أسطورةُ الدّمِ والسّراب
مَيتٌ، ويَرشِفُ مِن دَمِ الموتى، ويسألُ: مَن يقودُ غَدي لما
لا تَرتَجيهِ يَدي لتَعصِرَ ألفَ حُزنٍ
ثمَّ تُلقِحَ غَيمَةَ الآبادِ رَعدَ العابِراتِ السّودِ أجهَضَها السّراب.
مَيتٌ، ويَستَسقي هَوامِشَ نَظرَةٍ هَزَّت شُحوبَ غُروبِها،
فتَساقَطَت صَدًّا، أَوَت ريحًا على فَرَقٍ ليَسأل عُريَها
ظِلًا لرَعشَتِهِ، وللأعذارِ باب.
نَسيٌ، وتَسكُنُهُ الخُرافَةُ صَهلَةً شَبَحِيَّةً
ما بينَ ذاكِرَتينِ أقرَبَ مِن حدودِ الوَهمِ مُتَّكَاً،
وأبعَدَ مِن دَمي لُغَةً، وبينَ البَينَ أسفارُ الغِياب.
ألقَت سُداها زَحفَةُ الأبعادِ، في غَدِهِ انتَشى
رَملًا ليَغرَقَ في مَواسِمِ حُزنِهِ فَصلُ الإياب.
يحتاجُ ما تَحتاجُ أمنِيَةٌ ربيعٌ شابَ في وَطَنِ الخُرافَةِ،
باتَ يشتاقُ الخُروجَ على المَعاني كُلِّها...
ليَعودَ معلومَ الجَواب.
غَدُنا نَزيفُ الآهِ في النّاياتِ يَسكُبُنا على وَتَرِ العَذاب.
بَطَرًا رَ مَينا خيرَنا في البَحرِ، عُدنا نستَقي الأخطارَ مَعذِرَةً...
يُقَلِّبُنا على جَمرِ الهوى شَبَحٌ يَطالِعُ وَجهَهُ في ليلِ خَيبَتِنا
يُوَرِّطُ عُمرَنا بملامِحِ الإطلالَةِ المَلأى غِياب!
كَم مِن سَرابٍ قَد أُهيلُ على سَرابي كَي يَعودَ
دَمي ليولَدَ مِن حَقيقَتِهِ، وتولَدَ غَيمَتي مِن ساعِدي
ليَشُقَّ صَدرَ الأرضِ نَبضَ يَدي، وتَنتَفِضَ الشِّعاب؟
ترتاحُ بي لُغَةٌ تَنَكَّبَها السُّدى نأيًا ووَعدا
وتَعودُ مِن زَمَنٍ تَقادَمَ، صارَ بالنِّسيانِ أجدى
وتَعوذُ مِن سَخَطِ الهوى وجنونِهِ جَزرًا وَمَدّا
تسمو وتَطعَنُ بالسّجايا حَظَّها الموؤودِ صَدّا
وتعيرُ ذاكِرَةَ القلوبِ نشيدَها لتَصيرَ رَعدا
يَعدو على جُرحي ليَشرَبَ مِلحَهُ ويعودَ صَهدا
ويَصيحُ باللُّغَةِ التي احتَضَنَت جَسارَتَهُ: اقطِفي
مِن حُرقَتي أفُقًا، وكوني للنّدى عُمرًا ونَهدا
تَسّاقَطُ الأشواقُ مِن شَفَقي الذي لا ريبَ فيهِ تَفاعُلًا
كسَريرِ عاشِقَةٍ تَوَسَّدَت الرُّؤى أمَلًا
فراوَدَها عَنِ الأشواقِ وجدانًا عَصِيَّ الكَشفِ، فاحتَضَنَتهُ،
كُن سِرّي، اتَّخِذ صَدري حِجابا
وتَرًا يَهُزُّ الليلَ، يَمضي هكذا: مِن دونِ لونٍ واضِحٍ،
وَجدًا، ليَغرَقَ في مَزايا قَد نأت عَن نَفسِها
تحتاجُ ذاكِرَةً بِحَجمِ الرّيحِ تَمنَحُها وُعودًا فارَقَت أبعادَها،
مَرَدَت على كلِّ المَعاني كي تَصوغَ جُموحَها لُغَةً
وتَمنَحَهُ انتِسابا.
يسمو ليَنجُوَ بي غَدي فَجرًا تُراوِدُ شَهقَةَ الناياتِ زَحفَتَهُ بما
في الأمسِ مِن شَجَنٍ، فيَخرُجُ عَن سَجِيَّتِهِ الكَلامُ،
يَشُقُّ صَدرَ خُرافَةِ الأيامِ، يَمضي هاتِفًا:
يا ريحُ يكفيني اغتِرابا.
كُن بي ولي يا جُرحَ إنساني الذي
إن راوَدَتني الرّيحُ عَن صوتي استَعَرتُ ظِلالَهُ،
فَغَدَت سَحابا.
صوتٌ يعيدُ بشامِخِ الذِّكرى جنونَ الريحِ وَردا
ويُعانِقُ النّجوى ليَقتُلَ في نَداهُ البُعدُ بُعدا
يرتاحُ مِن صَخَبٍ دَمي، ويصيرُ للأشواقِ بَردا
وتعودُ أحلامي السّماءُ سريرُها، وأصيحُ وَجدا:
يا حُبُّ عانَقتُ المَصيرَ إرادَةً،
وسَمَوتُ فوقَ مَواجِعي،
ألقَحتُ أعضائي رؤى إنسانِها،
ما عُدتُ فَردا.
وسوم: العدد 754