حزن حتى الموت !؟
لماذا يحاولون طمس إبداعه في دمشق ، فيمنعون نشر إنتاجه ، ولو على حسابه !؟
الكاتب السوري : فاضل السباعي في ( حزن حتى الموت )
خمس عشرة قصة كأنها فصول في رواية، تدور حوادثها حول الإنسان الذي حرم من أعز ما يملك (الحرية).
ففي (يقظة بعد سبات طويل) يعتاده الخوف من كل شيء، أما في (الحلم واليقظة) فهو مهدد بتسريحه من العمل، وبالجوع الذي سيحل بأسرته، فتأتي أحلامه صورة عما يحدث نفسه به في يقظته.
وفي (الصورة والاسم) استطاع أن يختفي طويلاً مع أنه لم يرتكب ذنباً، وحين قبضوا عليه خطأً أعطاهم اسماً مخترعاً، فإذا صاحب هذا الاسم مطارد، فتساءل وهم يجرونه: هل الأسماء كلها مطلوبة للسلطة؟!
وفي (قاطف الزهرات اليابسات) لم يجد مجالاً لينشر فكره في بلده، وحين أراد الخروج لطبع كتاب خارج الحدود، اتُّهم بمخالفة الأنظمة، وأوصدت الأبواب في وجهه.
وأما في (العينان في الأفق الشرقي) فيمتزج الواقع والخيال لتعرض صورة عن حياة المثقف في ظل أنظمة تنسيه رسالته وتفقده إنسانيته.. ولا يبعد الخيال عن الحقيقة إلا في تصور الوسائل التي تستعمل لمراقبة ما يفكر به الناس، ومحاسبتهم عليه، فهم متهمون ولو ثبتت براءتهم، والبراءة من أعمال لم يرتكبوها أصلاً مكرمة يجود بها السجان الجاهل!
وفي (رسالة حب صغيرة) يصل الأمر في التضييق على حرية الناس إلى حد التدخل في شؤونهم العاطفية من خلال رسائلهم إلى من يحبون!
وأما (الجمهور يضحك بصخب) فتصور النتائج التي يؤدي إليها انتحال صفة رجل الأمن بين الناس في محاولة للتخلص من الرعب بإرعاب الآخرين؟!
وفي (الوثيقة) تتحول التقارير التي يرفعها المرتبطون بالسلطة على تفاهتها إلى وثائق مهمة، يخشى من تضييعها وإتلافها.
وفي (الآخرون) يصبح الهرب أفضل وسيلة عند مواجهة رجال الأمن ولو كان الإنسان غير مطلوب، لأنه محتاج لإثبات براءته من عمل لم يقترفه.
وفي (الامتناع) يصل الأمر إلى التعرض للموت بأي طريقة، لأن المواطن أصبح لا يثق وهو في وطنه ومع مواطنيه بوعود أمن النظام.
وفي (حتى موسم الزيتون) مع عظم المحنة في فقدان الحرية يتمنى الإنسان المعاصر أن يغط في سبات عميق إلى أن تنجلي الغمة.
وفي (مواطن في المسيرة) على الذين يمشون في ركاب الجائرين أن يتحملوا تبعات ظلمهم، طالما أنهم يكثرون سوادهم.
وفي (انتظار تحت الشمس) الطغيان لا يقف عند حد، فإذا تنازل له الإنسان عن شيء يطالبه بشيء آخر، فتكون النتيجة مصادرة الحرية والحياة، وحجر الفكر والتعبير!.
وفي (هل يعود الطائر إلى الأرض؟) يكرهون الطغيان، ولكنهم يخشونه، فإذا سقط بيد غيرهم أصابتهم الدهشة والحيرة، أيفرحون لسقوطه؟ أم يتحركون للدفاع عنه خوفاً منه بعد أن تطبعت حياتهم بطاعته، فهم لطول عبوديتهم غير قادرين على اتخاذ أي موقف.
وأما (لا ضير، فليغرق العالم) فترمز إلى الحقد الذي يعمي أبصار بعض الناس حين يصلون إلى مركز قوة، فيتذكرون ما أصابهم فيعممون ظلمهم ولا يجد الصفح إلى نفوسهم سبيلاً، فيحل الخراب، لأن الخطأ لا يصحح بخطأ مثله.
وفي (الأيدي الكرتونية) يتحول الطغيان بعد التمرد عليه إلى قزم من ورق، لو جرب مسلوبو الحرية مرة أن ينقذوا حريتهم من أنيابه.
يعمد فاضل السباعي في هذه المجموعة إلى الإيحاء بالرعب الذي يكتنف شخصياتها فيرمز في أكثرها إلى أسمائهم بحروف خوفاً عليهم لا خوفاً منهم؟
وتأتي الصياغة لتزيد في هذا الإيحاء، فقد صاغ المؤلف عشر قصص بضمير الغائب، وخمساً بضمير المتكلم، فأظهر أن ثلثي المظلومين يخشون من الكلام على مأساتهم، وأن الثلث والثلث قليل هم الذين يبثون أحزانهم بعد أن يطفح الكيل، ولكن على تخوف من الإرهاب وأهله.
وقد فضحت هذه المجموعة الأنظمة الشمولية والجبرية التي تأخذ الناس بالشبهة والمشابهة بأسلوب السرد والحوار، وكان السرد أشبه بالتقديم، بينما جاء الحوار لاهباً نتلمس فيه أنفاس الشخصيات حارة، وقد بلغ بها الحزن حداً يقترب بها من الموت الحقيقي بعد أن أمات الطغاة إنسانيتها وكرامتها.
وسوم: العدد 796