الرسول كأنك تراه، لعبد العزيز الرفاعي
عرض مجلة الفيصل العدد 123
لقد كان الرفاعي في هذا الكتاب باحثاً جاداً ، ومققاً متأنياً ، وحريصاً على إثبات حقائقه عبر تلك الروايات والأخبار التي تؤكد صحة حديث أم معبد المشهور ، والذي يلخص الهجرة هجرة الرسول وأبي بكر ومن رافقهما ، ومرورهم بأم معبد ، وحاجتهم للطعام والشراب .
ولم يجدوا عندها سوى " شاة خلفها الجهد عن الغنم " ، ويحلبها رسول الله ، فتدر حليباً كثيراً .. ثم يرتحلوا ، ويعجب أبو معبد حين عودته بما رأى ، ويطلب من زوجته أن تصف له حال ذاك الرجل المبارك ، ثم تصفه بقولها ـ وهو الذي حرك بالرفاعي الدوافع إلى الكتابة ـ :
" رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، ولم ترز به صولة ، وسيم قسيم ، في عينيه وهج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صهيل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثافة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد ، وأحسنه وأجمله من قريب .. حلو المنطق .. لا نزر ولا هزر ، كأن منطقه خرزات يتحدرن ، ربعة ، لا تشنأه من طول ، ولا تقتحمه العين من قصر ، غصن بين فصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظراً ، وأحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفون به ، إن قال سمعوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند " . ويعرفه أبو معبد ، وتسمع مكة صوت الهاتف يقول شعراً لا يدرون من صاحبه ، يروي قصة الرسول مع أم معبد ، ويشبب حسان بشعر يجاوب الهاتف .
ولقد قام الرفاعي بشرح ذلك الحديث وتخريجه بكل دقة ، معتمداً على كثير من كتب الحديث والمعاجم ، كما وقف عند متن الحديث الذي رواه (حزام بن هشام الخزاعي) الثقة ، ثم عند أم معبد وسيرتها ؛ وسيرة ابنها معبد وزوجها .. ونسبهم الكعبي الخزاعي ، ويختم كتابه بالحديث عن " قُديد " مكان أو موطن أم معبد وخيمتها .
ومع أن الأستاذ الرفاعي وقف " وقفة فنية " عند نص الحديث ، وأبدى إعجابه به من الوجهة البلاغية ، وبصفحة واحدة ، وهو من المتذوقين للأدب بكل فنونه واتجاهاته ، ويمتلك ثقافة أدبية فنية معاصرة .. إلا أنه لم يقم على تحليل النص تحليلاً أدبياً وفنياً ، واستخلاص الكثير من الخصائص الأدبية والفنية ، التي نلمحها في المواقف القصصية .
إن سياق الحديث ، وما تضمنه من حكاية وسرد وحوار وأحداث وشخصيات ، ومواقف اختلط فيها الرمز بالمعجزة والأسطورة بالواقع .. ودقة اللغة التي أوحت بدلائل وجدانية وفنية ، وبلورت صورة الرسول بلورة حية وكأننا نراه فعلاً ، لتبرز الكثير من المعالم القصصية ، ولكن الرفاعي لم يلتفت إلى الجانب القصصي للحديث ، ولم يحاول أن يستنبط جوانب وأبعاداً فنية معاصرة .. يستطيع من خلالها أن يقرب التراث ، ويضيئه ؛ ومن ثم ليؤكد الثروة القصصية في تراثنا العربي والإسلامي ..
وسوم: العدد 767