في طريقي إلى عرس الشام
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون*)
الصافات 171-173
لأن وعد الله حق على الرغم من تكذيب المكذبين وتثبيط المثبطين فإنني أرى نصر الله للشام واقعاً كما أرى الشمس و القمر و النجوم و الكواكب. وها قد أزفت الساعة التي طال انتظاري إليها فآن شد الرحال إلى الشام وآن لي أن أبوح بهذه الكلمات في طريقي إلى عرس الشام:
يَا شَامُ مَالِي أَرَانِي أزدهي أَلَقَا =وَالشَّيْبُ مِنْ مَفْرِقِي قَدْ زَادَنِي رَهَقا
وَكُلَّمَا طَالَ رَمْق الرامقين بِهِ =خِلْتُ المُنَى أَفَلَتْ مِنْ رَوْعِ مَنْ رَمَقا
لكنَّ شيبي لمنْ يجْلوه في سَحَرٍ =أضحى ضياءً لمن يرجونه فَلَقا
هذا المشيب فمن يُدْرِكْهُ في يَفَعٍ =يَرْقَ المعالي و يَأْبَ الضَّيْمَ و النَّزَقَا
في كل عظْمٍ و شَعْرٍ ينطوي جَلَلٌ =من الرزايا ومن أشلاء ما زُهِقَا
أتيتكِ اليوم في زهوي و في طربي =و الخَلْقُ يَشْهدُ أن الوعد قد صُدِقا
سأمتطي صهوتي مستعجلاً رَغَداً =و أُمْتِعُ العين في فرعوننا غَرِقا
و أَدْخُلُ الشام من أبوابها جَذِلاً =أُكَبِّرُ اللّه كم أَبْلَى و كم فَرَقا
و ألثم الأرضَ من تحنانها وَلَهاً = و أحضن العُسَّ في أَبْوابِها عَبَقا
لا يزدريني من الأرجاس شِرْذِمَةٌ = و لا يَشِي بي من الفساق من حَمُقا
و لا أهاب من الفُجَّار عاديةً =ترمي بفِتْيَةِ أنصار الهدى مِزَقا
يا ناصر الدين في مثواك مُصْطَرِخاً =إني أتيتك في سَعْيِي لأَسْتبِقا
ما جئتكم أرتجي نفعاً تجود به =أستغفر الله من شِرْكٍ به نُطِقا
إني أتيتك كي أسْعى بتَهْنئةٍ =فالكفر ولَّى و "غورو" آبَ مُحْتَرِقا
مَنْ دلَّ "غورو" على من سامكم نَصَباً =فجاسنا بالعُبَيديِّ الذي مَرَقا؟
ما كُنْتُ أَعْلمُ ما عَنَّاك من كَلِمٍ =حتَّى فُلِقْنا على أسْيافِهِم فِلَقا
حِطِّينُكُمْ كانت الجُلَّى بِمَلْحَمَةٍ =لكنَّ حطيننا أَضْحَتْ لنا فَلَقا
عذراً دمشق أتيتُ الشام بعد لظىً = أصاب فتيتها في الدار و امْتَحَقا
و كان حقُّكِ أن أسعى بتَسْريةٍ =و الجرحُ يَدْمى و عهدُ الناس ما وُثِقا
فأَوْصَدُوا الباب في وجهي مُناكَلَةً =و فرَّقوا سُبُلاً و قطَّعوا طُرُقا
و رحتُ أرجو من الآسي مكاشفةً = لمَّا ذُهِلْتُ برمحٍ خارقٍ عُنُقا
قال الطبيب لمن يرجونه طَلَباً =الخير في دعوة الأبناء و الرُّفَقا
هل تأملون الشِّفا و الكَلْمُ في ثَغَبٍ =و الرأس قد شُجَّ منها و الحَشى فُتِقا
فاستيأس القَوْمُ من بُرْءٍ و من بَلَلٍ =منْ مُبتغٍ كَفَناً أو مُدْبِرٍ شَفَقا
و جَّهْتُ وجْهي لربِّ الخلق: يا سندي = أنت القريب إذا باب الورى غُلقا
ناشدتكِ اللَّهَ يا فيحاءُ لا تَدَعي =سِرّاً يُسَرِّي القلوب الطافحاتِ تُقى
هل فاء عيسى من العلياء في سَحَرٍ=عند المنارة من شرق الرُّبا و رقى؟
و أبرأَ الجُرْحَ مسْحٌ منْ أناملهِ =فصِرْتِ أَوْضأَ ما أُبْرِي و ما خُلِقا
أم إنَّ جبريل ألقى فيكِ أَجْنِحَةً =بِرّاً بخير الورى فغَشَّتِ الأُفُقا
فإنْ كَرِهْتِ جواباً في مساءلتي =يا صِبَّ قلبي من التَّحْنانِ ما خَفَقا
فالأمر أمرك لا ضَيْرٌ و لا حَرَجٌ = ما دام نجمُكِ في العلْياءِ مؤْتلِقَا
هذا أوان حبور النفس فابتهجي =يا شامُ و استغفري و استبشري غَدَقا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النزق: الخفة والطيش في كل أمر.
أبلى فلاناً: اختبره. فرق بين الشيئين: فصل.
العُسّ: جمع عَس: الحارس الذي يحرس الناس ويكشف عن أهل الريبة واللصوص.
غورو: هو الجنرال هنري غورو الذي بدأ الاحتلال الفرنسي لسورية، وقف على قبر صلاح الدين يركله بقدمه و يقول: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"
عنَّاك: آذاك.
محق الشيء: إبادته حتى لايرى منه أثر.
وسوم: العدد 711