طال البِعاد وشفَّني النَّصَبُ =فمتى أعود إليكِ يا حَلَبُ
أودَعتُ فيك من الصِّبا عُمُرًا =بالشوق والأحلام يختَضِبُ
ونثرتُ فوق رُباك أغنيَةً =بيضاءَ مِلءَ السمع تَنسكِب
غنَّيْتُها والحبُّ يُلهِمني =والسَّامرون برجْعها طرِبوا
نشوانَ، خمري ذوْب عاطفتي=فاخجَل ودعني أيها العِنبُ
ودَّعتها وصباي يَبسِم لي =ومناي لا ترقَى لها السُّحُب
وتركْت فيها أكبدًا صُدعت =ومدامعًا بالجمر تلتهِب
وأحبَّة ذكراي زادُهُم =لولا التصبُّر مسَّهم لَغَبُ
أحلامهم شوق تُجنِّحه =للصَّحوِ آمالٌ لهم قُشُبُ
والصحو تَوقٌ للمنام عسى =طيفٌ مِن المحبوب يَقترِب
أتُرى أعود إليكِ يا حلبُ =قبل الممات ويَصدق الرَّغبُ
غادرتُها طفلاً تُعانِقني =قُبُلاتُ أمٍّ كلُّها حَدَبُ
واليومَ شَيبي ضاحِكٌ وأنا =قد جُزْت سِنَّ الأربعين أَبُ
أأعود؟- ويح العَوْدِ - مُنفرِدًا =لم يبقَ لي خِلٌّ ولا أرَبُ
أأعود؟ والأحباب قد رحَلوا =والإرث عند النَّذل مُغتصَب
أأعود والدار التي دَرَجتْ =فيها الخُطى بالحزن تَنتقِب
أحجارها هَرمت وقاعتُها =مَهجورة، وفِناؤها خَرِبُ
لا زهرَ يَضحَك في حديقتِها =لا ماء يَعلو صدرَه الحَبَبُ
لا طِفلَ يمرَح في مَرابِعها =لا شيخَ تَروي عِلمَه الكتبُ
لا شِعرَ يَشدو في مَحافِلها =صمتَتْ بها الأشعار والخُطَبُ
الأهل شتَّت شمْلَهم قدَرٌ =والصَّحب فرَّق جمْعهم رَهَبُ:
(عبدالكريم) رهينُ غُربتِه =و(أبو الحسَين) يَؤوده التَّعبُ
وغياث في القبرالغَريب ثوى=وبهاء وجه في الثَّرى تَرِبُ
صور مِن الماضي مولَّهةً =في خافِقي الملهوف تَنتحِب
شهباء هذي الأنَّة انفلتَتْ =من مُدنَفٍ حرٍّ له نَسَبُ
نسَبٌ تروح الشمس كاسِفةً =من حُسنه، وتظلُّ تحتجِبُ
فضْل مِن الرَّحمن أغدَقه =لم يَجنِه سعيٌ ولا دَأبُ
فعسى الفِعال تَصون لي شرفًا=قد هان مَن لم يَحمِه أدبُ
شهباءُ حبُّكِ في الفؤاد لظًى =والشوق نحوَكِ باتَ يَضطرِب
لكنَّني أشرَكتُ في مِقَتي =لكِ أربعًا تَعنو لها الشُّهبُ