(في ذكرى مولد النبي الهادي محمد صلى الله عليه وسلم)
سعيًا إلى فَجرِ الحَياةِ نَبيلا = واستلهِموا صَفوَ النُّفوسِ سَبيلا
لا فَجرَ إلا بانتِصارِ مَحبّةٍ = رانَت على شَرَفِ الحياةِ قُبولا
وسَدادِ رأي واجتماعِ مَبادِئٍ = ورشادِ فكرٍ يَستَثيرُ عُقولا
وإباءِ نفسٍ وادِّخارِ عَزيمَةٍ = تأبى إذا مالَ الزّمانُ خُمولا
هَيّا فما الأحلامُ تَنفَعُنا ولا = عَونُ الغَريبِ يُنيلنا المَأمولا
ما بالعويلِ نعيدُ فينا عِزَّة = سُلبت فصرنا خائِفًا وكسولا
قوموا كأني بالزّمان يَهُزُّنا = وبكلِّ سانِحَةٍ يَدُقُّ طُبولا
ما بالُكم رانَ السّكونُ بأرضِكُم = جَرَّ الهَوانُ على الرّبوعِ ذُيولا
وغَدا السّفيهُ بأمرِكم مُتَحَكِّما = وقد استَباحَ الحقَّ والمعقولا
صوتُ الغِوايَةِ قد تجرّأ وانتَشى = والقلبُ أمسى مُغْلَفًا مَقفولا
والبيتُ أضحى للفراقِ مَباءَةً = ما عاد يجمَعُ صاحِبًا وخليلا
وكأنني ما عُدتُ أبصرُ عَيشَنا = إلا مَخاضًا في الرَّدى ونُزولا
يا أيها الإخوانُ قد عَمَّ البَلا = وغَدا المُصابُ مُثَبِّطًا ووَبيلا
في كلِّ رُكنٍ قد ألمَّت فِتنَةٌ = أرخت على سَعيِ الكِرامِ سُدولا
وأتت على نهجِ المحبَّةِ والصّفا = وقد استَباحَت حُرمَةً وأصولا
هُنّا وفرَّقَنا الزّمانُ فلا نُرى = إلا شَريدًا في الورى وقَتيلا
أو قُل شَراذِمَ في الشَّتاتِ فلا نُرى = إلا نُقاسي غُربَةً ورَحيلا
ما بين خَصمٍ يَستَبيحُ دِيارَنا = وقد استَحَلَّ دماءَنا وحُقولا
وأخٍ ضَعيفٍ يَستَهينُ بأمرِنا = لا سَلَّ سَيفًا أو أعَدَّ خُيولا
وإذا بأمَّتنا تَعيشُ تَمَزُّقًا = نِتَفا يلوذُ بها الزّعيمُ ذَليلا
سَوطًا على ظَهرِ العَشيرَةِ موجِعًا = ولَدى الوَلائِجِ خانِعًا وعَميلا
من دارَ في فَلَكِ الزَّعيمِ أثابَهُ = عِزًّا وجاهًا والمُخالِفُ غيلا!
قوموا إلامَ يَظَلُّ يَحكُمُنا الرَّدى = في كُلِّ ساحٍ راعِشاً وجَفولا
ثوروا فَهلْ مَلَكَ الطُّغاةُ حُتوفَنا = وهَلِ الطُّغاةُ تَناوَبوا عِزريلا؟
ما هُم ثِقوا إلا روابضَةً أجا = دوا في مَجالِ الفِتنَةِ التَّدجيلا
فقِفوا بِوجهِ الظُّلمِ سَدّا مانِعًا = صَفًّا تَأَبّى صامِدًا وثَقيلا
في مَوقِفٍ لا يَعتَريهِ تَراجُعٌ = نَأبى بِهِ التَّأويلَ والتَّعديلا
لَغوٌ إذا كنّا نُريدُ كَرامَةً = ما لَم نُحارِب جاهِلًا وضَليلا
سنُعدُّ للجُلّى يَقينًا راسِخا = نورًا نَراهُ لأمرِنا إكليلا
لا ما عَدِمنا خِبرةً ودرايَةً = لا ما عَدِمنا حكمةً وعُقولا
لكنَّ ما نحتاجُ صدقَ توكُّلٍ = للحَقِّ يسمو غايَةً وشُمولا
وصفاءَ نفسٍ واكتمالَ عقيدةٍ = بالخيرِ زادَ نُفوسَنا تَأصيلا
هُبّوا استَعيدوا مجدَنا فَلَطالَما = تُقْناهُ مَجدًا في الزَّمانِ أثيلا
مجدًا بَناهُ السّابقونَ بعِزَّةٍ = كانوا بِحَقٍ أوفِياءَ عُدولا
واليومَ يأتيني الزّمانُ بِريحِهِم = وأنا أُعاني مُبعَدًا مَذلولا
وتَهزُّني الذِّكرى لأبدأَ رِحلَتي = للنّورِ يَبقى زاخِرًا مَوصولا
من يومِ نودِيَ في رَبيعٍ باسِمٍ = وُلِدَ الحَبيبُ مُؤمَّلا مأمولا
واهتَزَّتِ البَطحا لِمولِدِ أحمدٍ = للمَجدِ كانَ مُشَرَّفًا وسَليلا
وازدانَت الدُّنيا لِمولِد نورِها = لكأنَّما أضحَت بهِ قِنديلا
وتعلَّقت كلُّ القلوبِ بنورِها = فرَحًا وقد رأتِ الظّلامَ اغتيلا
وغَدا بمحرابِ البَراءَةِ مِشعَلًا = بالنّورِ يَسعى هادِيًا ودَليلا
يا سيدي وملَكتَ كُلَّ عَظيمَةٍ = خَلقًا وخُلقًا سامِيًا وجَليلا
في الخُلقِ قلبًا حانيًا مُتَسامِحًا = وبِكُلِّ ساحٍ ساعِدا مَفتولا
يا سيّدي أدعوكَ من قلبٍ صَفا = والجَفنُ يسهَدُ بالدّموعِ بَليلا
يا مَن خَلا بِجوارِ ربٍ عالِمٍ = للذِّكرِ مُعتَزلًا... ولا مَعزولا
وحَظيتَ بالنّورِ المُنَزَّلِ شِرعَةً = وجُعِلتَ بالنّورِ العظيمِ رَسولا
فالكلُّ يقبِسُ من سَناكَ مَحَبّةً = نورًا... ويَبغي بالحبيبِ وُصولا
يا سيّدي وتَركتَ فينا مَنهَجًا = جيلًا تَوارَثَهُ التُّقاةُ فَجيلا
من سُنَّةٍ ما كُنتَ تَنطِقُ عن هَوى = آياتِ ذكرٍ نُزِّلَت تَنزيلا
وَقَرَت بذي القلبِ المُهيَّأ حِكمَةً = فَصَفا كَيانُكَ واشرأَبَّ جَليلا
يا أيُّها القاعُ الذي اضطربت بِهِ = كلُّ الحَقائِقِ جُملَةً تَفصيلا
عودوا إلى الدّينِ القَويمِ ووحِّدوا = وذروا صراعًا فُرقَةً وغَلولا
يا سيِّدي والصّوت لم يفتأ بنا = حيًا ينادي صافِيًا وأصيلا
نورًا يَظَلُّ لكُلِّ قَلبٍ مُؤمِنٍ = بالحُبِّ يَسعى بالأمانِ كَفيلا
حَربًا على الطُّغيانِ لا مُتهاوِنًا = بالحَقِّ سَيفًا قاطِعًا مَسلولا
لا يَرتضي التَّفريطَ في أركانِهِ = لا يرتَضي التّحريفَ والتَّبديلا
يا سيِّدي وقد ارتضَيتُكَ قُدوَةً = تَهدي النُّفوسَ وتَكشِفُ المَجهولا
يأبى لِواؤُكَ في الزَّمانِ تَثاقُلًا = أبدًا تَشامَخَ لا يُطيقُ أفولا
وحَشَدتَ في الدُّنيا نُفوسًا آمنَت = قاموا رَعيلًا يستَحِثُّ رَعيلا
هَيهاتِ يَرجِعُ ما مَضى إن لم نَعُد = نَبني ونَصنَعُ في الحَياةِ جَميلا