أغنية مِن مُدُنِ الغيب
لا اكتمالَ للبَدرِ في ليلِ المُرَوَّع والمغَرَّبِ عن أحاسيسِهِ؛
في مدائِنِ الرّملِ والسّراب.. وحيث تختَلِطُ الجهاتُ؛
فلا سِمتَ للرَّأسِ، كما لا مَوطِئَ للأقدام...
وحيثُ يَتَناهى إشراقُ اللّهفَةِ بجُنونِ العَتم،
فالقمَرُ غُربَةٌ، والضّياءُ مَحضُ خيالاتٍ بعيدَة...
والأجواءُ صُوَرٌ عارِيَةٌ كالرّيحِ المَنفِيَّةِ عَن مُدُنِ الحِسِّ،
لابَتْ في الأفقِ المَحمومِ، حتّى سَكَنَت فَرعَ اللّيلْ.
القَمَرُ هنالِكَ طِفلُ البَحر؛
بلَّلَ صَدغَيهِ نزيفُ مَشاعِرَ أورَدَها نَبضَ الأشواقِ سَحيقُ العمر...
العمرُ دُموعٌ، وبقايا عُذر!
عطَشُ الصَّحراءِ إلى رَملٍ مَلَّ التَّرحالَ،
إلى ريحٍ لا تَرضَعُ ثديَ الأطلالِ،
إلى خُطواتٍ لا تُلقِمُ ثَغرَ الحرِّيَّةِ عَناقيدَ الدّم!
***
مَن يَعشَقُ قمَرًا مَشقوقًا ما بينَ السِّرِّ وبينَ البَحر؟!
مَن يَسكُنُ مُدُنًا من صَدَفٍ؟
مَن يتبَعُ زَمَنًا مَنفِيًّا ما بينَ الكانَ وبينَ الأين؟!
مَن يَعشَقُ خطُواتٍ ما ارتَسَمَت فوقَ مَكانٍ...
ما التُمِسَت خارِجَ إنسان؟!
مَن يُنقِذُ مِن نَزفِ اللُّغَةِ شُرودَ العُنوان؟!
مَن يَمنَحُ حضنَ العاشِقَةِ لمحَةَ وجدان؟!
***
القَمَرُ الطّفلُ يغازِلُ ليلَ مَدامِعِنا،
مَنحوتًا مِن بَثقَةِ صَمتٍ في غُربَةِ فَجر..
الفجرُ غَزالٌ مِن صَخرٍ مَوتورُ القَفزَةِ..
والنّظرَةُ توقيتٌ لِزَمانٍ مِن أثَرٍ يتَمَلمَلُ فَوقَ عُروقِ يَدي،
جَوهَرَةٌ تَبحَثُ عَن تاجٍ في مُدُنِ الغَيب.
***
البَدرُ ملامِحُ مِن طينٍ يُنحَتُ مِن جَسَدي،
يتلاقَحُ أعمِدَةَ دخانٍ..
والعَرشُ مطالِعُ مِن ريحٍ تتَنافى..
الحَرفُ جراحٌ، واللغَةُ نقوشٌ فوقَ جبينِ الرّملِ،
خطوطٌ في جُمجُمَةِ الغيب.
***
الليلُ على رِمشي غيمَة..
الغَيمَةُ تَمضي كَيمامَة...
سَقَطَت مِن كَفّي في زَمَنٍ عارٍ مِن حَرٍ..
الزّمنُ يُسافِرُ، وخليجُ مراسينا غَيهَب!
واللّيلُ خُيولٌ، ومَداها عَطَشُ الشَّفَتين.
***
قَمَري أمنِيَةٌ ما راقَت لمزاجِ النّخل،
ما سَلِمَت من غَضَبِ الرّيح،
أسطورَةُ عِشقٍ تعتَنِقُ شفافِيَةَ الحَرفِ،
تبحَثُ عَن رعشَةِ ميلادٍ في رَحمِ الأرضِ،
وسوم: العدد 690