والفضل في سَبْقِكمْ إن ساءكم ضَرَرُ
إلى الذين قضوا نحبهم صابرين محتسبين، و إلى الذين ما زالوا ينافحون عن العرض و الدين و الذين غصت بهم السجون لا لجرم اقترفته أيديهم و لكن لاعتصامهم بحبل الله المتين، و إلى الذين أثخنتهم جراحهم في نزال المعتدين و دفع الظلم عن المظلومين، وإلى الذين هجروا أوطانهم و هاموا في الأرض حتى أتاهم اليقين، إلى الأمهات الثكالى الصابرات اللواتي افترشن الأرض عند قبور بنات لهنَّ و بنين، و إلى كل من أعيته آلام الوجد للقاء الصحب والأهلين، إلى من أصابهم البغي في بورما و الشام و مصر و اليمن و ليبيا و العراق و كل أمصار المسلمين وإلى كل من يصبو إلى فتوح كفتوح بدر واليرموك و حطين أهدي هذه الأبيات:
طوبى لِمَنْ فِي قراعِ الكفرِ ينتظِرُ **** والنَّحْبُ إنْ حَلَّ في أهل التقى ظَفَرُ
مالي أكابدُ أشْجاناً مُؤَرِّقةً **** تُغْوِي الحليم و تُعْمي مَنْ به بَصَرُ
أضْنَى سِقائي لِحَرْثٍ كنتُ أكلؤهُ **** مِنِّي الجَنَانَ و أبكى مُهجتي القَدَرُ
خِلْتُ المروج ستبدي في وضاءتها **** ما ضَنَّ بالبذلِ في إمساكهِ الحَجَرُ
لكنَّ روضي يَبابٌ مُجْدِبٌ مَحِلٌ **** يا ليت شعري فلا ظِلٌّ و لا شَجَرُ
يا راحلين عن الدنيا و زخرفها **** لا تجزعوا فالليالي بَذَّها كَدَرُ
يا قابعين وراء السجن في ظُلَمٍ **** إنَّا و رَبِّ الدنى في سجننا زُمَرُ
يا من يئنُّ من الكَلْمِ المحيط بهِ **** لا تسأل الناسَ عنْ كَلْمٍ به قُهِرُوا
يا مَنْ عَدِمْتُمْ من الأبناء كوكبةً **** إنَّ الأُلَى عدِموا منْ نالهم خَوَرُ
يا هائمين و عين الله تكلؤهم **** في كل أرضٍ تجافى في الدجى السفَرُ
يا تائِقينَ إلى خِلَّانهم و بهم **** من جذوة الوجْدِ ما يُرْدي و لا يَذَرُ
يا عائدين إلى مَأْواهمُ كلَلاً **** فارتاعهم طَلَلُ الأَبْياتِ و الحُفَرُ
الصابرين على اللأواء في رَغَبٍ **** و الدَّهْمُ في الإفكِ و البهتانِ قدْ فَجَرُوا
القابضين على إيمانهم جَذَلاً **** نِعم الجزاء لمن في كَرْبِهِمْ صَبَرُوا
لا تحسبوا رُزْءكم شَرّاً أحاط بِكُمْ **** ما اسْتَيْأَسَ الرُّسْلُ إلا جاءهم ظَفَرُ
هل يَرْتجِي البَغيُ من طغيانه غَلَباً **** أم أنَّ ليلَ الثكالى ماله سَحَرُ؟
تالله لن ينقضي ضَنْكٌ بلا شَرَفٍ **** و الفضل في سَبْقِكمْ إن ساءكم ضَرَرُ
النَّحْبُ: الأجلُ
الجَنَان: القلب
بَذَّ: غَلَب، ساءَت حاله ، ورَثَّتْ هيئته.
زُمَر: جمع زمرة و الزمرة الفَوْجُ والجماعةُ والجمع : زُمَرٌ: : أفواجٌ متفرّقة بعضها في إثر بعض.
الكَلْمِ: الجَرْحُ
عدِم الشَّخصَ / عدِم الشَّيءَ : فقده ولم يجدْه ، خسِره
الخور: الضعف و الانكسار
تائقين: تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ : اِشْتَاقَتْ إِلَيْهِ ، نَزَعَتْ نَفْسُهُ إِلَيْه
اللأواء: : ضيقُ المعيشة
رغِب في الشَّيء : أراده وحرَص عليه وطمِع فيه وأحبَّه
الدَّهْمُ : العَدَدُ الكثيرُ، جَيَشٌ دَهْمٌ : كثير
الوجْد: الحب و الشغف
الجذل: الفرح و الابتهاج
رُزْء: بلاء، فاجعة.
ما اسْتَيْأَسَ الرُّسْلُ إلا جاءهم ظَفَرُ: مستوحاة من قوله تعالى: "حتى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" (110) سورة يوسف
ضَنْكٌ: حَياة ضَنْكٍ : ضَيْقٍ: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً" طه آية 124
وسوم: العدد 742