُ في مشيبي - وقد أفٓل الشبابُ ولا ن عودي !
وماأدري ! أيُنجدني قصيدي - وبعضُ الهمّ يُجلى بالقصيد
لعمرُك مٓن يعش يجدِ الليالي - تٓحُزُّ من الوريد إلى الوريد !؟
وكنتُ إذا رُميتُ بمدلهمٍ ...... - من الأحداث أُهرٓع للسجود !
فأذكر أن لي رباً رحيماً ...... - فما أنا بالقنوط ولا الجحود !
ومنها:
ويسألني صغيرُك أن تعودي - فقد ملّ الصغيرُ من الوعود !
أقول له : غداً تأتيك ماما ... - بألعاب وبالثوب الجديد
فيرمُقني صغيرُك ثم يمضي - بدمعات تسيل على الخدود !؟
ويُقسم لا يكلمني ثلا ثاً .. - وكم ألقى لديه من الصدود ؟
فأسترضي البراءةٓ بالعهود ... - وأستجدي البشاشةٓ بالنقود !
وأرجو أن أُصدق كل وعد ٍ... بذلتُ له ! فآهٍ من وعودي !!؟
...
فليت حياتنا كانت شقاءً ! - وياليت الطفولةٓ في سعود !؟
وأرجو لو بقيتُ العمر ٓطفلا ً - بقلب غافل غِرّ ودود !!
ومٓن يُقصي عن الأ طفال أماً - سوى ذي اللؤم والطبع الحقود !؟
وسوم: العدد 671