أردتُ أن تكونَ هذه القصيدة جامعة لما سبق مني قوله على مدى نصفِ قرن، وما أتمنى بعدُ أن أقوله إن مدَّ اللهُ ليَ بالأجل مستلهمًا إيماني بعظمة أمة خير المرسلين. وأنا اليوم في الخامسة والسبعين منتظرًا من ربّي جلَّ شأنه حُسنَ الخاتمة، فإلى أمّتي ما أوحاه حُبُّها، وإيماني بما فطرها الله عليه.
وألفُ أواهٍ مِنْ دهرٍ غَفَوْتِ به
الحيُّ ميْتٌ إذا ماتتْ بهِ القِيَمُ =مهما جنى فجَنَاهُ في غدٍ عَدَمُ
وكلُّ ما نالَهُ من سعيِهِ حَبَطٌ=فهْوَ انتفاخٌ به يستوطِنُ الورمُ
يزيدُ في الجِسمِ فتكاً ليسَ تمنَعُهُ =مناعةٌ جفَّ منها للهُزالِ دَمُ
مرَّ الزَّمانُ ولمْ يَحْفَل بقيمَتِه=فلمْ يَعُدْ يُجْدِهِ طِبٌّ، ولا ندَمُ
كَمْ صعَّرَ الخَدَّ تيهاً لا يَرَى رَحِمًا=فباتَ يذوي، ولَمْ يَأبَهْ لَهُ رَحِمُ
ومَرَّ وهْمُ الهوى، مَرَّتْ مزاعِمُهُ=وغادَرَتْهُ إلى لا عودةَ الهِمَمُ
وكلُّ منْ لمْ يَكُنْ يحيا أخا قِيَمٍ=فهو الشَّقِيُّ وإنْ صُبَّتْ لهُ النِّعَمُ
* * *=* * *
واليومَ قومي "وا لهْفي" لغفلَتِهمْ=كمْ ذا يؤَرِّقُ عيشي طولُ نومِهِمُو!
رَضَوْا بدنيا دنياها تُجَرْجِرُهُمْ=ولا يُبالونَ أنَّى كانَ جَرُّهُمُو
مستسلِمُونَ لمن همْ عِندَهُمْ خَدَمُ=لولا ارتضوا أنَّهُمْ من ذُلِّهِمْ خَدَمُ
لمْ يَبْقَ للعِزِّ في أحلامِهِمْ أثَرٌ=فاستمرأوا الذُّلَّ حتى صارَ عِزَّهُمو
ولمْ تُفارِقْ دمي نيرانُ خُلْفِهُمو=ولمْ أُعانِ بلاءً مثلَ خُلفِهمو
ما مثلُ خوفي خوفٌ من تفرُّقِهمْ=ومن أشرِّ مصيرٍ مُحدقٍ بهمو
* * *=* * *
فيا أحبَّ وأهدى أمَّةٍ عَظُمَتْ=متى يعودُ إليكِ السَّيفُ، والقلَمُ!
هلْ في الزَّمانِ كَمَنْ أَنْجَبْتِ مِنْ نُجُبٍ=أو خالِدِينَ من الأعداءِ تُحْتَرَمُ!
وهلْ درى أمَّةً أدَّتْ رسالَتَها=للعالمينَ وما زلَّتْ لها قَدَمُ!
وما سِوَاها يُرَجِّي عالَمٌ عَظُمَتْ=منه الشرُّورُ ولم تُعْرَفْ له ذِمَمُ
أما أعدَّ لقهرِ الكونِ أسلحةً =هيهاتَ تسلمُ من إيذائها نَسَمُ!
قتلُ الشُّعوبِ بلا ذنبٍ لهُمْ هَدَفٌ=فهو المُباحُ بما قد هُيِّئَتْ نُظُمُ
لا تُرتجى منه بعدَ البطشِ في أمَمٍ=أدنى الحقوقِ فإنَّ الحقِّ ما زعموا
وأمّتي رغمَ ما عانته عائدةٌ=إلى هُداها، ومن كادوا لها رَغِموا
ما زِلتُ أؤمِنُ يا ربِّي بعزَّتِها=وإن تداعى عليها كلُّ من عجموا
والأخطرونَ من الأعرابِ من مردوا=على النِّفاقِ، فشرُّ المكرِ مكرُهُمو
لا ضيرَ، لا ضيرَ مما قد ألمَّ بنا=ما دامَ قومٌ بنا بالله تعتصِمُ
* * *=* * *
يا ربِّ نصرُكَ يومًا ما شَكَكْتُ به=فابعثْ بقوميَ من يُرْجَى لنصرِهِمو
فترجِعُ الكونَ للتوحيدِ أمَّتُنا=والظلمُ يُنهى، ويُخزى الشِّركُ والصَّنَمُ
فيزدهي المسجدُ الأقصى بمن صدقوا=وعاهدوا اللهَ أن يحيُوا لدينهمو
فهُم عِبادُكَ ربّي دونَ غيرِهُمو=فيومَ خلقِ الذّراري شئتَ وعدهمو
فالكَرُّ ثانيةً للقدسِ دأبهمو=ولن تحولَ صعابٌ دونَ دأبِهمو
أَلَمْ يُطهِّرْ، ويُنصف أهلَهُ عُمَرٌ=والكلُّ نالَ بكلِّ الحبِّ حقَّهُمو
فتشهدُ الأرضُ ما معنى عقيدتِنا=وقد أعادَ عبادُ اللهِ قدسَهمو
ونحنُ من جدُّنا في فضلِهِ عُمَرٌ=ونحنُ من ورثوا في الفضلِ جدَّهُمو
فتنشرُ العدلَ في الآفاقِ شرعتُنا=وفوقَ أعلى الذُّرى يعلو لنا عَلَمْ
ويهتفُ الكونُ زَهْوًا تلكَ أُمَّتُنا=تلكَ التي مِثْلَها لَمْ تُكْبِرِ الأمَمُ
فأشْعُرُ الكونَ مثلي هزَّهُ طَرَبٌ=إذ استعادَ أعزُّ النَّاسِ مَجْدَهُمو
* * *=* * *
يا أمةً سَعِدتْ في ظِلِّها الأمَمُ=لـمَّـا ازدهى ببنيها السَّيفُ، والقلمُ
ألم تكوني بكلِّ النَّاسِ راحمةً=وكم لك ارتاحَ مَنْ مِنْ أهلِهِمْ ظُلِموا!
=ومن رعاديدَ ذاك الغفوُ سرَّهُمو!
تشامَتُوا وازدهى في القولِ واتِرُهُم="يا أمةً ضحِكَتْ مِنْ جهلِها الأُمَمُ"
وقدَ تعامَى لذُلٍّ ساقَ سيرَتَهُ=فكان مِمَنْ تَلظَّى الدَّهرَ حقدُهُمُو
فقالَ ما قالَهُ كفرًا بأمَّتِنا=فهو الكفورُ ــ وإنْ دانتْ لَهُ الكَلِمُ ــ
فأُمَّتي كمْ أعادَ الدِّيْنُ عزَّتَها=وأُرجِعَتْ نِعَمًا مِنْ بَأْسِها النِّقَمُ
ووحدَها من لنَشرِ الحقِّ قد عَمِلَتْ=وكمْ لِحِكمَتِها الأخصامُ تحتكِمُ!
لنشرِ كلِّ صلاحٍ أمتي فُطِرَتْ=وللمعادينَ لمْ تُخْفَرْ لها ذِمَمُ
في ألفِ علمٍ رجالاتٌ بها برعوا=والغربُ يشهدُ كمْ أغناهُ عِلمُهُمو
وسيفُها أبدًا للحقِّ غضبَتُهُ=فكانَ بُرءًا لمن قد حُقَّ نصرُهُمُو
* * *=* * *
رحماكِ يا أمّتي، رُحماكِ فانتفضي=فالظُّلمُ عمَّ، وقادَ الكونَ من ظَلَموا
لمْ يبقَ في عصرِنا عدلٌ، ولا قيمٌ=فالكونُ يرجُفُ ممن زادَ بغيُهمو
يكادُ في لحظةٍ يُرديهِ من فسدوا=ومن لقهرِ البرايا كانَ سعيُهمو
هيهاتَ هيهاتَ أن تُحصى جرائمهُمْ=وأن يَحُدَّ خيالٌ سوء بطشِهمو
وأنتِ يا أمّتي من وحدَها خُلِقَتْ=لتُصلِحَ الكونَ ممن ساءَ حُكْمُهُمو
فما سما، وارتقى قومٌ بلا قيَمٍ=وأنتِ يا أمَّتي من دأْبُها القِيَمُ
* * *=* * *
يا طِيْبَ صحوٍ سيأتي بعدَ غفلَتِنا=فالأمرُ في حالَتيْنا كلُّهُ حِكَمُ!
ونحنُ مهما غفونا صحوُنا قَدَرٌ=وهو الرَّجاءُ الذي تهفو لهُ الأمَمُ
وألفُ ألفِ يقينٍ في بوارِقِهِ=إنّي لأُبصِرُها مهما الطُّغاةُ عَمُوْا