الموتى يتكلمون
تناول الكاتب في هذا الكتاب قصة تنظيم 1965م والتي أتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بعدد من التهم التي لا ترتقى لأن تكون تهم حقيقية بسبب تنافس قوى الصراع من رجال جمال عبدالناصر في نيل الحظوة لديه والسيطرة على مقاليد وزمام الأمور في مصر والتحكم في مقدارات الأمور وإرضاء الرفيق السوفيتي حتى ولو كان على حساب أبناء الوطن الشرفاء، ومن ثم انتهزوا فرصة تلفيق قضية للإخوان وزجوا بآلاف الأسماء الذين اعتقلوا في أيام بسيطة وزج بهم في آتون مذبحة لم يشهدها القرن العشرين داخل السجن الحربي وسجن القلعة. وفي هذا الكتاب يوضح الكاتب هذه المذبحة التي تعرض لها الإخوان والتي بلغت قسوتها أن كتب أحد الضباط الأحرار ورفيق جمال عبدالناصر وهو كمال الدين حسين أن كتب له رسالة يقول له فيها :"اتق الله" من هول ما وصله من أخبار وتعذيب داخل السجون ضد أناس عزل ويوضح سامي جوهر في مقدمته هذه المعاني التي تناولها خلال الكتاب فيقول بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله..
لقد عبرنا الهزائم والسلبيات بكل مرارتها.. وبدأنا نعيش الانتصارات والإيجابيات بكل حلاوتها... عادت إلينا الكرامة .. بعد أن عشنا سنوات من الهوان.
عادت إلى نفوسنا الطمأنينة.. بعد أن عشنا سنوات من الخوف.
عادت إلينا الحرية.. بعد أن عشنا سنوات من القيود.
عشنا الستينات... وكانت نكسات..
انتكست فيها وحد مصر مع سوريا..
انتكست فيها تعاليم الدين الإسلامي.. وأصبح المسلم يقتل أخاه المسلم في حرب اليمن.
انتكست فيها الحرية.. حرية الشعب بأكمله... وأغلقت أبواب السجون والمعتقلات على الآلاف من خيرة أبناء الوطن.
انتكس فيها الرجال.. فأطبق فمه وصمتوا أمام كل ما كانوا يشاهدونه من انحرافات واعتداءات وانتهاكات لكرامة الإنسان المصري وآدميته..
انتكست فيها العدالة.. وأصبح التمسك بنصوص القانون تخلفا لا يرضى الحاكم ويجب تقويمه.. فقد كان ذبح العدالة فى محاربها هدفه الأكبر.
وانتكست فيها كل وسائل الإعلام.. أصبح الشعب لا يقرأ فى الصحف والمجلات إلا ما يريده الحاكم له أن يقرأ.. ولا يسمع فى محطات الإذاعة إلا ما يريده الحاكم له أن يسمع.. ولا يشاهد على شاشات التليفزيون إلا ما يريده الحاكم أن يراه..
نكسات.. ونكسات عاشها شعبنا العظيم ولم يفقده الأمل فى نور فجر جديد..
نكسات.. ونكسات.. أدت إلى النكسة الكبرى في هزيمة يونيو عام 1967..
والذى يبحث في التاريخ سيجد أن إرادة غير مصرية كانت وراء كل تلك النكسات.. سيجد وراءها بصمات من لون الدم الذى أريق على جبال اليمن وفى صحراء سيناء.. أيادى حمراء وراء كل نكسة..
الانفصال في سبتمبر 1961 كان وراءه الأيدي السوفيتية التى أرادت أن تلقن الرئيس السابق عبد الناصر درسا لمهاجمته النظام الشيوعى في مخازن موسكو لتستخدمه القوات المصرية..
والنكسة الكبرى في يونيو 1967 كانت بتخطيط السوفيت.. هم الذين أشاعوا الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا.. وهم الذين شجعوا الحاكم المصرى على دخول حرب لم يكن مستعدا لها .. أوهموه أنهم سيقفون معه وكانوا أول من تخلى عنه..
وقبل النكسة الكبرى... لفقت القضايا لأداء السوفيت في مصر.. ودخل الصحفى مصطفى أمين السجن.. وسقط الشهداء من الإخوان المسلمين في عام 1965.. بعضهم شنق بحكم من القاضى الأوحد الدجوى.. وبعضهم لقى ربه من قسوة التعذيب قبل المثول به أمام القاضى الأوحد.. وإن كان سيلقى نفس المصير.. لو طال به العمر! ودخل الآلاف منهم السجون بعد ما لاقوه من تعذيب مراكز القوى الذين قدموا إلى القضاء المصرى بعد أن أعاد الرئيس المؤمن محمد انور السادات للقانون سيادته...
وللإنسان كرامته... وللإعلام حريته... وللمواطن أمنه وللوطن الحبيب أرضه التى احتلتها القوات الصهيونية فى عهد الرئيس السابق عبد الناصر.
وإننى فى هذا الكتاب سأحاول أن أكون منطقيا مع الحوادث والأحداث.. وهو ليس مؤلف بل هو تحقيق صحفى عن قمة النكسات ... انتكاسة الدين الإسلامى فى البلد الإسلامى .. سأروى واكشف التفاصيل .. كل التفاصيل عن مذبحة الإخوان المسلمين فى عام 1965 .. المذبحة التى لم يسبق أن تعرض لمثيل لها الإخوان منذ نشأة دعوتهم بقيادة زعيمهم الشهيد حسن البنا وحتى فى أيام الملكية الفاسدة.. المذبحة التى سقط فيها خمسة شهداء ... وسجن فيها المئات من خيرة الرجال سنوات طويلة حتى أعاد ليحل مكانهم فيها هؤلاء الذين حريتهم.. وخرجوا من السجون ليحل مكانهم الذين كانوا يمسكون بالسياط فى العهد الماضى يلهبون بها طهورهم وينتهكون بها كرامتهم وآدميتهم.. معتقدين أن لدينا لهم.. وأنهم عن جرائمهم لنم يحاسبوا.. ناسين أن الله يمهل ولا يهمل... وعلى الباغى تدور الدوائر... وفى التاريخ عظة... ولكن الطغاة دائما لا يتعظون...
سامي جوهر
الباب الأول
تمهيد
بداية النكسات...
السوفيت... ونكسة الانفصال
قلب فأر... وصوت أسد
السوفيت.. وحرب اليمن
السوفيت... والقضايا الملفقة.
تمهيد
مات عبد الناصر.. الرئيس السابق لمصر.. فى سبتمبر عام 1970.. واختلفت الآراء فى وصف أيام حكمه... البعض يترحم عليها ويتمنى أن تعود... , قلة ضئيلة من أبناء الشعب المصرى .. والبعض يدعو الله ألا يأتى لمصر رئيس مثله أبدا... وهى الأغلبية التى تعيش على حب مصر وتتمنى لها الخير..
وللتاريخ .. فإن الرئيس المؤمن أنور السادات استطاع بكلمات موجزة جداً أن يصف فيها أيام [[[جمال عبد الناصر]].. قال يوم 26 يوليو سنة 1976 أمام أعضاء هيئات التدريس بجامعة الإسكندرية " أن كانت كلها هزائم وسلبيات .. السبعينات بداية انتصارات وإيجابيات".
وهى الحقيقة الكاملة وذلك بعد حذف الشهور التسعة من العام الأول فى السبعينات التى كان فيها عبد الناصر ما زال رئيسا.
كانت الخمسينات انتصارات وإيجابيات لأن عبد الناصر لم يكن يحكم بمفرده طول الوقت.. كان يشاركه فى الحكم الأخوة الذين خرجوا معه ليلة 23 يوليو يتفانون فى خدمة وطنهم ... كل فى مجاله.
كان هناك السادات يحاول ارساء أخلاق القرية فى الاتحاد القومى... وقواعد الدين الإسلامى عن طريق المؤتمر الإسلامى... وإطلاق حرية الكلمة عن طريق إشرافه على جريدة الجمهورية.
كان هناك البغدادى و وعصاه السحرية ينفذ المشاريع ويشق طريق الكورنيش ثم يحاول ان يرسى قواعد الديمقراطية السليمة فى أول مجلس للأمة فى عام 1957 عن طريق رئاسته له.
كان هناك كمال الدين حسين يحاول أن يصلح من شئون التعليم ويدق ناقوس الخطر ويطالب الإهتمام بالتعليم الفنى وليس فقط التعليم الجامعى.. ويحاول النهوض بالبلاد وقت أن كان وزيرا للتعليم ثم رئيسا للمجلس التنفيذى.
وكان هناك زكريا محيى الدين وعبد الحكيم عامر وصلاح سالم وحسين الشافعى وجمال سالم وحسن إبراهيم.. كل منهم فى مجاله إيجابياته أكثر بكثير من سلبياته.. وحتى السلبيات كانت تقع من بعضهم بحسن نية..
وكانت الانتصارات فى الخمسينات..
تم تحرير الفلاح المصرى من ذل العبودية والإقطاع دون إراقة نقطة دم واحدة أو تعذيب أحد..
تم جلاء المستعمر البريطانى من الأراضى المصرية.
ثم استرداد قناة السويس وأصبحت تديرها الخبرة المصرية بكفاءة اذهلت الأعداء الأصدقاء.
صمدت مصر أمام قوات العدوان الثلاثى فى عام 1956 ولم تستسلم رغم احتلال قوات العدوان بور بور سعيد.. ثم حولت هزيمتها إلى نصر...
رفعت مصر شعار القومية العربية والوحدة العربية... وتحققت الآمال.. وتمت أول وحدة شاملة بين مصر وسوريا فى سنة 1958... وانضمت إلى الدولة الجديدة اليمن أيام كانت فى حكم الإمام أحمد...
تزعمت مصر كتلة عدم الانحياز... احتلت مكانتها بين دول العالم ...رافعة شعارها نعادى من يعادينا.. ونصادق من يصادقنا.. وكانت صديقة للسوفيت... وصديقة للأمريكان فى نقس الوقت... ووقفت الدولتان وراءها فى العدوان الثلاثى ضد الدول الثلاث.
دخلت مصر ميدان الصناعة.. بدأـ تشيد السد العالى ..
انتصارات على طول الخط.. وإن لم تخل الخمسينات من بعض السلبيات.. سلبيات لم يشارك فيها زملاء عبد الناصر.. وإنما كانت بتخطيطه هو وبعض المتسلقين من رجال الصف الثانى..
كانت هناك أزمة مارس لسنة 1954.. كان الشعب يريد عودة الديمقراطية والحياة النيابية.. وكان عبد الناصر لا يريد وحرك عبد الناصر المظاهرات بتدبير منه.. كما استعان برجال البوليس الحربى ورجال مجدى حسنين فى مديرية التحرير تطالب بعدم عودة الحياة النيابية... ونجحت خطته.
بداية النكسات
وجاءت الستينات.. ومنذ عامها الأول كانت تحمل الهزائم والسلبيات... والنكسات... كانت أولى الانتكاسات فى عام 1960 هى صدور ما سمى وقتئذ بقانون الصحافة... وآلت ملكية الصحف إلى الاتحاد القومى... التنظيم الشعبى الوحيد فى البلاد... كانت مبررات الرئيس السابق وقتئذ فى إصدار هذا القانون هو تحرير الكلمه من سيطرة أصحاب الصحف.. وتحرير الصحفيين من تبعيتهم لملاك الصحف... ولم تكن تلك الحقيقة أو الهدف... وإنما كان هناك سببان رئيسيان لتنظيم الصحافة...
السبب الأول:
أن تكون الصحافة خاضعة تماما للحاكم الذى كان رئيسا للإتحاد القومى... فيستطيع أن يعزل من يشاء من أصحاب الصحف وكانوا هم رؤساء التحرير.. ويعين من يشاء من أهل الثقة مكانهم... ونفس الشىء بالنسبة للصحفيين.
السبب الثانى:
فقد كان للانتقام من مصطفى وعلى أمين صاحبى دار أخبار اليوم بسبب خطأ قد يكون مقصودا أو غير مقصودا.. فقد صدرت جريدة " الأخبار" فى أحد أيام شهر فبراير سنة 1960 وكان عبد الناصر وقتئذ فى رحلة لزيارة الهند وباكستان.. فى نفس الوقت كانت أجهزة الأمن تتعقب مجرما اسمه محمود أمين سليمان أطلقت عليه الصحف لقب السفاح ولقى مصرعه... وكانت عناوين الجريدة فى ذلك اليوم هى... (مصرع السفاح عبد الناصر فى كراتشى).
واعتبر عبد الناصر أن وضع العناوين بهذه الصورة أمر مدبر لوصفه بأنه سفاح وأنه يحمل أمنية صاحبى الدار فى مصرعه وخاصة بعد أن بدأت الهمسات تتردد فى الأوساط كلها عن مذابح تتم خلف أسوار السجون.. كمذبحة الإخوان المسلمين فى داخل ليمان طرة والتى استشهد فيها 17 من المساجين فى قضايا الإخوان عام 1954.
ونسى عبد الناصر أن مصطفى أمين أحد صاحبى الدار, وقد غامر بحياته أيام العدوان 1956 واستقل طائرة بمفرده حلقت به فى سماء مصر التى كانت مليئة بطائرات الأعداء ليجوب عواصم العالم حتى أمريكا ومعه مجموعة من الصور عن آثار العدوان ليكشف للعالم كله الوحشية والجرائم التى ترتكبها قوات العدوان الثلاثى ضد الشعب المصرى.. وذلك من خلال مؤتمرات صحفية كان يعقدها فى تلك العواصم..
وكشفت الأيام بعد ذلك حقيقة نوايا عبد الناصر من قانون تنظيم الصحافة.. إذا تولى رئاسة التحرير فى كل الصحف من ليست له علاقة بالصحافة باستثناء جريدة الأهرام التى كان يرأس تحريرها الصحفى هيكل صدقى عبد الناصر وأحد أسباب نكبة مصر كما وصفه لى كمال الدين حسين فى لقاء لى معه..
ولم يقتصر الأمر على رؤساء التحرير.. بل تعرض عدد من الصحفيين للتشريد والفصل.. ونقل البعض للعمل فى مؤسسات لبيع الأحذية أو اللحوم أو الملابس ... وحل محلهم أبعد الناس عن الصحافة... كان هناك صول فى الجيش يتحكم فى مؤسسة أخبار اليوم... وكل مؤهلاته أنه موضع ثقة كمال رفعت المشرف على المؤسسة... كان هناك المكوجى الذى يشرف على إنتاج المحررين ... ومؤهلاته أنه شيوعى حكم عليه بالسجن فى قضية شيوعية.
وكان قانون تنظيم الصحافة أول انتكاسة الستينات ضاعت الحرية من أقلام الكثيرين من الصحفيين.. أصبح أغليهم يخاف أن يكتب كلمة الحق فيجد نفسه مفصولا إن كان سعيد الحظ أو معتقلا.. واحترم البعض القليل جدا من أمثال جلال الدين الحماصى وإحسان عبد القدوس شرف الكلمة وابتعدوا عن ميدان الصحافة تماما... واضطر البعض أن يكتب غير ما يؤمن به حفاظا على لقمة العيش... وظلت تلك الصحافة طوال الستينات ... وحتى شهر سبتمبر سنة 1970 عندما رحل عبد الناصر إلى الآخرة... ,وعادت للصحافة حريتها وللصحفيين مكانتهم.
السوفيت.. ونكسة الانفصال
كانت مصر وسوريا قد اتحدتا فى دولة واحدة هى الجمهورية العربية المتحدة.. كانت أول وحدة شاملة تتم بين بلدين عربيين .. وكان ذلك فى فبراير عام 1958.. أى فى الخمسينات.. أيام الانتصارات والإيجابي وفجأة.. وفى يوم الخميس 28 سبتمبر سنة 1961 قامت قوات من الجيش السورى وكان يطلق عليه اسم الجيش الأول بحركة انفصالية... واحتلوا مبنى إذاعة دمشق بل وحاصروا المشير عبد الحكيم عامر الذى كان موجودا فى ذلك الوقت بدمشق وطالبوه بتوقيع بيان يتضمن اعترافا بأخطاء فى الحكم وتعهدا بإصلاحها... ورفض المشير فوضعوه فى طائرة وأعادوه إلى القاهرة وكان الانفصال أول صدمة حقيقية تلقاها الرئيس السابق عبد الناصر منذ انفراده بحكم البلاد... كما كانت الوحدة هى بداية شعوره الداخلى بزعامته التى لا تقهر وانفراده بالحكم..
ومن جنون الرئيس السابق عندما جاءته أنباء الحركه الانفصالية ... توجه إلى مبنى الإذاعة فى الصباح.. وأذاع بيانا أخفى فيه كعادته عن الشعب حقيقة الأوضاع.. أوهم الشعب كما كان يوهم نفسه أن الحركة تقوم بها قوة صغيرة من الجيش سيتم الانتصار عليها... وكانت تلك أول مرة منذ أن أصبح حاكما يتوجه فيها إلى مبنى الإذاعة ليذيع بيانا.. فقد كانت أجهزة الإرسال تنقل إليه.. ولا ينتقل إليها..
وعاش عبد الناصر على أمل أن تفشل الحركة الإنفصالية.. ومرت الأيام وبدأت الحركة التى تزعمها مأمون الكزبرى بمعاونة ضباط فى مكتب المشير نفسه تثببت أقدامها.. وأيقن عبد الناصر أن سوريا ذهبت. فأعلن يوم 5 أكتوبر فى بيان يحاول به أن يكسب عطف الشعب السورى أنه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة ولكن من المحتم أن تبقى سوريا وتضاربت الأقوال عمن كان وراء لحركة الإنفصالية... وهل هو الغرب فى المخابرات البريطانية.. أم الشرق ممثلا فى الاتحاد السوفيتى.. كل أجهزة الإعلام كانت تردد الحركة الانفصالية حركة رجعية استعمارية دبرها رجال المخابرات البريطانية... ولكن عبد الناصر كان يعلم أنها من تدبير السوفيت وحدهم.. ويعلم أنهم استطاعوا أن يشتروا زعماء البعث السورى... وزعماء البعث السورى دائما مستعدون أن يبيعوا مبادئهم فى سبيل مصالحهم الشخصية..
وللتاريخ فإن عبد الناصر كان يعلم بذلك وإن أخفاه حتى عن إخوانه... كان يعلم أن السوفيت أرادوا بهذه الحركة تأديبه لأنه يهاجم الحكم الشيوعى فى العراق ويشهر بحكم عبد الكريم قاسم.. ولأنه أيضا اعتقل جميع الشيوعيين فى مصر ليلة رأس السنة عام 1959 ولفق لهم القضايا للرد على تغلغل الشيوعية فى العراق ومحاولة السوفيت مساندة عبد الكريم قاسم ليكون منافسا له فى زعامة المنطقة العربية.
وكشفت الصحف الأجنبية تلك الحقيقة وقتها.. فقد نشرت جريدة الديلى ميلر البريطانية يوم 30 سبتمبر.. أى بعد الحركة الانفصالية بيومين تحت عنوان" الشيوعيين يربحون من الحركة الانفصالية فى سوريا" أما نص الخبر فهو أن نفوذ الرئيس جمال عبد الناصر فى سوريا كان حصنا منيعا يقف فى طريق الشيوعيين فى هذا الجزء من العالم وأن الذين سيجنون كل الفوائد من وراء الحركة الانفصالية هم السوفيت.
وتأكد ما نشرته صحيفة الديلى ميلر.. فإن الاتحاد السوفيتى لم يصدر أى بيان عن الحركة الانفصالية سواء بالتأكيد أو بالتهديد .. وكان الأمر يهمه فى شىء.. ثم كان من أوائل الدول التى تعترف بالحركة الانفصالية قبل أمريكا ودول الغرب.. وتبعته فى الاعتراف جميع الدول الشيوعية... كما أن خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعى السورى الذى كان نفى نفسه فى الخارج منذ قيام الوحدة أعلن عن عودته إلى دمشق وأنه يعرض خدمات الشيوعيين على مأمون الكزبرى لتوطيد حكمه... وجاء الإعلان الصريح بعد ذلك من خروشوف نفسه فى خطاب ألقاه يوم 17 أكتوبر تضمن أن الاتحاد السوفيتى سوف ينمى علاقاته الاقتصادية مع سوريا التى انفصلت عن مصر.
قلب فأر وصوت أسد
تأكد جمال عبد الناصر أن السوفيت أصبحوا قوة فى المنطقة وأنه بدونهم أصبح صفرا.. أنه استطاع أن يقضى على الملكية فى العراق وأن تقوم داخلها ثورة بعد عدة خطب ألقاها عقب إعلان الوحدة مع سوريا هاجم فيها ملك العراق وولى عهده الأمير عبد الإله.
... ونورى السعيد رئيس وزرائه.. قامت ثورة العراق بعد شهور من تلك الخطب.. ولكنه ظل يهاجم نظام الحكم الشيوعى فى العراق منذ ديسمبر عام 1958... ولم تحدث ثورة...
وأحس عبد الناصر بعد الانفصال بالخطر على زعامته لمصر نفسها.. أصبح يحمل بين ضلوعه قلب فأر.. وإن كان مازال يحتفظ بصوت الأسد.. وبدأ مستعدا لأن يعمل أى شىء للإبقاء على نفسه رئيسا للجمهورية.. أى شىء مهما كان.
كان يحس أنه كما انفصلت سوريا عن مصر فإنه من السهل أن يستيقظ فى صباح أى يوم فلا يجد نفسه رئيسا.. وغيره يتولى .. ويهوى الزعامة ويعشقها منذ أن كان تلميذ فى الثانوى.. ولا يقبل أن تكون نتيجة أى استفتاء على رئاسته للجمهورية أقل من 99,98%.
وبدأ صوت عبد الناصر يخفت فى مهاجمة الحكم الشيوعى فى العراق.. والذى يراجع الصحف والمجلات التى صدرت بعد الانفصال يجد أن الهجوم اختفى تماما.. بينما كانت عناوين الصحف فى نفس يوم الانفصال تحمل أنباء كاذبة عن قيام عبد الكريم قاسم والشيوعين بقتل مئات المواطنين بالعراق.
وأحس السوفيت بذلك.. وبدأ عبد الناصر يمد يده من جديد لمصافحة خروشوف.. ولم يرفض الزعيم السوفيتى.. وبدأت العلاقات المصرية السوفيتية تتخذ مسارا جديدا.. مسار لا يعلن للشعب ولكن يتم فى الخفاء.. والذى بتتبع خطوات السياسة المصرية بعد الانفصال لابد أن يلحظ أن البلاد بدأت تتجه إلى كل شىء سوفيتى.. ولم تنته سنة 1962 إلا وبصمات السوفيت كانت واضحة تماما على صفحات الحكم فى مصر.. قفز على صبرى رجل السوفيت الأول فى مصر إلى منصب رئيس المجلس التنفيذى وهو المجلس الذى حل محل مجلس الوزراء... ولأن عبد الناصر تخلية عن الإنفراد بالسلطة وتشكيله مجلسا للرئاسة يضم جميع من بقى من أعضاء مجلس الثورة على وفاق معه وأضاف لهم على صبرى رجل السوفيت الأول وكان المتحدث بلسان المجلس وكمال رفعت وهو لا يقل فى الولاء للفكر الشيوعى عن رئيسه على صبرى وشريكه فى عمليات تعذيب الإخوان المسلمين عام 1954... ولم تكن تلك هى النية الحقيقية للرئيس السابق.. بل كان الهدف من وضع زملائه فى مجلس الرئاسة هو سلبهم المشاركة فى الحكم وإبعادهم عن تولى المناصب الوزارية... كان الهدف من مجلس الرئاسة انه أعلى سلطة فى البلاد هو الذى يلاسم السياسة ويصدر القوانين.. وبعد جلسات قليلة اكتشف أعضاء المجلس أنهم ليسوا سوى ستار ولا يعرض عليهم شىء هام أبدا.. بل كانوا يفجأون بقراءة القوانين والقرارات التى يصدرها عبد الناصر فى الصحف دون المشاركة فى مناقشتها.. واستقال البعض وابتعد وبقى البعض لا يعارض..ز وكان موقفه ذلك منتهى الحكمة ..فلو كان عارض لقصاه عبد الناصر.. وبذلك كان يخلو الميدان لمعاوينه من رجال السوفيت أمثال على صبرى.. وهى حكمة تجنى ثمارها انتصارات حاليا...
السوفيت... وحرب اليمن
اهتزت زعامة عبد الناصر للعالم العربى بعد الحركة الانفصالية .. بدأ وزراء سوريون أيام الوحدة يكشفون للرأى العام العربى حقيقته.. وتعرض لهجوم قاس فى اجتماعات مجلس الجامعة العربية التى عقدت فى شتورا بلبنان فى أغسطس عام 1962 لبحث شكوى سوريا من تدخل عبد الناصر فى شئونها الداخلية.. ولم يستطيع عبد الناصر ان يرد على الحملة التى أدراتها سوريا ضده فأعلن انسحاب الجمهورية العربية المتحدة من الجامعة العربية يوم 28 أغسطس سنة 1962.
وبدأت الأحداث فى العالم العربى تجرى ملاحظة متلاحقة.. وفى يوم 19 سبتمبر سنة 1962 أعلن نبأ وفاة الإمام أحمد أمام اليمن فجأة وتولى ابنه الأمير البدر الحكم..
وفى يوم 27 سبتمبر قامت ثورة اليمن وأعلن الثوار أنهم قتلوا الأمير البدر.. وأنهم قاموا بثورتهم لتخليص البلاد من الحكم الرجعى.
ووجدها عبد الناصر فرصة لاسترداد زعامته وأعلن تأييده المطلق للثورة اليمنية ومسندتها وخاصة بعد ما أشيع أن السعودية تقاوم الثورة وتحاول رشوة مشايخ القبائل اليمن بالذهب لمناهضتها وإعادة الملكية إليها.. واستشار الاتحاد السوفيتى.. ووجد التأييد الكامل له.. بل والمساعدة فى التورط عسكريا.. فقد أرسلوا إلى اليمن.. وكانت مصر لا تمتلك الأسطول الجوى الكافى لنقل القوات بسرعة..
وكان الإتحاد السوفيتى يهدف إلى تحقيق عدة أشياء له من حرب اليمن.. فهو أراد أن يكون له وجود جنوب الجزيرة العربية ليستطيع أن ينشر المبادىء الشيوعية بتلك المنطقة التى يتمسك أفرادها بالدين الإسلامى وإن كانوا يعيشون الفاقة كلها بسبب حكم الأئمة. والشيوعية دائما تجد الطريق أمامها ممهدا فى المجتمعات التى تعانى من الفوارق الاجتماعية الكبيرة.. وإذا ما تحقق له الوجود فى تلك الأجزاء من الوطن العربى فإنه سيسيطر على مداخل البحر الأحمر فى الجنوب ويستطيع أن يهدد كل الدول الإسلامية التى تتحطم عليها كل آماله فى نشر مبادئه الهدامة.
وبالإضافة إلى هذا الهدف, هناك هدف آخر سببه الصينيون أنفسهم الذين كشفوا نواياه فى الهيمنة والسيطرة قبل ذلك بعامين.. كانت الصين قد بدأـ تنفيذ مشاريع عمرانية فى اليمن.. وخشى السوفيت من الوجود الصينى فى المنطقة.. ولذلك كان يهمهم جدا إبعاد الصنيين..ولن تأتى ذلك إلا بأن يخلوا محلهم عن طريق مساعدة عبد الناصر لهم..
اما ثالث الأهداف فقد كان التخلص من الأسلحة السوفيتية القديمة المكدسة فى مخازنهم... فالحروب دائما تحتاج إلى السلاح .. ودخول مصر حرب اليمن يضمن لهم تصريف هذا المخزون من السلاح بالأسعار التى يحددونها وبطرق الدفع التى يختارونها...
وكأن الهدف الرابع والخير هو إضعاف قوة مصر العسكرية بتشتيت جيشها فى اليمن... ونتيجة لذلك فإنهم يستطيعون ان يقدموا الحماية للحاكم بقوات لهم يأتون على هيئة خبراء.
ومن أجل هذه الأهداف شجع السوفيت عبد الناصر على التورط فى حرب اليمن بعد أن أوهموه عن طريق عملائهم أنها حرب لن تستغرق سوى أيام.. ولكنها استمرت 5 سنوات.. وفقدت مصر فيها الآلاف من خيرة الشباب.. والملايين من الجنيهات... وانتهت حرب اليمن... كما بدأت... ولم تتحقق لعبد الناصر الزعامة التى كان يريدها.
وعاش الشعب المصرى لا يقرأ عن حرب اليمن إلا ما تنشره له الصحف بتوجيه من عبد الناصر.. كانت الصحف تنشر يوميا عن انتصارات وهمية فى معارك يخسر فيها الأعداء الآلاف من الجنود... وعاش الشعب فى غيبة عن الحقيقة.. حتى جاء يوم أصبح فيه لكل عائلة من عائلات مصر.. فى القرى أو المدن.. شهيد سالت دماؤه فوق جبال اليمن.. وبدأ الناس يتحدثون ويفكرون همسا فى حرب اليمن.. فقد كان الحديث عن حرب اليمن بصوت عال جريمة عقوبتها الإعدام.. أو الاعتقال..
السوفيت ... والقضايا الملفقة
وأحس عبد الناصر أن فى النفوس ثورة.. أغلق أذنيه أمام كل نصائح المخلصين له من زملائه.. وفتحها على همسات معاونيه الجدد من أعوان السوفيت.. وكان هؤلاء العملاء أول من أكتشف أنه أصبح يحمل بين ضلوعه قلب الفأر.... فأخذوا يرسمون سياسياتهم للتخلص من كل أعداء لهم.. مستغلين فيه" قلب الفأر"... وبدأت مصر فى عام 1965 وكأنها كلها تتآمر على عبد الناصر لقلب نظام الحكم..
مؤامرات وهمية بطبيعة الحال.. ألبسوها ثوب الحقيقة ليظهروا أمام أنهم المخلصون له.. المحافظون على عهده وحكمه.. الحارسون على حياته.. ضد قوى الرجعية والإمبريالية والصهيونية .. وهى ثلاث صفات كانوا يطلقونها على كل من كان ليس شيوعيا .. أو مسايرا لهم..
وكانت اولى القضايا الملفقة اتهام مصطفى أمين بالتجسس.. كان عبد الناصر يستعين بمصطفى أمين فى الإبقاء على جسور التفاهم مع أمريكا.. وكان مصطفى أمين يقوم بهذا الدور خدمة لبلاده ووطنه يريد أن ينقذه من السقوط فى هاوية الهيمنة السوفيتية.. كان يبلغ عبد الناصر بكل اتصالاته.. أحيانا يبلغه شخصيا وأغلب الأوقات يبلغها إلى سامى شرف سكرتيره الخاص للمعلومات...
ولم يكن أحد يتطرق اليه الشك فى أن سامى شرف هو عين السوفيت على كل تحركات عبد الناصر واتصالاته.. الكل كان يجهل تلك الحقيقة التى كشف عنها منذ سنوات كتاب "ك .ج. ب" وهى رموز المخابرات السوفيتية.. والذى تضمن أسماء عملاء السوفيت فى الشرق الأوسط وكان من بينهم سامى شرف..
وكان مصطفى أمين هدف كبير يسعى السوفيت لازالته هو وشقيقه المرحوم على أمين من أجهزة الإعلام.. وكانت تقارير مصطفى أمين عن نتائج اتصالاته برجال السفارة الأمريكية تشير إلى احتمال استجابة أمريكا لطلبات مصر وإعادة شحن القمح لها.. ووصلت التقارير إلى السوفيت من خلال سامى شرف .. ,:أن لابد من التخلص من مصطفى أمين لتحقيق هدفين..
أولهما: القضاء على رمز مقاومة الشيوعية فى أجهزة الاعلام المصرية..
وثانيهما: منع التقارب الأمريكى المصرى..
ورسمت المخابرات السوفيتية الخطة بإحكام.. استطاعوا أن يوغروا صدر جمال عبد الناصر ضد مصطفى أمين .. نقل إليه سامى شرف أن مصطفى أمين لا يكف عن التشهير به فى كل مجالسه .. وأن تقارير المخابرات تشير بذلك... أبلغه أن مصطفى أمين يقول فى مجالسه أن عبد الناصر مصاب بنوع من مرض السكر يؤدى بصاحبه إلى الجنون فى بعض الأحيان.. أنه يقول عن سهرات حمراء يقضيها صديق عمره وزميل كفاحه المشير عامر فى أحضان الساقطات.. أنه يشهر بنظام الحكم...
وفى نفس الوقت طلب سامى شرف من صلاح نصر مدير المخابرات العامة وقتئذ مراقبة مصطفى أمين لأن هناك معلومات عن اتصاله بالأمريكان وأنه يتجسس لحسابهم.
ونفذ صلاح نصر التعليمات.. وضع لمصطفى أمين أجهزة تسجيل فى منزله.. بل ودس عليه أحد رجاله ليعلموا فى خدمته كسفرجى... وسجل أحاديث مصطفى أمين مع رجل المخابرات الأمريكية بروس أدويل... وتم القبض على مصطفى أمين يوم 21 يوليو سنة 1962 فى الإسكندرية أثناء اجتماعه بأدويل.. وجندت جميع أجهزة الإعلام للتشهير بمصطفى أمين وإظهاره بمظهر الجاسوس الخائن لوطنه. وتعرض لأبشع ألوان التعذيب ليعترف أنه جاسوس.. وأقر مصطفى أمين فى كل التحقيقات اتصاله بالأمريكان وأن ذلك تم بعلم الرئيس السابق عبد الناصر.. وكانت تلك الحقيقة.. ورغم ذلك بعث عبد الناصر بخطاب ينكر فيه تكليفه مصطفى أمين بذلك.. وقدم للمحاكمة وصدر الحكم عليه بالمؤبد.. وعندما انقشعت غمة الضلال عن البلاد وأعاد السادات الحق للبلاد, أفرج عن مصطفى أمين وعاد للعمل بالصحافة ودخل صلاح نصر السجن لتمضية عشر سنوات لقيامه بتعذيب مصطفى أمين لحمله على الإدلاء باعترافات كاذبة!!
والذى لاشك فيه أن سجن مصطفى أمين كان تخطيطا سوفيتيا ففى نفس الوقت, يوم أعلان القبض عليه أعلن عن توجيه الدعوة إلى عبد الناصر باسم زعماء السوفيت لزيارة بلدهم , كما قام رجال السفارة السوفيتية فى القاهرة بتوزيع زجاجات الفودكا على أصدقاءهم من الصحفيين الذين ابتليت بهم الصحافة المصرية منذ تولى رئاسة تحريرها أعوان السوفيت.. بل أن بعض السوفييت علق على نبأ القبض على مصطفى أمين بأنه يفوق نبأ جلاء القوات البريطانية عن مصر.. وعندما أفرج السادات عن مصطفى أمين شنت أجهزة الدعاية السوفيتية حملة ضد السادات وأدعوا أنه خروج عن الخط الاشتراكى ومبادىء عبد الناصر..ولم تكن قضية مصطفى أمين أعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم بتدبير من حسين توفيق ومجموعة من أصدقائه... ,:ان الهدف من تلك القضية اقحام اسم الرئيس أنور السادات واحاطته بالشبهات.. فقد كان ايمان السادات بالله شيئا يزعج السوفيت, وكذلك كراهيته للشيوعية السوفيتية.
وقد روى لى عبد العزيز خميس أحد الذين اتهموا فى تلك القضية ان مراكز القوى حاولوا أن يحصلوا منه عن إجابات على أسئلة تحمل معنى اتصال السادات وتأييده لزعيم المؤامرة المزعومة حسين توفيق.. وكان السادات قد اتهم مع حسين توفيق عام 1946 باغتيال أمين عثمان الوزير الوفدى الذى كان يقف فى صف المستعمر ضد آماله مواطنيه.. ورفض خميس ان يذكر لهم سوى الحقيقة, وأن السادات بعيد تماما عن حسين توفيق.. وتكررت نفس المحاولات مع كل متهم فى المؤامرة المزعومة. سبق أن شارك السادات السجن وقت اغتيال أمين عثمان... وفشلت كل المحاولات.
ولم يفت ذكاء المخابرات السوفيتية أن تلفق قضية تآمر أخرى فى نفس الشهر أيضا ووصفت المتهمين فيها هذه المرة بأنهم يعملون على قلب نظام الحكم عن طريق تنظيم شرعى أطلقوا عليه اسم الحزب الشيوعى العربى.. واختارت لتلك القضية مجموعة من المتهمين يتزعمهم محام اسمه مصطفى أغا..
وقد قرر سمير ناجى وكيل النيابة الذى حقق مع هؤلاء المتهمين أمام الدكتور أحمد خليفة رئيس المركز القومى للبحوث وأمامى أن القضية كانت خيالات فى أذهان المتهمين.. تخيل مصطفى أغا أنه قام بانقلاب وأنه أصبح رئيسا للبلاد واختار لحكمه وزراء من أصدقائه.. وكان من بينهم عميل للمخابرات السوفيتية سارع بنقل خيالات الدخان الأزرق على أنها حقائق إلى رجال المخابرات المصرية.. والتقط صلاح نصر الخيط وسارع إلى عبد الناصر يخطره باكتشافه المؤامرة لقلب نظام الحكم.. ليزداد تقربا اليه ويحصل على المزيد من ثقتة.. وكانت قضية وأحكامها بالمؤبد والأشغال الشاقة لعدد آخر من الشبان..
وفى تلك الأيام.. ومن قبلها بأيام بدأ الشيوعيون فى مصر ينفذن مخططا سوفييتا للإطاحة بالإخوان المسلمين.. ولم يكن الهدف الأكبر هو أشخاص من الإخوان المسلمين بقدر ما كان الهدف الأكبر هو الإطاحة بالدين الإسلامى كله... بأن يتحول الإنسان المؤمن إلى إنسان يخاف أن يكشق عن إيمانه حتى لا يتهم بأنه من الإخوان المسلمين.. وأن يحل الإتحاد محل الإيمان... وهذاما سأتناوله فى الفصل الثانى.
الباب الثانى
- مؤامرة على الإخوان • * معالم على الطريق • إعلان فى موسكو
مؤامرة على الإخوان
أطاح الرئيس السابق عبد الناصر بالمئات من الإخوان المسلمين فى عام 1965.. زج بهم داخل المعتقلات والسجون .. وكانت تلك هى المرة الثانية التى يطيح فيها بالمئات من الإخوان المسلمين.. المرة الأولى كانت فى عام 1954 وكانت بتدبيره وبإرادته وبعلمه..
أما فى تلك المرة فقد انساق اليها نتيجة مؤامرات شيوعية متتالية على الإخوان المسلمين..
وكان عبد الناصر قد أفرج فى منتصف عام 1964 عن مجموعة من رجال الإخوان المسلمين الذين حاكمهم فى عام 1954 ولم تصدر ضدهم أحكام بالإعدام كغيرهم من الشهداء... وكان من بين الذين افرج عنهم المرحوم الشهيد سيد قطب أحد أئمة الفكر الإسلامى فى مصر...
وكان خروج الإخوان المسلمين من السجون يسبب ذعرا للشيوعيين فى مصر.. فهم دائما الصخرة التى تحطم فوقها كل محاولاتهم فى التأثير بالمبادىء الشيوعية على عقول الفلاحين والعمال والشباب... كانوا يرون الإخوان المسلمين دائما يقفون فى موجهتهم ويتصدون لمحاولاتهم فى القرية أو المصنع أو الجامعة..
وبدأ التخطيط للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين... تخطيط وضع فى موسكو وبدأ تنفيذه فى القاهرة... وكان التخطيط على خطوات..
وبدأت الخطوة الأولى... وكانت بعد انتخاب عبد الناصر رئيسا للجمهورية فى مارس 1965 بنسبة 99,9% وهى النسبة التى كان لا يرضى بأقل منها... وأصبح عبد الناصر رئيسا... وعلى صبرى رئيسا للوزراء... واتجهت البلاد تسير نحو أرضاء السوفيت بكل الإمكانيات... والمجال أمامهم مفتوح.. وحتى الذين كانوا يخشون معارضتهم او الوقوف ضدهم أصبحوا بعيدين هن السلطة مثل كمال كمال الدين حسين وعبد اللطيف البغدادى..
أما الباقون أمثال زكريا محيى الدين وحسين الشافعى وحسن إبراهيم فقد اصبحوا نوابا لرئيس الجمهورية بلا سلطات...
وفى يوم 25 أبريل عام 1965 نشرت جميع الصحف المصرية بيانا كان مفاجأة لكل المصريين... البيان من الحزب الشيوعى المصرى ويتضمن أنه ينهى وجوده المستقل وأنه أصدر قرارا بإنهاء الشكل المستقل له... وجاء فى البيان تقييما مفصلا للتحولات الاجتماعية التى جرت فى مصر تحت قيادة عبد الناصر... وانتهى إلى أنه بالتطلع للإتحاد الإشتراكى فإنه يرى أن الأهداف واحدة ولذلك قرر أن ينصهر داخل هذا التنظيم...
كان البيان مفاجأة للمواطنين, غذ علموا لأول مرة أن فى مصر حزبا شيوعيا تعلم عنه الدولة رسميا وهى التى حلت جميع الأحزاب منذ عام 1953.. وأن الشيوعيين قد انخرطوا داخل الاتحاد الإشتراكى. وبطبيعة الحال توجس المتمسكون بالدين الريبة من هذا الإعلان ... أن معنى ذلك أنهم سيعملون على الإطاحة بأى جماعة مسلمة تحاول ان ننشر تعاليم الدين الإسلامى والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية...
وفعلا .. تحقق ما كان يتوقعه أفراد جماعة الإخوان المسلمين. فقد بدأـ المؤامرات الشيوعية ضدهم تشير إلى وجود تنظيم منشورات داخل نقابة الصحفيين تهاجم نظام الحكم عليها اتجاه الإخوان المسلمين للإساءة اليهم.. وتأكد الإخوان المسلمون أن الشيوعيين وراء تلك المنشورات ورفعت المباحث العامة تقريرا إلى المسئولين تؤكد أن المنشورات ليست من صنع الإخوان المسلمين وتلاحقت مؤامرات الشيوعيين والدس للإخوان لدى أجهزة الأمن.. أشاعوا أن الإخوان المسلمين أعادوا تنظيم أنفسهم وأنهم يحاولون انتخاب رئيس جديد وأنهم يرشحون للرئاسة ثلاثة: هم منير الدلة وسيد قطب وشخص وهمى اسمه مصطفى الملا وهو غير موجود طبعا.
كما قاموا بدفع الناس فى أسيوط إلى إرسال شكاوى وتلغرافات إلى رئاسة الجمهورية والمباحث العامة بأن الإخوان المسلمين مسيطرون على مؤسسة هناك اسمها المؤسسة الإسلامية يتبعها مستوصف خيرى وتقوم بنشاط إسلامى إجتماعى.
وكانت أخطر المؤامرات ما وصل إلى علم الإخوان المسلمين من أن الشيوعيين فى مصر وعلى رأسهم كمال رفعت يحرضون الحكومة على الإخوان. وأنهم وضعوا فى طريق الرئيس مع شواين لاى أثناء عودته من الإسكندرية مواد ناسفة ثم أبلغوا الجهات المسئولة عنها قبل أن تأتى السيارة الرئيس وضيفه ونسبوها إلى الإخوان وكان شواين لاى قد حضر لزيارة القاهرة فى يوم 28 يونيو سنة 1965 وعقد اجتماع قمة ضم الريس السابق عبد الناصر وشواين لاى وأيوب خان رئيس باكستان سابقا وأحمد سوكارنو رئيس اندونيسيا سابقا.
وفعلا أتت كل تلك المؤامرات ثمرتها.. واستشعر عبد الناصر الخطر من الإخوان المسلمين وأعطى الضوء الأخضر لرجال المباحث الجنائية العسكرية للقبض عليهم وكشف تآمرهم عليه... وكان السبب القوى لذلك ما قدمه له معاونوه من تفسيرات لكتاب" معالم على الطريق" لسيد قطب وكانت الحكومة قد أباحت طبعه وتوزيعه ولكن بعد التفسيرات التى قدموها له أمر بجمع الكتاب...
وكانت التفسيرات التى قدموها اليه للإستناد إلى أن الإخوان المسلمين يتآمرون عليه كثيرة..
معالم على الطريق
إن الذى يؤكد للمباحث ان تفسيرات كتاب " معالم على الطريق" التى قدمها معاونو عبد الناصر اليه للإطاحة بالإخوان المسلمين... وكان أغلبهم من عملاء السوفييت وعلى رأسهم على صبرى وسامى شرف... وأن هذه التفسيرات ضمنها سمير ناجى وكيل نيابة أمن الدولة فى محضر فرز الأوراق والكتب المضبوطة فى منزل السيدة زينب الغزالى... اختص هذا الكتاب فقط من مجموعة الكتب المضبوطة بإبداء ملاحظاته على محتوياته...
ومن الغريب أن نفس تلك الملاحظات تضمنها تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الأمة عند إقرارها قانون فرعون الذى أصدره عبد الناصر وكان يحمل رقم 119 لسنة 1964... وهو ما سنتناوله بالتفصيل فى الباب الرابع...
وفى الصفحات القادمة تقدم ملاحظات سمير ناجى التى جاءت فى محضره المحرر يوم 31 يناير سنة 1966 عن كتاب" معالم على الطريق" وحده رغم المضبوطات كانت تشمل 40 كتابا آخر... ولكنه أثر هذا الكتاب فقط لكى يشمله بملاحظاته...وأنا هنا أنقل بالنص ما كتبه المحقق.
أولا: كتاب معالم على الطريق مؤلفه سيد قطب والناشر مكتبة وهبة 14 شارع الجمهورية بعابدين ويقع فى 249 صحيفة ويحوى فصولا هى:
معالم على الطريق , وجهل قرآنى فريد, وطبيعة المنهج القرآنى ونشأة المجتمع المسلم وخصائصه والجهاد فى سبيل الله ولا إله إلا الله منهج حياة وشريعة كونية والإسلام هو الحضارة والتصور الإسلامى والثقافة وجنسية المسلم عقيدته ونقله بعيدة واستعلاء الإيمان وهذا هو الطريق.
فى فصل معالم على الطريق – أورد فى الصفحة التاسعة ما نصه:" أن العالم يعيش كله فى جاهليه من ناحية الأصل الذى تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة وهذا الإبداع المادى الفائق!
هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله فى الأرض وعلى أخص خصائص الإلوهية... وهى الحاكمية... أنها تسند الحاكمية الى البشر فتجعل بعضهم لبعض أربابا لا فى الصورة البدائية الساذجة التى عرفتها الجاهلية الأولى ولكن فى صورة ادعاء حق ووضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله لحياة وفيما بإذن به الله.
وفى الصفحة العاشرة يتساءل:" كيف تبدأ عملية البعث الإسلامى انه لابد من طليعة تقوم هذه الفرقة وتمضى فى الطريق تمضى فى ضم الجاهلية الضاربة الأطناب فى أرجاء الأرض جميعا تمضى وهى تزاول نوعا من العزلة من جانب ونوعا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة. ولابد لهذه الطليعة التى تعزم هذه العزمة من " معالم على الطريق" – ويستطرد فى نهاية الصفحة !!" لهذه الطليعة المرجوة" المرتقبة كتبت" معالم على الطريق" ما نصه " نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم كل ما حولنا جاهلية . تصورات الناس وعقائدهم وعاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم شرائعهم وقوانينهم... حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة وتفكيرا إسلاميا هو كذلك من صنع هذه الجاهلية.
وفى الصفحة 23 يقول " ثم لابد من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلى والتصورات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة المجتمع الجاهلى ولا أن ندين بالولاء له فهو بهذه الصفة صفة الجاهلية غير قابل لن تصطلح معه أن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولا لنغير هذا المجتمع أخيرا – أن مهمتنا الأولى هى تغيير واقع هذا المجتمع.
مهمتنا هى تغيير هذا الواقع الجاهلى من أساسه.. هذا الواقع الذى يصطدم اصطدما سياسيا بالمنهج الإسلامى وبالتصور الإسلامى والذى يحرمنا بالقهر والضغط من أن نعيش كما يريد لنا المنهج الالهى أن تعيش – وفى الصفحة 24 يورد" وسنلتقى فى هذا عنتا ومشقة وستقرض علينا تضحيات باهظة لكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذى أقر بالمنهج الإلهى ونصره على منهج الجاهلية.
وفى فضل طبيعة المنهج القرآنى: أورد عن العرب فى ص 28 " أنهم كانوا يعرفون أن الإلوهية تعنى الحاكمة العليا وكانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وافراد الله سبحانه وتعالى بها معناها نزل السلطان الذى يزاوله الكهان ومشايخ القبائل والأمراء والحكام ورده كله إلى الله"...
وورد فى ص 29 ما نصه:" وربما قيل انه كان فى استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الأمين الذى حكمه أشراف قريش قبل ذلك فى وضع الحجر الأسود وارتضوا حكمه قبل الرسالة انه كان فى استطاعته أن يثيرها قوميه عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التى أكلتها التيارات ومزقتها النزعات وتوجيها وجهه قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة.. الرومان فى الشمال والفرس فى الجنوب.. وإعلاء الراية العربية والعروبة وإنشاء وحدة قومية فى كل أرجاء الجزيرة, وفى نهاية ص 30 يستطرد:" ولكن الله سبحانه وهو العليم الحكيم لم يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم هذا التوجيه . إنما وجهه إلى أن يصدع بلا إله إلا الله وأن يحتمل هو والقلة التى تستجيب له كل هذا العناء! ولماذا! أن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يعنت رسوله والمؤمنين معه إنما هو سبحانه يعلم أن ليس هذا هو الطريق. ليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت الرومان أو طاغوت فارس إلى يد طاغوت عربى فالطاغوت كله طاغوت".
وفى ص 32 أورد:" وربما قيل أنه كان فى استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يرفعها راية اجتماعية وأن يثيرها حربا على طبقة الأشراف وأن يطلقها دعوة تستهدف : تعديل الأوضاع ورد أموال الأغنياء على الفقراء! ويجيب على ذلك فى ص 33" ولكن الله سبحانه وتعالى وهو العليم الحكيم لم يوجهه هذا التوجيه".
وينتهى فى ص 39 بالقول:" وما كان هذا المنهج المبارك ليخلص لله لو أن الدعوة بدأت خطواتها الأولى دعوة قومية أو دعوة اجتماعية أو دعوة أخلاقية أو رفعت أى شعار إلى جانب شعارها الواحد:" لا إله إلا الله".
ويورد فى ص 43 عن الدين الإسلامى ما نصه:" انه ليس نظرية تتعامل مع الفروض أنه منهج يتعامل مع الواقع. فلابد أولا أن يقوم المجتمع المسلم الذى يقر عقيدة : لا إله إلا الله وأن الحاكمية ليست إلا لله ويرفض أن يقر بالحاكمية لأحد من دون الله ويرفض شيوعية أى وضع لا يقوم على هذه القاعدة.. وحين يقوم هذا المجتمع فلا تكون له حياة واقعية تحتاج إلى تنظيم وإلى تشريع لقوم مستسلمين أصلا للنظم والشرائع رافضين أصلا لغيرها من النظم والشرائع.
وفى ص 52 أورد ما نصه:" يجب أن ندرك خطأ المحاولة وخطرها معا فى تحويل العقيدة الإسلامية الحية التى نحب أن تتمثل فى واقع حى متحرك وفى تجمع عضوى حركى تحويلها عن طبيعتها هذه إلى نظرية للدراسة والمعرفة الثقافية لمجرد أننا نريد أن نواجه النظريات ا لبشرية الهزيلة بنظرية اسلامية. أن العقيد الإسلامية يجب أن تتمثل فى نفوس حية ةفى تنظيم واقعى وفى تجمع عضوى وفى حركة تتفاعل مع الجاهلية الراسبة فى نفوس أصحابها.
وفى ص 58 أورد ما نصه:" أن الجاهلية التى حولتنا كما أنها نضغط على أعصاب بعض المخلصين من أصحاب الدعوة الإسلامية فتجعلهم يتعجلون خطوات المنهج الإسلامى هى كذلك تتعمد أحيانا أن تحرجهم فتسألهم: أين تفصيلات نظامكم الذى تدعون اليه وماذا أعددتم لتنفيذه من بحوث ومن دراسات ومن فقه مقنن على الأصول الحديثة.. كان الذى ينقص الناس فى هذا الزمان لإقامة شريعة الإسلام فى الأرض هو مجرد الأحكام الفقهية والبحوث الفقهية الإسلامية.. وكأنما هم مستسلمون لحاكمية الله رضوا أن تحكمهم شريعته ولكمهم فقط لا يجدوم المجتهدين فقها مقتنا بالطريقة الحديثة. وهى سخرية هازلة يجب أن يرتفع عليها كل ذى قلب يحس لهذا الدين بحرمة.
وفى الفصل المعنون الجهاد فى سبيل الله أورد حديثا عن السمات فى المنهج الحركى للإسلام وأورد عن السمة الأولى فى ص 77 ما نصه:" السمة الأولى" هى الواقعية الجدية فى منهج هذا الدين.. فهو حركة لا تواجه واقعا بشريا وتواجه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعى انما تواجه جاهلية اعتقاديه تصورية تقوم عليها أنظمة واقعية عملية تسندها سلطات ذات قوة مادية. ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه.. تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها..
وأورد عن السمة الثانية ص 77 أنها هى الواقعية الحركية وأن الدين حركة ذات مراحل..
وأن السمة الثالثة هى أن هذه الحركة دائبة الوسائل متجددة وأن السمة الرابعة هى الضبط التشريعى بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى وقام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمى الذى على البشرية كلها أن تفىء إليه وأن تخلى بينه وبين كل فرد يختاره ولكن لا يقاومه ولا يحاربه فإن فعل ذلك كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله أو حتى يعلن استسلامه. واستنكر من يحاولون أن يحصروا الجهاد فى الإسلام فيما يسمونه اليوم بالحرب الدفاعية. وأورد فى ص 81 فى ذلك ما نصه:" أن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر فى كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها والتمرد الكامل على كل وضع فى أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور".
واستطرد فى ص 82 يقول:" وقيام مملكة الله فى الأرض وإزالة مملكة البشر وانتزاع السلطان من أيدى مغتصبة من العباد ورده له وحده وسيادة الشريعة الالهية وحدها والغاء القوانين البشرية كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان لأن المتسلطين على رقاب العباد والمغتصبين لسلطان الله فى الأرض لا يسلمون فى سلطاتهم بمجرد التبليغ والبيان".
ويستطرد بأن هذا الإعلان لتحرير الانسان فى الأرض إنما كا إعلانا حركيا واقعيا وإيجابيا ولم يكن بد من أن يتخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان.
وفى ص 4 أورد ما نصه:" وإذا كان البيان يواجه العقائد والتصورات فإن الحركة تواجه العقبات المادية الأخرى وفى مقدمتها السلطان السياسى القائم على العوامل الاعتقادية التصورية والعنصرية والطبقية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة المتشابكة".
وفى85 يورد:" إن العبودية الكبرى فى نظر الإسلام هى خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر". وفى ص87 تحدث عن الإسلام بأنه يهدف ابتداء إلى إزالة الانظمة والحكومات التى تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان ويورد ما نصه" أن مدلول الدين أشمل من مدلول العقيدة أن اليدن هو المنهج والنظام الذى يحكم الحياة وهو فى الإسلام يعتمد على العقيدة ولكنه فى عمومه أشمل من من العقيدة. وفى الإسلام يمكن ان تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذى يقوم على أساس العبودية لله وحده ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام".
وفى ص 90 يورد" أنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير الإنسان من نوع الإنسان فى الأرض.. كل الأرض.. ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد خاطبهم بحرية وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات. فهنا لا إكراه فى الدين. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية فلابد من إزالتها أولا بالقوة للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله وهو طليق من هذه الأغلال!
إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هى إعلان تحرير الإنسان أعلانا جادا يواجه الواقع الفعلى بوسائل مكافئة له فى كل جوانبه ولا يكتفى بالبيان الفلسفى النظرى.
وفى 105 أورد ما نصه:" وكما أسلفنا فإن الإنطلاق بالمذهب الإلهى تقوم فى وجهه عقبات ماية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة وهذه كلها هى التى ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة".. هذه ملابسة لابد منها تولد مع ميلاد الإسلام ذاته وهذه معركة مفروضة على الإسلام فرضا ولا خيار له فى خوضها وهذا صراع طبيعى بين وجودين لا يمكن التعايش بينهما طويلا.
إذن أن يزيل العقبات كلها من من طريقة ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم دون حواجز ولا موانع مصطنعة من نظام الدولة السياسى أو أوضاع الناس الاجتماعية".
ويورد فى ص 110 ما نصه:" والإسلام ليس مجرد عقيدة حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان إنما هو منهج يتمثل فى تجمع تنظيمى حركى يزحف لتحرير كل الناس والتجمعات الأخرى لا تمكنه من تنظيم حياة رعايا وفق منهجه هو ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام".
وفى الفصل المعنون:" لا إله إلا الله منهج الحياة". تساءل فى ص 120 عما هو المجتمع الجاهلى وما هو منهج الإسلام فى مواجتهه وأجاب عن ذلك بما نصه:" إن المجتمع الجاهلى هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم وإذا أردنا التحديد الوصفى قلنا انه هو كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده فتمثله هذه العبودية فى التصور الاعتقادى وفى الشعائر العبودية وفى الشرائع القانونية وبهذا التعريف الموضوعى تدخل فى إطار المجتمع الجاهلى جميع المجتمعات القائمة اليوم فى الأرض فعلا". ووردت فى ص 124
ما نصه:" وأخيرا يدخل فى إطار المجتمع الجاهلى تلك المجتمعات التى تزعم لنفسها أنها مسلمة". وهذه المجتمعات لا تدخل فى هذا الإطار لأنها تعتقد بإلوهية أحد غير الله – ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا ولكنها تدخل فى هذا الإطار لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله أيضا ولكنها تدخل فى هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده فى نظام حياتها. فهى – وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكل مقومات حياتها تقريبا.
وفى الفصل المعنون" جنسية المسلم عقيدته".. وفى الصحيفة 194 أورد" وطن المسلم الذى يحن اليه ويدافع عنه ليس قطعة ارض وجنسية المسلم التى يعرف بها ليست جنسية حكم وعشيرة المسلم التى يأوى إليها ويدافع عنها.. ليست قومه.. وراية المسلم التى يعتز بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم. وانتصار المسلم الذى يهفو اليه ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش".
ويستطرد فى الصحيفة 195 قائلا: وكل أرض تحارب المسلم فى عقيدته وتصده عن دينه وتعطل عمل شريعته فهى دار حرب ولو كان فيها أهله وعشيرته وقومه وماله وتجارته.وكل أرض تقوم فيها عقيدته وتعمل فيها شريعته فهى دار اسلام ولو لم يكن له فيها أهل ولا عشيرة ولا قوم ولا تجارة".
وبهذه الملاحظات استطاع المعاونون للحاكم من عملاء السوفيت أن يوغروا صدره ضد سيد قطب والإخوان المسلمين.. قالوا له أن سيد قطب يصف عصره بالجاهلية.. يطعن فى حكمه.. يصفه بأنه طاغوت لأنه يريد أن يكون زعيما للعرب.. يستعد لإقامة دولة إسلامية ويقضى على حكمه.. يحارب مبادئه الاشتراكية بسلب الغنى ماله بحجة أعطائه للفقير.. وأنه يرفع لواء الثورة على حكمه.. فهو يعلن أن العبودية الكبرى فى نظر الإسلام هى خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر..
إعلان فى موسكو
واستمع عبد الناصر لدسائس معاونيه... وطلب من صديقه الوفى المشير عبد الحكيم عامر أن يتحقق من وجود تنظيمات الإخوان المسلمين على الإطاحة به.. وعهد المشير عامر إلى رجله الأول شمس بدران بهذه المهمة... ووجد شمس بدران الفرصة أمامه ليثبت وجوده وحرصه على حياة زعيم البلاد.. وتمت أضخم عمليات اعتقال للإخوان المسلمين.. ونسجت حولهم القصص وحيكت المؤامرات ولفقت لهم أعمال التخريب التى سيقومون بها.. ولم يعرف الشعب المصرى شيئا عن عمليات اعتقال الإخوان المسلمين وما كانوا يدبرونه.. أو قيل أنهم كانوا يدبرونه.. وسافر الرئيس السابق عبد الناصر إلى موسكو يوم 27 أغسطس 1965 تلبية لدعوة زعماء السوفيت التى كانوا وجهوها إليه فى نفس يوم إلقاء القبض على الصحفى مصطفى أمين بتهمة التجسس فى شهر يوليو.. وهو الذى يعتبرونه ألد أعداء الشيوعية فى مصر.
وفى يوم 29 أغسطس.. وبعد وصوله إلى موسكو بيومين اجتمع بالطلبة الدارسين هناك وقال لهم بالحرف:
" قد تحصل مؤامرات زى الكلام اللى حصل من الإخوان المسلمين أخيرا اللى انكشف هذا الشهر..و احنا رفعنا الأحكام العرفية من سنة ومن أكثر من سنة... من مارس 1964.. وصفينا المعتقلات... والإخوان المسلمين إحنا عملنا لهم قانون علشان نرجعهم لشغلهم...طلعوا كلهم من المعتقل.. كل واحد فيهم رجع لشغله.. كل واحد فيهم أخذ ماهية... بيجى الشهر ده نمسك مؤامرة من الإخوان المسلمين فى مصر... بنلاقيهم عاملين تنظيم سرى وعندهم سلاح وجايبين مفرقعات وجايلهم فلوس من سعيد رمضان من الخارج".
وكان هذا هو أول إعلان عما سمى مؤامرة الإخوان المسلمين..والغريب أن عبد الناصر اختار موسكو لكى يعلن فيها النبأ.. علما بأنه كان قبل رحلته لموسكو بيومين فى زيارة السعودية.. وهذا ما يؤكد الشبهات من أن السوفيت كانوا وراء المؤامرة..
وأن إعلان عبد الناصر لها فى موسكو هو طريق لسكب المزيد من صداقتهم.
وتأكد ذلك عندما عاد عبد الناصر إلى القاهرة... نظم له على صبرى المظاهرات على جانبى طريقه من المطار إلى منزله بمنشية البكرى.. آلاف وقفوا هتفا واحدا " دبح... دبح.. يا جمال.. لا رجعية ولا إخوان".. وفى مناطق أخرى من الطريق كان هناك أخر هو" شنق ... شنق يا جمال .. لا رجعية ولا إسلام".
وهكذا أصبح الإسلام... رجعية والإلحاد ومبادىء الشيوعية هو التقدمية.. وكانت تلك تعليمات السوفييت.. محاربة الإسلام فى أى مكان.. مهاجمة أى تجمع اسلامى.. وتأكد ذلك بعد عام... فى عام 1966 عندما فكرت السعودية وإيران فى تكوين حلف اسلامى يضم الدول الإسلامية لتقف ضد التيار الشيوعى.. وهاجم عبد الناصر هذا الحلف فى جميع خطبه وصفه بالرجعية والعمالة للإستعمار والصهيونية..
ووقف كمال رفعت وكان واحدا من المتحمسين منذ بدء الثورة لمهاجمة الإسلام وتعذيب المسلمين وكان له دور بارز فى تعذيب الإخوان المسلمين عام 1954 مع على صبرى.. وقف كمال رفعت يوم أول أغسطس عام 1966 يخطب فى أعضاء أول مؤتمر للمبعوثين كان يعقد بالإسكندرية ليكشف عن المخطط الشيوعى فى تدبير التآمر عن الإخوان المسلمين.. قال:
" ومن الملاحظ أن دعوة الحلف الإسلامى بدأت تظهر حينما فشلت الرجعية المحلية فى الجمهورة العربية المتحدة من تحقيق أهدافها فى ضرب ثورة 23 يوليو والذى كان يتمثل أساسا فى مؤتمرات جماعة الإخوان المسلمين ويلاحظ أيضا أن الإخوان المسلمين كانوا يتلقون دعمهم المادى من السعودية أحد أركان هذا الحلف.. من ذلك يتضح لنا أن الحلف الإسلامى هو أحد أساليب الاستعمار الجديد فى السيطرة الجديد فى السيطرة على الشعوب وهكذا وصف كمال رفعت الإخوان المسلمين بالتآمر .. والحلف الإسلامين بأنه أحد أساليب الاستعمار.. وكانت تلك هى لغة الشيوعيين فى مهاجمة أى تمسك بالدين الاسلامى.. ولكى أكون منصفا.. وللتاريخ .. هل كانت حقيقة مؤامرة من الإخوان المسلمين فى عام 1965 لقلب نظام الحكم؟
أن هذا ما سأتناوله بالتفصيل فى الباب التالى..
الباب الثالث
الإخوان بعد المذبحة
عودة النشاط
عميل المباحث العسكرية
الاقرار الشامل
الإخوان بعد المذبحة
اختفى نشاط الإخوان المسلمين تماما بعد المذبحة التى تعرضوا لها فى عام 1954. وكانت المذبحة قد دبرها عبد الناصر للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين التى كا يوم من الأيام عضوا فى جهازها السرى ويعمل تحت رئاسة زعمائها.. وإن كان دائما ينكر تلك العلاقة..
ولشعوره بعقدة الذنب كان دائما يحاول تبرير تصرفه ضد الإخوان فى عام 1954.. ومن ذلك ما قاله يوم 18 نوفمبر سنة 1965 أمام الشباب فى حلوان بعد أن أطاح للمرة الثانية بجماعة الإخوان.. قال بالحرف الواحد:
- أنا قبل الثورة كنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة فى البلد.. يعنى مثلا أعرف الشيخ حسن البنا.. لكن مكنتش عضو فى الإخوان.. فيه فرق بين أننى أعرف الشيخ حسن البنا وفرق أننى أكون عضو فى الإخوان... وكنت أعرف ناس من الوفد وكنت أعرف ناس من الشيوعيين.. وأنا بأشتغل فى السياسة من أيام ما كنت فى ثالثة ثانوى.. وفى ثانوى انحبست مرتين.
وأول ما اشتركت.. اشتركت فى مصر الفتاة.. وده يمكن اللى دخلنى فى السياسة.. كنت ماشى فى الإسكندرية.. ولقيت معركة بين الأهالى والبوليس.. اشتركت مع الأهالى ضد البوليس.. قبضوا عليه ورحت القسم.. بعدها رحت القسم سألت الخناقة كانت ليه.. وكنت فى سنة ثالثة ثانوى... فقالوا إن رئيس حزب مصر الفتاة حيتكلم والبوليس جاى يمنعه بالقوة.. وقعدت يوم وثانى طلعت بالضمان الشخصى ورحت انضميت لحزب مصر الفتاة.
وبعدين حصل خلافات وسبت مصر الفتاة وانضميت للوفد.. وطبعا أنا الأفكار اللى فى رأسى بدأت تتطور.. وحصل عندى نوع من خيبة الأمل بالنسبة لمصر الفتاة.. ورحت الوفد.. وبعدين نفس الشىء حصل مع الوفد وبعدين دخلت الجيش.. وبعدين ابتدينا نتصل فى الجيش بكل الحركات السياسية ولكن مكناش أبدا فى يوم أعضاء فى الإخوان المسلمين.. كأعضاء أبدأ..
ولكن الإخوان المسلمين حاولوا يستغلونا.. وأنا كانت لى علاقة قوية بالشيخ حسن البنا.. رحمه الله... ولكن علاقة صداقة ومعرفة... وزى ما قلت لكم.. أنا ما كنتش أبدا فى الإخوان المسلمين.. وأنا لوحدى يمكن اللى كان ليه علاقة بحسن البنا... وإخواننا كلهم ما كانش لهم علاقة.. ولكن كنت بأقول لهم على الكلام اللى حصل معاه..
وأنا كان لى أيضا علاقة ببعض الناس من الإخوان كعلاقة صداقة.. وكان هم ليهم تنظيم فى داخل الجيش.. وكان يرأس هذا التنظيم ضابط اسمه أبو المكارم عبد الحى.. وقامت الثورة.. وفى أول يوم من قيام الثورة جالى بالليل عبد المنعم عبد الرءوف ومعاه أبو المكارم.. وكان عبد المنعم معانا فى اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار واستقال قبل الثورة بستة شهور لما رفضنا اقتراحه بضم حركة الضباط إلى الإخوان... جانى عبد المنعم وأبو المكارم وطلبوا أن احنا نديهم أسلحة علشان الإخوان يقفوا جنبا إلى جنب مع الثورة.. وأنا رفضت أن إحنا نديهم هذه الأسلحة.. قلت لهم اخنا مستعدين نتعاون.. وبدأ التعاون بيننا وبين الإخوان المسلمين.. قلت لهم يشتركوا فى الوزارة بعد كده.. ورشحوا عدد من الناس للإشتراك فى الوزارة .. ولكن جه بعد كده تصادم وجالى ثلاثة من الإخوان المسلمين وقدموا لنا شروط..
الشرط الأول: إنه لا يصدر قانون إلا إذا أقره الإخوان المسلمين .
الشرط الثانى: أنه لا يصدر قرارا إلا إذا اقره الإخوان المسلمين.. أى بمعنى أوضح أن الإخوان المسلمين يحكموا من وراء الستار.. ورفضنا هذه الشروط..
وهكذا كشف عبد الناصر بنفسه بعد 11 عاما من مذبحة الإخوان أسبابها الحقيقية وكان تمثيلية محاولة اغتياله فى المنشية هى إشارة البدء للتخلص من الإخوان المسلمين.. للتخلص من ماضيه.. والتخلص من محمد نجيب الذى كان يطالب بعود الحياة النيابية للبلاد ويطالب بحكم ديمقراطى تسوده الحرية والعدالة..
وفى يوم أسود من أيام عام 1955 تم شنق 6 دفعة واحدة من أعضاء الجماعة الإخوان المسلمين.. واحد منهم وهو محمود عبد اللطيف بصفته الفاعل الأصلى فى محاولة اغتيال عبد الناصر.. والخمسة الآخرون محرضون ومدبرون وهم المحامون عبد القادر عودة وإبراهيم الطيب وهنداوى دوير والواعظ الشيخ فرغلى ورئيس الجهاز السرى يوسف طلعت.. ودخل السجون حوالى الألف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمون بأحكام.. ودخل المعتقلات ألاف بدون أحكام..
وعاش بقية أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى ذعر.. وعاش البعض يفكر فى الثأر لدم شهداء الإخوان.. ومن هؤلاء الذين تمكنوا من الإفلات من ايدى مراكز القوى وهربوا إلى الخارج البلاد قبل المذبحة وفى مقدمتهم محمد سعيد رمضان وكامل الشريف ومصطفى العالم والعشماوى سليمان..
وف خلال عام 1955... وبعد إعدام زعماء الإخوان المسلمين بدأ التفكير فى الانتقام.. واتصل محمد سعيد رمضان بتاجر موبيليات فى الإسكندرية اسمه خطاب السيد خطاب الذى استطاع أن يقنع ثلاثة من أعضاء جماعة الإخوان بالاشتراك معه فى إحياء جماعة الإخوان المسلمين وهم المهندس محمد فؤاد إبراهيم والمأذون الشرعى مصطفى محمود ساهل وأحمد حسن أبو العلا.. وأوهم خطاب فى مقابلاته مع محمد سعيد رمضان أنه قام بتشكيل تنظيمات مسلحة ويحتاج إلى المال.. ورسم له سعيد رمضان خطة لنسف قطار عبد الناصر وأمده بأصابع جليجانيت والمال.. وأخذ خطاب المال وألقى بالمفرقعات فى البحر.. وكان ذلك عام 1955 ولم تعلم الحكومة شيئا.. وبعد عشر سنوات وخلال عمليات الإطاحة بالإخوان المسلمين عام 1965 تم القبض على خطاب السيد خطاب وزملائه الثلاثة وقدموا للمحاكمة لأنهم فكروا فى عام1965 فى محاولة اغتيال عبد الناصر.. وعدلوا عن التنفيذ ولم يسعوا اليه بعد ذلك.. وحكم عليهم بالأشغال الشاقة يوم 7 سبتمبر سنة 1965 وهكذا كانت عدالة زمان.
والذى لا شك فيه أن داخل قلب كل مسلم مؤمن بدينه كانت ثورة لما يراه من اتجاه بالبلاد إلى مخالفة تعاليم الدين.. ولكن أحد لم يكن يستطيع أن يتكلم.. وتفريق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين حتى لا يقعوا تحت قبضة عملاء السوفيت من أعوان عبد الناصر..
وفى عام 1957 بدأ الزحف الشيوعى على البلاد.. وكانت تصدر مجلة باسم السيدات المسلمات تشرف على تحريرها السيدة زينب الغزالى.. وفى آخر عدد صدر من تلك المجلة كان بتاريخ يونيو سنة 1957 استطاعت زينب الغزالى أن تطبع العدد وبه مقال بتوقيعها عنوانه : سيدى الملك" وهو عبارة عن رسالة للملك سعود ورد به"
" سيدى الملك.. أكتب اليك اليوم والإسلام فى محنة.. وكم استصرختكم وإن كنت أحس استماعك لكل مصر تستصرخكم للإسلام.. غير أنى كأى مؤمن يتحرك غيظا من نشر الكفر من حوله وهو عاجز عن محاربته اللهم إلا بذلك السلاح الضعيف.. اللسان والقلم والقرطاس.. بنفس فيها غيظة.. وحتى تلك الأسلحة الضعيفة قلما يستطيع صاحبها أن يستغلها.. فالحديد والنار أقوى من القلم ومن القلم ومن اللسان.. وهما عدة الذين ينشرون الكفر فى ربوع المسلمين, وذلك هو الأمرالذى جعلنا نستصرخكم يا سعود فأنت المسلم القادر اليوم على الدفاع عن الاسلام.. وكم استصرختك لصد التيارات الجارفة الكافرة الحمراء على بلادنا المسلمة ومحاربة كافة أنواع الإستعمار غريبا كان أم شرقيا..
يا سعود اشهد الله عليك.. أنت مسئول,, وإننى قد أبلغتك بما عليك لله وللرسول وللمؤمنين.
وأثار المقال سخط السفارة السوفيتية قبل سخط عبد الناصر.. واحتجت لديه على المقال.. وصدر قرار بإغلاق المجلة واعتقال زينب الغزالى..
وعاد الهدوء مرة أخرى.. لا أحد يتحدث عن الإخوان المسلمين ولا أحد يفكر فى إحياء نشاطها.. فقد كان زعماؤها أمثال حسن الهضيبى وسيد قطب وصلاح شادى وعمر التلمسانى وصالح أبو رقيق,.. وغيرهم كثيرون داخل السجون.. والذين كانوا خارج أسوار السجون شباب صغير السن تنقصه الدراية بشئون التنظيم.
عودة النشاط
وبذل عدد من هؤلاء الشبان جهودا لإعادة تكوين جماعة الإخوان .. وكان هناك أكثر من تنظيم.. وأكثر من تفكير لإعادة التنظيم فمثلا بعد الإفراج من المعتقل عن المهندس مراد الزيات أخذ يدعو إلى فلسفة خاصة لأحياء جماعة الإخوان وهى: أن كل مجموعة يتعارفون ويتزاورون بصفة غير دورية وغير منتظمة ويتكلمون فى الدعوة والمشاكل القائمة دون أن ينظموا أنفسهم فى شكل اسمى أو يخضعون لقيادة معينة.. حفاظا جماعة الإخوان المسلمين من أن تتمكن السلطات البلد من محاربتهم.. وكان المفروض فى رأيه أن النشاط بالصورة دى كفاية فى ذلك الوقت ويمكن أن يكون نواة للتنظيم فى المستقبل.. وفعلا تجمع حوله 20 فردا.. وكان ذلك فى أوائل الستينات..
وكانت هناك محاولة ثانية بدأت فى عام 1957 واستمرت حتى منتصف عام 1959 وكانت برئاسة أحمد عادل كمال وهو كان من المسئولين عن الجهاز السرى للإخوان عام 1954 وفصله حسن الهضيبى لخلاف بينهما.. وقد أنهى أحمد تنظيمه عام 1959 عندما أحس أن رجال الأمن فى البلد بدأوا يتتبعون خطواته.. وجرت محاولة بعد ذلك فى أوائل الستينات لإعادة هذا التنظيم بصفته إلى تنظيم تولاه على عشماوى وأمين شاهين إلا أنه لم يعقد سوى اجتماع واحد ثم بدأ أحمد كمال يتخلص من العمل فى ذلك التنظيم.
وكانت هناك عدة تنظيمات صغيرة فى شبرا وكان يتولاها عبد الفتاح حسين وعبد الله عبد العاطى.. وتنظيم تحت إشراف فريد عبد الخالق أحد زعماء الإخوان ولكن كانت مهمته جمع التبرعات للإنفاق على عائلات ضحايا مذبحة عام 1954 الذين أعدمهم عبد الناصر أو أدخلهم السجون والمعتقلات.
عميل المباحث العسكرية
ولم تكن الحكومة تعلم شيئا عن تلك التنظيمات حتى عام 1965 عندما كشف عنها جميعا أحد قادة التنظيم الذى أطيح به فى تلك السنة.. وهو أحمد عبده عشماوى.. وكان يعمل كاتب حسابات بالشركة المصرية العامة للأساسات.. وقد تضاربت الأقوال فى حقيقة على عشماوى .. البعض يؤكد أنه كان من المخلصين لفكرة إحياء جماعة الإخوان المسلمين وظل كذلك حتى تم القبض عليه وحوكم وصدر ضده حكم الإعدام ثم خفف للمؤبد.. والبعض يؤكد أنه كان عميلا لجهاز المباحث الجنائية العسكرية وعندما استشعر أن هناك نية للإحاطة بالإخوان المسلمين سارع بتقديم خدماته لرجال المباحث الجنائية العسكرية وحرر إقرارا مكون من تسع صفحات يتضمن كل المعلومات التى كان يعرفها عن ذلك التنظيم وأضاف إليها معلومات لإقحام اسم محمد رشاد مهنا ضمن التنظيم للإطاحة به .. وكان رشاد مهنا من المعروفين بعدائهم للشيوعية ولعبد الناصر .. ويؤكد الذين يرددون ذلك أن على عشماوى لم يمكث فى السجن طويلا ثم أفرج عنه وهاجر إلى أمريكا حيث يقيم بها حاليا..
وأيا كان مدى صدق القولين.. فإن الأوراق تؤكد أن على عشماوى كان هو الخيط الذى أدى إلى الإطاحة بجميع الإخوان المسلمين عام 1965.. والإطاحة برقاب ثلاثة من أشد المؤمنين بالله وهم الشهداء سيد قطب وعبد الفتاح اسماعيل ومحمد يوسف هواش.
وفيما يلى نص الإقرار الذى حرره على عبده عشماوى بعد أن قبض عليه رياض إبراهيم أحد ملوك التعذيب مصادفة!!
ففى المستندات محضر تحقيق محرر بمعرفة الجلاد رياض إبراهيم وبدون تاريخ وفيما يلى نصه.
محضر تحقيق..
بمعرفتنا نحن الرائد رياض أحمد إبراهيم من المباحث الجنائية العسكرية وبناء على أوامر السيد قائد المباحث الجنائية العسكرية العليا بضبط المدعو موسى مصطفى موسى أبو طال وتفتيش شخصه ومنزله الكائن بالمسكن الشعبية بإمبابه بلوك15أ. وعليه فقد توجهنا وبرفقتي تنفيذ ذلك حضر المدعو على أحمد عبده عشماوى فى منزل المدعو موسى مصطفى موسى فقمنا بالقبض عليه وبتفتيشه عثرنا على الأتى:
بطاقة شخصية باسم على أحمد عبده عشماوى رقم 28152 روض الفرج.
كارت باسم حامد حسن اسكندر ومدون عليه بالحبر محرم بك شارع محسن باشا غرفة 32 دور رباع.. الأستاذ فؤاد رزق ومدون عليه أيضا رقم 802593.
نوتة صغيرة بجلدة بنى بها أرقام تليفونات وعناوين أشخاص مختلفة.
مبلغ خمسمائة جنيه وهو عبارة عن خمسين ورقة مالية فئة العشرة جنيهات.
وأقفل المحضر على ذلك فى ساعته وتاريخه وبمعرفتنا نحن محققه السابق وتحرزت المضبوطات وتعرض والمحضر والمتهم على السيد قائد المباحث الجنائية العسكرية للنظر.
وهكذا تم ضبط على عبده عشماوى مصادفة.. أو هكذا أراد لها أن تكون رياض إبراهيم.. ولم يحرر تاريخ الضبط أو رقم إذن التفتيش او شيئا عن الشخص الذى ذهب إلى منزله لضبطه..هكذا وبطبيعة الحال كتب على عبده عشماوى إقرارا.. مثله مثل كل الذين كان يقبض عليهم رجال المباحث الجنائية العسكرية.. والإقرار تشعر وأنت تقرؤه أنه حرر بنظام ليشمل كل الجوانب القضية التى أرادها نظام الحكم وقتئذ للإطاحة بالإخوان.. وفيما يلى صفحات تضم نص الإقرار الذى كتبه على عبده عشماوي..
الإقرار الشامل
فى صيف سنة 1963 تقريبا تقابلت مع عوض عبد العال عوض بميت غمر وقد تمت بيننا مناقشة حول موقف الجماعة ووجوب القيام بإعادة تنظيمها وقد ألح لى أنه فى حالة وجود تنظيم هل أقبل الإشتراك به ولم يزد فى هذه المقابلة على ذلك.
ثم بعد ذلك حضر لى بالقاهرة وأخبرنى بوجود تنظيم لمحاولة القيام باغتيالات وحدثت مناقشة بيننا حول هذا الموضوع ثم عرض على أن أقابل المسئول ورتب لى موعدا بالمنصورة فذهبت حيث قابلت الأستاذ عبد الفتاح الشريف لأول مرة فى إحدى اللوكاندات وقد عرض على فى هذه المقابلة فكرته القائلة بإعداد مجموعة تستطيع أن تقوم بعمل فدائى ضد الحكام وقد ناقشته فى النتيجة ومن يتولى الأمر بعد ذلك فقال ذلك لا يهم وكان رأيه عدم العمل بالقاهرة والاعتماد على الأقاليم فقط وحاول أن يسألنى إن كنت أعرف أحدا ويسأل عن أسمائهم ولكنى لم أجاوبه فلم يعجبه منى هذا التصرف وانتهت المقابلة ثم حدد لى عوض موعدا آخر معه بالقاهرة وكان كل همه معرفة ما إذا كنت متصلا ببعض الشخصيات الإخوانية بالقاهرة وأسمائهم ولكنى لم أجاوبه فانتهت المقابلة ولم أقابله بعدها .
ثم جاءنى عوض وأخبرنى أنه توجد بالجيش مجموعة ضباط تابعة لرشاد مهنا وأن عبد الفتاح الشريف يعرف واحد منهم وأنهم عرضوا عليه أن يقوم الإخوان بإغتيال الرئيس ثم يقومون هم بعد ذلك بإنقلاب لصالح رشاد مهنا.
ولكنى عارضت هذه الفكرة وأخبرته أى فى هذا خطورة على الإخوان فى حالة الفشل فالإخوان هم فقط الذين سيصابون, أما الضباط فيكونون فى أمان ثم أخبرنى أنهم يفكرون فى الوسائل الممكنة لتنفيذ عملية الاغتيال وأنهم يدرسون محاولة نسف القطار وقد أخبرتهم أنه يمكن أن يتم النسف بواسطة جهاز لاسلكى ولكن يبدو أن إمكانياتهم لم تكن كافية.
ثم بعد ذلك رتب لى عوض مقابلة مع الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وقد قالبنى واخبرنى أنه لابد أولا من تكوين مجموعة من قيادة تنظيم هذا الأمر ويتم فيها مناقشة الموضوع وقد رشح هو محمد فتحى ورشحت أنا أحمد عبد المجيد وكانت تلك أول مجموعة قيادة تتشكل بعلمى وهم كانوا فى أول سنة 1963:
1)عبد الفتاح اسماعيل
2)محمد فتحى رفاعى.
3) على عثمان
4)أحمد عبد المجيد
وقد تم الحديث حول ما يرون من إعداد حوالى من 20 إلى 30 فردا للقيام بعملية اغتيال الرئيس.
وقد عارضت أنا وأحمد عبد المجيد تنظيم الجماعة مرة أخرى بقدر المستطاع فوافقوا أخيرات وقسمنا العمل كالآتى:
1)عبد الفتاح اسماعيل: يتولى الإشراف على الشرقية وخط القناة.
2)محمد فتحى رفاعى: يتولى الإشراف على الدقهلية والغربية والاتصال بالإسكندرية. 3) على عشماوى 0 يتولى الإشراف على القاهرة.
أحمد عبد المجيد – يتولى الإشراف على وجه قبلى.
وفى هذه الجلسة أخبرنا عبد الفتاح اسماعيل أنه يوجد مبلغ أربعة ألاف جنيه لخدمة هذا التنظيم ولكنه رفض نهائيا رقتها أن يخبرنا بمصدرها.
وظلت هذه المجموعة تزاول عملها فترة شهور بسيطة حتى سافر فتحى رفاعى على الجزائر, فتم إعادة تشكيل المجموعة مرة أخرى كالآتى بعد تمثيل الإسكندرية فيها:
1) عبد الفتاح اسماعيل: الشرقية وخط القنال( ومسئول عن التمويل).
2)صبرى عرفة: الدقهلية والغربية( وانتخب رئيسا للمجموعة)
3) مجدى عبد العزيز متولى: الإسكندرية والبحيرة ( مسئول عن المعلومات العسكرية).
4) على عشماوى : القاهرة والجيزة و( مسئول عن تخزين السلاح)
5) أحمد عبد المجيد: وجه قبلى( مسئول عن المعلومات).
وفى هذه الفترة أخبرنا عبد الفتاح اسماعيل أنه توجد شخصية متمرنة على مثل هذه الأعمال وأنهذه الشخصية يمكن الاتصال بها وأن المرشد يزكيها وكانت تلك الشخصية هى الوزير السابق عبد العزيز على.
وقد كلفناه أن يقوم هو بمقابلة هذه الشخصية أول مرة وعلمنا أنه قابله فى منزل زينب الغزالى وأنه.. أى الرجل يريد أن يلقانا ورتبنا اللقاء بمنزلى وكان فى حديثه هذه المرة لا يخرج عن حدود الدعوة العامة للإسلام وأنه لا يمكن أن ندخل عددا من الشبان المسلمين وخلافه فى أوجه النشاط ولم تطل المقابلة وكانت هذه رغبته والتقينا به حوالى 7 -8 مقابلات تمت فى دار يرأسها هو تابعة لوزارة الشئون ومقرها بجوار سينما روكسى وفى آخر مقابلة طلب الينا أن نعطيه كشفا بأسماء وعناوين جميع الأفراد المشتركين فى التنظيم ولكننا رفضنا ذلك ولم نقابله بعدها.
وفى هذه الأثناء كان الحاج عبد الفتاح اسماعيل يحضر لنا بعض ما يكتبه سيد قطب من السجن نتداوله فى هيئة مخطوطات باليد وبعد ذلك خرج سيد قطب من السجن ورتب معه الحاج عبد الفتاح اسماعيل مقابلة لنا وذهبنا له برأس البر وتوالت بعد ذلك اجتماعاته بنا كل حوالى 15 يوما أو أسبوع كان فيها يحاول أن يرسم لنا خطا وأن أى خروج عليه يعتبر انحرافا عن منهج الإسلام وهذه الفكرة تتلخص فى وجوب تكوين قاعدة من الأفراد يفهمون الإسلام بالطريقة التى يحددها فى كتبه ويظلون على ذلك أطول فترة ممكنة حتى تتعمق فيهم الفكرة, ثم بعد ذلك تعتبر المجموعة نفسها أمة داخل الأمة ولكنها منفصلة انفصالا كاملا ولا تتصل بها إلا فى حكم الضرورة
وياتى وقت تعلن فيه هذه المجموعة لباقى المجتمع أنهم هم المجموعة المسلمة من انضم معهم فقد أسلم ومن امتنع فقد حكم على نفسه بالكفر وبعدها يفصل الله بينهم بأى شكل أما بقتال أو بهجرة أو أى شىء آخر. وتمت معه مناقشة موضوع انكشاف التنظيم قبل القيام بأى خطوة مما يذكر فقد اتفق معنا أنه لابد من تكوين قوة رد فى حالة أى طارىء تستطيع أن ترد بحيث تكون قوة الرد كبيرة ما أمكن ولا تكون المسألة ( زوبعة فى فنجان) وكان قد أخبرنا أن من يخلفه فى هذا العمل هو محمد يوسف هواش وأنه يجب الاتصال به فى حالة اعتقاله.
وبدأ على عبده عشماوى بعد ذلك فى كشف أفراد التنظيم فكتب أسماء مجموعة قيادة تنظيم القاهرة منه ومن مبارك عبد العظيم ووهبة الفيشاوى.
ثم أخذ يحدد النقباء التابعين له وعم مصطفى الخضيرى وحمد حسن صالح وسيد نزيلى محمد .. وأسماء الأعضاء الذين يتبعون كل نقيب فذكر أسماء حبيب عثمان ورشدى حبلص وبكير وعلى ومحمد عبد الحى وزكى بشندى ومصطفى عزال وحسن عامر.
كما ذكر أسماء مجموعة أخرى من النقباء وهم محمد الخطيب وكمال الفرماوى ومحمد رأفت الشندويلى وأحمد توفيق وكامل حنفى وعبد الكريم حسن الطويل وحسن وأسماء مجموعة أفراد تابعين له مباشرة وهم عبد الحميد عفيفى والشهيد اسماعيل الفيومى الذى مات من التعذيب فى السجن ومحمد عبد الرسول.
ثم ذكر أسماء الأشخاص الذين يعرفهم ويتبعون مبارك عبد العظيم زميله فى مسئولية قيادة تنظيم القاهرة وهو فاروق المنشاوى وسيد شريف وفايز محمد اسماعيل ومحمد عبد المعطى وممدوح وذكر أسماء الذين يتبعون زميله الثالث وهبة الفيشاوى وهم أنور أمين وعبد المنعم دحروج.
وفجأة يتوقف استرسال على عبده عشماوى فى كتابة أسماء من يعدم صلتهم بالتنظيم ليضع بندا مستقلا تحت اسم معروف الحضرى .. وهو أحد الضباط الأحرار الذين كانوا على خلاف مستمر مع عبد الناصر وقد اعتقل فى عام 1954 ثم أفرج عنه.. ثم لفق له اتهام انضمامه لمؤامرة يدبرها حسين توفيق وقبل أن يحاكم أريد أن يشمله الاتهام أيضا فى تنظيمات الإخوان المسلمين فكتب على عشماوى عنه فى إقراره ما نصه:
علمت من عبد الفتاح اسماعيل أنه كان يشارك معروف الحضرى فى تصدير البرتقال, وأنهم فى هذه الأثناء وبالاشتراك مع الشيخ عشماوى سليمان من قويسنا قد حاولوا تجميع عدد من الإخوان لعمل ما لا أعف نوعه ولكن المحاولة فشلت لعدم استجابة الإخوان لهم فى هذه المرحلة.
ثم بعد ذلك انشغل معروف بأحواله الخاصة ولقد قمنا بإعادة المحاولة معه حيث زرته فى منزله أنا وعبد الفتاح اسماعيل تقريبا فى أوائل 1964 وكلمه عبد الفتاح فى الأمر ولكنه بعد أن طلب مهلة يفكر رجع بعدم الموافقة فى الاشتراك فى هذا وأن المسالة تحتاج إلى عددا كبير من الأفراد يعدون لدخول الكلية الحربية من جديد والانتظار حتى يصيروا فى أماكن قيادية وأنه لا يوجد طريق آخر ثم لما التحقت بالشركة التى كان فيها عضو مجلس إدارة جاء فى أحد الأيام وأخبرنى ان نوايا الحكومة تجاه الإخوان سيئة فسألته كيف عرف ذلك فأخبرنى أنه كان مدعوا فى عقد قرآن شقيق الرئيس وابنة المشير وأن المقالبة لم تكن ودية ثم قال لى ( يجب أن تعلموا أننى لست على استعداد أن أضحى بقطرة من دمى فى سبيل هذا الشعب)
وهكذا حقق عشماوى هدف عبد الناصر فى تقديم معروف الحضرى للمحاكمة بتهمة عمله بالتنظيم ولم يبلغ...
كنا نعتمد فى ذلك على الشراء من التجار الذين يبيعون السلاح سرا وقد اشتريت 2 مدفع كارل جوستاف وقام الحاج عبد الفتاح بشراء باقى كمية السلاح وقد اشتريتهم من كرداسة من تاجر اسمه ( السنوسى) شريك نصار مكاوى.
أما عن الحاج عبد الفتاح فأعتقد أنه كان يشترى من تجار بالقرب من منطقتهم ولا أعرف منهم أحدا بالتحديد ( تفسير ذلك أن هناك تاجر جبنة فى بلدة بجوار بلقاس كان وسيطا فى شراء السلاح وقد أرسل مرة الحاج عبد الفتاح لهذا التاجر محمد عواد واسم التاجر الحاج نجاح صاحب معمل جبنة بقرية بجوار بلقاس).
أما عن كمية القنابل فهى: 8 قنابل روسية و4 قنابل ايطالية وصندوقان من المواد المتفجرة وبعض مفجرات الكهرباء فقد علمت أنها كانت عندهم أيام كانوا يفكرون فى العمل الذى كان يتزعمه عبد الفتاح الشريف وقد كان الذى قام بالشراء يدعى أحمد سلام من الغربية وكانوا يصفونه انه ذو خبرة واسعة فى هذه المسائل وأن له معرفة بأشخاص يحضرون له ما يريد من العريش وهو يعمل الآن بالسد العالى حسب علمى بعد أن نصب على أحد فلاحى المحلة الكبرى وأخذ منه ثمن فدانين وأخبره أن المبلغ قد انتهى فى التجارة ومن وقتها قطعوا صلتهم به.
وقد سلمونى هذه الكمية بعد تولى صبرى عمله بالمنطقة واتصل بأفراد طنطا وبحث عن الشخص الذى عنده هذه الأشياء وأرسلها إلى مع كمية من الطلقات يعلوها الصدأ وقد رميتها.
علاوة على ذلك كان بعض الكيماويين الذين يتبعون مبارك عبد العظيم يصنعون لنا مادة متفجرة من نترات الأمونيوم ويصنعون لنا قنابل مولوتوف.
ويأتى على عشماوى بعد ذلك على سر تفاصيل اتصال التنظيم بالخارج فيكتب:
قام الحاج عبد الفتاح فى أثناء سفره إلى السعودية ثلاث سنوات متتالية بالاتصال بسعيد رمضان وكامل الشريف والشيخ عشماوى سليمان وقد علمت بعد مرة أنهم مصدر مبلغ الأربعة ألاف جنيه التى حدثنا عنها وكان صبرى منتديا بالسعودية وقد علمت أن المبلغ أحضر بمعرفة صبرى وانه كان يقوم بحلقة اتصال بين الشيخ وبين السعودية.
وقد قمت سنة 1964 بالسفر إلى السعودية فى موسم الحج وحدث بسبب ذلك خلاف شديد بينى وبين عبد الفتاح اسماعيل ولا أعرف لماذا كان يصر على عدم سفرى.
وقمت فى السعودية بالسؤال عن اتصال عبد الفتاح فأخبرونى انه قد أشاع أن العملية معدة فى مصر ولكنها تحتاج إلى مبلغ عشرين ألف جنيه وأن هذا الأمر انتشر جدا مما أغضب من اتصلت بهم وهم محيى هلال ومصطفى العالم. وقد وجدت أصرارهم على أن الجميع بالسعودية لا ينوى التعامل مع من بمصر فى حالة وجود عبد الفتاح بينهم فحاولت تهدئتهم وأخبرتهم انه لا أمر له ولكن الأمور فى يد مسئولين وهكذا قد اقتنعوا وعرفونى أنهم يمكن أن يرسلوا لنا أى مبلغ بعد فترة وانه يمكن إرسال أسلحة عبر حدود السودان أو ليبيا.
وبعد ذلك حين حضرت ثارت مشاكل بين كل من ا حول هذا الأمر الشيخ وصبرى من جهة وأنا من جهة.. كل منا يشكك فى جهة اتصال الآخر.
وبعد ذلك أرسل لنا من بالسعودية مع رسول سودانى خطابا أخبرونى فيه أنهم على استعداد لإرسال بعض الأسلحة لم يحدد كميتها فعرضت الأمر على سيد قطب فرفض وقال أخبرهم بتأجيل هذه العملية حتى تتحسن الأحوال.
وبعد ذلك أرسلوا متشككين فى قدرتنا وزعلانين أننا كلفناهم مالا ومشقة وبعد ذلك لم تتم العملية. وكان لسيد قطب صلة خاصة ببعض العراقيين والليبيين وقد حضرت مرة لقاء له مع عراقيين وسلموه مبلغ مائتى جنيه وأخبروه أن هذا المبلغ هدية من إخوان العراق. وقبل أن ينتهى على عشماوى من تحرير إقراره يذكر تحت بند الخطة.. ما كان يديره الإخوان فيكتب:
منذ حوالى ثلاثة شهور وبعد لقاء لنا مع سيد قطب أخبرنا ان هناك إشاعات وكنا قد سمعنا الكثير عنها وكان تفسيره لهذه الاشاعات أنها بدايى ضربة جديدة سوف توجه للإخوان. واتفقنا على إطلاق إشاعة مضادة تقول أن الشيوعيين باتفاق مع الحكومة تطلق هذه الشائعات وترتب أحداثا تبرر بعد ذلك ضرب الإخوان مرة أخرى.
واتفقنا على أن نجلس وحدنا وندرس إمكانياتنا والعمل الممكن تأديته وجعلتنا نقترح أسماء أعضاء القيادة جميعا مع كبار ضباط الجيش مع كبار رجال المباحث.
وبعد استعراض إمكانياتنا تبين أننا لا نستطيع تأدية العمل إلا فى شخصية الرئيس والسيد على صبرى مع ضرب جميع محطات الكهرباء بالقطر والتليفونات وعرضنا النتيجة على سيد قطب وكنت أنا وأحمد عبد المجيد والحاج عبد الفتاح فقط برأس البر وقد أعلن موافقته على أن نحاول إذا استطعنا أن نضرب مدير البوليس الحربى وشمس بدران مدير مكتب المشير فإن الأحوال بذلك تصل إلى درجة من الارتباك.
وبعد ذلك اجتمعنا وتقرر أن يتولى مجدى العملية الأولى وهى عملية اغتيال الرئيس ولكنه علقها على دراسة إخوان إسكندرية للأوضاع وأنسب مكان يمكن تأدية العملية منه وكنا فى انتظار سفرة يوم الخميس ونلتقى يوم السبت مساء حيث تتقرر طريقة العمل والإمكانيات المطلوبة ولكن الجمعة تم القبض علينا.
ملاحظة: بع اعتقال سيد قطب اتصلت بى حميدة قطب عن طريق زينب الغزالى وأخبرتنى أن أخاها أخبرها أن يتصل أحدنا بمحمد يوسف هواش إذا اعتقل هو ورتبت لنا موعدا فى كازينو الحمام بالجيزة ولكنه لم يحضر واعتذر وأخبر أنه مطلوب القبض عليه وأصبح اللقاء غير ذى قيمة وبعد ذلك قابلت حميدة فى منزل زينب الغزالى فأخبرتنى أن هواش يوصى أن كان لابد من العمل فلابد من ضرب أربعة هم : الرئيس والمشير والسيد على صبرى والسيد زكريا محيى الدين. ولم أقابله بالمرة.
وانتهى بذلك إقرار على عبده عشماوى الذى كان الخيط فى الإطاحة بكل جماعة الإخوان المسمين فى عام 1965.. والذى يؤكد القول بأن على عشماوى كا صنيعة لرجال المباحث الجنائية العسكرية أنه هو الذى كان دائما يسعى فى الاجتماعات لتحويل اتجاه نشاط التنظيم من التربية الدينية إلى القيام بعمليات الاغتيال والعنف.. وهو الذى تعاقد على صفقة سلاح ترسل من السعودية عن طريق السودان.. وهو الذى أيد القيام بعمليات اغتيال للرئيس السابق فى اجتماع عقد يوم الخميس وتم تكليف زميله مجدى عبد العزيز بدراسة الإمكانيات واطلاعهم عليها يوم السبت.. ولكن تم القبض على كل المجموعة فى يوم الجمعة22 أغسطس سنة 1965.. مصادفة.. هكذا.
ومن الغريب أن جهاز المباحث الجنائية العسكرية بدأ عمله بالإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين فى أواخر شهر يوليو سنة 1965 .. ألقى القبض على محمد قطب شقيق سيد قطب.. واحتج سيد قطب لدى رجال المباحث العامة على الطريقة التى تم بها القبض على شقيقه.. وبعد أيام ألقى بدأ القبض على أفراد من جماعة الإخوان المسلمين ... ولم يجد رجال المباحث الجنائية العسكرية ما يوجهونه من اتهامات اليهم حتى جاء اقرار على عبده العشماوى فى 22 أغسطس سنة 1965 .. وإن كان لم يذكر تاريخه ولكن استنتاجا من عمليات القبض التى تمت فى ذلك اليوم..
وامتلأ السجن الحربى بالآلاف من شباب الإخوان المسلمين.. وتعرضوا لأبشع ألأوان التعذيب لتأكيد ما تضمنه إقرار على عشماوى.. وهو تعذيب معروض على المحاكم حاليا بعد أن أعاد السادات للقانون سيادته.. أما ألوان التعذيب فهى موضوع الباب القادم..
الباب الرابع
مذبحة كرداسة
ألوان التعذيب
الحملة الإعلامية... والصحفى الأوحد
مذبحة كرداسة
بدأت مجموعات الإخوان المسلمين تتوافد على السجن الحربى يوميا.. بل وفى كل ساعة.. كان يفتح الباب ويدخل الضحايا فرادى أو مجموعات.. والكل كان يستقبل بالكرابيج تنهال على جسده منذ أن تخطو قدمه الخطوة الأولى داخل مبنى السجن..
كل الأسماء التى ذكرها على عشماوى كانت تخرج مجموعات من رجال المباحث الجنائية العسكرية تفتش عنها وتعود بأصحابها ليتعرضوا إلى تعذيب يصل إلى حد العاهات المستديمة أو التشويه.. ومن كانوا لا يجدونه فى منزله يحضرون بدلا عنه أفراد عائلته... الأم الأب.. الزوجة الأولاد.. الطفل والشاب.. كل من يمت اليه بصفة لارغامه على تسليم نفسه.
وكان من بين لأسماء التى ذكرها على عشماوى اسم السيد نزيلى على أنه مسئول عن مجموعة الإخوان فى امبابة.. ويقيم فى كرداسة... وتوجهت مع غروب الشمس يوم 21 أغسطس مجموعة من زبانية المباحث الجنائية العسكرية بملابسهم المدنية إلى القرية الهادئة فى امبابة.. كان عددهم ثمانية.. وسألوا عن منزل السيد نزيلى.. وأعتقد أهالى القرية أنهم أصدقاء له حضروا لتهنئته بزفافه.. فقد كان زفافه تم قبل ذلك بأيام.. وتوجهوا إلى المنزل.. واقتحموه عنوة.. ولم يكن السيد نزيلى موجودا.. كانت عروسه فقط هى التى بالمنزل مع شقيقه عبد الحميد.. وسألوا عن السيد ولما علموا بعدم وجوده تفرقوا فى غرف المنزل يفتشون وينهبون.. وكانت تلك هى عادتهم بجانب البحث عن أى أدلة يبحثون عن المال والمصوغات .. يقدمون الأدلة أن وجدت وأغلبها الكتب الدينية إلى رؤسائهم ويخفون فى جيوبهم المال والمصوغات..
وأعتقد عبد الحميد أن الثمانية عصابة من اللصوص.. خرج إلى الشرفة يستغيث وتجمع أهالى القرية.. وأراد الثمانية اصطحاب عبد الحميد وعروس شقيقه إلى السجن الحربى ليضطر السيد نزيلى إلى تسليم نفسه.. أعتقد الأهالى أن الثمانية يخطفون ابن قريتهم وعروس شقيقه.. وتصدى كل أهالى القرية للثمانية... ونشبت معركة رهيبة انتهت بهروب سبعة من الثمانية أما الثامن فقط سقط قتيلا..
وبعد ساعة... تحرك موكب من المصفحات إلى القرية الساكنة وأكثر من ألفى جندى من جنود الجيش فى حملة تأديبية للقرية وأهلها الذين تجرأوا على " ضرب الحكومة" وكانت أوامر الحملة صادرة من شمس بدران الذى استطاع الهرب حاليا إلى انجلترا لينعم بالملايين التى سرقها من مال الشعب وتمكن من تهريبها.. وتحولت القرية إلى ساحة معركة.. واستمر دوى الرصاص طوال الليل... والصرخات.. صرخات الرجال والنساء والأطفال تنطلق إلى السماء تحمل الأنين والشكوى إلى الخالق العظيم..
وتم تفتيش كل منازل القرية... ونهب كل قرش فى كل بيت ثم تم جمع الرجال وربطهم بالحبال كقطيع ماشية واقتادوهم إلى اللوريات لتنقلهم إلى السجن الحربى... وفى لوريات أخرى تم تجميع الزوجات والأمهات...واتقدن أيضا إلى السجن الحربى..
وفى فناء السجن ... جمعوا الرجال ووقف الفريق محمد فوزى يستعرض " السبايا" وكأنه قائد جيش يستعرض أسرى جيش الأعداء.. وكان الرجال وقوفا.. وصرخ فيهم ما يسترو التعذيب صفوت الروبى أن يركعوا أما القائد ويسجدوا.. وانهالت الكرابيج على ظهورهم..
ثم صدرت ألأوامر تمتطى كل امرأة من كرداسة ظهر زوجها أو أبيها أو جارها.. وأن يحبو الرجال والنساء فوق ظهورهم فى الفناء.. بينما اصطف عدد آخر من أهالى كرداسة على هيئة دائرة وصدرت اليهم الأوامر أن يصفع كل منهم جاره ويبصق فى وجهه.. ولاحظ السجانون أن بعض الصفعات ضعيفة.. فكانوا يلهبون ظهور أصحابها بالكرابيج..
كانت صورة ما تعرض له أهالى كرداسة الذين اقتيدوا إلى السجن الحربى ليبقوا بداخله 29 يوما يكررون فيها المشاهد السابقة.. أما نفس القرية فقد احتلتها قوات المباحث الجنائية العسكرية وأصدرت أوامرها أن يلزم الكل منزله لا يغادره أبدا.. وأغلقت المساجد وأمرت بتعطيل الصلاة.. وتصادف أن مات أحد شيوخ القرية وهو محمد عبد العزيز حيدر.. ورفض رجال المباحث الجنائية العسكرية دفنه.. وبقى فى فراشه ثلاثة أيام حتى تعفنت جثته.. وعندما صدرت الأوامر بأن يتم دفنه خرج نعش الرجل يحمله أربعة رجال فقط ولا يتبعه أحد إلى المقابر..
ألوان التعذيب
كان ذلك ما تعرض له أهالة قرية كا ذنبها أنها خرجت تدافع هن أحد من أبنائها اعتقدوا أن عصابة تقوم بخطفه هو وعروس شقيقه.. ولم يكن يعلمون ان أفراد العصابة هم من رجال البوليس وقتئذ.. فقد كانت الطريقة التى سلكها رجال المباحث الجنائية هى نفس الطريقة التى يسلكها رجال العصابات..
أما المتهمون بالانضمام إلى تنظيم الإخوان المسلمين فقد تعرضوا لأبشع ألوان التعذيب التى تخطر على البال.. والتى لا يمكن أن تخطر على بال.. كل منهم تعرض لنفس الألوان من التعذيب حتى تنهار مقاومته ويعترف بما يريدونه له أن يعترف به.
ولعل أصدق صورة لألوان التعذيب هى التى يرويها واحد ممن تعرضوا لها... وفى الصفحات القادمة يروى العقيد متقاعد نصر الدين محمد الإمام كيفية تعذيبه أنه وتسعة من زملائه كانوا يدبرون لنظام الحكم..
وكان نصر واحد من المتهمين فيما أسموه مؤامرة مدرسة المشاة.. وزملاؤه فى الاتهام هم العقداء إبراهيم طه وإبراهيم و بهى الدين مرتضى وعلى إبراهيم الجندى والمقدم مهندس عادل المنياوى والملازم أول عبد الملاك ميخائيل غطاس.. والمتهم الأخير وهو مسيحى وضع لابعاد الشبهة عن حقيقة تدبير السوفيت للإطاحة ببقية المتهمين... فقد كان وتأدية المتهمون التسعة من المعروفين بشدة تمسكهم بتعاليم الدين وتأدية الصلاة فى مواعيدها حتى وهم فى مكاتبهم.. وكان ذلك يثير الخبراء السوفيت الذين انتشروا فى مختلف وحدات الجيش بحجة تدريب قواتنا على السلاح السوفيتي.. واستطاعوا أن يحركوا أعوانهم فى مكتب المشير وفى سكرتارية عبد الناصر ضد تلك المجموعة وخاصة بعد أن كان بعضهم بدأ يناقش حرب اليمن وهل من يموت فيها يعتبر شهيدا أم لا.. لأنها حرب ليست لنشر العقيدة الإسلامية وإنما حرب يقاتل فيها المسلم أخاه المسلم...
وكانت تلك هى الحقيقة التى كان يتناقش فيها المتهمون عندما فوجئوا بالقبض عليهم بتهمة تدبير انقلاب عسكرى للإطاحة بالحكم ويروى العقيد نصر الدين محمد الإمام تفاصيل القبض عليه.. قال أنه فوجىء برجال المباحث الجنائية العسكرية يقتحمون مسكنه برئاسة تلميذ له هو الرائد حسن كفافى.. كان الوقت بعد منتصف الليل.. أيقظوا أطفاله وزوجته وأمه المريضة التى لقيت ربها بعد ذلك بأسبوعين..حبسوا الجميع فى غرفة.. وبدأوا يفتشون مكسنه.. وعثر حسن كفافى على مبلغ ألف وخمسمائة جنيه كان نصر أدخرها لشراء تاكسى يعاونه إيراده فى مجابهة تكاليف المعيشة.. وأخذ حسن لنفسه المبلغ مدعيا أنه سيعيده عندما يتأكد من مصدره.. وطبعا اختفى المبلغ للبد... وبعد أن مزقوا المراتب بالمطاوى بحثا عن أدلة ولم يجدوا شيئا اصطحبوه إلى السجن الحربى...
ويقول العقيد متقاعد نصر الدين محمد الأمام:
ولم أكن أعلم لماذا قبضوا على.. حاولت أن أسأل حسن كفافى عن السر وراء ذلك.. لم يجبيني بشىء إلا أنه تلقى الأوامر بذلك وأن زملاؤه تلقوا أوامر مماثلة للقبض على آخرين من الضباط..
حاولت أن أعرف منه أسماء زملائى الذين قبضوا عليهم.. ولكنه لم يكن يعرف شيئا....
ودخلت السجن الحربى... كنت ارتدى ملابسى المدنية... وقبل أن يغلق باب السجن... ,جدت مايستروا التعذيب فى السجن الحربى صفوت الروبى وكان برتبة رقيب أول ثم رقى فى خلال عام 1966 ترقية استثنائية إلى رتبة مساعد.. وفى عام 1967 رقى ترقية استثنائية إلى رتبة الملازم لمهارته فى تعذيب من يوقعه سوء حظه ويدخل السجن الحربى..كان صفوت يقف ممسكا بكرباج وحوله ثلاثة أشبه بعمالقة القرون الوسطى.. ولكل اسم مستعار.. أحدهم يطلقون عليه الديزل والثانى سامبو والثالث الأسود.. وانهال الأربعة على بالكرابيج...وكنت كلما جريت ناحية واجهنى أحدهم بكرباجه بعد أن تلقيت ما يزيد عن المائتى كرباج.
وأسعفونى.. وكان الذى يقوم بعمليات الإسعاف العقيد طبيب حاليا ماجد حمادة وكان برتبة الرائد.. ثم حملونى إلى زنزانة مظلمة تماما... ليس بها أى منفذ ضوء... وألقونى داخلها... وارتميت على الأرض ورفعت عينى إلى سقف الزنزانة وصرخت " يا رب"..
وفتح باب الزنزانة بعنف ودخل " الديزل:" وانهال على جسدى المكوم فى ركن الزنزانة بالكرباج وهو يردد " مستنكرا" أنت بتقول يارب... يا ابن.. هنا مفيش ربنا... وأن جه حنحطه جنبك فى الزنزانة... ثم أمرنى بالجلوس القرفصاء ووجهى إلى الحائط وأن أرفع ذراعى إلى أعلى... وامتثلت لأوامره... ولا أعرف كم من الوقت مضى على وأنا فى ذلك الوضع... ولكننى أفقت على الكرابيج تلهب جسدى ويبدو أنى من شدة الإرهاق غلبنى النعاس فارتميت على جانبى...
وأمرنى صفوت الروبى بخلع ملابسى... توقفت عند ملابسى الداخلية فانهالوا على بالكرابيج ... وأصبحت عاريا تماما... وألقوا لى بافرول أزرق ممزق به اثار دماء ممن سبقونى فى ارتدائه... واقتادونى إلأى خارج الزنزانة... إلى الفناء... وعلى باب غرفة مدير السجن قال لى صفوت:
حتقابل دلوقت شخصية كبيرة... عايزك تجيب قدامه كل اللى فى بطنك... ماتخبيش حاجة.
ووجدتنى وأنا العقيد أقول للرقيب أول:
- حاضر يا بك..
ودخلت الغرفة... وكان شمس بدران يتصدر الغرفة جالسا وراء مكتب.. وعن يمينه مختار صالح رئيس المخابرات الحربية وعن يساره وإلى جواره جلال الديب نائب الأحكام...
وبادرنى شمس قائلا:
-اتكلم يا نصر عن كل حاجة.. زملاءك اعترفوا وما تحاولش تنكر.
وتساءلت بصدق:
-عن إيه يافندم أتكلم.. أنا ما أعرفش حاجة.. أنا مخلص لبلدى وجيشى.. أنا...
ولم أكمل جملتى فقد شعرت بثقل جبل يسقط فوق رأسى فارتميت على الأرض وفى ثوان كنت معلقا من يدى وقدمى.. رأسى إلى أسفل وقدمى إلى أعلى.. أشبه بالذبيحة فى محل الجزار.. وصوت شمس بدران يأمر قائلا:
ألف..
وانهالت الكرابيج على قدمى.. وصوت يعد واحد.. اثنين.. وأغمى على ولم أسمع شيئا بعد رقم 297.. وعندما أفقت وجدت نفسى ملقى فى نفس الزنزانة وأمامى الدكتور ماجد حمادة يضمد جروحى..
وبقيت فى الزنزانة ثانى يوم.. بدون طعام أو شراب حتى الليل.. عندما فتح بابا الزنزانة مرة أخرى كنت فى حالة من الإنهاك والإنهيار التام.. ويحبونى إلى خارجها .. إلى فناء السجن حيث يوجد تمثال كبير لجندى ممسكا ببندقيته.. وحول التمثال على شكل دائرة 6 جنود.. ثلاثة منهم ممسكين بالكرابيج وثلاثة ممسكين بسلاسل مقيد بها ثلاثة من كلاب الحرب... والكلب منهم فى حجم الحمار الصغير... وفى منتهى الشراسة.. وأمرنى صفوت أن أجرى حول التمثال.. وحاولت أن أنفذ الأمر.. ولكن قدمى لم تستجيبا للأمر.. كانت متورمتين.. وبدأت أمشى بخطوة سريعة.. وعندما أصل فى دورتى إلى أحد الجنود الممسكين بالكرابيج يلهب ظهرى أو وجهى أو صدرى بكرباجه ... وعندما أصل إلى أحد الممسكين بالكلاب.. يطلق كلبه لينهش فى جسدى بعد أن مزق ما بقى من الافرول الأزرق ...
وبعد عدة جولات حول التمثال سقطت من شدة الإعياء فأطلقوا الكلاب لتنهش فى جسدى.. ولم اشعر بشىء...
وعندما فتحت عينى.. ولا أعرف كم من الأيام أو الساعات.. وجدت أننى لست بمفردى فى الزنزانة.. وضعوا حاليا فى معرض الطب البيطرى بالعباسية.. ولكن قدرة الله سبحانه وتعالى حولت ذلك الكلب الشرس.. كلبا وديعا جدا معى... بل كان أشد رحمة بى من الإنسان فى السجن الحربى...
ويصمت العقيد نصر الإمام للحظة وقد اختنق صوته بالبكاء ... وهو يتذكر تلك الأيام الحالكة السواد فى حياته فحسب بل وفى حياة الأمة بأكملها ويقول:
شعر الكلب بما أقاسيه ... وكان يأتى يتمسح فى جسدى... يلعق بلسانه جراحى... وعندما كان يفتح باب الزنزانة لتقديم وجبات الطعام له.. وكانت فى الصباح آنية بها لبن... وفى الظهر أنية بها شوربة بجوارها لحم نيىء... وفى المساء... وكان يشرب من الآنية بعض اللبن ثم يدفعها بأرجله ناحيتى.. وكنت أشرب ما تبقى منه من لبن..
ومرت أيام وأنا على تلك الحال... ثم اصطحبونى إلى التحقيق مرة أخرى.. وقبل أن أدخل غرفة التحقيق سألنى صفوت الروبى.
- تعرف عفت؟
وقلت له: إن هذا اسم زوجتى
فقال لى ناصحا: أنهم أحضروها وسيهتكون عرضها إن لم ترح شمس بدران بك وتوافقه وتحكى له كل شىء..
ولم أصدق أن النذالة تبلغ بهم تلك الدرجة.. ودخلت غرفة التحقيق وقد قررت أن أستغل بطولتى السابقة فى المصارعة فى أحداث عاهة لأى شخص يقترب منى محاولا تعذيبى .. وكنت قد استرددت بعض قواى فى الأيام السابقة التى تركونى فيها داخل الزنزانة مع الكلب عنتر...
وبدأ شمس بدران يسألنى عن صلتى بالعقيد إبراهيم طه... وقلت له أننى لم أره منذ عام وكان من تلاميذى فى مدرسة المشاه .. ولم تعجب أجابتى شمس ... فانهال بالشتائم... وفى لحظات وجدت نفسى ملقى فوق الأرض... وفى لحظات معلقا كالذبيحة والكرابيج تنهال على حتى فقدت الوعى..
وافقت بعد يوم أو أيام.. لأجد نفسى فى نفس الزنزانة... والكلب عنتر يلعق بلسانه جراحى.. ثم أخذونى إلى الخارج... ووقف حلفى العسكرى سعد درويش وهو حاليا عسكرى مطافىء بشركة الغزل والنسيج فى كفر الدوار ومحبوس على ذمة قضايا التعذيب.. وكان سعد يقوم بنفس دور العسكرى الأسود الذى استخدمه إبراهيم عبد الهادى أحد رؤساء وزراء مصر فى عهد الملك النقراشى السابق فاروق لتعذيب الإخوان المسلمين بعد حادث اغتيال زميله النقراشى..ووقف صفوت الروبى أمامى.. وسأل سعد:
- هل اعتديت عليه يا سعد؟..
وأجاب سعد:
- لسة يا افندم
- ورد صفوت: طيب خده..
- ودفعنى سعد أمامه.. فرتميت على يد صفوت الروبى أقبلها معلنا استعدادى أن أقول أى شىء... وأمره صفوت أن يتركنى.. وأخذنى إلى غرفة التحقيق.. وسألنى شمس :
- ايه الاتفاق اللى تم بينك وبين محمد نجيب؟
- وأجبته صادقا: محمد نجيب لم أره منذ عام 1959 ... رأيته مصادفة أخر مرة وكانت معه حراسة فى محل يشترى أطباقا...
- ورد شمس: أنت كداب.. أنتم كنتم حتجيبوه رئيس الجمهورية لما تنجح حركتكم مع الإخوان المسلمين..
- وأجبته صادقا:
- أنا ماليش دعوة بالإخوان أو بمحمد نجيب
- ووقف شمس بدران ثائرا وتقدم منه صفوت سائلا: اعمل له مولد يا افندم..
- وأجبا شمس باقتضاب: طيب.
- وفى ثوان كنت معلقا كالذبيحة.. ثم وضعوا بين أصابع قدمى ورق كرتون وأعتقد أن الرحمة نزلت فى قلوبهم وأرادوا إبعاد أصابعى عن بعضها حتى لا تحتك الجروح بها... وفوجئت بهم يشعلون النار فى الكرتون وتحترق أصابعى بالنار وهم ينهالون على ضربا بالكرابيج... حتى فقدت الوعى...
- وعندما افقت.. بعد يوم أو أيام لا أدرى... وجدت نفسى فى الزنزانة وشعر الحراس بأننى أتحرك... وجاء لى صفوت الروبى واقتادونى إلى الخارج وأعلننى أنه صدر الحكم بإعدامى رميا بالرصاص.. ولكن شمس بدران بك قرر أن أدفن حيا.. وفعلا اقتادونى إلى حفرة كبيرة وألقوا بى بداخلها ثم بدأوا يهيلون الرمال فوقى حتى غطتنى تماما ما عدا رأسى.. وأغمضت عينى بعد أن رددت الشهادتين..ز وفجأة دوى صوت أعتقد أنه صوت شمس بدران أو حمزة البسيونى يأمر بإخراجى ... وأزاحوا الرمال وأخرجونى...
- ووقفت أمام حمزة البسيونى... و شمس بدران.. وقال حمزة.
- ازاى نبعته لربنا وفيه فى جسمه حتة سليمة..
- وقاموا بخلع ملابسى ... ووقفت عاريا تماما... وكانت آثار السياط والجروح تغطى كل صدرى وظهرى وذراعى وقدمى... ونظر حمزة البسيونى إلى عضوى التناسلى وأشار ضاحكا:
- ده لسة سليم ليه؟ احرقوه..
وعلى الفور أحضروا سيجارة مشتعلة وبدأوا يحرقون العضو التناسلى فى عدة مواضع ثم قيدونى وبدأ حمزة البسيونى بنفسه بواسطة آلة فى يده ينزع أظافر أصابعى العشرين.. أصابع يدى وقدمى...
ونقلونى فى هذه المرة إلى المستشفى... مستشفى السجن وعندما أفقت وجدت ذراعى وفيها إبرة الجلوكوز".. وجاءنى جلال الديب نائب الأحكام الذى استطاع الهرب هو الآخر حاليا إلى الخارج... ونصحنى أن أعترف بكل شىء... وطلبت منه أن يكتب أى شىء وأنا مستعد للتوقيع عليه..
وتحسنت معاملتى.. وأحضروا لى طعاما فاخرا... ولكننى لم أكن أستطيع أن أمضغ أى طعام, لتورم شفتى وتهشم أسنانى.. وكانوا يساعدوننى فى وضع كوب العصير فى ناحية من فمى لأرتشف نقطة أو اثنين وأتوقف من شدة الآلام عندما أحرك شتى..
ثم جاءنى جلال الديب بإقرار يتضمن قصة خيالية عن مؤامرة كنا ندبرها للقيام بانقلاب عسكرى للإطاحة بالرئيس السابق... ووقعت على القرار.. ودخلنا السجن... حتى جاءت النكسة وصدر قرار جمهورى بالعفو عنا وشطب القضية وكأنها لم تكن... وأفرج عنا... ولكننا عدنا للسجن مرة أخرى بعد 43 يوما لنبقى به حتى أفرج عنا الرئيس السادات بعد أن أطاح بمراكز القوى وأعوان السوفيت من المحيطين بالرئيس السابق جمال عبد الناصر.
وتلوح شبح ابتسامة على ملامح العقيد نصر الدين الإمام وهو يقول:
انهم كانوا يتفننون فى ألوان التعذيب... كانوا لا يتركون وسيلة سمعوا عنها أو قرأوا تفاصيلها من وسائل التعذيب إلا واستخدموها التعذيب النفسى.. يجعلونك تعيش ساعات وكأنك أصبحت مطلق السراح وأنهم أصدقاء لك ثم فجأة ينقلبون إلى وحوش كاسرة تنهال عليك بالضرب والركل بالأقدام...
لقد اتبعوا تلك الوسيلة مع زميل العقيد بهى الدين مرتضى رئيس مجلس مدينة راس سدر حاليا وواحد من الذين شاء سوء حظهم أن يقع فى أيديهم لشدة إيمانه بالله..
إنهم استخدموا معه كل وسائل التعذيب التى استخدموها معى... ولم يخضع لرغباتهم فى الاعتراف بأشياء لم تحدث... وفى إحدى الليالى اقتادوه من زنزانته إلى غرفة التحقيق... ووجد شمس بدران فى انتظاره... وما كاد يراه حتى احتضنه شمس بدران معلنا أسفه الشديد لما حدث له وأنه كان نتيجة خطأ سيعاقب بسببه المسئول عنه... ثم دعاه إلى عشاء فاخر... وأثناء جلوسهما طلب منه شمس أى يروى له أحدث ما سمعه من نكت سياسية... وأطمأن بهى إليه وإلى الجو الودى المحيط به... وكان بهى معروفا بأنه رواية نكت ممتاز وروى له النكتة الأولى...
وضحك شمس بدران... وطلب نكتة أخرى... ورواها بهى..
وضحك شمس بدران... ثم وقف ثائرا وقلب المائدة قائلا: اضربوه حتى يموت.. أنه مصدر كل النكت عنا السوفيت..
وهكذا كان التعذيب داخل السجن الحربى... وكانت تلك ألوانه.. وهى نفس الألوان التى تعرض له أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ليدلوا باعترافات تؤكد قيامهم بعزمهم على قلب نظام الحكم.. وتحمل الكثير منهم كل أصناف العذاب.. وسقط البعض شهداء وتم دفنه في رمال الصحراء الممتدة خارج مبنى السجن الحربى..
واستمر تعذيب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فرادى وجماعات وكانت ترسل التقارير إلى الرئيس السابق عبد الناصر باعترافاتهم قبل أن يدلوا بها.. كان شمس بدران ينسج بخياله الواقعة التى يريد المتهم أن يعترف بها ويسارع بأخطار عبد الناصر بأن الاعتراف تم وذلك قبل أن يحدث يتعرض المتهم لكل ألوان التعذيب حتى يوقع على إقرار يتضمن اعترافه بتلك الواقعة..
وكان شمس بدران يستغله السوفيت في إقحام اسم الملك فيصل ملك السعودية في المؤامرة والإدعاء أن بعض المتهمين اعترفوا أنه كان وراء تمويل حركتهم.. وكان هدف السوفيت إبعاد التقارب الذى كان بدأ قبل رحلة عبد الناصر إليهم مباشرة في 27 أغسطس سنة 1965... وفعلا قدم شمس بدران اعترافات كاذبة بذلك للرئيس السابق عبد الناصر..
الحملة الإعلامية والصحفى الأوحد
وعندما تجمعت لدى عبد الناصر الصورة الكاملة أعلن عن ما أسماه مؤامرة الإخوان أثناء وجود في موسكو وبعد أن وصل إلى القاهرة يوم 6 سبتمبر كلف صحفيه الأوحد محمد حسين هيكل رئيس تحرير الأهرام أن يبدأ الحملة لبث الكراهية.. كراهية الشعب للإخوان المسلمين..
وفى 7 سبتمبر انفرد الأهرام بنشر أول معلومات عن المؤامرة المزعومة وصدر الأهرام في ذلك اليوم وكانت عناوينه الرئيسية كالآتى:
أول التفاصيل عن مؤامرة الإخوان المسلمين الأخيرة.
كشف تنظيم سرى إرهابى والقبض على كل خلاياه وضبط كميات ضخمة من الأسلحة والمفرقعات.
عمليات اغتيال واسعة النطاق كان يجرى تدبيرها إلى جانب خطط لنسف بعض المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومحطة الإذاعة.
خطة لالقاء قنابل حارقة في عدد من دور السينما والمسارح وفى بعض الشوارع.
مقاومة مسلحة للبوليس حينما ذهبت قوة منه لضبط مخزن أسلحة في قرية كرادسة في محافظة الجيزة.
الوثائق تؤكد أنه هناك تمويل خارجى وراء التنظيم الإرهابى الجديد يصرف عليه من سعة ويؤمن وصول السلاح له.
الإرهابى الجديد يصرف عليه من سعة ويؤمن وصول السلاح له.
كانت تلك العناوين.. أما تفاصيل الخبر الذى نشرته فكان:
سمحت سلطات التحقيق لأول مرة أمس بنشر معلومات عن القضية الخطيرة التى اكتشف خلالها تنظيم جديد سرى لجماعة الإخوان المسلمين, وكانت سلطات التحقيق تضع حظرا للنشر لكفالة سلامته وبالفعل فإنه بعد تسرب بعض الأنباء عن القضية تمكن احد المتهمين فيها, وهو مساعد طيار بشركة الطيران العربية اسمه يحيى حسين من الفرار عندما كان مع هيئة قيادة إحدى طائرات الشركة في الخرطوم وذلك منذ ما يقرب من أسبوعين.
ويمكن استنادا إلى حجم التحقيق وتشعبه, وإلى كثرة الأدلة وتعددها أن يقال أن هذه القضية سوف تكون من أخطر القضايا الإرهابية.
وقد بدت عدة مظاهر في هذه القضية تلفت النظر وتستوقف الاهتمام:
1-أن التنظيم الارهابى الذى تم ضبطه كانت وراءه مصادر تمويل تنفق عليه عن سعة, كما أن هذه المصادر كانت إلى جانب المال توفر له مقادير ضخمة من الأسلحة والذخائر كما أنها كانت تتولى توصيلها اليه في داخل الجمهورية العربية المتحدة بطرق متعددة.
2- أن هذا التنظيم الارهابى رسم خططه للعمل داخل الجمهورية العربية المتحدة يقصد تدمير وبدون أى مفهوم سياسي أو اجتماعي, وبغير مراعاة لمن سوف يقع عليه الضرر ومن الذى سيخسر في النهاية إذا نجحت أية خطة من الخطط التى رسمها.
3- أن هذا التنظيم الإرهابى اعتمد أساسا في تجميع صفوفه على الجو الديمقراطى الذى تأكد برفع الأحكام العرفية – وكل ما كانت تتبعه من إجراءات, فقد استغل هذا التنظيم صدور العفو عن البعض الذين كانوا معتقلين من جماعة الإخوان المسلمين, فأعاد تجنيدهم وضم اليهم عناصر أخرى.
وقد بدأوا أول خيط في هذه القضية الخطيرة بتكشف منذ ما يقرب من ثلاثة شهور, وذلك بملاحظة خطة حركة غير عادية لتهريب وتخزين الأسلحة في القاهرة وفى عدد من القرى.
وفى ذلك الوقت شكلت هيئة خاصة نتابعة هذا الخيط الخطير ولم يكن التقدير أن تتكشف العملية عن الحقائق المذهلة التى تكشفت عنها, وعندما تم القبض على بعض الذين تأكد أن في حوزتهم أسلحة ومفرقعات, في بدء استجوابهم راحت خلايا التنظيم السرى تظهر واحدة بعد واحدة لتكشف عن شبكة واسعة وضعت خططا تكاد لا تصدق للوهلة الأولى لغرابتها وبعدها عن التصور.
كانت هناك خطط واسعة للقيام باغتيالات لعدد كبير من القادة والمسئولين.
وكانت هناك خطط لليقام بنسف بعض المنشآت الكبيرة منها بعض المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومحطة الإذاعة ومبنى التليفونات.
وكانت هناك خطط لالقاء بعض القنايل الحارقة في عدد من دور السينما والمسارح وفى بعض الشوارع.
وحدث اثناء التحقيق أن سئل أحد المتهمين:
-على من سيقع الضرر من نسف هذه المنشآت.. ومن هذه القنابل الحارقة في دور السينما والمسارح والشوارع؟
وجاء الرد بأ، الهدف كان إحداث أكبر كمية من الفوضى والذعر وأن هذا قد يؤدى إلى سقوط النظام؟ - وماذا كان سيحدث عندما يسقط النظام؟
- وكان الرد:
- يقوم مجتمع الإسلام
- وسكت المتهم حين قال له المحقق:
- هل يمكن أن يقوم مجتمع الإسلام بنسف المصانع والقناطر ومحطات الكهرباء والمطارات والقاء القنابل الحارقة في دور السينما والمسارح والشوارع وبالقتل وسفك الدماء؟
كان هذا جانبا مما نشره الأهرام.. وقد تكشف مدى الإدعاء الذى كان يحيويه ذلك حتى في خلال المحاكمات.. كما كان ما نشره الاهرام من أن التحقيقات أجريت لا يمثل الحقيقة.. فقد ثبت عند بدء المحاكمات وتداول ملفات القضية أن النيابة العامة وهى السلطة الوحيدة التى لها حق التحقيق لم تخطر بأى شىء إلا يوم 3 أكتوبر سنة 1965 أى بعد أن نشر الأهرام ما أسماه تحقيقات بحوالى شهر. وفى اليوم التالى مباشرة يوم الأربعاء 8 سبتمبر نشر الأهرام مجموعة أخرى من أكاذيب تلك التحقيقات تحت عناوين بغرض الصفحة الأولى وهى ما تسمى بمنشيتات.. وكانت 4 عناوين كبيرة هى:
تحقيق كامل عن التنظيم الارهابى.
هدف خطط الاغتيال والنسف والتخريب كانت تتجه في النهاية إلى الاستيلاء على السلطة.
عدد الذين سوف سقدمون إلى المحاكمة في قضية الإرهاب يصل إلى 400 شخص.
الفلسفة المجنونة التى تجمع من حولها التنظيم والوسائل التى تم بها تجنيد الأفراد.
أما التفاصيل التى نشرها"الأهرام" فكانت بالنص:
علم مندوب " الأهرام".. ولم يذكر اسم المندوب وأن كل كان من في مصر بل والعالم العربى يعرف أن هذا المندوب هو الصحفى الأوحد لذلك العهد محمد حسين هيكل.. وكان ما علمه المندوب أن عدد أفراد التنظيم السرى الارهابى الجديد للإخوان المسلمين الذين قبض عليهم وسوف يقدمون إلى المحاكمة يقترب عددهم من أربعمائى فرد وكانت الخطط التى تم ضبط الوثائق المثبتة لها والأسلحة والمفرقعات التى أدت لتنفيذها ترسم صورة مروعة.
1- عدة خطط بديلة لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر, واحد أثناء الموكب الرسمى في القاهرة, أو في الإسكندرية في احتفالات يوليو, وواحدة لنسف القطار يستقله, وواحدة معدة للتنفيذ في شارع خليفة المأمون وفى الطريق إلى بيته بمنشية البكرى.
وكانت هذه الخطط تعد أيضا لاغتيال المشير عبد الحكيم عامر ونواب رئيس الجمهورية وعدد آخر من المسئولين.
كان التخطيط الارهابى بعد عمليات الاعتيال يفترض تمكن التنظيم الارهابى من الاستيلاء على الحكم وكانت هناك بعد مجموعة الاغتيالات موجهة إلى ثلاث اتجاهاات:
نسف القناطر الخيرية وبعض محطات الكهرباء ونقط تقاطع السكك الحديدية ومطار القاهرة ومحطة الاذاعة ومبنى التليفوانات وبعض مراكز البوليس والمباحث العامة بقصد إحداث شلل عام في جميع المرافق.
اغتيال عدد كبير من قادة الجيش وذلك حتى لا يقدر الجيش على التحرك لإقرار الأمن.
نسف عدد من دور السينما والمسارح والمطاعم وإلقاء عدد من القنابل الحارقة في الشوارع وذلك حتى يلزم جميع الناس بيوتهم ذعرا ومن ثم يصبح الجو مفتوحا لاستيلاء التنظيم على سلطة الدولة.
بعد ذلك يتقدم التنظيم إلى الحكم بغير مراجعة..
ومما يثير الدهشة أن التنظيم الارهابى استطاع تجنيد عدد من خريجى كليات الجامعات, ثلاثة منهم من كلية الهندسة تولى التنظيم عن طريقهم دراسة محطات الكهرباء لمعرفة أحسن مكان لوضع شحنات التدمير ليكون عطلها كاملا.
كذلك فإن بعض الكيماويين ممن تم تجنيدهم استطاعوا تجهيز عبوات كثيرة من مادة نتوجلسرين المتفجرة وكذلك من كوكتيل مولوتوف الحارق. بل إن واحدا منهم جاء بتركيب مادة ناسفة شديدة الانفجار وهو نترات الامنيوم واستطاع إعداد كميات منها.
واستطاع التنظيم الارهابى اقناع احد الحدادين بصنع مئات الخناجر ذات الحدين للتنظيم على أساس أنها لجمعية الكشافة.
وهذه الأسلحة كلها فضلا عن الكميات الضخمة من المدافع الرشاشة والمسدسات والقنابل اليدوية المتفجرة والحارقة وقوالب الجليجانيت الناسفة. ثم سرد الاهرام من باب الإثارة أن أفراد التنظيم أعدوا كشفا لاغتيال أم كلثوم و عبد الوهاب و عبد الحليم حافظ و نجاة و شادية.
وعندما بدأت المحاكمات.. وطبقا للوثائق ومحاضر النيابة عن الأسلحة المضبوطة لدى كل أفراد التنظيم والتى كانوا يستخدمونها للتدريب استعدادا لرد أى اعتداء يقع عليهم.. فإن تلك الأسلحة لم تكن سوى خمس مدافع رشاشة و6 مسدسات ومجموعة من زجاجات مولوتوف.. وهى التى قال الصحفى الأوحد تلميحا أنه وراء التمويل الضخم للتنظيم وتبين من خلال المحاكمات أن التمويل لم يكن سوى 4 آلاف جنيه دفعها أعضاء الجماعة الذين هربوا من بطش الحاكم إلى السعودية ووجدوا أن من حق إخوانهم المحبوسين في سجون مصر عليهم أن يقدموا لهم المعونات..
ولكنها كانت إرادة الرئيس السابق نفذها صحفيه الأوحد لتبرير كل التصرفات التى تتخذ بعد ذلك ضد هؤلاء المتهمين.. وكان لابد من محاكمتهم... لو تمت المحاكمة أمام القضاء العادى فإن قضاء مصر لم يكن يرهبهم سلطان أحد وكانوا سيحكمون بضمائرهم وهكذا دائما القضاء المصرى.. ولكن كيف تتم المحاكمة.. وبأى قانون هذا ما سنتناوله بالتفصيل في الباب التالى.
الباب الخامس
قانون فرعون.
تمثيلية الديمقراطية.
الارهاب والجهاز السرى.
نواب السلطة.
قانون فرعون
ونجحت المؤامرة الشيوعية... وتمت الإطاحة بجماعة الإخوان المسمين.. بل وبأقوى المعارضين للسياسة الشيوعية... وأصبحت سيرة الأخوة المسلمين على كل لسان...
وداخل السجن الحربى تعرض الإخوان المسلمين لأبشع ألوان التعذيب ليكتبوا إقرارات باعترافات كاذبة عما كانوا ينوون القيام به.. وتلقت أجهزة الاعلام الإقرارات لتنشرها.. وانتشر أعضاء الاتحاد الإشتراكى في كل مكان ينفثون الدعايات ضد الإخوان.. يقولون أنهم اعترفوا بأن من أهدافهم قتل أم كلثوم و عبد الوهاب وعدد من المطربات والمطربين... أنهم كانوا سينسفون كل دور السينما وأماكن اللهو تطبيقا لشريعة الله.. وهكذا نجح الشيوعيون في التشهير بشريعة الله أيضا..
وبدأ الشعب يزداد خوفا.. بل وأصبح الكثيرون من المؤمنين يخشون ارتياد المساجد حتى لا يقبض عليهم زبانية المباحث الجنائية العسكرية.. فقد أصبحت الصلاة جريمة.. والصوم جريمة.. وذكر اسم الله جريمة... وهكذا ما كان يهدف إليه الشيوعيون..
وبدأ التفكير كيفية محاكمة الإخوان المسلمين.. أنهم لو قدموا على القضاء المصرى فسيحكم ببراءة الجميع لبطلان التحقيقات التى أجريت معهم.. يكفى أنه تم اعتقالهم في شهر أغسطس ولم تباشر النيابة الهامة صاحبة الحق الأول في التحقيق معهم إلا بعد مضى أكثر من شهرين.. وتذكر عبد الناصر أنه زيف على مجلس الرئاسة سنة 1964 القانون رقم 119 لسنة 1964 الخاص بتدابير أمن الدولة وأصدره بمفرده مدعيا انه عرض على أعضاء مجلس الرئاسة ووافقوا عليه.. وقد وصف كمال الدين حسين هذا القانون في شهادته أمام غرفة المشورة يوم 29 يونيو سنة 1975 بأنه قانون فرعون ... بل إن فرعون نفسه لم يكن لديه مثل هذا القانون.
والقانون الذى تذكره عبد الناصر كان قد صدر يوم 24 مارس سنة 1964 وقبل عودة الحياة النيابية إلى مصر بيومين.. واعتبر المواطنين.. مخالفا لوثيقة اعلان حقوق الإنسان وكافة المبادىء الدستورية بل وللقوانين العادية.
وسر خطورة هذا القانون أنه يخول لرئيس الجمهورية في غير الحالات الاستثنائية والطارئة المقررة في قانون الطوائ, وبدون ابداء الأسباب أن يقبض على المواطنين وأن يحتزهم فما أسماه بمكان امين, وأن يفرض الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم وأن يكون للنيابة العامة لدى تحقيقها سلطات مطلقة وغير مقيدة بما ورد في قانون افجراءات الجنائية من قيود وضمانات للأفراد.
كما يخول ذلك القانون لرئيس الجمهورية الحق في أن يأمر بتشكيل محاكم استثنائية من العنصر العسكرى الخالص لمحاكمة المواطنين عما هو منسوب اليهم من جرائم, بل وأنه أعفى هذه المحاكم من أى تقييد إلا بما ينص عليه في أمر تشكيلها من إجراءات .. وحظر في النهاية الطعن بأي وجه من الوجوه في احكامها.
وتذكر عبد الناصر إذا القانون.. وهو قانون لا يستخدمه إلا من أراد أن يحكم البلاد بقانون ضد سيادة القانون.. وكان مجلس الأمة في عطلته الصيفية... وأصدر عبد الناصر قانونا في 9 نوفمبر 1965.. قبل أن تنتهى التحقيقات في جميع القضايا التى لفقتها الشيوعيون ضد مصطفى أمين والإخوان المسلمين..
وكان هذا القانون مكونا من ثلاث مواد:
المادة الأولى: لرئيس الجمهورية أن يستخدم الحق المخول له بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 المشار إليه بالنسبة إلى أى شخص من الأشخاص الذين سبق لسلطات الضبط والتحقيق ضبطهم أو التحفظ عليهم.. وذلك في جرائم التآمر ضد أمن الدولة والجرائم المرتبطة بهاو التى تم اكتشافها في الفترة ما بين مايو سنة 1965 وآخر سبتمبر سنة 1965. وله أن يطبق في شأ،هم التدابير الخاصة بوضع أموالهم وممتلكاتهم تحت الحراسة ولا يقبل الطعن بأي وجه من الوجوه في الأوامر او القرارات التى أصدرتها سلطات الضبط والتحقيق قبل العمل بهذا القانون.
المادة الثانية: تنص على أنه لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه أمام أية جهة كانت في قرارات رئيس الجمهورية الصادرة وفقا لأحكام هذا القانون.
والمادة الثالثة:
هى المادة التقليدية وتنص على أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره. ... وهكذا وجد الرئيس السابق القانون الذى يبيح كل التصرفات التى اتخذت ضد الإخوان المسلمين... وضد مصطفى أغا وزملائه.. وعى القضايا الأربع التى كانت لا تزال موضع التحقيقات .. وكان هذا القانون يبيح له أيضا أن يأتى بقاضيه الأوحد الفريق محمد فؤاد الدجوى ومن على شاكلته ليحاكموا المتهمين في تلك القضايا.. ولكونوا كالببغاوات ينطقون بالأحكام التى تملى عليهم.
تمثيلية ديمقراطية
ولم ينس الرئيس السابق أن يعطى لقانونه صفة الديمقراطية... فعند عودة مجلس الأمة للإنعقاد في دورته الجديدة في 4 ديسمبر .. قامت الحكومة بعرض القانون على مجلس ليأخذ الصفة الرسمية التشريعية وكان على رأس الحكومة على صبرى.. ولتستكمل التمثيلية كل فصولها فقد أحال المجلس القانون إلى لجنته التشريعية... وعقدت اللجنة اجتماعا يوم 14 ديسمبر... وأعدت تقريرا عن القانون ضمنته نفس الملاحظات التى تضمنها محضر سمير ناجى وكيل نيابة أمن الدولة عن كتاب معالم على الطريق والتى ذكرناها في الباب الثانى.. ولعله توارد خواطر..
رغم أن الجلسة كانت يوم 14 ديسمبر سنة 1965 ومحضر فض الأحراز الذى حرره سمير ناجى كان بتاريخ 31 يناير سنة 1966... ولكن هكذا كانت إرادة الحاكم.
ولتبلغ التمثيلية آخر فصولها فقد فقد تم عرض تقرير اللجنة على أعضاء مجلس الأمة في جلسة 20 ديسمبر سنة 1965.. وتبارى أعضاء المجلس. ككل مجلس في الإشادة بالقانون... وكان من المتحمسين له أحمد يونس أحد الذين كانوا دائما يتحمسون للسلطة
ويدعى دائما أنه من أنصارها... بينما هو يعمل لنصرة نفسه فقط وصالحها...
في الصفحات القادمة نص تقرير اللجنة تلاه المستشار محمد عطية اسماعيل رئيس اللجنة وقتئذ . أما التعليق عليه فهو متروك لضمائر أعضاء اللجنة الذين ما زالوا على قيد الحياة... وفيما يلى النص:
أحال المجلس بجلسته المنعقدة صباح السبت 11 من شعبان سنة 1383 الموافق 4 من ديسمبر سنة 1965 إلى اللجنة هذا القرار بقانون, فنظره بجلستها المعقودة بتاريخ 14 ديسمبر سنة 1965, واتضح لها من مراجعة أحكامه, أنه شرع لمناسبة قضايا التآمر على أمن الدولة الى اكتشفت في الفترة الأخيرة.
وإذا استرعى نظر اللجنة ان الغالبية من قضايا التآمر هذه ارتكبتها الجماعة التى تسمت باسم الإخوان المسلمين. فقد رأت اللجنة أن من واجبها – قبل أن تتعرض لموضوع هذا القانون ورأيها فيه – أن تمهد لذلك بعرض تحليلى لهذه الجماعة التى أساءت إلى الدين أفدح إساءة, فاتخذت منه شعارا تتستر وراءه وتخفى به نواياها الحقيقية, وافتعلت لأحكامه تفسيرات خاطئة مضللة تتعارض وحكمته الإلهية السامية, مستهدفة من ذلك وقف تيار التقدم والقضاء على كل ما كسبه الشعب بالدم والعرق خدمة للاستعمار والرجعية أعداء الحياة والتطور...
والرجعية في مختلف صورها ومراحلها, قد حاولت تصوير الدين على أنه قوة روحية خالصة لا علاقة لها بتنظيم شئون الحياة, بل حاولت الرجعية – أكثر من ذلك – أن تجعل الدين متناقضا مع العلم والمعرفة ومع كل وسائل التقدم المختلفة. ولم تكن هذه الجماعة إلا حلقة من محاولات الرجعية التى تتناقض مع الحقائق المسلم بها, وهى أن جوهر الرسالات الدينية لا يتصادم مع حقائق الحياة, وإنما يتيح التصادم في بعض الظروف من محاولات الرجعية أن تستغل الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم, وذلك بافتعال تفسيرات له تتصادم مع حكمته الالهية السامية.
وقد أبرز الميثاق أهمية العقيدة الدينية باعتبارها ضمانة أساسية توافرت لدى النضال الشعبى لكى يحقق الشعب العربى المصرى الثورة الشاملة ذات الاتجاهات المتعددة فى سبيل حرية الوطن والمواطن, وبناء مجتمع يقوم على الكفاية والعدل, وإذ نص الميثاق على أن من الضمانات التى حققت ذلك" إيمانا لا يتزعزع بالله وبسله ورسالاته القدسية التى بعثها بالحق والهدى إلى الإنسانية فى كل زمان ومكان".
وإيمانا بهذه المثل الخالدة حرص الدستور على النص فى المادة الخامسة على أن الإسلام دين الدولة واللغة االعربية لغتها الرسمية والنص فى المادة السابعة على أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية.
ولقد حرصت الدولة على وضع هذه النصوص موضع التطبيق العملى بما تبثه فى نفوس الناشئة من الإيمان بالله وكتبه ورسله وبما تنشئه من دور العبادة والتعليم,وبما يسعى اليه من إقامة مجتمع الرفاهية مجتمع الكفاية والعدل, ومن جعل تعليم الدين إجباريا فى جميع المدراس, إيمانا من الدولة برسالته وتأكيدا لسلطانه...
كما عادت الثورة بالدراسة فى الأزهر الشريف إلى شكلها الذى يدعو إليه كبار المصلحين الذين أدركوا حقيقة الدين الاسلامى إدراكا سليما وعملوا على أن يعود المسلمون إلى الإسلام الصحيح, فأصبح الأزهر الآن جامعة لا تقتصر مناهجها على الرداسات الدينية وحدها, وإنما إلى جانبها علوم الطب والهندسة والذرة وفى ذلك عود بالدين الاسلامى إلى أصوله الصحيحة.
ومع كل ذلك تعمى جماعة الإخوان المسلمين عن هذه الحقائق التى يسجلها ميثاقنا ودستورنا, وتنطبق بها أعمالنا تأكيدا لرسالة الدين ودوره الطليعى فى المجتمع فتعتبر أن كل نظم الحكم جاهلية حتى التى تدعى الإسلام فى مواثيقها ودساتيرها".
ولئن كانت هذه الجماعة قد تسترت وراء الدين واتخذته شعارا لها تخدع به جماهير شعبنا عن حقيقة هدفها فى خدمة الاستعمار والرجعية, فإن الدعوة التى تعتنقها بعيدة كل كل البعد عن رسالة الإسلام الذى يدعو إلى المحبة والإخاء ونبذ التعصب ذلك أن الاقتناع الحر هو القاعدة الصلبة للإيمان , والإيمان غير الحرية هو التعصب هو الحاجز الذى يصد كل كل فكر جديد ويترك أصحابه بمناى عن التطور المتلاحق الذى تدفعه جهود البشر فى كل مكان, نصوص الشريعة الإسلامية السمحة واضحة الدلالة فى إفادة هذا المعنى, ويكفى فى ذلك أن نشير إلى قوله تعالى:" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن".
وتستمد دعوة الإخوان أصولها من مجموعه من الرسائل والكتب, جعلوا منها منهاجهم الفكرى ودليل عملهم التآمرى, أملتها روح الحقد على المجتمع والدعوة إلى نبذ التعاون معه, وإلى إبقاء المجتمع على حالة من الرجعية والفقر والتخلف, والتآمر على أمن الدولة وسلامتها وهم فى هذه الكتب والرسائل يعمدون إلى تفسير الدين وآيات القرآن الكريم بما ينطق بالتناقض وتضليل المسلمين وخديعتهم وصرفهم عن حقيقة الدعوة الإسلامية, وما تنطوى عليه من اتجاه تقدمى , وذلك بافتعال تفسيرات للدين تتصادم مع حقيقته,وهذه الكتب واضحة الدلالة على ما يأتى:
1- انكار القومية العربية:
فهم يقولون فى أحد هذه الكتب " أنه كان فى استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم ان يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب,وإعلاء راية العربية والعروبة, وإنشاء وحدة قومية فى كل أرجاء الجزيرة ولكن الله لم يوجه رسوله هذا التوجيه, لأنه سبحانه وتعالى يعلم أن ليس هذا هو الطريق, ليس الطريق أن ينحدر الناس فى هذه الأرض من طاغوت رومانى أو فارسى إلى طاغوت عربى.
فدعوة القومية العربية – من وجهة نظرهم – دعوة لا يريدها الله لأنها طاغوت عربى يستوى تماما مع الطاغوت الرومانى والفارس.
2- الدفاع عن الطبقية والاستغلال:
ويقولون: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين والمجتمع العربى كأسوأ ما يكون المجتمع توزيعا للثروة والعدالة قلة قليلة تملك المال والتجارة وكثرة كثيرة لا تملك إلا الشطف والجوع... وربما قيل أنه كان فى استطاعة محمد صلى الله عليه وسلم أن يرفعها راية اجتماعية وان يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع ورد أموال الأغنياء على الفقراء... ولكن الله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم لم يوجهه هذا التوجه, لقد كان الله سبحانه يعلم ان هذا ليس هو الطريق.
ومعنى ذلك أن العدالة الاجتماعية يأباها الله ولا يريدها لرسول. ومعنى ذلك فى عبارة أخرى أن الإسلام يؤمن بالطبقية ويتخذ من الاستغلال شرعة ومنهاجا.
3-انكار الوطنية والأسرة والقرابة:
ولا نقيم هذه الجماعة وزنا للوطنية ولا للقرابة ولا للأسرة... فمن وجهة نظرها..." وطن المسلم الذى يحن إليه ويدفع عنه ليس قطعة أرض, وجنسية المسلم التى يعرف بها ليست جنسية حكم, وعشيرة المسلم التى يأوى إليها ليست قرابة دم... وراية المسلم التى يتعز بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم... وانتصار المسلم الذى يهفوا إليه ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش"... وذلك أن" عصبة العشيرة والقبيلة والقوم والجنس واللون والأرض عصبية صغيرة مختلفة... عصبية جاهلية".
4- تحطيم المجتمع:
فهم يقولون فى كتاب لهم: أن بعث الاسلام يبدأ بقلة تنسلخ عن مجتمع الجاهلية – وهو كل مجتمع لا يدين بالولاء لهم – وتخاصمه, لا تعرف لها فيه وطنا ولا أسرة ولا قانونا ولا عرفا وانما تعرف شيئا واحدا هو التحطيم الشامل الذى لا يترك صغيرة ولا كبيرة.. لابد من إزالة كل أنظمة الحكم لأنها أنظمة جاهلية, حتى تلك التى تدعى الإسلام فى مواثيقها ودساتيرها وحتى التى يؤمن أفرادها بالله ولكنهم يعترفون بما يسمى بالقيادة السياسية والقيادة الجماعية...
وهى فى الوقت الذى تنكر فيه على الإسلام تورثته وتقدميته وتنكر على الدين عدواته لكل صور العبودية من استعمار واستغلال وتفرقة عنصرية, تدعو إلى عدم الإيمان بالوطن والقومية والأسرة وروابط الدم والقرابة تدعو الإتباع على هدم ما بناه المجتمع
وما حققه من مكاسب وطنية أو دولية... وهى فى عملية الهدم والتدمير هذه لا تقدم بديلا ولكنها تجعل مجرد السؤال عن هذا البديل حراما على الاتباع وكفرا" لأن الذين يريدون من الإسلام ان يصوغ نظريات وأن يصوغ قوالب هذا الدين"..
وهى فى هذا تلزم اتباعها بالطاعة العمياء...طاعة تجعل منهم آلات صماء بلا رأى ولا تفكير... وإنما طاعة بغير حدود ومن غير مراجعة ومن غير شك... فعضو هذه الجماعة يجب أن يفترض فى نفسه الخطأ وفى القيادة الصواب دائما..
وينتقل التقرير بعد ذلك إلى الجزء الثانى منه وقد خصصه عن وسائل الإخوان فى الوصول إلى الحكم... ولم يشر التقرير إلى مصادر معلوماته... إنما ذكرها دون الاستناد إلى مصدر... وكان معلوما أن التقرير من إعداد الحكومة التى كان يرأسها عميل السوفييت على صبرى...وكان رئيس اللجنة التشريعية والشيوعيين... وفيما يلى نص هذا الجزء الثانى:
1- الارهاب والجهاز السرى:
تستهدف هذه الجماعة الوصول إلى الحكم على طريق مقروض بالدم والخراب والأشلاء... يتمثل فى جهازهم السرى... والخيانة التى تتمثل فى التعاون مع الإستعمار والرجعية.
فقد اتخذت هذه الجماعة من الإرهاب شريعة ومنهاجا بفلسفة قادتها... ويضلون ويحرفون آيات الجهاد عن مواضعها تبريرا له... وهى لم تتجه بهذا الإرهاب إلى جنود الاحتلال الجاثم على أرض الوطن. وإنما وجهته إلى الآمنين من ابناء البلاد.
لقد حاوت هذه الجماعة أن تفرض وصايتها على الثورة , ولكن الثورة وقد قامت بغير وصاية من أحد وإنما قامت تعبيرا عن إرادة التغيير واستجابة لمطالب جماهير الشعب فى إزاحة كابوس الإستعمار والرجعية, وما كانت لتقبل وصاية هذه الجماعة.
ولما تيقنت هذه الجماعة أن الثورة جادة فى تنفيذ المبادىء الستة التى أعلنت عنها وقى مقدمتها القضاء على الإستعمار وأعوانه من الخونة المصريين, والقضاء على الإقطاع وعلى الاحتكار وعلى سيطرة رأس المال على الحكم تنكرت للثورة وتآمرت عليها فى تحالف آثم بينها وبين الاستعمار والرجعية. ولم تجد الحكومة بدا من مواجهة الأمر بالحزم, إيمانا منها بأنه لا يجوز أن يسمح بتكرار مأساة رجعية باسم الدين,ولا أن يستغل الدين يتلاعب بمصائر هذا البلد بشهوات خاصة, ولا أن يستغل الدين فى خدمة الأغراض والأهواء, فأصدر مجلس قيادة الثورة فى 14 يناير سنة 1954 بحل هذه الجماعة.
وفى خلال ذلك كان جهازهم السرى يخطط ويدبر لإثارة الفتنة فى البلاد ونشر الذعر بين المواطنين, ثم لاغتيال قائد الثورة توصلا إلى الاستيلاء على الحكم لمنه الثورة من السير فى الطريق إلى مداه... وقى الها الثورة وقائدها سيئات ما كادوا وبعد أن حلت جماعة الإخوان المسلمين, وتمت محاكمة أعضاء الجهاز السرى, سارت البلاد من نصر إلى نصر, فكسرت احتكار السلاح وأممت قناة السويس وحطمت الأحلاف العسكرية وانتصرت على جيوش البغى والعدوان فى بورسعيد وخلصت الوطن من التبعية, ووقفت إلى جانب الحركات التحررية وأصدرت القوانين الاشتراكية كرامة وحقا وعدلا للإنسان العربى.
ورأت البلاد أن تعفو وأن تصفح , فأفرجت عن كثير من قضت محكمة الشعب إدانتهم فى جرائم الإرهاب والجهاز السرى ولم تكتف الحكومة بالإفراج عن هؤلاء المنحرفين, بل أعادتهم إلى أعمالهم فاستصدرت القانون رقم 176 لسنة 1960 الذى قضى بإعادة هؤلاء إلى سابق عملهم.
ولكن أنى لجماعة مثل هذه الجماعة أن يستقيم أمرعا او ينصلح حالها..ز فى الوقت الذى كان الشعب يخوض فيها معاركه المتشابكة المتعددة الجوانب, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية, كانت هذه الجماعة تعمل فى الخفاء, كانت تسير فى خطها المرسوم تستهدف تحطيم مكاسب الشعب ووضع العراقيل فى سبيا نهضته وتقدمه, والعودة بالبلاد إلى عهود التبعية والإقطاع والرأسمالية المستغلة فقد أعلن الرئيس جمال عبد الناصر أنه بالرغم من إلغاء الأحكام العرفية فى مارس سنة 1964 والإفراج عن جميع المعتقلين حتى تتاح الفرصة لجميع المواطنين بما فى ذلك من كان قد انحرف عن ضلال أو تغرير, لكى يشاركوا مثل بقية المواطنين الشرفاء فى بناء مجتمعنا الجديد القائم على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص تلك المبادىء المستوحاة من مبادىء الاسلام وعلى هدى من روحه... فقد اكتشفت خلال شهر أغسطس مؤامرة دبرتها جماعة الإخوان المسلمين الهاربين فى الخارج.
وقد دلت أعضاء الجماعة على أنهم استهدفوا:
تخريب المنشآت التى بناها الشعب بعرق أبنائه وكدهم كالقناطر الخيرية ومحطة كهرباء شمال القاهرة ومبنى التليفونات الرئيسى واغتيال سفراء الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لخلق أزمات مع هذه الدول... وكانت إشارة البدء عندهم هى اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر...
2- التعاون مع الاستعمار
لم تكن المؤامرة التى كشف عنها السيد الرئيس جمال عبد الناصر فى أغسطس سنة 1965 إلا حلقة جديدة من سلسلة طويلة فى تعاون هذه الجماعة مع الاستعمار وهو أمر ليس بالجديد على تفكيرهم ومنهجهم.
ويبدو هذا واضحا فى موقفهم من المقاومة المسلحة التى نظمتها الثورة ضد الاحتلال البريطانى فى القناة عام 1954 غذ أنهم نكصوا عن الإشتراك فى هذه المقاومة وفلسلفوا ذلك بقولهم على لسان مرشدهم الهضيبي:" إننا نحن الإخوان المسلمين لا نعترف بحدود جغرافية فى الإسلام.ونحن ننظر إلى مصلحة الإسلام. ننظر للذود عنه معركة تشمل العالم الاسلامى بأسره, فمثلا قد لا تكون مصلحة الاسلام أن نبدأ معركة فى القناة.. أن لنا خططنا وأهدافنا وقيادتنا المستقلة.. وأنه لا يجب أن تفيد تفكيرنا بالأوضاع المحلية.
وبدأوا فى اتصالات مشبوهة بالاستعمار البريطانى وذلك على التفصيل الآتى:
1- فى شهر مايو سنة 1953 ثبت أن هناك اتصالا بين بعض الإخوان المسلمين المحيطين بالمرشد وبين الإنجليز عن طريق الدكتور محمد سالم, وقد عرف الرئيس جمال عبد الناصر من حديثه مع حسن العشماوى انه حدث اتصال فعلا بين منير الدلة و صالح أبو رقيق وبين مستر ايفانز المستشار الشرقى للسفارة البريطانية وحينما اجتمع الرئيس جمال عبد الناصر بالمرشد أبدى له استياءه من اتصال الإخوان بالإنجليز والتحدث معهم فى القضية الوطنية الأمر الذى يدعو إلى التضارب فى القول وإظهار البلاد بمظهر الانقسام.
2- لما استجوب الدكتور محمد سالم عن موضوع اتصال الإنجليز بالمرشد ومن حوله اعترف بأن القصة تبتدىء وقت أن كان وفد المحادثات المصرية يتباحث رسميا مع الوفد البريطانى.
3- فى أبريل سنة 1953 اتصل القاضى جراهام من السفارة البريطانية وطلب من محمد سالم أن يمهد مقابلة بين مستر ايفانز المستشار الشرقى للسفارة البريطانية وبعض قادة الإخوان, وقد تمكن محمد سالم من ترتيب مقابلة فى منزله بالمعادى بين منير الدلة و صالح أبو رقيق عن الإخوان ومستر ايفانز عن الجانب البريطانى, وتناول الحديث موقف الإخوان من الحكومة وتباحثوا فى تفاصيل القضية المصرية ورأى الإخوان وموقفهم من هذه القضية .
4- قال محمد سالم أن اجتماعا آخر عقد فى منزله حيث طلب مستر ايفانز مقابلة المرشد, فوعد منير الدلة بترتيب هذا الاجتماع الذى تم فعلا فى منزل المرشد ودار الحديث فى هذا الاجتماع عن القضية المصرية وموقف الإخوان منها.
5- ذكر الدكتور محمد سالم أن مستر ايفانز دعا منير الدلة و صالح ابو رقيق لتناول الشاى فى منزله وقد أجابا الدعوة مرتين.
6- ذهب حسن العشماوى العضو العامل فى جماعة الإخوان المسلمين يوم 10 يناير سنة 1954 إلى منزل مستر كرويل الوزير المفوض بالسفارة البريطانية ببولاق الدكرور فى الساعة السابعة صباحا ثم عاد لزيارته أيضا فى نفس اليوم فى مقابلة دامت من الساعة الرابعة بعد الظهر إلى الساعة الحادية عشرة من نفس اليوم.. وهذه الحلقة من الاتصالات بالإنجليز تكمل الحلقة الأولى التى روى تفاصيلها الدكتور محمد سالم فيما تقدم.
3-التعاون مع الرجعية والإقطاع:
تدخل فاروق ليفرض حسن الهضيبي صهر نجيب سالم ناظر الخاصة الملكية مرشدا للإخوان, وذهب الهضيبي عقب تعيينه مرشدا إلى مقابلة الملك فى عربة ملكية يحوطها جنود الحرس الملكى, واستمرت المقابلة الملكية وقتا طويلا خرج بعده الهضيبي ليقول" مقابلة كريمة لملك كريم.. إن الإسلام يدعو إلى الطاعة لولى الأمر"
2-حينما شرعت الثورة فى تحديد الملكية الزراعية كان من رأى جماعة الإخوان المسلمين أن يكون الحد الأقصى للملكية 500 فدان وذلك تأييدا لجمعية املاك التى تألفت فى أخريات وزارة على ماهر التى جاءت عقب الثورة, وقد قامت هذه الجمعية للدفاع عن مصالح الإقطاعيين وكان الإخوان المسلمون أداتهم فى تحقيق أهدافهم...(هكذا).
3-تعاون الإخوان المسلمين إبان أزمة مارس سنة 1954 مع فلول الأحزاب الرجعية للتآمر على الثورة ومحاولة تحطيمها ولكن الشعب الذى آمن بثورته أفسد عليهم تدبيرهم وقضى على فتنتهم من مهداها. وينتهى الجزء الثانى من تقرير اللجنة بذلك... ويأتى الجزء الثالث تحت عنوان واجب المسلمين فى تقوية هذا الانحراف شاملا تحريض الشعوب الإسلامية لمهاجمة جماعة الإخوان المسلمين.
ولولا إحياء لأضاف تأييد السياسة السوفيتية والمبادىء الشيوعية .. وفيما يلى نص هذا الجزء:
أولا : حين اتخذت من الدين شعارا يخفى حقيقتها كعدو للشعب وخادم للاستعمار والرجعية فى الماضى وفى الحاضر.
ثانيا: حين ادعى قطب هذه الجماعة لنفسه النبوة. وقبلت الجماعة ادعاءه, وقرر أن القرآن منهج مرحلى وأنه قد نزل على ثلاثة عشر عاما لأنه منهج لا نظرية منهج نزل لخدمة مجتمع معين يقع فى حيز معين وأحل مشكلات معينى, من ثم فلا يجوز أن نستن منه اليوم نظريات وعلى هذا الأساس استنكر كل محاولات الفقة الاسلامى وقرر أن الجاهلية ستظل تحكم فى العالم طالما حكم البشر... البشر وأن المجتمع الاسلامى لن يخرج إلى حيز الوجود إلا حين يصل هو وصفوته المختارة إلى الحكم, وعندئذ فقط سيتوقف حكم البشر للبشر.. لأن حكم الله سيعود بواستطه غذ سيتوقف التشريعات فى هذا المجتمع على أساس التلقى من الله وسيلتقى هو الوحى كما تلقى النبى صلى الله عليه وسلم, ويسنن على هذا التلقى تشريعاته.
ثالثا: على اساس هذه النبوة المزعومة وضعت هذه الجماعة نفسها فى موضع الوساطة بين الرب والعبد, وأعطت نفسها الحق فى أن تمنع الإسلام وتمنحه وفقا لأهوائها.
رابعا: وعلى أساس ادعاء النبوة, وعلى أساس ادعاء الانفراد بالإسلام دون المسلمين جميعا,وعلى أساس دمغ الآيات القرآنية التى تنادى بإحلال السلام بين المسلمين ووصفها بأنها آيات مرحلية معينة دبرت هذه الجماعة ونظمت لأحداث فتنة دموية مدمرة مخربة عمياء بين المسلمين, أحلت فيها دم المسلم للمسلم.
خامسا: وعلى أساس ادعاء النبوة والقدرة على التلقى من الله لحظة الوصول إلى الحكم, رفضت هذه الجماعة فى إصرار مبيت أن توضح أهدافها من الانقلاب الذى تدبر لأحداثه, وأنكرت أنها تستهدف هدفا وطنيا أو اجتماعيا أو أخلاقيا معينا, ووصفت كل محاولة لتبيان طبيعة المجتمع الجديد الذى تزعم أنها بصدد التمهيد له. بأنها مؤامرة وأن طبيعة هذا المجتمع لن تتبين إلا يوم يقضى باقوة على المجتمع الحالى, يوم يسود حكم جماعة الإخوان وتبدأ قيادتها فى التلقى من الله.
أن على الهيئات الإسلامية وعلى رأسها الأزهر الشريف أمانة نشر الوعى الدينى وانقاذ الدين من هذا الخداع والتضليل وتعرية هذا الفكر الرجعى وبيان حقيقته من الدين الحنيف... وفى يقيننا أن الآزهر الشريف بما له من تاريخ حافل مجيد قادر على النهوض بهذه المسئولية.
إن من واجب الحكومات الإسلامية والعربية والشعوب الاسلامية والعربية أن تنتبه إلى خطر هذه الجماعة وإلى حقيقة دعوتها التخريبية المستترة وراء الدين.
ولا يفوت اللجنة أن تشير إلى أن وعى الشعب وسلامة الفطرة الدينية وأصالة الفكر الاشتراكى ويقظة الثورة وعينها الساهرة على الشعب ومكاسبه قادرة على أن تكشف دواما هذا الخداع.
وترى اللجنة أن هذا القرار بقانون قد أمليته ضرورات المحافظة على أمن الدولة وسلامتها وصدر مطابقا لشروط والقواعد التى نصت عليها المادة 119 من الدستور ومن ثم فلا اعتراض للجنة عليه... وهى ترجوا المجلس الموقر الموافقة على رأيها.
نواب السلطة
وانتهى بذلك تقرير اللجنة الذى فى مجلس الأمة مقرر اللجنة محمد عطية اسماعيل وكان نائبا عاما ثم رشح نفسه فى الانتخابات ونجح.. وفتحت باب المناقشة العامة فى التقرير كما تقضى بذلك القواعد البرلمانية.. وأعطيت الكلمة لعدد من النواب .. نواب محدودين بالذات لقنتهم مراكز القوى الكلمات التى يلقونها وجرى العرف على تسميتهم نواب السلطة.. ومن ضبطه المجلس لتلك الجلسة أنقل تلك المناقشات وكلها مظاهرة تأييد الحاكم وقانون فرعون..
وبدأت المناقشات بإعطاء الكلمة لأول المتحدثين وهو:
العضو محمد حافظ سليمان, فقال:
إن الإسلام أيها السادة دين السلام.. الله اسمه السلام... والله يدعو إلى دار السلام... وأنت حين تلقى أخاك تقوم السلام عليكم.. وهذا هو دين الإسلام... وجزاء الذين يسعون فى الأرض فسادا أن ينفوا من الأرض, لأن الإسلام يحرم التخريب والتدمير وينهى عن الفساد فى الأرض, والله يطالبنا بالإحسان لمن أحسن الينا.. إن الرجعية تريد أن تقضى على الإسلام باسم الإسلام.. لكن شعب مصر يؤمن بالله. وهو يملك من اعتماده على ربه ما يمكنه من فرض إرادته على الحياه.. واجبنا كأعضاء فى الاتحاد الاشتراكى أن نعمق الوعى بالدعوة الإسلامية الحقة.
وأعطيت الكلمة للنائب الثانى... وهو فى هذه المرة شيخ مهم وهو:
الشيخ ماهر اسماعيل. فقال:
إننى أقول غير متكلف أننى عندما أسمع عن هذه الشرذمة التى تريد أن تقوم بهذه الأعمال.. إنما أستحى لانتساب هؤلاء الناس على المسلمين.. ( وهنا ضجت قاعة المجلس بتصفيق عملاء الشيوعية... فهذا ما تريده أن يتنكر الناس للإسلام حتى لا يتهموا بأنهم إخوان مسلمون).
وواصل الشيخ المهمم حديثه. فقال:
" إننا يجب أن ننظر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى مكارم الإخلاق وكيف كان يسلك مع جيرانه وأقاربه وعشيرته... ولم يكن منها العنف أو الإيذاء..
أننى أيها الإخوة.. لمتألم لأعمال الإرهاب التى كان يريد هؤلاء الناس أن يقوموا بها, ولا أحسب إلا أنكم متألمون مثلى.. كيف يفكر رجل له ذرة من الإحساس الإنسانى أن يغتال إنسانا؟! وماذا لو كان هذا الإنسان قد رفع شأن الأمة؟ّ.. كيف وقد جاء الإسلام بمبدأ " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة".
وأنهى الشيخ المعمم كلمته وتلاه العضو الثالث وهو:
فريد أبو حشيش: فقال:
أ‘تقد أنه بعد أن استمعنا إلى رأى رجال الدين الآن فى موضوع الإخوان المسلمون لم يعد عناك مال للكلام سوى أن أطالب إخوانى الأعضاء بالموافقة الاجتماعية على تقرير اللجنة, وتقديم هؤلاء الإرهابيين إلى محاكم خاصة وأن نفوض رئيس الجمهورية فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مكاسب الثورة .
وصمت العضو عن الكلام ولإتمام التمثلية فقد أعطيت الكلمة لشيخ الشيخ مصطفى جامع الرفاعى.. فقال:
إننى كرجل من رجال الدين والتصوف أعتقد أن هذا المجتمع الذى نعيش فيه مجتمع إسلامى.. ملأ العالم شرقا وغربا نورا ومحبة وعدالة... وإذا كنا اليوم نريد أن نبنى مجتمعا ديمقراطيا فيجب أن يقوم هذا البنيان على الأسس الديمقراطية السليمة.. لا على أسس الآرهاب والقتل والاغتيال.
أن رسول الله يقول من حمل علينا السلاح منا.. ومن غشنا فليس منا.. وهؤلاء الارهابيون قد حملوا السلاح وغشونا فحق عليهم ألا يكونوا منا وأن نضرب رؤوسهم بحد السيف.
أننا على استعداد.. أيها الأحباب .. أن تحكم فيهم محكمة دينية... تحكم فيهم باسم الدين وتصدر العقاب الواجب عليهم.
إننى أذكر أيها الإخوة أن أول معركة مع الإخوان المسلمين كانت مع رجال الطرق الصوفية... ولذلك فعلى رجال الأزهر ورجال التصوف رسالة كبيرة فى محاربة أمثال هذه الطوائف.
وانتهت كلمة فضيلة الشيخ.. ولاستكمال التمثيلية... ولكى تظهر أن الموافقة على قانون فرعون كانت مؤيدة من ممثلى كل الطوائف الشعب.ز فقد كان لابد للمرأة أن تتكلم... وأعطيت الكلمة لواحدة من أعضاء مجلس الأمة وهى:
نوال عامر... فقالت:
هذه الفئة الضالة الباغية خرجت على المجتمع وأرادت إيذاءه... وكان أفرادها يريدون بذلك تحقيق أطماع الاستعمار.. فهم أرادوا التخريب وأرادوا الاعتداء على قائد الثورة.. ولهذا فأنا أطلب أن تشكل محاكم شعبية لمحاكمة هؤلاء الأفراد للقضاء على أذناب الاستعمار..
واختتمت نوال عامر كلمتها.. وأعطيت الكلمة لعضو اشتهر أنه دائما مع السلطة.. فهو ناصرى متحمس.. وبعد أن مات عبد الناصر صار ثائرا على أعوان عبد الناصر الذين أطلقت عليهم صفة مراكز القوى.. وأصبح من أشد أنصار التصحيح.. وانكشفت أمره أخيرا.. وتبين أن حماسته للسلطة دائما كانت لإخفاء تلاعبه فى أجور عمال التراحيل والاتحاد الزراعى والتعاونى
ولم تنفعه حماسته المصطنعة التى كشفها الرئيس المؤمن السادات فى حمايته عن المساءلة .. ووقف هذا العضو وهو:
أحمد يونس.. وقال:
فى الوقت الذى ارتفعت فيها بلادنا أعلام الحرية والعدالة الاجتماعية ..و خرجت جماعة تريد أن تخرب وأن تغتال... متعاونة مع الرجعية ومع الإقطاع ... غير أن موقف جماعة الإخوان مع الرجعية مع الإقطاع ليس جديدا.. تذكر موقف مرشد الإخوان من اسماعيل عام 1946 حين شبهه بالأنبياء.. وهم لم يشتركوا فى معركة القناة سنة 1951 بل اشتركوا فى معسكرات التدريب.. ثم كان دورهم بعد ذلك هو سرقة الأسلحة وتهريبها واختزانها.... إ،ن واجبنا.. ونحن نعبر عن إرادة الشعب.. أن أطالب الحكومة بتشديد العقوبة, ونطالب بالضرب بيد من حديد على هذه العناصر المخربة التى تريد أن تهدم وتريد أن تعيث فى الأرض فسادا...
وانتهت بذلك كلمات نواب السلطة.. وفوجىء رئيس الجلسة بالعضو أحمد سعيد يطلب الكلمة... وكان أحمد سعيد الحماسى سيعلو بالهجوم على الإخوان المسلمين... وخيب أحمد سعيد الظنون فقد شمل هجومه على الإخوان المسلمين.. الشيوعيين أيضا وهو أمر كانت تتلاقاه السلطات دائما... قال أحمد سعيد:
-الحقيقة أن الثورة أصبح قلبها المفتوح يتسع حتى لاعدائها... وأننى أؤيد كا ما جاء فى تقرير اللجنة التشريعية حول إجراءات الأمن الخاصة بالدولة.. لكننى أتمنى أن تعرض الموضوع على كل جوانبه.. وتفضح كل الذين يتآمرون على الثورة... وأننى أريدكم أن تعرفوا أن هذا القرار بقانون الذى نحن بصدده موجه لكل أعداء الثورة من الرجعيين ومن الإخوان ومن كل شيوعى متآمر ضد مصالح هذا الشعب.. لقد تآمر الإخوان من قبل ضد الثورة عند قيامها.. وعند اغتيال الرئيس عبد الناصر سنة 1954.. ثم تآمر الشيوعيون ضد الوحدة سنة 1959.. وضد الشعب العربى فى العراق وسحلوا الوطنيين والشرفاء منه.. إننا يجب أن نقاوم كل الرجعيين وكل الشيوعيين وكل الإخوان.
وساد الوجوم القاعة.. إن كلمات أحمد سعيد أن الشيوعيين أيضا من المتآمرين على مصر.. وهذا ما كانت تحاول الحكومة التى يرأسها على صبرى أن تجهل الشعب ينساه.. وطلب مقرر اللجنة التشلايعية الكلمة للرد على أحمد سعيد... وسرعان ما أعطيت له واعتلى منبر المجلس وقال:
إن هذا القرار بقانون قرار شامل لكل الجرائم التى ترتكب ضد أمن الدولة سواء كانت من الإخوان أو الرجعيين أو الشيوعيين..
وكان ذلك التعقيب هو المتوقع منه لإنهاء المناقشة إلا أن العضو أحمد القصبى طلب الكلمة.. وأعطيت له.. فقال.
لقد كان فى ذهنى أن أطرق نقطتين بالنسبة لتقرير اللجنة عن القانون, وقد اثار الزميل أحمد سعيد النقطة الأولى.. فقد كان على اللجنة.. وقد أشارت إلى مؤامرات الإخوان أن تشير إلى باقى المؤامرات.. فالتآمر لا يقتصر فقط على من اتخذ الدين شعارا له... وإنما هو ينصرف إلى كل تآمر ينصب عليه حكم القانون... أما النقطة الثانية فهى أننى أطالب الحكومة أن تسارع بالإفراج عن كل من ثبت بعده عن هذه المؤامرات... خاصة أننى قرأت فى الصحف أن قرارات الاتهام قد أعدت..
وكما أحدثت كلمة أحمد سعيد مفاجأة للسلطة.. أحدثت كلمة أحمد القصبى نفس الشىء..و فقد أزاح الستار عما حاولت السلطة الإيهام بأن المتآمرين هم الإخوان المسلمون فقط.. بالإضافة إلى تلميحه ان هناك عددا كبيرا من المعتقلين يجب الإفراج عنهم.. وسارع رئيس الجلسة وكان المرحوم أحمد فهيم وكيل المجلس قائلا فجأة:
وصلنى طلب لأقفال باب المناقشة موقع عليه من 23 عضوا.. تحبوا تقفلوه؟! ووصلنى الآن طلب آخر موقع عليه من 21 عضوا.. تم إقفال باب المناقشة..
وللتاريخ فإن طلبات إقفال باب المناقشة فى ذلك الوقت تكون معدة مسبقا وإذا أحس نواب السلطة أن المناقشة ستتجه إلى غير مسارها الذى تريده يسارعون بتقديم الطلب.. وتؤخذ الأصوات... وللمناورة البرلمانية فإنهم يكونون موزعين فى أرجاء القاعة ويدوى تصفيقهم... ويعتقد الكل أنها أغلبية... بينما هى أقلية باعت ثقة المواطنين فيها إلى السلطة.
وتمت الموافقة على القانون الذى صدر فى غيبة المجلس... قانون فرعون..
وتمر الأيام ... وتتضح الحقيقة.. ويتبين أن تقرير اللجنة تضمن الاتهامات قبل أن يتم سؤال المتهمين فى النيابة العامة.. ومن هنا تتضح الحقيقة أن العملية كلها كانت مدبرة للإطاحة بالإخوان المسلمين تلبية لرغبة السوفيت وعملائهم من أعوان الحاكم السابق الذين فسروا له ما جاء فى كتاب الشهيد سيد قطب على أنه محاولات لإثارة الرأى العام ضد حكمه وأحداث انقلاب للإطاحة به... ونجحوا فى مخططهم..
وقد جاء تقرير اللجنة بما تضمنه من ادعاءات قبل التحقيق مع سيد قطب نفسه... والثابت من الأوراق ان أول تحقيق أجرى معه كان بتاريخ الأحد 19 ديسمبر 1965.. أى بعد أن وضعت اللجنة التشريعية تقريرها بخمسة أيام.. ومن الغريب أن المجلس كان يستمع إلى تقرير اللجنة وفى نمفس الوقت فى يوم 10 ديسمبر 1965 كان صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة ما زال يواصل الاستماع إلى اقوال سيد قطب.. وكان الرجل صادقا فى كل كلمة قالها للمحقق .. وكشف الحقيقة كاملة.. بحلوها ومرارتها.. أما ماذا قال فهذا هو موضوع الباب الثانى..
الباب السادس
13 بلاغا للنيابة
تحقيقات النيابة
أقوال سيد قطب
دروس للنيابة
مذبحة الليمان
13 بلاغا للنيابة
التاريخ أبدا لن ينسى مذبحة الإخوان فى عام 1965.. لن ينسى كيف كان يتم التلاعب والتواطؤ بين رجال الحكم السابق فى العبث بكل ما تكفله دساتير العالم وقوانينها من حماية لحقوق الإنسان.. تواطؤ كامل بين الذين كانوا يضبطون ويحاكمون من رجال السلطة.. أما الذين كانوا يحققون... فقد كانوا لأسف من رجال القانون.. خدتم العدالة والقانون... ولكنهم آثروا أن يغمضوا عيونهم عن كل ما هو مخالف للعدل والقانون أيضا لمراكز القوى وسعيا وراء إرضاء شهواتهم...
وقد بدأت عمليات الإطاحة بالإخوان المسلمين فى أواخر شهر يوليو سنة 1965 وأعلن عنها عبد الناصر فى موسكو لأول مرة .. وموسكو بالذات.. يوم 29 أغسطس سنة 1965.. ونشرت عنها الصحف التحقيقات التى أملأها عليها رجال السلطة عن اعترافات منسوبة للمقبوض عليهم طوال شهر سبتمبر.. كل ذلك والنيابة العامة صاحبة السلطة الحقيقية فى التحقيق.. فهو من رجال السلطة.. وولاؤه للسلطة أشد وأقوى من ولائه للعدل والقانون.
وكان البلاغ الأول شاملا لعدد كبير من أفراد جماعة الإخوان المسلمين.. وأنا أنقله هنا بالنص الكامل وهو محرر فى 10 اوراق تعلو أولها من اليمين عبارة الشرطة العسكرية ومن الناحية اليسرى كتب الموضوع وأمامه عبارة" بشان إعادة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين المنحلة" ورقم القيد 25 /7/74 والتاريخ 3/10/1965.
أما نص البلاغ فهو:
السيد /النائب العام
نتشرف بإبلاغ سيادتكم بالآتى:-
ثبت لنا من تحرياتنا الخاصة أن جماعة الإخوان المسلمين المنحلة قد قامت بإعادة تنظيم نفسها تنظيما مسلحاً بغرض القيام بعمليات اغتيال للمسئولين تعقبها عمليات نسف وتدمير للمنشآت الحيوية بالبلاد وأنها تهدف من وراء ذلك إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة.
كما ثبت لنا أيضا أن هذا التنظيم يشمل جميع القطر وأنه أجرى اتصالات ببعض الجهات الخارجية التى قامت بإمداده بالأموال والأسلحة ومساندة أغراضه الإجرامية.
وقد ثبت لنا أن هذا التنظيم بدأ التفكير بواسطة أفراد هذه الجماعة حوالى عام 1960 وما بعدها. وبدأت فعلا اتصالات واجتماعات لهذا الغرض قام بها المذكورين بعد:-
1-محمد عبد الفتاح شريف
2- محمد علال سالم
3- عبد الرحمن عبد الصمد
4عبد المجيد محمد عبد المجيد عيسى
5- أحمد محمد سالم
6- عبد الحميد فرغلى محجوب
7- حسن عبد الغنى يوسف
8- عباس حسن السيسى
9- أمين شاهين
10- عبد المجيد الشاذلى
11- مجدى عبد العزيز متولى
12- عبد العال الجابرى الشهير بعبد المتعال
13 – عوض عبد العال عوض
14– محمد على محمد على سليمان
15 – سيد محمد حراوين
16- نصر عبد الفتاح نصر
17 – محمد على موسى
18- توفيق حسن أحمد عبد البارى
19- محمد مندوه العزباوى
20- محمد فتحى رفاعى
21- حسن الهضيبي
22- عبد الفتاح عبده اسماعيل
23- اسماعيل حسن الهضيبي
24 – عبد العزيز على
25- زينب الغزالى
وقد استمرت اتصالات هؤلاء الأفراد طوال هذه المدة إلى أن أستقر الوضع النهائى للتنظيم السرى لهذه الجماعة على النحو التالى:
1- سيد قطب رئيسا للتنظيم.
2- محمد يوسف هواش نائبا لرئيس التنظيم
ثانيا : كمجلس قيادة التنظيم مكون من خمسة أفراد على النحو التالى:
1- على عبده عشماوى .. مسئول عن التدريب والسلاح – ومسئول عن تنظيمات القاهرة.
2- مجدى عبد العزيز متولى .. مسئول عن الناحية العسكرية – ومندوب الاتصال بين الإسكندرية و البحيرة.
3- عبد الفتاح عبده اسماعيل ... مسئول عن الناحية الدينية والمالية والاتصالات الخارجية ومسئول عن تنظيمات المنطقة الشرقية.
4- صبرى عرفة إبراهيم... مسئول عن الدقهلية والغربية و دمياط وانتخب رئيسا لمجلس القيادة.
5- أحمد عبد المجيد عبد السميع.. مسئول عن الأمن والمعلومات :
- ومسئول عن تنظيمات الصعيد.
- وبيان مسئولية الأول والثانى كالآتى:
- مسئول عن السلاح والتدريب – ومسئول عن تنظيم منطقة القاهرة ويتبعه الأفراد الآتية:
أ- أسرة الطيارين: يحيى حسين.. نقيب اسرة – ضياء الطوبجى – محمد غنام – فاروق عباس.
ب- أسرة عرب الحصن: عبد الحميد عفيفى نقيب أسرة – محمد عبد الرسول – إسماعيل الفيومى.
جـ- أسرة مبارك عبد العظيم عياد – وتتكون من خمسة أسر على النحو الآتى:
1- أسرة الطاقة الذرية وتضم:
محمد عبد المعطى إبراهيم – محمد المأمون يحيى زكريا – أحمد عبد الحليم السروجى - صلاح محمد خليفة.
2- أسرة فاروق المنشاوى – وتتكون من أسرتين:
الأسرة الأولى وتضم:
فاروق الفيشاوى – فايز محمد اسماعيل – جلال بكرى ديساوى – محمد أحمد عبد الرحمن – ممدوح درويش الديرى – أحمد عوض كيوان.
الأسرة الثانية وتضم:
محمد عبد العزيز السووى – محمد عبد الرحمن خفاجى – عز الدين عبد المنعم على – على بكرى بدوى.
3- أسرة السيدة وتضم:السيد سعد الدين شريف – إمام غيث – كمال سلام – فؤاد حسين على – محمد البحيرى.
4- أسرة الخمسات وتضم:عبد الفتاح على حسن – إمام سمير ثابت – إبراهيم منير.
5- مجموعة نقباء رئاسة على عشماوى مكونة من ثلاثة وهم : مصطفى عبد العزيز الخضيرى – حمدى حسن صالح – السيد نزيلى محمد.
وكل نقيب من هؤلاء تتبعه الأسر الآتيه:
1- مصطفى عبد العزيز الخضيرى مسئول عن شبرا وتتبعه أسرتان :
الأسرة الأولى : وتضم – حبيب عثمان – محمد محمود فرج – محمد محمود إبراهيم – محمود مصطفى عامر ..
والأسرة الثانية وتضم: جمال شوقى أحمد – أسعد محمد كمالى – جودة أحمد نمرة_ عبد الفتاح فايد.
2- حمدى حسن صالح مسئول عن الخانكة وتتبعه أسرتان:
الأسرة الأولى وتضم... رشدى نصطفى حبلص – عبد العزيز العدس – على على الجر – عبد الرافع خليل.. والأسرة الثانية وتضم: مدبولى التهامى – عايش الصعيدى – منصور عبد الظاهر منصور – عبد العزيز طلبه.
3- السيد نزيلى محمد.. مسئول عن كرداسة وتتبعه أسرتان:
الأسرة الأولى وتضم: محمد السيد عبد الحى – زكى محمد بشندى.
الأسرة الثانية وتضم: حسن عامر أبو طالب – مصطفى عيسى غزال.
6- مجموعة نقباء برئاسة محمد عبد الله الخطيب مكونة من أربعة وهم : كمال الفرماوى – محمد محمود عبد الرحمن الشهير برأفت الشندويلى – أحمد توفيق أحمد – ركوة أحمد مكاوى الشهير بخيرى ... وقد قام رقم 3 أحمد توفيق بتكوين أسرتين من باطنه تكوينهم كالآتى:
الأسرة الأولى وتضم: حسن مصطفى الشرابى – كامل محمد حنفى – عبد الحكيم حسن الطويل –
والأسرة الثانية وتضم: فؤاد البقلى – أحمد محمد عبد الله.
وتكونت أسرة ثالثة برئاسة عبد الكريم حسن الطويل على النحو الآتى:
أحمد محمد الشيخ – إمام على داود.
7- أسرة وهبة الفيشاوى... وقام بتسليمها إلى جابر رزق عند نقل الأول من القاهرة وتكوينها من: عبد المنعم دحروج – أنور أمين نور الدين – محمد على حسين – محمد عبد المجيد.
ثانيا – مجدى عبد العزيز متولى:
مسئول عن الكيماويات والناحية العسكرية – والمسئول عن الاتصال بالإسكندرية و البحيرة وينقسم تنظيم الإسكندرية إلى:
1- المكتب الإدارى ويضم: عباس السيسى- رئيسا – محمد عيد مسئولا عن مناطق النشاط العام – عبد الحليم الديب – مسئولا عن النشاط العام فى منطقة شرق – عبد المجيد الشاذلى – مسئولا عن الجهاز الخاص.
2- الجهاز الخاص ويضم: عبد المجيد الشاذلى – رئيس الجهاز الخاص – مجدى عبد العزيز متولى – مسئول هن الاتصال بالقيادة بالقاهرة.. وينقسم الجهاز الخاص إلى المجموعات الخمس الآتية:
1- مجموعة علمية تضم مهندسين هم : عبد المجيد الشاذلى – حلمى صادق حتحوت – محمد الهامى بدوى – أحمد الزفتاوى – عبد الحميد راجح .
2- مجموعات معلومات وتضم: محمد هلال سالم – عز العرب شاهين – محمد حلمى مؤمن – محمد صدقي عبد العزيز عطية .
3- مجموعة عقائدية وتضم : عبد المنعم عرفات – عبد اللطيف آدم محمد حمص.
4- مجموعة الحضرة وتضم : عبد المجيد محمد عبد المجيد – عبد الرحمن عبد الصمد – محمد عبد الصمد – عبد العزيز جلال – محمود جلال – محمد عبد الغنى _ السباعى السباعى الروكى.
5- مجموهة اتصال وتضم: عبد المجيد الشاذلى – عبد المنعم عرفات – أحمد الزفتاوى.
ومرفق طى هذا البلاغ محاضر الضبط الخاصة ببعض المتهمين الوارد ذكرهم عاليه. مع رجاء العلم أن جميع المتهمين السالف ذكرهم صدر بخصوصهم أوامر اعتقال من السيد رئيس الجمهورية . وأنه تم القبض عليهم بناء على ذلك ومتحفظ عليهم بالسجن الحربى – ماعدا كل من المتهمين يحيى حسين وإسماعيل الفيومى فانه جار البحث عنهم .
مرفوع لسيادتكم رجاء الأمر باتخاذ اللازم.
عميد ( أ.ح) سعد زغلول عبد الكريم
قائد الشرطة والمباحث الجنائية العسكرية
التوقيع :(إمضاء)
كان ذلك هو البلاغ الأول.. وقد جاء بعد أكثر من شهرين من انتهاء عمليات القبض على القبض على الذين وردت أسماؤهم فيه.. تعرضوا خلالها لأبشع ألوان التعذيب التى سردنا بعض تفاصيلها فى الباب الرابع.. ثم توالت البلاغات بعد ذلك من مدير الشرطة والمباحث الجنائية العسكرية.. كان يرسل أكثر من بلاغ فى اليوم الواحد... فالبلاغ الثانى أرسله يوم 20 أكتوبر وصدره بأن إعادة التحريات تبين منها.. وطبعا أشياء تخالف ما جاء فى البلاغ الأول.. والبلاغ الثالث فى نفس اليوم أيضا... ومن الغريب أنه ضمنه أسماء أعضاء فى تنظيم الإخوان المسلمين وكتب أمامهم ملاحظة بأنهم توفوا.. مثل محمود جبريل.. وكتب أمامه أنه توفى منذ 3 سنوات... وكذلك أمام اسم محمد أحمد السيد صقر .. ثم أرسل البلاغ الرابع بعد ذلك بأسبوع وبتاريخ 27 أكتوبر 3 نوفمبر عن تنظيمات الوجه القبلى.. والبلاغ الخامس كان بتاريخ 3 نوفمبر عن تنظيمات الإخوان فى محافظة الشرقية.. والبلاغ السادس بتاريخ 16 نوفمبر عن التنظيم فى البحيرة ... وتشاء حكمة الله أن يشير أن التكوين كان بهدف دراسة النواحى الدينية ومساعدة أسر المعتقلين والمسجونين من جماعة الإخوان..
والبلاغ السابع كان فى نفس اليوم أيضا وخاص بانضمام المستشار على جريشة إلى التنظيم لمدة بالمعلومات وأن المستشار على جريشة قام بتنظيم اجتماعات لعدد من الإخوان لقراءة القرآن وتفسيره... وهكذا كانت قراءة وتفسيره يعتبرها مدير المباحث الجنائية العسكرية جريمة تستوجب القبض على مرتكبيها.
وكان يوم 16 نوفمبر هو أنشط الأيام فى تقديم البلاغات..
فخلاف البلاغين السابقين قدم مدير المباحث بلاغا ثالثا بتحريات جديدة عن تنظيم الإسكندرية ثم هدأت البلاغات فترة خمسة أيام.. واستأنفت المباحث الجنائية العسكرية نشاطها..وأرسلت البلاغ التاسع يوم 21 نوفمبر وكان يتعلق بالسلاح الذى اشتراه عبد الفتاح إسماعيل للقيام بالانقلاب المسلح.. وكان السلاح عبارة عن مسدسين اشتراهما من شخص اسمه عبد القادر دعبس.. وطبعا قبض عليه. وبعد يومين.. وكانت التعليمات قد وصلت من أ‘وان الحاكم السابق بإضافة مجموعة من الأشخاص إلى قائمة المتهمين.. وقدم أثبتت وجود صلة لهؤلاء الأشخاص بجماعة الإخوان المسلمين وهؤلاء الأشخاص هم معروف الحضرى زميل الحاكم السابق فى تنظيم الضباط الأحرار ومعارضه فى اتجاهه بالبل إلى هوة الشيوعية, وحميدة قطب شقيقة الشهيد سيد قطب وصالح أبو رقيق ومنير الدلة والاثنان كانا يعلمان حقيقة عضوية الحاكم السابق بجماعة الإخوان... وكان حبسهما عام 1954 ثم إفراج عنهما... والمرحوم الشيخ محمد محمد الأودن وهو الذى كان يتوجه إليه الرئيس السابق عبد الناصر للإستزادة من العلم... وقد مات الشيخ الأودن خلال هذا العام ونعاه شيخ الأزهر لمكانته العلمية..
ويأتى البلاغ ال11 ليضم اسم محمد رشاد مهنا أول من رفع راية المعارضة فى وجه الرئيس السابق عبد الناصر عندما كان يشغل منصب الوصى على العرش... ولفقت ضده مؤامرة لقلب نظام الحكم مع مجموعة من ضباط سلاح المدفعية وصدر حكم بالمؤبد ثم أفرج عنه بعد أزمة مارس.. وأعيد اعتقاله أكثر من مرة... كما ضم نفس البلاغ اثنين من زعماء الإخوان المسلمين هما فريد عبد الخالق وعبد القادر حلمى وكان الاثنان من القلة التى اجتمع بها عبد الناصر قبل القيام بالثورة وبعدها ليضمن معاونة الإخوان المسلمين وتأييدهم له.
والبلاغ الثانى عشر يتضمن أن تحريات سيادة مدير المباحث العسكرية قد كشفت ان عبد الفتاح اسماعيل تراسل مع الإخوانى عشماوى أحمد سليمان المقيم فى السعودية لإمداده بأسلحة من السعودية ليستعين بها فى أغراض التنظيم وأنه تلقى خطابا من عشماوى يبلغه انه بصدد إرسال الأسلحة عن طريق أسوان... وأن عبد الفتاح اسماعيل اتصل بالإخوانى منصور على يوسف رئيس الإخوان فى أسوان قبل عام 1954 واستفسر منه فعلا عن طريق المواصلات المتيسرة بين السودان وأسوان.. والأمر الذى يؤكد ما جاء بتحرياتنا ... وهكذا أنهى سيادة المدير بلاغه..
وأنهى كل بلاغاته بالبلاغ رقم 13 ... وكان بتاريخ 20 ديسمبر وضمنه أسماء مجموعة جديدة من ضحاياه الذين قض عليهم وأودعهم السجن الحربى السابق صدور أمر اعتقالهم من السيد الجمهورية... وهى العبارة التى كان ينهى بها كل بلاغ معلنا أن المتهمين معتقلين بأمر السيد رئيس الجمهورية ... وهو ما يحمل تحذيرا خفيا لأى محقق من رجال النيابة قد يستجيب لنداء ضميره ويأمر بالإفراج عن أحد منهم... فيخالف بذلك رغبة السيد رئيس الجمهورية!!!
تحقيقات النيابة
وبمجرد وصول أول بلاغ للنائب العام فى يوم 3 أكتوبر سنة 1954, نقل صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة مكتبه من مبنى سراى النيابة فى محكمة باب الخلق إلى داخل السجن الحربى... رغم مخالفة ذلك لقانون الإجراءات الجنائيى... إلا أن السيد صلاح نصار كان يحتمى وراء نصوص قانون فرعون الذى أصدره الرئيس السابق فى غيبة مجلس الأمة... ووافق عليه المجلس بعد بدء دورته...
وبدأت مهمة صلاح نصار فى فتح المحاضر ليسجل بها أولا بأول كل بلاغ يرد إليه... يعاونه مصطفى العسال سكرتير التحقيق... ويقوم بتوزيع الأعباء على مجموعة من وكلاء النيابة اختارهم بنفسه لتلك المهمة ممن تتوافر فيهم نفس الشروط التى تتوافر فيه...
ولديهم نقس الاستعداد الموجود لديه فى الخضوع لرغبة الحاكم ونصرته على نصوص القانون. وكان المحققون عندما يدخل اليهم المتهم يصابون بالعمى فلا يرون آثار التعذيب الواضحة عليه... ولكن أحدهم لاحظ أن الإقرار الذى دونه المرحوم الشهيد محمد يوسف هواش ليس بخط يده... فقد كانت يده لا تستطيع الآمساك بالقلم بعد أن نزعوا أظافره وأحرقوا جلد راحته... وسأله عن السبب... وسجل المحقق إجابته على السؤال بنفسه... وكانت تكشف وقائع التعذيب... وللتاريخ فإن اسم المحقق هو حسن جمعة وكان يعاونه حمدى محمد خليفة سكرتير التحقيق تاريخه 24 أكتوبر سنة 1965 وكان سؤال المحقق فى بداية التحقيق.
س:كيف حرر هذا الإقرار؟
وأجاب محمد يوسف هواش وأملى المحقق الإجابة كاملة على سكرتير المحقق:
جـ: الإقرار حرر بإملائى لأحد الموظفين هنا بالسجن وأنا وقعت على كل ورقة منه وأنا ما كنتش اقدر أكتب لأنى كنت انضربت على إيدى علشان هنا كانوا فاهمين أن الأشخاص اللى كانوا معنا فى سجن طره داخلين فى التنظيم وأنا قررت أنهم مش داخلين فى التنظيم وكتب كده فى الإقرار وهو ده الواقع ولم يشأ المحقق إلا أن يرضى ضميره أمام الله... فعاد وسأل:
س: هل حدثت بك إصابات؟
جـ: أنا مفيش فى إصابات ظاهرة دلوقت... وقتها ايدى كانت وارمه وكانت أعصاب أيدى مشدودة وما اقدرش أكتب بها وهى فى تحسن دلوقت.
وأراد المحقق أن يحيل المتهم إلى الطبيب الشرعى... وعرض الأمر على رئيسه صلاح نصار الذى هاج لاثباته ذلك... ولم يستمر حسن جمعة طويلا فى نيابة أمن الدولة.
نص أقوال سيد قطب
اختص صلاح نصار لنفسه بالشخصيات الهامة فى التنظيم للتحقيق معها بنفسه... والشخصيات الهامة ليست بدورها فى التنظيم ولكن بمدى كراهية الرئيس السابق لها... وكان المرحوم الشهيد سيد قطب أكثر الشخصيات التى يكرهها عبد الناصر.
ولذلك فقد تولى صلاح نصار بنفسه التحقيق معه حتى يصل اسمه إلى أسماع الرئيس السابق عندما يطلع التحقيقات... وكان يطلع على كل التحقيقات مع الشخصيات التى يكرهها.
وفى يوم 19 ديسمبر سنة 1965 فتح باب الزنزانة الانفرادية فى السجن الحربى وخرج شبح رجل... وكان الرجل هو المرحوم الشهيد سيد قطب إبراهيم.. وكانت تلك أول مرة يرى فيها النور... فقد ظل حبيسا تلك الزنزانة منذ القبض عليه يوم 9 أغسطس... أى 130 يوما كاملا.. تعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب اليومى حتى يكتب أقرار بما يملوه عليه.. وصمد الرجل على موقفه وتحمل مالا يتحمله أى بشر من عذاب.. وأخيرا أخذوه إلى ممثل النيابة العامة ليدلى بأقواله أمامه... وتوجه الرجل يحيط به زبانية التعذيب.. صفوت الروبى... وسامبو.. ودخل غرفة التحقيق داخل السجن الحربى.. يتصدرها مكتب يجلس إليه صرح نصار... وبدأ المحقق يسأل... ولم يشأ أن يسجل فى بداية محضره مناظرته للمتهم كما تقضى بذلك الإجراءات لإثبات ما قد يكون فيه اثار تعذيب.. وكانت واضحة..ز وفيما يلى نص محضر التحقيق مع سيد قطب:
فتح المحضر يوم الأحد: 19/12/1965. الساعة 6,30م بالسجن الحربى.
نحن صلاح نصار – رئيس النيابة.
و مصطفى العسال – سكرتير التحقيق.
حيث دعونا سيد قطب وسألناه بالآتى قال:
اسمى سيد قطب إبراهيم سنى 60 – كاتب – مولود بموشى مركز أسيوط – ومقيم بحلوان/ 44 شارع حيدر.
س: ما قولك فيما هو منسوب اليك؟
جـ: أنا سجنت بحكم من محكمة الشعب فى سنة 1955 وحكم على ب15 سنة بتهمة تآمرى مع الإخوان المسلمين ضد نظام الحكم القائم, وأفرج عنى بعفو صحى فى مايو سنة 1964. وبعد خروجى اتصل بى خمسة من الشبان على التوالى أولهم الشيخ عبد الفتاح اسماعيل وما كنتش أعرفه قبل كده... وكان وحده.. وعرفنى بنفسه على أنه من جماعة الإخوان المسلمين وأنه قرأ بعض كتبى ويرغب فى الإستزادة وقال لى أن معاه بعض الزملاء يرغبون كذلك فى زيارتى والتعرف على وفهمت من كلامه أن معاه مجموعة قليلة من شباب الإخوان المسلمين وأنهم عاوزين يتعرفوا على فوافقت أنه يجيبهم وييجى وبعد فترة قصيرة حضر ومعاه شخص آخر عرفنى به وهو على عشماوى وقال لى انه ده من ضمن مجموعته, وتحدثت معهما عن أفكار عامة عن الإسلام وكان الحديث عاما عن موضوعات تناولتها فى كتبى,ولا أذكر المرة التالية التى جاءنى فيها عبد الفتاح اسماعيل وعلى عشماوى وثلاثة آخرون عرفت أسماءهم الأولى فقط وهم أحمد ومجدى عشماوى وصبرى, وفهمت فى لقاءاتهم الأولى أنها دى المجموعة اللى عاوزة تتصل به وتتزود من المعرفة – وبعد عدة لقاءات معهم ماكنتش فى الأول محددة وكانت بتبقى فى المواعيد اللى يحدوها بدأوا يقولون أن وراءهم عددا آخر من الإخوان المسلمين وأن لهم تنظيما سريا يرجع إلى عدة سنوات سابقة, وإن هذا التنظيم كان قائما على أساس أنه تنظيم فدائى للإنتقام مما جرى للجماعة فى سنة 1954 أى لجماعة الإخوان المسلمين ولكنهم بعد أن قرأوا كتاباتى وسمعوا ما سمعوا فى هذه اللقاءات يدركون الآن أن عملية الانتقام عملية تافهة بالنسبة لمستقبل الإسلام وأن أقامة النظام الإسلامى تستدعى جهودا طويلة فى التربية والإعداد وأنها لا تجىء عن طريق إحداث انقلاب من القمة, ةأنهم أصبحوا مقتنعين بذلك, وأنه يجب تربية الأفراد قبل أن يوجدوا فى تنظيم ولكنهم الآن أمام تنظيم قائم بالفعل وكان قائما على عقلية آخرى غير هذه العقلية وهم لا يملكون الآن حل هذا التنظيم وإعادة بنائه على الأسس التى فهموها من حديثهم معى غير أنهم يمكنهم تحويل عقلية هذا التنظيم عن طريقهم هم إذا أنا بذلت معهم جهدا فى إعدادهم وتربيتهم ليقوموا بترؤبية الآخرين من ورائهم.
وكانت هذه أول الجلسة أو جلسة لاحقة لها قالوا لى أنهم كلهم فى أعمار متساوية وأنهم تنقصهم القيادة وأنهم بحثوا عنها فى الجماعة فلم يجدوها وبحثوا خارج الجماعة واتصلوا ضمن من اتصلوا بهم الأستاذ فريد عبد الخالق من الجماعة والأستاذ عبد العزيز على من خارج الجماعة. ولكن الأستاذ فريد عبد الخالق رفض والأستاذ عبد العزيز على لم يستريحوا إليه لأنه طلب منهم فى أول مقابلة بيانات كاملة عن كل شخص وأن فكرته فى العمل فى الحقل الإسلامى ضعيفة.
وفى هذا الوقت طلبوا من قيادتهم فى الناحية الفكرية فقط على أساس أنهم هم الخمسة متولين قيادة التنظيم الفعلية وسيتولون هم تحويل أفكار من ورائهم – وفعلا صارت المقابلات منتظمة فى فترات تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع وكنا نحدد فى نهاية كل مقابلة ميعاد المقابلة التالية.
وكنت باجتمع معهم فى كل مرة هم الخمسة وكانا أحيانا بيتغيب منهم واحدا أو اثنين وبعد فترة أخرى وفى حوالى ديسمبر سنة 1964 أو يناير سنة 1965 بدأوا يكشفون لى عن طبيعة هذا التنظيم, وفهمت أنه تكوين من عدة تنظيمات قام بها هؤلاء الأفراد كل على حدة فى أول الأمر ثم لاقوا فى أثناء تحركهم واستوثق بعضهم من بعض فتم تكوين التنظيم برؤسائه الخمسة, وأن كلا منهم يتولى مجموعة من ناحية ولم يحددوا نواحى مسئوليات كل منهم وإن كنت فعمت فيما بعد بعض هذه النواحى أثناء الكلام مثل أن صبرى مثلا مسئول عن المنصورة بحكم عمله هناك وعلى فى الغالب فى القاهرة وعبد الفتاح ومجدى وأحمد لا أعرف بالتحديد نواحى عملهم ومقدرش أحدد ما دار من حديث فى كل جلسة انما ممكن أذكر الوقائع بترتيبها الزمنى تقريبا.
ففى مرة قص على كل منهم طريقة بدئه فى العمل إلى أن التقى بعضهم ببعض.. ومرة علمت أن لعلى وعبد الفتاح اتصالات سابقة بالإخوان فى السعودية وحدد منهم اسم الشيخ عشماوى سليمان وأن المتصل به هو الشيخ عبد الفتاح وأن على كان متصلا بواحد منهم تانى مش فاكر اسمه وإن كنت فهمت من عبد الفتاح أنه قطع صلته بعشماوى أو أن عبد الفتاح طلب منه عدم الاتصال به وأذكر أنه فى إحدى المرات جاءنى على عشماوى بمفرده على غير ميعاد وأبلغنى أنه لما كان فى السعودية سنة 1962 أو سنة 1963 طلب من أحد الإخوان هناك مجموعة قطع أسلحة وكتب له بها كشف ثم نسى المسألة لطول الزمن ولكنه فوجىء بخبر من هذا الأخ أى وقت حديثه معى – بأن هذه الأسلحة أ‘دت وأنها ستصل عن طريق السودان فتحدثت مع على أولا فيما اتفقا عليه من برنامج جديد للعمل قائم على أساس التربية الطويلة المدى وقال أنه لا يزال مقتنعا بما نحن سائرون عليه, ولكن هذه الأسلحة التى أرسلت لابد من استلامها لأن تركها غير ممكن ويكشف التنظيم علاوى على أنهم فى حاجة إلى قطع أسلحة للتدريب واتفقا على عرض المسألة على المجموعة أى على الخمسة – ولا أتذكر أن كنت تحدثت فى هذه المرة عن طبيعة البلد – وهى دراو – الذى ستصل اليها الأسلحة وأنها قرية وكل ما يصل إليها يكون مكشوفا وأنه يجب أن يعرف طبيعة البلد – وطبيعة الطريق – أو أن هذا كان فى جلسة تالية – انما اللى أذكره أنا قلت له بهذه المناسبة أنه إذا كان لابد أن هذه الأسلحة تصل عن طريق دراو فلازم يدرس الطريق ويدرس البلد لضمان السرية وعدم الكشف.
وأذكر أن عبد الفتاح جاءنى فى اليوم التالى لمقابلتى لعلى عشماوى وكان لوحده وأبدى اعتراضه على المسألة بجملتها وكان وجه اعتراضه أن العملية قد تكون مكشوفة وتكشف التنظيم فأنا قلت له إحنا حانجتمع كلنا ويتحدث كل ما عنده, وفعلا اجتمعنا فى بيتى لمناقشة الموضوع, واذكر أن عبد الفتاح وصبرى كانا معترضين على أساس أن أسلحة زى دى لا يمكن أنها ماتنكشفش طوال الطريق من السلطات المصرية – علاوة على أنهم لا يعرفون من أين اشتريت وبأى أموال , وتقرر بعد المناقشة أن يرسل على عشماوى إلى مصدر الأسلحة ولم يذكر اسمه – ويطلب منه إيقاف شحن هذه الأسلحة والإجابة على الأسئلة التالية.
من أين المال الذى اشتريت به؟
من أين اشتريت؟
هل اشتريت صفقة واحدة أو صفقات متقطعة؟ هل يضمن عدم كشفها فى أى مرحلة من المراحل؟
إلا يرسل منها شيئا إلا بعد إخطار يصله بالإرسال أو عدمه وبعد فترة حوالى أسبوعين جاءه رد بأن هذه الأسلحة مشتراه بأموال إخوانيه صرفة وأنه مضمون عدم كشفها فى أى مرحلة ولم يجب على السؤالين الثانى والثالث – فيما عرضه على علينا وأنها أرسلت فعلا قبل إرسال رسالته ولا يمكن استردادها – وبناء عليه تقرر ضرورة تسلمها – وكان فى تقدير على أنها ستصل خلال شهرين او ثلاثة والحديث ده كان فى الغالب فى أبريل سنة 1965 وأذكر أنه كان فى أواخر ذلك الشهر وكلف على بأن يتولى استلام الأسلحة وتخرينها وكان المفروض أن التنفيذ منوط بالمجموعة دون الرجوع إلى وأنا مهمتى تقدير المبدأ فقط فى هذه المسألة وغيرها وأى عملية تنفيذية خاصة بالتنظيم – ولم يحصل بعد كده معى حديث بخصوص هذه الأسلحة – ومعرفش أيه اللى تم فيها إلى أن اعتقلت.
وأحب أن أقول :
قبل أن تتكلم فى موضوع الأسلحة نوقشت فى عدة جلسات الإجابة على سؤالهم المتكرر التالى: ماذا نصنع إذا كنا فى أثناء سيرنا السلمى الذى اتفقنا عليه انكشف هذا التنظيم وأخذنا لنعذب كما حدث سنة 1954؟
وكان السؤال بيتكرر فى جلسات كثيرة من أشخاص عديدين وأكثر من يسأل هو عبد الفتاح وكانت إجابتى أنه فى هذه الحالة فقط يرد الاعتداء.
وفى حسى صورة سنة 1954 دائما لا تفارقنى وأنا فى الواقع لما طرح على هذا السؤال فى بادىء الأمر كانت إجاباتى عنه غير حاسمة وكنت أزحلق الإجابة بمعنى أنى أقوال مثلا نبقى ندرس المسألة دى أو نرجئها لوقتها أو أن المسألة دى تحتاج لبحث – وإجابات من هذا النوع وكان مفهومى من اتجاتهم انهم أميل إلى رد الاعتداء وعدم الوقوع مرة أخرى فى صورة سنة 1954 وكانوا بيقولوا فى الأول أنهم بيبدأوا بتدريبات رياضية قبل التدريب على السلاح الكافية للتدريب فلما فكرت فى الموضوع انتهيت لرأى قلته لهم وهو أنه فى حالة وقوع التنظيم فقط يرد الاعتداء ودى كانت الإجابة كمبدأ أما السبيل لرد الاعتداء فنوقش بعد ذلك فى أواخر أبريل أو أوائل مايو سنة 1965 وكان قبل سفرى لرأس البر لأنى سافرت فى 5 يونيو سنة 1965.
واللى حصل أنه كان هناك إحساس عام بيننا بقرب اعتقالات للإخوان منشئوه عدة ظواهر. الظاهرة الأولى كثرة المناقشات حول كتاب " معالم على الطريق" بين مجموعات الإخوان الخارجة من سجن القناطر ووصولها إلى حد الجدل العنيف بين الموافقين والمعارضين لاتجاه الآراء الواردة فى الكتاب, وهذا الخلاف نشأ داخل سجن القناطر واستمر واحتد بعد خروجهم ومفهوم كثرة الجدل حول هذا الأمر بين صفوف الإخوان أنه يكشف للحكومة التنظيمات المختلفة داخل جماعة الإخوان.
والمظاهر الثانية ما كان يبلغنا من أن الشيوعيين يدبرون مؤامرات يريدون نسبتها للإخوان المسلمين, ولما كانوا بيجتمعوا كان كل واحد بيقول الإشاعات اللى وصلته وكان من ضمن هذه الإشاعات أن الشيوعيين ينوون تدبير مؤامرات عليها طابع الإخوان المسلمين كما ذكر بالفعل أنه وجدت منشورات فى نقابة الصحفيين عليها اتجاه الإخوان للإساءة اليهم, كما أذكر أيضا أنه وضعت قنبلة فى طريق زائر كبير أجنبى لا أذكر إذا كان شواين لأى أولا وأحمد عبد المجيد فيما أذكر قد يكون هو اللى نقل الخبر وأشيع وقتها أن الإخوان هم اللى وضعوا هذه القنبلة وإن الطريق الموكب الرسمى تغير وكشفت القنبلة. وهذا الخبر نقل كإشاعة والظاهرة الثالثة أن الحاج عبد الرازق هويدى تكلم معى فى أنه يسمع أنه يوجد شباب متهورون فى جماعة الإخوان وأنهم يتحركون حركات هوجاء, وأن السلطات على علم بتحركاتهم وهذا الرجل موظف فى شركة عثمان أحمد عثمان وكان عضوا فى الهيئة التأسيسية فيما أظن وقال لى هذا الكلام على أساس إنه واحد فى من الإخوان العقلاء فأنا قلن له والشبان المتهورين دول لو وضعوا تحت قيادة حكيمة يمكن ضبط تصرفاتهم بدلا من تركهم يتصرفون بحماقة وأنا لم أكشف له علاقتى بهؤلاء الشبان لأنه هو كان من الإخوان اللى بيروا أن مفيش داعى لاى تحركات للإخوان والحديث ده كان حديث عابر بينى وبينه ولا أعتقد أنه فهم أن لى علاقة بالتنظيم, وهو كرر هذا الحديث مرتين أو ثلاثة وقاله لى فى رأس البر فى السنة الماضية قبل اتصالى بهذه المجموعة ثم ردده فى مقابلتين بعد اتصالى بهم وكان الكلام بيدور فى المرات الثلاث فى الحدود الى قررتها – وكذلك خوفنى الأستاذ منير الدلة والأستاذ فريد عبد الخالق بألفاظ تكاد تقارب ألفاظ الحاج عبد الرزاق هويدى عن وجود بعض شبان متهورين راكبين رأسهم ليتحركوا تحركات خطرة وأنه يخشى أن تسبب هذه التحركات كارثة عامة للإخوان وكان الكلام ده فى حوالى نصف مايو سنة 1965 فقلت له إن الشبان يركبون رءوسهم إذا لم يجدوا قيادة تضبطهم – فلماذا لا تجعل لهم قيادة حتى تأمن تصرفاتهم الفردية – وتقدم لهم النصيحة حتى لا يركبوا رءوسهم فقال مفيش فايدة نصحناهم كثير ومش عاوزين يسمعوا النصيحة.
وأنا كنت عارف منهم سبق اتصالهم بفريد عبد الخالق وانفصالهم عنه وتشنيعه عليهم وعشان كده لم نستطرد فى الحديث أكثر من هذا وما قلتش له أنى عارف هؤلاء الشبان او متصل بهم لأنى ما أحبش أن هذه الصلة تنكشف حتى ولو لأعضاء جماعة الإخوان القدامى وأنا عارف أن الأستاذ فريد من الفريق الذى أثر عدم الحركة وكان من رأيه أن خير تنظيم ألا يكون هناك تنظيم للجماعة وأن الجماعة موجودة بطبيعتها من غير تنظيم ومفيش داعى لحركات تنظيم منير الدلة لم يتكلم فى هذه المرة إنمازارنى بعد ذلك بحوالى أسبوعين أو ثلاثةوعلى وجه التحديد فى اواخر مايو, وكان هو ومراته بيزورونا زيارة عائلية لأول مرة. وانفرد بى وكرر لى تقريبا ما قاله فريد عبد الخالق وأضاف إليه أن تحركات هؤلاء الشبان مكشوفة وأنهم فى مكتب المشير يفكرون فى ضربهم – وأنا شخصيا أعتقد أن منير الدلة يزن كلماته ويعينها ولم أسأله عن مصدر هذا العلم حتى لا أحرجه فأنا رديت ما مضمونه أن الشباب المتحمسين فى الجماعة قد يكون اندفاعهم ناشئا من شعورهم أنه لا أحد يتحرك فى الجماعة غيرهم ولو أحسوا أن الكبار معنيين بالمسألة مثلهم فربما تهدأ أعصابهم ويسلمون قيادتهم للعقلاء وتضبط بذلك تصرفاتهم ولم أحس أنه فهم أنى على علاقة بهذا التنظيم وانتهى الحديث عند هذا الحد وأنا نقلت للمجموعة هذه الأحاديث التى دارت بينى وبين فريد عبد الخالق ومنير الدلة.
وكل هذه الظاهر كانت توحى فى تقديرنا عند بحث الأمر مع بعض بقرب اعتقالات الإخوان المسلمين وعند بحث هذه الظاهر فى أحد الاجتماعات فى أواخر أبريل أو أوائل مايو سنة 1965 برز سؤال كيف يرد الاعتداء لأن زى ما قلت كنا أخذنا مبدأ فى انه عند الاعتداء يجب الرد واقترح بحث الوسائل الكفيلة برد الاعتداء إذا وقع وفى الجلسة التالية جاء أحمد عبد المجيد يكشف اقتراحات عن اغتيال أشخاص وتدمير منشآت وبدأ يقرأ الأشخاص المقترح اغتيالهم فقال – رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ورئيس المخابرات ومش فاكر العامة أو العسكرية ورئيس المباحث العامة ومدير مكتب المشير شمس بدران,ولما وصل إلى هذا القدر من الكشف وكان لستة أسامى كاتبها أشرت بأن دول كفاية وده يعتبر نجاح عظيم ثم بدأ أحمد عبد المجيد فى قائمة المنشآت فقال – محطتى كهرباء القاهرة وكبارى القاهرة وأذكر تعليق من واحد من المجموعة مش فاكره وجايز يكون على عشماوى – قال أن ده يعمل تعطيل لحركة تعقب الإخوان ويحدث ارتباك فى الإذاعة وفى تنقلات القوات التى تريد القبض على الإخوان فأضفت أنا قناطر محمد على إذا كان المقصود هو إحداث الارتباك ثم سألت: وهذه اقتراحات – فماذا عندكم من وسائل التنفيذ؟. فبدأ بعضهم ينظر إلى البعض الآخر وكان الخمسة موجودين من أول الجلسة ولم يتخلف أحد واتكلموا جميعا فى الإمكانيات بما فهمت منه أنه فى الوقت الحالى ليس لديهم إمكانيات للتنفيذ وخصوصا أنهم يعلمون أن الحراسة مشددة على شخص الرئيس وأذكر أن اللى قال هذا الكلام هو أحمد عبد المجيد – بحيث يتعذر التنفيذ, وكذلك عن عمليات التدمير فليس لديهم المتفجرات اللازمة. وتكرر ماكان فى جلسة سابقة من أنهم بصدد إجراء تجارب لم تتم لعلمل متفجرات محلية من صنع أيديهم وقالوا أن مجموعة عندهم هى التى بتجرى هذه التجارب واللى تكلم عن كدة مجدى وأنا أعرف أنه فى كلية العلوم. وسألتهم عن رجال الصف الأول عندهم وكان عبد الفتاح اسماعيل فى مرات سابقة يسألنى وماذا بعد تفهيم الإخوان معانى الإسلام.
هل نظل نكرر لهم الكلام فهم يملون ولابد أن نعطيهم تدريبا عسكريا وكنت أجيب بأن التدريب ينبغى ألا يكون قبل استكمال تربيتهم ليتدربوا فتكلموا نع بعض وحصروا العدد فى 70 شخصا فاستنجت من هذا أن التنظيم يكون إذن بين 200 أو 300 فرد ولم يكن قد سبق أن عرفت أى عدد لأفراد التنظيم وراء هؤلاء الخمسة – واتفقنا على أن هؤلاء السبعين هم الذين سيبدأ تدريبهم للقيام بهذه العمليات وانتهت الجلسة عند هذا الحد وكان الكلام ده فى مايو سنة 1965 وظلت هذه آخر معلوماتى عن التسليح والتدريب إلى يوم اعتقالى.
وقد رأينا الاكتفاء بهذا القدر من استجواب المتهم ووقع على أقواله.
رئيس النيابة
إمضاء
وأقفل المحضر على ذلك عقب اثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 10,30م.
رئيس النيابة
إمضاء
الجلسة الثانية للتحقيق:
وفى اليوم التالى استدعى سيد قطب لاستكمال سؤاله .. وتم تحرير المحضر ونصه:
فتح المحضر يوم الاثنين 20/12/ 1965. الساعة 3م بالسجن الحربى بالهيئة السابقة:
حيث وصلنا السجن الحربى لمواصلة التحقيق – دعونا المتهم وسألناه بالآتى , فقال:
اسمى سيد قطب إبراهيم ( سابق سؤاله).
س: ما الذى تم فى أمر التنظيم بعد انفضاض الجلسة التى أوردت ذكرها فى ختام أقوالك السابقة فى شهر مايو سنة 1965؟
جـ: اللى حصل أن بعد الجلسة دى اللى نوقش فيها التدريب والتسليح والتدمير والاغتيال اجتمعت مع الخمسة بعد أسبوع واحد وكنت أحدثهم عن المخططات الصهيونية وهى تقوم على أساس تدمير العقائد والأخلاق والقيم الاجتماعية ثم الاقتصاد والنواحى العسكرية أخيرا. وهنا قال على عشماوى إذا كانت هذه مخططات الصهيونية فقد نكون نحن بتدمير المنشآت منفذين لبعض هذه المخططات من غير أن نشعر أو نقصد وكنت أنا قد قلت لهم أنه كثيرا ما يحدث أن وطنيين ينفذون المخططات الصهيونية دون أن يعلموا أنهم ينفذونها.
فلما أبدى على عشماوى هذه الملاحظة قلت له فى محلها وأنه يجب ألا يقع تدمير إلا فى أضيق الحدود اللازمة لعملية التعويق والارتباك اللى دار عليها الكلام – لأن التصور كان أن هذه التدميرات ستعوق السلطات عن إمكانية القبض عليهم فترة تمكنهم من التصرف فى أنفسهم وأنا كنت سايب مسائل التنفيذ زى ما قلت باعتبار أنها مسألتهم وهم يدبروها.
ودى كانت آخر جلسة معاهم فى أواخر مايو سنة 1965 وسافرت أنا رأس البر مع عائلتى فى 5 يونيو أجرت عشة ورجعت يوم 10 يونيه وأخذت العائلة وسافرت وفى 29 أو 30 أغسطس, وكان البيت فى حلوان وفى راس البر فتش بحثا عن محمد زى ما قالوا لى وذلك قبل اعتقال محمد بيومين ولما جيت القاهرة أرسلت رسالة للصاغ أحمد راسخ بالمباحث العامة وسلمت باليد لاستعلامات المباحث والرسالة كانت احتجاج على اعتقال محمد دون أن نعرف أين مقره وعلى طريقة تفتيش العشة فى رأس البر ومعاملتى معاملة قاسية وأنا مريض ولم يحصل ضرب انما اللى حصل أن ضابط المباحث خبط على الشباك بعد نص الليل فلما فتحت له مسك ايدى ونط من الشباك ودخل وفتش وبالنظر لمرض فأنا اعتبرت أن هذا الإجراء غير طبيعى وكان احتجاجى على هذين التصرفين وقلت فى الرسالة له أن برتراند رسل لما اعتقلته حكومته لمهاجمته لها كان معروف هو فين وده مفكر ومحمد قطب مفكر وقارنته بالإعلان عن القبض على مصطفى أمين وقلت أنه كان المنتظر أننا نحن عائلة محمد قطب نعرف مكان وجوده وبعد حوالى 5 أيام من تقديم هذه الرسالة وفى يوم 9 أغسطس اعتقلت. وحصل بعد سفرى لراس البر أن حضر لى عبد الفتاح اسماعيل وعلى عشماوى فى يوليو سنة 1965 وكان على عشماوى متزوج جديد وجه قضى يومين أو ثلاثة فى رأس البر وتقابل عندى مع عبد الفتاح اسماعيل لآنه كان عازمه هو ومراته فى بلدهم كفر البطيخ, وفى هذه المقابلة لم يزيدانى أى معلومات لا عن الأسلحة ولا عن التدريب عما تركتهم عليه آخر مرة وأنا لم أسألهم ولا أذكر فى المقابلة دى أن حصل نقاش فى مسائل التنظيم وبقيت معلوماتى عن استعداداتهم على آخر ما كنا عليه على ما ذكرت. وبعد تقتيش بيتى فى رأس البر بيومين تريبا جانى عبد الفتاح اسماعيل ورن الجرس وخرجت لع قلت له إن لا داعى لوجوده الآن عندى لأن البيت فتش وربما يعاد تفتيشه ولم يدر بيننا أى كلام فى هذه المقابلة – وأنا لما جيت مصر لم أقابل أحدا منهم لغاية ما رجعت رأس البر يوم 6 أغسطس واعتقلت هناك يوم 9 أغسطس ولكنى أرسلت لهم أختى حميدة قطب يوم 4 أغسطس سنة 1965 لتبلغ زينب الغزالى الرسالة المجملة الآتية:
تقولى للأولاد أنهم يلغوا كل العمليات بما فيها عملية السودان وكنت أقصد أن تكون ملفوفة حتى لا تعرف حميدة وهى لا تعرف شيئا عن التنظيم – وزينب الغزالى تعرف تجمع عبد الفتاح اسماعيل وتعرف مجموعته وتعرف اتصالهم بى, وأنا أعرف كدة من مناقشتهم مع بعض وكراهية بعضهم وكراهية بعضهم لاطلاعها على وجودهم وعملهم وعبد الفتاح اسماعيل كان مطمئن لها ومدافع عن اتصالها بهم بيقول أنها سيدة مسلمة مؤمنة وينفى ما كان يقوله فريد عبد الخالق من أنها متصلة بجهات أجنبية وكان يقصد السعودية لأنه قال عليها كده وقال على عبد العزيز على أنه متصل بالأمريكان.
فأنا لما جيت أتصل بهذه المجموعة بعثت أختى لزينب عشان تبلغهم لأنى مكنتش عاوز اتصل بهم مباشرة ضمانا للسرية وأنا فى الواقع كنت فكرت بينى وبين نفسى فى عدم جدوى اية عمليات مضادة للإعتداء وكنت بأعتقد دائما أن اعتقالنا معناه الموت وأنه لا يراعى فيع أى قانون ولا يجرى بصفة نظامية ولذلك كنا نسميه اعتداء لمخالفة ما يجرى فيه لآة قانون معروف.
وكان سبب ارسال هذه الرسالة عدة دوافع. أولها شعورى بما جرى من اقتراحات فى وقتها كان شعورا بعدم جدية الاقتراحات من ناحية التنفيذ وعدم وجود الامكانيات كذلك. فلما صرنا أمام الخطر مواجهة بدأت أتحرج من أن هذه الاقتراحات قد تأخذ طريقها للتنفيذ فعلا ولو باحتمال ضعيف من ناحية ما يكونون قد وصلوا اليه فى خلال هذه الفترة من استعداد حقيقى , وأن كنت فى نظرى فترة قصيرة لا تكفى لأى استعداد وبدأ شعورى بهذا أمام فكرة استخدام العنف وأرجع إلى طبيعتى العادية كرجل فكر يصارح بالفكرة لا بالسلاح, ودى حقيقة دوافعى النفسية التى دعت لارسالى هذه الرسالة وأطلب فيها ايقاف جميع العمليات والدافع الثانى أنه أمام إمكانى التنفيذ العملى ولو باحتمال ضعيف اخذ يتكشف لى عدم جدوى مثل هذه الإجراءات من الناحية العملية وبدأت أعود إلى منهجى المستقر فى نفسى من أن الحياة الإسلامية لا تقوم إلا على تربية طويلة المدى بطيئة وعلى نطاق قاعدة شعبية واسعة وأن أى عمل فى القمة لا قيمة له. وراحت حميدة بلغت الرسالة وعادت بسؤال من زينب الغزالى على لسان على عشماوى وأنا معرفش كيف اتصلت زينب قالت لها إن على عشماوى بيسأل هل هذه تعليمات نهائية حتى فى حالة ماذا وقعنا ونطلب ردا قبل عودتى لرأس البر لأنه كان معروفا أنى راجع تانى يوم وعندئذ اهتز شعورى مرة أخرى أمام صور التعذيب والتقتيل الذى لاقاه الإخوان سنة1954 والمحتمل فى نظرى دائما عند كل اعتقال فقلت لحميدة تقول لزينب تقوله فى هذه الحالة فقط على أن يكون فى الإمكان توجيه ضربة شاملة فإذا لم يكن هذا ممكنا فلنلغى جميع التعليمات وكان إحساسى وأنا بأقول هذا الكرم إنه ليس فى إمكانهم توجيه ضربة شاملة فيكون هذا كأنه الغاء ولكن بصورة تتفق مع مشاعرهم واندفاعاتهم.
وأحب أقول أن نفسيتى فى هذه الفترة كانت تتأرجح بين عوامل مختلفة تتنازعنى بين طبيعتى فى عدم استعمال العنف وبين تأثيرات ورواسب وصور من حوادث سنة 1954 وبين شدة حساسية المجموعة من صورة سنة . وأنا ارسلت هذه الرسالة مع حميدة فى يوم سفرى وسافرت وهى قعدت فى حلوان وفضلت أنا فى رأس البر إلى أن اعتقلت وماشفتش حميدة بعد كدة.
وبدأ صلاح نصار مناقشته سيد قطب على النحو التالى:
س: ألم تتصل بهذا التنظيم قبل خروجك من السجن؟
جـ: لم يقع اتصال مباشر والاتصال الذى وقع لم يشعرنى فى وقتها ان هناك تنظيم لأن صورته كانت كما يأتى – أنه بلغنى أن زينب الغزالى تقول أن فيه شباب متفتح يقرأ لك ويتأثر بما تكتب – فهل تأذن بأن يقرأ رسائلك التى تتحدث فيها عن الإسلام وأراءك فى بعض المسائل الإسلامية فأذنت والصورة التى فى حسبى أنهم أفراد عاديين يحبوا يقرأوا لى حميدة قطب هى اللى قالت لى هذه الرسالة وكنت عرفت عن زينب اهتمامها هى شخصيا بأن تقرأ الإسلام على أصوله وعلى ذلك ما كانت تفهمه فى جماعة السيدات المسلمات.
س: هل كنت تحرر رسائلك داخل السجن؟
جـ- أيوه – حررت بعض الرسائل التى فيها شرح لبعض وجهات النظر الإسلامية والفكرة الأساسية فيها كانت أصول العقيدة بما فيها أن الحاكمية من الاعتقاد وليس فقط من التنظيم, والرسائل كانت مختصرة انما تقوم على ذات الأ سس التى تكلم عنها كتاب " معالم على الطريق" واقدر أقول أن ذات الأفكار اللى فى الرسائل وسعت وصارت أفكار كتاب" معالم على الطريق".
س- ألم تقابل مع زينب الغزالى قبل خروجك من السجن؟
جـ - لا- وكانت الصلة عن طريق حميدة.
س- وكيف اتصلت حميدة قطب بزينب الغزالى . وما هى الصلة بينهما؟
جـ - لا أعرف بالضبط إذا كانت عرفتها عن طريق بيت الهضيبى او بيت الحاج حسين صدقي.
س- هل اطلع حسن الهضيبي على رسائلك قبل خروجك من السجن؟
جـ - أظنه اطلع عليها عن طريق بيته.
س- هل استؤذنت فى عرض رسائلك على حسن الهضيبي وأهل بيته؟
جـ - استؤذنت فى عرضها على بناته وكان مفهوم لى ضمنا أنه سيطلع عليها.
س- هل تقابلت مع حسن الهضيبي بعد خروجك من السجن؟
جـ- أيوه – قابلته ثلاث مرات – ألاولى كانت حوالى أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر سنة 1964 والثانية كانت حوالى أبريل سنة 1965 وكانت الثالثة برضه فى أبريل سنة 1965 وتمت هذه المقابلات فى بيتى فى القاهرة ولم يحضر هذه المقابلات فى بيتى فى القاهرة ولم يحضر هذه المقابلات الثلاث أحد غير أنا وهو.
س_ ألم تذكر أمر اتصالك بهذا التنظيم لأحد؟
جـ- ذكرت ذلك فقط لمحمد يوسف هواش, وعلى وجه الإجمال بدون تفصيل طبيعة تكوين ذلك الاتصال , وربما يكون فى أوائل سنة 1965 ولا أذكر التاريخ بالضبط, وقلت له ما معناه أننا كنا حريصين على أننا نجد شباب متنور فكريا من ناحية الفكرة الإسلامية الذى نفكر فيه أو فيه قابلية لهذا, وأنى بعد خروجى وجدت مجموعة من هذا الشباب وان مندوبين عن هذه المجموعة أو الممثلين لهذه المجموعة وهم خمسة يتصلون لى لتوصيل أفكارى لمن وراءهم وكانت مجمل الصورة فى أوائل الأمر.
وفى مرة أخرى قلت له أنه فى وقت ما سأوصل هذه المجموعة بك وهو فى وقتها قال أنا مش أستاذ عشان يتلقوا عنى فقلت له أنت عندك من الأفكار يمكن أن يفيدهم, وكنت أمهد بهذا إلى أنه فى وقت مناسب يتولى الإشراف على قيادتهم ولما عرفت مسألة السلاح أخبرته عنها بصورة أن أحد الشبان الخمسة ذكر لى أن هناك صفقة أسلحة ستأتى من السعودية عن طريق السودان وكان من رأيه وقتها إلا لزوم لهذه الخطوة اطلاقا لأن ما كنا اتفقنا عليه وأنا وهو داخل السجن يخالف هذا الاتجاه ويقوم على أساس مجرد تربية جيل من الشباب المؤمن تربية إسلامية, ولكنى قلت له ان هذه الصفقة سابقة لاتصالى بهم وأنه يمكن ردها وأنها لن تستخدم إلا لمجرد التدريب حديثى معهم عن الحركات الإسلامية ومنها حركة الإخوان المسلمين ان استشهاد الشيخ البنا فجأة وغيبته عن الجماعة دون أن يكون وراءه صف ثان يعرف منهجه الطويل الذى أوجد (ارتباكا واضطرابا فى الجماعة فسألونى عمن يخلفنى فى توجيههم فقلت لهم أن مهمتى تكوينكم لتكونوا قيادة فقالوا وقبل أن تتكون إذا حدث أنك غبت لأى سبب فمن يتولانا, فقلت لا أرى من يصلح لهذه المهمة إلا محمد يوسف هواش – ومن هنا أخذت أمهد عند هواش لايجاد الصلة فى المستقبل.
س- ألم يحصل اتصال بين محمد يوسف هواش وبينهم؟
جـ- أنا لا أعرف إذا حصل اتصال أولا, ولكن لما أحسست بقرب اعتقالى بعد اعتقال محمد أخى قلت لرفعت بكر شافع إذا اعتقلت يوصل الأخ على عشماوى بالأخ يوسف هواش,واعتقلت وأنا لا أعرف ما تم بعد ذلك لأن كان التوصيل مرهون باعتقالى.
س- وما الذى قصدته من ذلك؟
جـ- أن يكون لهذه المجموعة من الشباب موجه فكرى لشعورى أنهم لا يزالون فى دور التكوين ولثقتى بحسن تصرف هواش وضبطه لتحركاتهم
س- ألم يكن يقصد من ذلك هو ان يقودهم محمد يوسف هواش فى عمليات الاغتيال والتخريب التى تقرر القيام بها؟
جـ- الحقيقة لا من ناحية مهمة هواش فى نظرى وخصوصا لسابق اعتراضه على صفقة الأسلحة وعلى أى تغيير فى المنهج الذى كنا قد اتفقنا عليه داخل السجن ولأنه كان يعلم منى نوع التحول الذى تم فى تفكيرهم بعد لقائهم بى وأن اتجاههم الآن اتجاه تربوى طويل المدى.
س –ولكن سبق وقررت أنه مكان اتفق فيما بينك وبينهم على أن يقوموا بارتكاب حوادث الاغتيال والتخريب على أوسع نطاق إذا ما توافرت إمكانياتهم فما الذى كنت تتصور أن يقوم به يوسف هواش إزاء ما أمرت به, وما اتفقتم عليه طالما ان امكانياتهم تؤهلهم للتنفيذ؟
جـ- أحب أن أكرر أنى كنت أشعر أن ليس لديهم إمكانيات التنفيذ فى الصورة التى جعلتها شرطا للقيام بأي عمل ومع وجود احتمال ضعيف.
س- وما هى الإمكانيات التى كنت تتصورها للقيام بهذه الأعمال التى ذكرتها.
جـ- كنت أتصور أنها لابد أن تكون إمكانيات ضخمة من ناحية العدد المدرب تدريبا عاليا يحتاج لزمن طويل أطول بكثير من الزمن الذى انقضى فعلا وإلى كميات من الأسلحة والذخيرة كبيرة كذلك وأنا الحقيقة معرفتش فى العمليات دى عشان أقدر بالضبط أكثر من الشعور بضخامتها وخصوصا من تقريراتهم فى الجلسة التى نوقشت فيها الامكانيات وأحسست منها أن المسألة ليست هيئة وكذلك من أقوالهم أنهم لا يجدون فى مصر ما يستطعون الحصول عليه نم هذه المواد ولما ذكرت أسلحة السودان ليه لازم تيجى فقالوا أنهم مش لاقيين سلاح كافى للتدريب وده يدينى صورة عن ضخامة المسألة.
س- ولم لم تناقشهم فى هذا الرأى إذا ما مصح قولك دون مواربة وبصراحة حتى نتبين مدى الإمكانيات اللازمة لتنفيذ العمليات التى قررتم القيام بها والامكانيات التى يمكن الحصول عليها.
جـ كانت طبيعة موقفى منهم وصلتى بهم انها توجيه فكرى وتكوين لاشخاصهم ولثقافتهم وأن أى مسائل تنفيذية هى من اختصاصهم مهم أقدر منى فيها على التقدير ووسائل التنفيذ.
س- ألم يكن جديرا بك إذا ما صدق قولك أن تتنحى عن التوجيه فى استعمال العنف قبل أن تعرف الامكانيات أو أن تعرف الامكانيات قبل أن تدلى برأيك فى الأمر دون تعليق الأمر على الشرط الذى تقرره؟
جـ- قد يكون هذا هو الأجدر ولكنه لم يقع منى وأحس الآن أنه كان خطأ.
س- ألم تستاذن الأستاذ حسن الهضيبي الرأى بالنسبة لقيادتك هذه المجموعة قبل اجتماعك بهم بصفة مستمرة.
جـ- لا لم يقع استئذان واللى حصل فى المقابلة الأخيرة بيننا سنة 1965. أن أشرت فقط اشارة مجملة إلى وجود شباب يتقبل أفكار " معالم على الطريق" وكان هذا بمناسبة حديث عن الكتاب وسماعه هو ان بعض الإخوان يتخوفون من نشر هذا الكتاب وكان تعليقه أن هذا الكتاب مطبوع ومنشور وأن الذى يقرؤه يجب أن يأـى اليك ليستزيد أو يفهم ما غمض عليه فطبعا تفهمه واللى ما يجيبش ما يجيش... وفهمت أنا من هذا الكلام ألا مانع عنده من أن أتصل بمن يريد منى التزود والفهم.
س- هل عهم من حديثك معه أن هناك تنظيما يؤمن بمبادئك التى ناديت بها فى كتاب" معالم على الطريق" وأنك تجتمع بهم وعلى صلة مستمرة معهم وترأسهم.
جـ- لا اظن أنه فهم المسألة على هذا الوجه, ولكن أعتقد أنه فهم أنهم أفراد من الإخوان وغيرهم يأتون إلى للتزود بأفكارى إنما ما افتكرش أنه فهم أنها مجموعة منظمة ذات أهداف محددة.
ج_ حقيقة الواقع فى جماعة الإخوان المسلمين أنهم يسحون إحساسا عاما سواء صرحوا به أو لم يصرحوا إن الأوضاع التى كانت قائمة قبل حل الجماعة لا تزال قائمة وإن لم تأخذ أى صورة تنفيذية أو حركية ومتجمدة على ما هى عليه قبل الحل انتظارا لأى ظرف يسمح بعودة الجماعة للوجود العلنى وإن لم يناقش كيف يعود ولا ما هى طبيعة الظروف التى تسمح بعودته وهذا شعور داخلى عام موجود فى نفوسهم وفى نفى أيضا شخصيا فيما يختص منه بإمكان ودة الجماعة للوجود العلنى ولكن مع منهجى الخاص فى إعادة التكوين الفردى التربوى والثقافى واللى فى ذهنى انه بهذه المجموعة اللى أنا مشكلا ومجموعة القناطر وبالدراسة اللى كنت باديها لهم والتربية اللى بأديها لهم على المدى الطويل سيكونون قاعدة جديدة لاتجاه الجماعة عندما تسنح الفرصة للظهور علانية ودى حقيقة شعورى – أنا شخصيا أرى بالنسبة لحسن الهضيبي انه ما زال له وضعه كمرشد للجماعة.
س- ولم لم تصارحه بأمر هذه المجموعات التى رأستها طالما تقرر أنك ترى أن جماعة الإخوان المسلمين قائمة فى الواقع رغم قانون حل الأحزاب السياسية والقرار الصادر بحلها فى هذا الشأن وأنه مرشدها.
جـ- أنا تقديرى لوضع الجماعة الآن أنها فى حالة وجود وأنها كذلك مبعزقة من الناحية التنظيمية وأن كل من يملك إحياء جانب فيها وخصوصا من ناحية الثقافة والتربية له الحق أن يزاوله باجتهاده إلى حين أن يوجد للجماعة وجود فعلى.. وكان أملى دائما أن هذا الاتجاه الواضح فى فهم الإسلام وفهم البيعة أية حركة اسلامية وبرنامج حركتها أنه سيتغلب فى النهاية ويصبح هو الفكر السائد فى الجماعة وعلى هذا الأمل كنت أتحرك وأشتغل باعتبار أنى أبشر بمنهج متكامل لحركة إسلامية.
س- أليس مفروضا على ما ذهبت اليه أن تبلغ مرشد الجماعة حسن الهضيبي بما تقوم به حتى تتجمع لديه كل الخيوط المحركة للعملية؟
جـ- كنت أعرف عن اتجاه الهضيبي أنه لا يريد أن يكون له أى دور إيجابى فى الظروف الحاضرة – ولهذا لم ارد أن أحرجه بطلب أمر أو إذن أو توجيه مكتفيا بقوله أن الذى يريد أن يحضر اليك فطبعا تفهمه وأنا اعتبرت أن ده إذن ضمنى فى حدود ما أعلمه من موقفه.
س- قرر على عشماوى انك أبلغتهم عند بدء اجتماعك معهم أنك ستتصل بالمرشد حسن الهضيبي لاستئذانه فى قيادة التنظيم ثم أخبرتهم أنه موافق على أن تقودهم وبدأت بالفعل بعد ذلك بمباشرة نشاطك معهم.
جـ- هذه الصورة غير دقيقة – انما اللى حصل أنى قلت لهم بالفعل بعد فترة طويلة من اتصالى بهم وعندما طلبوا من قيادتهم لأن هذا الطلب يأتى فى بادىء الأمر, وكان هذا الكلام فى مارس سنة 1965. تقريبا أو فبراير سنة 1965 قلت لهم أنى محتاج إلى تصريح أو إذن من المرشد إذا كان وضعى معهم سيأخذ صفة القيادة لأن وضعى قبل ذلك كان مجرد توجيهات غير قيادية هم مش ملتزمين بها, وقد تراخيت فى الكلام مع الأستاذ الهضيبي فى الموضوع نظرا لنا أعرفه من موقفه فلما جاءت مناسبة حديث معه على النحو الذى ذكرته اعتبرت هذا أقصى تعبير يقوله للموافقة. وقلت لهم بعد كده أن المرشد وافق. وهم اعتبرونى قائدهم بعد 4 شهور من لقائى بهم وكانوا بيحسوا بقيادتى لهم من أول لقاء ولكن أنا كنت ماشى معاهم على أساس أنى مجرد موجه لهم فى حدود النصح والمشورة حتى أوائل سنة 1965 فأخذت صيغة القيادة.
س- وما الذى أبلغوك به عن التنظيم عند بدء اتصالك بهم؟
جـ- فى أول الأمر لم افهم إلا أنهم هم الخمسة, وبعد فترة فهمت أن لكل منهم اتصالات بعدد آخر , وبعد فترة آخرى أخبرونى بطبيعة تنظيمهم وأنه قائم على أساس مجموعات فى شكل أسر وأن لكل أسرة لها نقيب وأن الخمسة يعرفوا بعض كقيادة وتحت كل واحد منهم ثلاثة وتحت كل واحد من الثلاثة هو يتولى ترتيبها وتكوينها وتوصيل الأوامر إليها, ولم يذكروا لى العدد حتى أبريل سنة 1965 لما سألت عن الصف الأول فقالوا لى أنهم 70, وفهمت فى تقديرى أن المجموع يتراوح بين 200 و300 فرد.
س- ألم يذكروا لك مالية التنظيم والمبالغ المرصدة له؟
جـ- المالية لم يجر ذكرها إلى بمناسبة صفقة الأسلحة والحاجة إلى مال وأن لدى الشيخ عبد الفتاح مبلغا لم يحدده أحد لى وأنه دائما يمتنع عن أعطائهم شىء منه ويقول أنه أمانة لديه لا يتصرف فيه إلا بإذن – وفى مناسبة الأسلحة قلت له ما دام عندكم مبالغ ليه هذه الشكوى فقال إنه كان ينتظر إذنا وهو يعتبر كلامى إذن, وتحت تصرفهم أى مبلغ حتى 1000 جنيه وكان طلب على عشماوى فى حدود 200 أو 300 جـ لشراء السلاح وكانت دى مجمل معلوماتى عن مسألة المالية عندهم.
س- ألم تستفسر عبد الفتاح اسماعيل عن مصدر هذه المبالغ ومقدارها وأماكن إيداعها؟
جـ - لا – لأن هذه كانت معتبرة عندى من خصوصياتهم التى لا علاقة لى بها – أى باعتبارها مسائل تنفيذية للتنظيم.
س- أليس المعقول أن تتبين مصدر هذه المبالغ المتجمعة بيدهم وأنت تقودهم حتى تستوثق من الجهات المحركة لهم!
جـ- كان مفهوم عام من مجموعة كلام عبد الفتاح اسماعيل أن هذه المبالغ من إخوان السعودية الذين اتصل بهم أثناء وجوده بالحجاز.
س- معنى ذلك أنك فهمت أن تمويل هذا التنظيم كان من الخارج؟
جـ- نعم من الخارج, ولكن فى إحساسنا اعتبار عام أن أى أخ فى أى بلد هو مرتبط بنا على أساس العقيدة والفكرة لا على الأساس الأقليمى, وعندما تذكر إخوان لا نسأل عن جنسياتهم من الناحية الأقليمية.
س_ وهل الارتباط الذى تقرر بوجوده بين الإخوان المسلمين بمختلف جنسياتهم يتفق مع الوطنية؟
جـ- أنا اعتبرت أن صلة العقيدة أكبر وأثبت من صلة المواطنة الإقليمية وأن هذه التفرقة بين المسلمين على أساس أقليمى اثر من آثار الاستعمار الصليبى والصهيونى يجب أن يزول.
س- ولكن قررت أن الصلة التى ترفعها عن مستوى الوطنية هى الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين دون الإسلام.
جـ- الصفة الظاهرة فى الإخوان هى صفة الاسلام فى اعتقادى.
س- هل ترى أن هناك فرقا بين المسلم المنتمى لجماعة الإخوان وغير المنتمى لتلك الجماعة؟
جـ- الذى يميز الإخوان أن لهم برنامجا محددا فى تحقيق الإسلام فيكونون مقدمين فى نظرى على من ليس لهم برنامج محدد.
س- وهل تعتقد أن كل من هو منتمى لجماعة الإخوان إنما يعمل فى سبيل الله دون مآرب أخرى؟
جـ- أنا اعتبرت أن العبرة فى الجماعة بخطة الجماعة وأهدافها وبرامجها ولو وجد فيها أفراد ليسوا على مستوى الجماعة ولهم أخطاء وانحرافات.
س- فلم التميز إذن بين أفراد هذه الجماعة وبين المسلمين قاطبة وهم جميعا أصحاب عقيدة وأهداف وبرنامج؟
جـ- التمييز فى رأيى ليس تمييز شخص على شخص ولكن فقط باعتبار أن الجماعة ذات برنامج وأن كل فرد فيها مرتبط بهذا البرنامج لتحقيق الإسلام عمليا, وهذا وجه التمييز فى رايى.
س – وهل ترى التعاون مع أى شخص ينتمى أو كان ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين أثناء وجوده بالبلاد دون تعرف حقيقة نواياه؟
جـ- طبعا لا – ولازم من محاولة التحقيق من أنه يعمل للإسلام .
س- وهل ترى أن اتصال جماعة الإخوان بالخارج من المواطنين داخل البلاد ولإثارتهم ضد نظام الحكم ودفع مبالغ لهم ومدهم بالسلاح – أنهم بذلك يهدفون فيما تعتقد إلى نصرة الإسلام؟
جـ- الاحتمالين قائمين فى نظرى – احتمال أنه مخلص لإقامة الإسلام واحتمال أن يكون له أهداف أو أحقاد شخصية.
س- ألا ترى أن فى عدم إثارتهم للأشخاص الموجودين بأماكن وجودهم والالتفات إلى المواطنين دون ما يرجح معه انهم لا يعملون لنصرة الإسلام؟
جـ- جايز بيروا أن إمكانيات العمل بالنسبة للتجمعات فى بلد أقرب للنجاح منها فى بلد آخر.
س- هل ترى ان سعيد رمضان و كامل الشريف و فتحى هلال و إسامة علام و عشماوى سليمان وهم من جماعة الإخوان الهاربين من البلاد إلى السعودية يمدون أفراد هذا التنظيم بالمال والسلاح لنصرة الإسلام.
جـ- أنا أرجو إعفائى من الإجابة على هذا السؤال – لأن سعيد رمضان لى فيه رأى معين لا أحب أن أبديه ومعرفش محيى هلال و عشماوى سليمان قابلته ثلاث مرات وما أقدرش أحكم عليه.
و أسامة علام معروفش خالص, وكامل الشريف أعرفه معرفة قليلة لا تسمح بإبداء رأيى عنه والاحتمالين اللى قلت عليهم قائمين فى شأنهم بيعملوا للإسلام ضد الحكم القائم؟.
س- لديك أقوال أخرى؟
جـ- لا..
تمت أقواله وأمضى
امضاء
رئيس النيابة
امضاء
واقفل المحضر على ذلك عقب ثبات ما تقدم حيث كانت الساعة 11 م .
دروس للنيابة
وفى اليوم الثالث أستؤنف الإستجواب على النحو التالى:
فتح المحضر يوم الثلاثاء : 21/12/1965 الساعة 1م بالسجن الحربى بالهيئة السابقة:
حيث وصلنا السجن الحربى قبيل افتتاح هذا المحضر لمواصلة التحقيق ودعونا المتهم وواصلنا سؤاله بالآتى, قال:
اسمى سيد قطب إبراهيم سابق سؤاله)
س- ما أهداف التنظيم الذى أقاموه وشكلوه قيادته – فيما قرروا لك؟
جـ- قرروا لى أن أهدافهم كانت فدائية بحتة والانتقام لجماعة الإخوان المسلمين من حوادث 1954, وكانوا متفقين على القيام بالاغتيالات واضطرابات وقبل نظام الحكم القائم بالقوة, ولم يفكروا فى غيه اللى حايحصل فى البلد ولا مين اللى حايتولى الحكم – وقالوا لى لما اجتمعوا بى أنهم عدلوا عن هذا التفكير الضيق وأصبحوا يعرفون أن قلب نظام الحكم القائم لا يقيم النظام الإسلامى وان العقبات فى وجه قيام النظام الإسلامى أكبر بكثير من حكاية نظام الحكم المحلى , وأنه يحتاج إلى زمن طويل وتمهيد طويل وتربية لجيل أو أجيال كثيرة وأنه لابد من وضع برنامج آخر وأنهم هم شخصيا مقتنعون الآن بهذا الاتجاه ولكن من وراءهم يحتاجون لتغيير عقلياتهم أيضا على هذا النحو وهم لا يملكون تغيير عقليته تدريجيا إذا أنا ساعدتهم فى تكوين أنفسهم هم فقبلت أن أخصص لهم دراسات فى جلسات . ثم قبلت رئاسة تنظيمهم فى أوائل سنة 1965 وعاد وقال أنهم هم الخمسة هم رؤساء التنظيم وأنا موجه للخمسة.
س- وما المفهوم هذا الوضع الذى يحدث فذكرته بالنسبة للتنظيم؟
جـ- مفهومه هذا الوضع الذى يحدث فذكرته بالنسبة للتنظيم؟
س- أليس مفروضا فيك عندما تتولى قيادة التنظيم أن تعرف كافة أبعاده وإمكانياته حتى تسيير التنظيم على الوضع الذى تراه بصفتك قائده؟
جـ- أرى الآن أن هذا كان ما يجب ولكن الذى حدث فعلا هو أنى ظللت أرى أن كل مهمتى معهم هو توجيه الخمسة توجيها فكريا وإعدادهم شخصيا لأن يكونوا قيادة واعية وظل هذا المقصود لمهمتى معهم يسيطر على كل تصرفاتى معهم.
س- وما أهداف التنظيم – فيما اتفقتم عليه بعد اتصالك بهم؟
جـ- اولا تربية المجموعات الموجودة فعلا تربية إسلامية كاملة قبل ضم أحد آخر اليهم وبعد ذلك لأقبله يبدأ التوسع فى ضم أفراد آخرين سواء من داخل جماعة الإخوان المسلمين أو من خارجها من الراغبين للعمل للإسلام لتربيتهم على هذا المستوى, وفى برنامج طويل المدى ومتروك فيه الزمن بلا حساب يتوصل إلى تكوين جيل مسلم او على الأقل قاعدة واسعة يمكن أن يقوم عليها النظام الإسلامى باعتبار أن التربية الإسلامية الأخلاقية لابد أن تسبق النظام وبناء على هذا الفهم بدأت معهم تدريس العقيدة وتاريخها على أن يحمى هذا التنظيم نفسه من الإعتداء عليه بتدريب مجموعات فدائية تتحرك فقط عند الاعتداء وذلك بعد أن استبعدنا البدء بأي عمل لقلب نظام الحكم أو بأي عنف غير هذه الحالة – وهذا ما فهمت أنه واضح فى حسهم.
س- وكيف السبيل للوصول للهدف النهائى, وما هو هذا الهدف فينا ترون؟
جـ- الهدف النهائى الذى اتفقنا عليه هو أن يقوم نظام إسلامى يحكم بشريعة الله لا بالقوانين الوضعية, والسبيل التربية الطويلة المدى على نطاق واسع.
س- وهل كان هذا التنظيم سريا أم علنيا – فيما ترى؟
جـ- كان سرى.
س- وما الغرض من جعله سريا إذا ما كان الهدف هو تربية دينية أخلاقية.
جـ- عندنا اعتقاد استقيناه من كل التجارب الماضية ومن معرفتنا بالخطط الصليبية والصهيونية والشيوعية فى المنطقة لمحاربة ومنع أى تربية إسلامية حركية تهدف لتحقيق مثل هذا الهدف وإقامة حكم إسلامى على ما نرى وهو ان يكون قاعدة التشريع فيه الشريعة الإسلامية.
س- هل ترى أن هذا أن هذا التنظيم كان يلتزم بما ضمنته من آراء بكتاب " معالم على الطريق".
جـ- أيوه ومعالم على الطريق كتاب فيه فعلا خلاصة آرائي اللى كنت باقود التنظيم على أساسها. .
س- هل ترى أن هذا التنظيم السرى هو الطليعة المؤمنة التى تنادى بها؟
جـ- هذا التنظيم وسيلة لتربية أفراده ليكونوا فى مستوى الطليعة المؤمنة المطلوبة وهم كانوا - أى الخمسة – موافقين على هذه الأفكار ومقتنعين بها وبيعملوا على تطبيقها وهم كانوا مفروض ينقلوها للى بعدهم ويعملوا على إقناعهم بها.
س- هل كنتم ترون أن وجود الأمة المسلمة التى أعنيها – فالأمة المسلمة هى التى يحكم كل جانب من جوانب حياتها الفردية والعامة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية شريعة الله ومنهجه. وهى بهذا الوصف غير قائمة الآن فى مصر ولا فى مكان فى الأرض فى رأيى, وإن كان هذا لا يمنع من وجود الأفراد المسلمين لأن فيما يختص بالفرد الاحتكام إلى عقيدته وخلقه, وفيما يختص بالأمة الاحتكام إلى نظام حياتها كله.
س- وهل ترى أن نظام الحكم القائم بالبلاد نظام جاهلى؟
جـ- أرى أنه نظام غير اسلامى.
س- هل ترى ان هناك مجتمعات جاهلية ومجتمعات غير اسلامية؟
جـ- لا أنا لا أرى أن هناك مجتمعات غير إسلامية وإنما المجتمع يا اسلامى يا جاهلى.
س- وما رأيك فى نظام الحكم القائم على هذا الضوء الذى تقرره؟
جـ- أنا أراه نظام جاهلى.
س- معنى أنك ترى ضرورة تغيير نظام الحكم القائم؟
جـ - أرى أن يتغير عندما توفر أسس قيام النظام الإسلامى التى ذكرتها.
س- وما معنى الطاغوت؟ فيما ذهبت إليه بكتاب معالم على الطريق؟
جـ- الطاغوت فى رأيى هو شريعة غير شريعة الله.
س- أوردت بالصفحة 105 من هذا الكتاب ان الانطلاق بالمذهب الإلهى تقوم فى وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة وهذه كلها هى التى ينطلق الإسلام يحطمها بالقوة فهل يفهم من ذلك أنك تدعو لاستعمال القوة ضد الدولة والنظم القائمة فيها لقلبها؟
جـ- بقراءة الموضوع كله الواردة فيه هذه الجملة وخاصة الفقرتين السابقتين مباشرة لهذه الفقرة يتبين أنها واردة فى صدد انطلاق الدولة الإسلامية لتحرير النوع انسانى بجملته من الأوضاع المفروضة عليه من القوى التى تحكمه, وأن مهمة الدولة الإسلامية ليست مجرد حماية الوطن الإسلامى وإنما بعد ذلك الانطلاق بالمذهب الالهى الذى يقوم فى وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة فى تلك الأوطان – والكلام كان عن حملات المستشرقين على مبدأ الجهاد الإسلامى التاريخى للرد على هذه الحملات.
س- وكيف يتسنى هذا القول وأنت تتحدث عن سلطة الدولة وهى لا تقوم إلا مع المحكومين منها؟
جـ - الموضوع كله خاص بسلطات الدولة الأجنبية فى وجه الدولة الإسلامية عند قيامها وهذا ما تقرره نصوص الموضوع الوارد فى كتابى.
س- أوردت بصحيفة 22 من كتابك أنه لابد من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلى والثورات الجاهلية والقيادة الجاهلية وان مهمتكم ليست أن تصطلحوا مع واقع المجتمع الجاهلى ولا ان تدينوا مجرم بالقهر والضغط على عيشكم كما ترون.
جـ- هذه الفقرة واردة فى منهج التكوين الفكرى على الأساس الإسلامى والمطلوب هو التخلص من ضغط الأفكار والتصورات والعادات والتقاليد فى فترة التربية والتكوين من هذه الضغوط الواقعة وفى هذه الجملة بالذات أن من مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولا لنغير هذا المجتمع أخيرا فهى تحدد وسيلة التغيير فى نظرى وهى التغيير النفسى والفكرى الذى ينشأ عنه تلقائيا التغيير الواقعى.
س- وما رأيك فى الوطنية. وهل تعترف بها أو تنكرها أنت ومجموعتك؟
جـ- رأيى أن الوطنية يجب أن تكون هى العقيدة لا لأرض, وأنه يجب تغيير المفهوم الحالى وهو الإقليمية إلى هذا المفهوم الواسع الذى أريده.
س- وما رأيك فى القومية.
جـ- رأيى فيها أنها راية فات أوانها التاريخى العالمى, وأن العالم كله الآن يتجه إلى تكوينات مذهبية تقوم على أساس فكرة وعقيدة وأن الاتجاه الى القومية الإسلامية يتفق مع طبيعة العصر الذى نعيش فيه وطريقة تفكيره أكثر من فكرة القومية.
س- وما مدلول عبارة " الحاكمية لله" فى رأيك؟
جـ- أن تكون شريعة الله هى قاعدة التشريع.
س- ومتى نودى بهذه العبارة فيما تعرف؟
جـ- ده تعبير استقيته أنا من دراستى للإسلام.
س- ألا تعرف أن هذه كلمة قالها الخوارج قديما وقد قال عنها الإمام على " أنها كلمة حق أريد بها باطل"؟
جـ- أنا لا أتذكر موضعها هذا من التاريخ ولم أكن أعنيه عندما استعملتها وأنا كنت أعنى أن تكون شريعة الله هى قاعدة التشريع وبما أن الله سبحانه وتعالى لا ينزل بذاته للتحكيم وإنما أنزل شريعته ليحكم بها فحاكميته سبحانه وتعالى تتحقق عن طريق تحيكم شريعته – كما تقول النصوص القرآنية بألفاظها.
س- ألم تنقل هذه الأفكار من مؤلفات أبو الأعلى المودودى؟
جـ- أنا انتفعت بكتبه وغيرها من الكتب أثناء دراستي للإسلام.
س- وما الفرق بين ما تنادى به وما ينادى به أبو الأعلى المودودى ؟
جـ- لا فرق.
س- وما الغرض من تسليح التنظيم وتدريب أفراد على الأمور العسكرية؟
جـ- رد الأعتداء إذا وقع عليه.
س- وما هو الاعتداء المقصود وقوعه من وجهة نظركم وممن سيقع ؟
جـ- صورة الاعتداء فى تصورى هى الاعتقال للتعذيب والقتل وإحداث العاهات المختلفة قبل المحاكمة والحكم, وهى صورة التى وقعت بالفعل سنة 1954.
س- هل من ذلك أنكم قررتم مقاومة السلطات عند كشف تنظيمكم وافترضتم تلك الافتراضات وأقمتم عليها نتائجكم التى من أجلها تسلحتم؟
جـ- السلطات التى لا تتقيد بأي قانون ليست سلطات رسمية ولا تعد مقاومتها مقاومة لسلطة رسمية.
س- ولكن المفروض أن الاعتقال إجراء قانونى يفرضه القانون فى حالات معينة وليس فى ذلك تثريب على السلطات القائمة بها؟
جـ- أنا لا أعترض إطلاقا على الاعتقال ذاته كإجراء قانونى أعترف بقانونيته ولكن الذى رأيناه بالفعل سنة 1954 هو ما أثر فى نفوسنا وأعطانا صورة معينة للاعتقال ستتكرر فيما كنا نعتقد كلما تكرر الاعتقال.
س- ألا تعرف أن فى قيام هذا التنظيم بتلك الصورة التى رويتها مخالفة للقانون ويعرضك وجماعتك لسلاحه؟
جـ- أعرف أنه مخالف للقانون, ولكنى كنت مضطرا إليه باعتباره الوسيلة الناجحة للتربية الإسلامية وإن منعها القانون.
س- وكيف تكون مخالفة للقانون وارتكاب جرائم وسيلة للتربية وهل ترضى الشريعة الإسلامية بذلك ودين الدولة الرسمى هو الإسلام وقد نص الميثاق فى أكثر من موضع على احترام كافة الديانات والعقائد؟
جـ- إذا كان القانون يمنع قيام المسلم بواجبه الدينى فى إرشاد الآخرين إلى الصحيح وتربيته التربية الصحيحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن العيب يكون عيب القانون ذاته لمخالفته للأصل دينى بينما الدستور ينص على أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام.
س- وهل ترى فى القوانين القائمة ما يمنع المسلم من القيام بواجباته الدينية وإرشاد الآخرين إلى الدين الصحيح؟
جـ- أنا أرى أن فى القرار الخاص بمنع النشاط العلنى لجماعة الإخوان المسلمين وهى تؤدى هذه الواجبات الدينية التى ذكرتها مخالفة لأمر من أوامر الدين.
س- وما سبب حل جماعة الإخوان المسلمين فيما تعرف – وهل كان ذلك بسبب قيامها بنشاط دينى؟
جـ- أنا أرجح هذا.
س- وما الظروف التاريخية التى تعرفها عن حل هذه الجماعة؟
جـ- أنا أعرف أن الجماعة انحلت بقرار حكومى معرقش صادر من أى جهة ومعرفش نصه ولا القانون المنطبق عليه – وأنا أعتقد أنها انحلت بسبب نشاطها الدينى وبسبب أنها حركة اسلامية والقوى المعادية للإسلام ذات ثقل فى تقدير الظروف المختلفة وقد تمكنت بدسائسها من إيجاد هوة من التوجس والتخوف وعدم الثقة بين الثورة وبين جماعة الإخوان المسلمين انتهت بالتصادم الذى أدى إلى الحل.
س- ولكن الثابت على ما تعرف بيقين أن حزب الاخوان المسلمين كان يشكل تنظيما سريا إرهابيا داخل الدولة ارتكب بواسطته عدة جرائم قتل المرحوم الخازندار المستشار وقتل آخرين من الأبرياء وتخريب بعض المرافق – الأمر الذى لم يكن معه بد من حل هذا التنظيم السرى وهذه الجماعة السياسية تمشيا مع مبادىء الثورة التى تنادى بها منذ قيامها سنة 1952.
جـ- الذى أعرفه شخصيا أن الإخوان المسلمين كان لها تنظيم سرى , وأنا على ما أعرف ليس هو السبب المباشر فى حل الجماعة إنما السبب هو الدسائس التى تآمرت وأدى ذلك إلى حل الجماعة.
س- هل ترى أنه كان من الممكن أن تسمح الثورة بقيام جماعة ذات تنظيم سرى مسلح داخل الدولة وهل ترى أن قيام تلك الجماعة افتئات على الدولة وعلى نظام الحكم القائم فى البلاد بما لا ترضاه أى دولة فى العالم ولا يرضاه أى نظام ولا قانون!
جـ- طبعا لا ترضى الدولة – ولكن كان ممكنا حل هذا التنظيم السرى بالتراضى على أساس حل التنظيم وإبقاء الجماعة كحركة علنية .
س- وهل ترى أن جماعة الإخوان وحدها هى القائمة على أمور الدين الإسلامى قاطبه حتى إذا ما حرم القانون نشاطها كحزب سياسى له تنظيم سرى تكون الدولة قد أهدرت الدين الإسلامى ومنعت المسلم من القيام بواجباته الدينية؟
جـ- أنا أرى أن حركة الإخوان المسلمين كانت هى انجح تجربة فى خلال القرون الأربعة الأخيرة فى كل البلاد الإسلامية فإهدارها بسبب أخطاء جانبية أنا أعرف أنها أخطاء هو بدون شك إهدار لأكبر محاولة فى غقامة هذا الدين ومن أجل هذا كنت أرى أنه يمكن فصل حركتها الإسلامية عن مسألة التنظيم السرى, وإنه كان يجب بذل جهد من الدولة فى هذا.
س- قرر قادة أعضاء التنظيم أنك أفهمتهم أنهم هم الأمة المؤمنة وسط مجتمع جاهلى وانه لا تربطهم لا بالدولة ولا بالمجتمع ولا بنظام الحكم القائم فيه أى رباط وأنهم كأمة مسلمة عليهم أن يعتبروا أنفسهم فى حالة حرب مع الدولة والمجتمع الذى يعيشون فيه وكنت تسمى لهم البلاد بأنها دار حرب طبقا للإصطلاح الإسلامى وتبين على ذلك أن أى عمليات قتل وتخريب لا ضير منها إلا عقاب عليها بل بالعكس فيها مثوبة.
جـ- فى هذا الفهم أخطاء كثيرة – فهم أولا مجرد نواة تربى وتكون لتكون فى مستوى الطليعة المؤمنة – وهذا ما كان مفهوما بينى وبينهم بوضوح. وثانيا أن الكلام عن علاقة الأمة المؤمنة بدار الحرب ودار الإسلام كان الحديث فيها كأحكام نظرية لبيان الأحكام فى ذاتها لا لأنها منطبقة على أحد فى الوقت الحاضر لأنه سبق تقرر أن وجود الأمة المسلمة أمر من أمور المستقبل التى يقع النشاط وتقع الحركة لتحقيقها وهذه هى المفهومات التى كنت أريد أن يفهموها – ولكن مع الأسف فهموا خطأ عنى ما أرى الأن.
س- وكيف يكونون قد أخطأوا الفهم – خاصة وقد قرر أحدهم وهو على عشماوى أنه عند الحديث معك عن القتل ناقشك فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن:" من قال لا إله إلا الله حرم قتله وفى هذا دلالة صريحة على أنك كنت تحرضهم على ارتكاب جرائم القتل والاغتيال وقد أجزت لهم قتل المسلم كما استنتجت لهم أقوال المسلمين الذين لا يفهمون معنى عبارة لا إله إلا الله بالمعنى الذى تفهمه أنت.
جـ- أنا لا أذكر هذه المناقشة – وإذا كانت حصلت فلابد أنها كانت فى معرض الدفاع عن النفس وفى هذه الحالة يكون المعتدى هو الذى عليه الوزر لا من يزد.
س- وما الشروط التى يجب أن تتوافر للدفاع عن المسلم شرعا حتى يباح للمسلم قتل أخيه المسلم – فما ترى؟
جـ- أن يعتدى على أو يحاول الاعتداء ابتداء بينما أنا أقوم بعمل غير مضر أو بنشاطى العادى.
س- وهل ترى أن فى استعمال الحاكم لمقرراته الشرعية والقانونية اعتداء يستباح معه القتل والتخريب؟
جـ- بهذه القيود – قيود استعماله لمقرراته الشرعية والقانونية لا يجوز – ولكن فى اعتدائه خارج كل القوانين لا يكون فى حود مقرراته الشرعية والقانونية.
س- وهل يمكن أن يفترض المسلم أن اعتداء سيقع عليهم توقعا ثم يقتل ويخرب بمثوبة ودون عقاب دينى؟
جـ- أنا أعتبر أن هذا ليس افتراضا وانما هو تجربة واتجاه يبدو فيها الإصرار على تكرار التجربة كلما وجدت حركة.
س- وما الذى أثبته الواقع فيما تبينت حتى تفترض هذه الافتراضات وتربت عليها نتائج؟
جـ- الواقع الذى اعنيه هو واقع التجربة الماضية عام 1954 الذى يعطى ترجيحا, ثم هو الواقع يعطى الترجيح لتكراره وهو اللى خلانى أقول لهم يقاوموا لما يبتدوا يقعوا.
س- ألا ترى أن فى قيام تنظيم سرى مسلح بين المسلمين ما يؤدى إلى قيام فتنة يأباها الدين الإسلامى وينهى عنها.
جـ- قد يؤدى إلى فتنة ولكن يكون عليه وزرها هو الذى يمنع النشاط العلنى فيضطر الأخرون للنشاط السرى ويمكن انقاذها بإباحة النشاط العلنى.
س- ألا يوجب عليك دينك الإسلامى أن تمنع أى فتنة قبل وقوعها وتتجنب مقومات وقوعها مما كان يجدر معه إلا تشكل تنظيما سريا مسلحا بالبلاد وتبارك تسليحه وإجراء تجارب على المفرقعات واستيراد أسلحة من الخارج لمقاومة السلطات.؟
جـ- ضرورة القيام بالواجب الدينى هو المفروض, والفتنة افتراض فعلى أن أقوم بواجبى الدينى وإذا وقع الافتراض – أى الفتنة – فإن وزره على الذى اضطرنى للسرية وليس على.
س- وما التناقضات الموجودة بين نظام الحكم القائم وبين النظام الذى تراه وتسعى من أجله؟
جـ- شريعة الله ليست قاعدة التشريع فى الأوضاع القائمة والمطلوب هو أن تكون شريعة الله هى قاعدة التشريع. وهذا هو التناقض الأساسى فى رأيى الذى تنشأ عنه جميع التناقضات الفرعية.
س- وما العمليات التى تقرر القيام بها عند كشف التنظيم – على ما انتهى إليه الرأى بينك وبين أعضاء القيادة؟
جـ- اقتراح القيام باغتيال شخصيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومدير مكتب المشير ومش فاكر الأسماء الأخرى وتدمير محطتى الكهرباء وكبارى القاهرة وقناطر محمد على وقد تقرر فى شأن هذه الاقتراحات أنها غير ممكنة التنفيذ وانتهت الجسة على هذا القرار.
س- ألم يتقرر فى هذه الجلسة البدء فى التدريب وجمع السلاح اللازم للقيام بهذه العمليات؟
جـ- أيوه فعلا تقرر البدء فى التدريب وبحث إمكانياته.
س- أليس مفهوم ذلك أنه فى حالة إتمام الاستعداد يقوم التنظيم بالتنفيذ أم أنه كان هناك موعد محدد للبدء.
جـ- تركت المسألة مفتوحة وعايمة, وليس فيها قرار محدد غير هذا.
س- ألم تكن آخر أوامرك اليهم قبل اعتقالك هى توجيه الضربة الشاملة فى أوسع نطاق؟
جـ- كانت أوامرى بالضبط هى ألا يقوموا بأى عمل إلا إذا كان فى امكانهم توجيه الضربة الشاملة فى أوسع نطاق وكما قررت من قبل كنت أعرف ان ليس بعد ما أصدرت اليهم الأمر بإلغاء العمليات.
س- وما الذى كان سيتم فى تصورك بعد تنفيذ هذه العمليات؟
جـ- الحقيقة – كما قلت من قبل أن هذه العمليات ام تأخذ فى حسى شكل الجد وأنها لم تزد عن أن تكون اقتراحات غير قابلة للتنفيذ فلم أشغل نفسى بالتفكير فيما وراءها.
س- قرر على عشماوى ان الهدف فيما كنت تراه من القيام بهذه العمليات هو قلب نظام الحكم القائم بالقوة وانهيار النظام القائم فى البلاد.
جـ- أنا آسف أن أقول إن هذا غير اتجاهى تماما وغير ما كنت أشرحه له.
س- هل كانت لك مجموعات خاصة تؤمن بأفكارك وتتلمذ على يديك خلاف أعضاء التنظيم.
جـ لا لم تكن مجموعات وإنما كان يزورنى أفراد مختلفو الجنسيات ومنهم مصريون يعبرون فى حديثهم أنهم قرأوا بعض الكتب وأنهم يحبون الاستزادة ويسألون عن كتب أخرى لى أو لغيرى أشير عليهم بقراءتها – فكنت أحس من هذا ميلهم إلى هذا الاتجاه – ولكن عدد الزائرين فى يوم الجمعة المفتوح للزيارة كندوة عامة كان يعلق بذهنى صورهم أكثر من أسمائهم – انما ماكنش فيه تنظيمات ثانية أنا على اتصال بها إلا هؤلاء الخمسة.
س_ هل كنت تتوقع اعتقالك بعد إرسالك الخطاب الذى نوهت عنه للمباحث العامة.
جـ- لا.. بس كنت متصور أن جوابى سينقذ محمد أخويا من أى تعذيب قبل التحقيق معه.
س- ولم لم تبلغ السلطات بأمر هذا التنظيم فور اعتقالك إذا ما صح قولك من أنك لم تكن تقدر أن فى أمكانهم تنفيذ هذه العمليات وحتى لا تقع فتنة.
جـ- الاعتبار الأول فى حسبى كان دائما عدم تعريض هذا الشباب لعمليات التعذيب القاتلة توقعى أنهم لا يملكون التنفيذ كان عاملا من عوامل عدم التبليغ اعتقادا منى بأنهم مستوردين فلا يقع عليهم اعتداء ولا يردون هو الإعتداء.
س- ألك علاقة بأشخاص معنين خارج البلاد.
جـ- علاقاتى بأشخاص جاءوا من الخارج وزارونى أثناء وجودهم فى مصر وهم عاشم الملاح من العراق وآخر معه لا أذكر اسمه وواحد اسمه المبروك من ليبيا وواحد ليبى برضه اسمه الفاتح وكان معهما اثنان آخران لا أذكر اسماءهم وطبيب أردنى اسمه عبد الرحمن وشاب سورى لآ اذكر اسمه وكان مسافر لندن وشاب سودانى لا أذكر اسمه,وكلها زيارات كانوا بيطلبوا منى فيها توجيهات لمجموعات الإخوان فى هذه البلاد, وكنت أعطيهم توجيهات عامة لا تفصيلية – قاعدتها ضرورة التربية الطويلة المدى والبعد عن الانشغال بالحركات السياسية الحزبية المحلية وعدم الاشتراك مع أى هيئة أو حزب آخر فى عمل نظرا لاختلاف الاتجاهات.
س- ألم تتصل بأى منهم اتصال تنظيمى يتعلق بحزب الإخوان المسلمين المنحل؟
جـ- زيارة العراقيين هى وحدها التى تم فيها اتفاق على تبادل الرأى بينهم وبيننا وإن كان يقع بعد الزيارة دى اتصال وكان الكلام ده فى شتاء سنة 1964.
س- الم يحدث اتصال بينك وبينهما بعد هذا التاريخ؟
جـ- لا
س- هل كانا على علم بأمر تنظيمات.
جـ- ما كانوش يعلموا أن هناك تنظيم على المستوى الموجود وإنما عرفوا أن هناك مجموعات من شباب الإخوان تتحرك وتتجمع لدراسة منهج ثقافى محدد وانا أعى هذا المنهج وقد طلبوا هذا المنهج لمقارنته بمنهجهم الذى يدرسونه.
س- وكيف تم الاتصال بينك وبين إخوان العراق؟
جـ- على عشماوى كان على معرفة بهاشم الملاح أثناء دراسته فى مصر وهو الذى عرفنى أولا ثم عاد هاشم ومعه زميله الآخر ومعهم على كذلك وسلمنى 200 جنيه هدية من إخوان العراق لإخوان مصر وأنا أعطيتهم لعلى عشماوى وأنا لم أكلمه عن تنظيمنا ولكن أثناء الحديث معاه فهمت أنه يحدثنى على أساس أننى المشرف والموجه للمجوعات المتحركة فى الجماعة.
س- ألا تعرف احدا ممن يؤمن بأفكارك وأهدافك من الضباط الحاليين أو السابقين.
جـ- لا – وأنا مليش علاقة بضباط وما حدش منهم متصل بى ومعرقش أن فيه ناس منهم مؤيدين لأفكارى.
س- هل لك علاقة بمحمد الأودن.
جـ- نعم – واللى كلمنى عنه حسين صدقى وأهل بيته وقالوا لى أنه كان دائم السؤال عنى أثناء سجنى والاهتمام بأخبار صحتى وإنه هو مريض لا يستطيع الانتقال إلى وعرضوا على زيارته فقبلت تقديرا لمشاعره تجاهى وزرته أول زيارة معهم وثانى مرة زرته معاهم برضه وكان ذلك سنة 1964 ثم زرته مرة بصحبة محمد قطب ليرشدنى عن البيت بتاعه, وزرته مرة رابعة بمفردى قبيل سفرى لرأس البر فى هذا العام – وزرته مرة قبل الأخيرة مع محمود عبد الوهاب فايد – وحديثه فى كل هذه الزيارات كان منصبا على انحراف الناس وابتعادهم عن دينه وإن رحمة الله لا تنزل إلا على الطائعين ومثل هذه الأحاديث التصوفية, وفى المرة الأخيرة دار بينى وبينه حديث معين لأننى قلت تعليقا على أسفه على خلو البلد من الشباب الصالح وانصراف الشباب كله إلى اللهو والعبث – قلت له البلد بخير الشباب الصالح ولا يزال موجود ولن تخلو البلد من مثل هذا الشباب فقال بلهفة الله يطمئنك وأنت تعرف حد من الشباب الصالح ده فقلت له أعرف الكثيرين وأحس فيهم اللهفة للمعرفة والتزود والسر فى طريق الإسلام الصحيح فعانقنى وقال لى مرة أخرى الله يطمئن خاطرك أنت طمنتنى وأنا كنت يائس – وده مضمون الحديث اللى جرى بيننا.
س- هل كانت هذه الزيارة بناء على طلبه.
جـ- هو كان عرف منى من الزيارة السابقة أنه مسافر رأس البر فقال والله قبل سفرك خلينى أشوفك.
س- ألم تبلغه بأن هناك تنظيما يتبعك.
جـ- لا لم أبلغه بأكثر من وجود شباب مسلم بيتصل بى.
س- ألم تذكر له عددهم
جـ- مش فاكر أنى قلت له عددهم وأنا قلت له شباب كثير وجايز أكون قلت له بالمئات وهو كان بيقول حتى لو أحاد يمنعوا غضب الله فقلت له أنا عندى بالمئات وليس بالآحاد.
س- ألم يذكر لك أن معه مجموعة أخرى مماثلة.
جـ- لا
س- الم يذكر لك أنه على صلة ببعض الضباط الذين تتفق ميولهم مع ميولكم.
جـ- لا
س- هل سمعت ما دار بينه وبين عبد الفتاح الشريف.
جـ- أنا معرفش عبد الفتاح الشريف هذا..
س- ألم تسمع انه طلب عبد الفتاح الشريف عن طريق شمس الشناوى وقد علم بأمر هذا التنظيم وتحدث مع عبد الفتاح الشريف فى أن لديه مجموعة من العسكريين ويمكنه التعاون معهم.
جـ- لم أسمع شىء من هذا
س- هل يعرف محمد قطب تنظيمك السرى
جـ- لا
س- ولم لم تبلغه به وهو يساير أفكارك فى كتاباته.
جـ- أنا أعرف عن طبيعة محمد عدم الميل إلى الاختلاط بأية تجمعات هذا من ناحية – ومن ناحية أخرى أنى كنت حريص دائما على ألا يعرف بأمر هذا التنيم ولو كان أقرب الناس إلى لتضييق دائرة من يعرفون بذلك.
س- الم تبلغ أنت محمد يوسف هواش بأن أعضاء التنظيم سيتصلون به ليحل محلك فى قيادتك قبيل اعتقالك ؟
جـ- أنا لا أتذكر أكثر من التمهيدات التى ذكرتها.
س- هل تعرف أن هناك تنظيما فى السجون.؟
جـ - عرفت فى مناسبتين – الأولى فى صورة أنهم يفكرون فى هذا وكان ذلك من عبد العزيز عطية فى مايو 1964 عند حضوره من الواحات ومرة أخرى من الطوخى عندما طلبت منه بيانات عن الإخوان الذين كانوا فى القناطر, وأبلغنى أنهم كانوا جعلوا واحد منهم فى كل حى عشان يطل على الموجودين دون أن يشعرهم أنه أنه مكلف بشىء من هذا, وفهمت استنتاجا أن هذا يكون بتعليمات من أعضاء المكتب الموجودين بقنا وطره.
س- هل لك علاقة بهذه التنظيمات ؟
جـ لا – وهذه تنظيمات المشرفين على الجماعة والمفروض أنهم أعضاء مكتب الإرشاد السابق وأنا علاقتى بأفراد إنما مليش علاقة بتنظيم.
س- وعلى أى نحو شكلت هذه التنظيمات فيما تعرف ؟
جـ- ليس لدى تفصيلات أكثر من أنهم قبل خروجهم عينوا واحد مسئول ونقطة ارتكاز فى كل حى وأنا لا أعرف مين اللى عينوهم.
س- وما الغرض من هذه التنظيمات فيما تبنيت ؟
جـ- إيجاد نقط ارتكاز يتجمع عليها الإخوان بعد خروجهم من السجون حتى لا تتفكك جماعة الإخوان.
س- ألا يتعارض هذا مع قانون حل الجماعة ؟
جـ- طبعا يتعارض.
س- ألم يتصل أحد منهم بك بعد خروجك من السجن ؟
جـ - لا.
س- الم يتصل بك الطوخى محمد طه بعد خروجك من السجن ؟
جـ- هو زارنى بعد خروجه من السجن وأنا كنت خرجت قبله وتقابلنا ثلاث مرات. مرتين جانى من غير ما أطلبه ولم يحدث فيهما حديث تنظيمى والمرة الثالثة فى فبراير أو مارس 1965 وأنا اللى طلبته عشان أخذ منه بيانات عن حالة من كانوا معاه فى سجن القناطر وخرجوا وأعطانى بيانات عن أحوالهم واستعرضت معاه أسماءهم ودرجة تحصيل كل منهم ثقافيا – وادانى معلومات عن حوالى 95 واحد اللى كانوا فى القناطر ويتضح من البيانات اللى حصلت عليها منه أن هناك حوالى 25 فرد يعتبروا متقدمين فى دراساتهم الإسلامية و23 لم يدرسوا شيئا اصلا أثناء السجن وحوالى 50 بين بين.
س- هل حدد لك مناطق مسئولية كل منهم وأسماء المسئولين ؟
جـ- لا ومرجعه فى هذا لعبد العزيز عطيه لا لى ودى مسالة تنظيمية وأنا مليش صلة تنظيمية بهم.
س- وما صفتك فى الحصول على هذه البيانات ؟
جـ- كان فى حسابى للمستقبل إعادة تنظيم هؤلاء المتفوقين فى أسر لضمان استمرارهم فى البرامج الدراسية.
س- هل اتصلت بأحد منهم ؟
جـ- نعظمهم زارونى فى البيت من نفسهم بعد خروجهم من السجن.
س- وهل نظمتهم فى أسر ؟
جـ- لا – وده كان مشروع للمستقبل لم ينفذ.
س- هل حدثت أيا منهم عن تنظيمك السرى ؟
جـ- لا..
س- وما مناسبة هذا الطلب من الطوخى محمد طه فى الوقت الذى كنتم تفكرون فى القيام بعمليات الاغتيال والتخريب ؟
جـ- اللى حصل أن بعض الشبان الخمسة كان يسألنى ألا نضم احد من الخارجين من القناطر وأحيانا كانوا يسألون عن أسماء بالذات وكانت إجاباتى دائما لا لأن هؤلاء حتى لو نظموا فيجب أن ينظموا بعيدا عن هذا التنظيم فضلا عن أنى لا أعرف بالدقة مدى حالتهم فهذه المناسبة أردت أن أعرف أية أحوالهم أما تنظيمهم فكان أمر متروك للمستقبل البعيد.
س- ألم تحسس موقف هذه التنظيمات من العمليات التى تحرك من أجلها أعضاء تنظيمك السرى ؟
جـ أنا كنت أعرف أن لهم اتجاهات غير اتجاهاتنا من ناحية المفهومات للمنهج الحركى وما كانش لهم وضع حركى.
س- ألديك أقوال أخرى.
جـ- لا..
تمت أقواله وأمضى
امضاء
رئيس النيابة
امضاء
مذبحة الليمان
وانتهى بذلك التحقيق مع المرحوم الشهيد سيد قطب... ورغم كل ما تعرض له من تعذيب فإنه كان صادقا.. لم يشأ أن يستجيب للوعود... ولم يرهبه الوعيد.. لكى يغير من حقيقة الواقع.. أنه ذكر بالتفصيل أن التنظيم كان يهدف إلى إعداد المجتمع المسلم ولم يفكر فى التسليح إلا للدفاع عن كيانه عندما تبدأ عمليات الإتاحة به... خوفا مما يتعرض له أعضاؤه من تعذيب ومن قتل بالجملة..
وكانت صورة الماضى القريب .. صورة ما حدث لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى عام 1954 ماثلة فى الأذهان.. صور الشهداء الذين حكم بإعدامهم تتراءى أمام عيون أفراد التنظيم.. آثار ألأوان التعذيب المختلفة التى كان يشرف عليها على صبرى وكمال رفعت ورجال البوليس الحربى للمتهمين فى عام 1954 لا تزال ماثلة فى أذهانهم ومحفورة على أجسام بعضهم..
مأساة مذبح\ة ليمان طره يوم أول يونيو سنة 1957 لا تزال يتناقلونها فى جلساتهم تلك المذبحة التى ذهبت ضحيتها 23 شهيدا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين حكم عليهم فى محاكمات 1954.. وكانت إدارة الليمان قد أعلنت أنه تقرر إعفاء كل من أمضى 24 شهرا فى العمل بالجبل من هذا النوع من الشغال الشاقة.. وتقدم أعضاء جماعة الإخوان يطلبون تطبيق هذا المبدأ عليهم.. ورفض طلبهم.. وقرروا الامتناع عن الذهاب إلى الجبل..
واعتبرت إدارة الليمان ذلك تمردا... وأحضرت فرقة من الجنود أطلقوا الرصاص فى " الليمان" على الإخوان المسلمين داخل عنابرهم... ولقى 23 مصرعهم وأوصيب العشرات... وحفظ التحقيق بطبيعة الحال.. وذهبت دماء 23 شهيدا هدرا..
ومن أجل ذلك فإن أعضاء التنظيم عندما أحسوا بمؤامرات الشيوعيين فى مصر ضدهم إثارة السلطات عليهم لتكرر معهم مأساة عام 1954 قرورا أن يواجهوا الاعتداء.. بالمقاومة.. ومن أجل ذلك بدأوا فى التدريب على السلاح.. ولولا شعورهم بقرب اعتقالهم لما فكروا فى أى عمليات بالسلاح.. هكذا قال سيد قطب فى أقواله.. وهى نفس الحقيقة التى ذكرها كل الذين كانوا مع سيد قطب ما عدا على عشماوى الذى تضاربت الأقوال فى حقيقته..
هناك قول بأنه كان من صنيعة رجال المباحث الجنائية العسكرية .. وأكد ذلك الاتجاه أسئلة صلاح نصار لسيد قطب عما ذكره على عشماوى فى التحقيقات.
ولا شك أن القارىء سيشعر من أسئلة صلاح نصار لسيد قطب أن الحركة التى أطاحت بالإخوان المسلمين كانت بسبب الأفكار التى دونها سيد قطب فى كتبه "معالم على طريق" والتى فسرها أ‘وان الرئيس السابق عبد الناصر من عملاء السوفيت أ،ها مطالبة للإطاحة بحكمه ووصفه بالحكم الجاهلى... ومن أجل ذلك قدم سيد قطب والمئات من الإخوان إلى محاكم الشعب.. وكانت محاكمات هزلية.. فالأحكام فيها كانت معروفة قبل أن تبدأ المحاكمة.. وفى الباب القادم تقدم صورا من جلسات القاضى الأوحد للعهد البائد محمد فؤاد الدجوى التى حاكم فيها شهداء الإخوان المسلمين سيد قطب وعبد الفتاح اسماعيل ومحمد يوسف هواش.
الباب السابع
قرارات اتهام بالجملة
اتهامات للقتلى
القاضى الأوحد
محاكمة سيد قطب
محاكمة هواش
محاكمة عبد الفتاح اسماعيل
محاكمة زينب الغزالى
إعدام فى الفجر
قرارات اتهام بالجملة
استمرت تحقيقات النيابة العامة مع أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين تجرى داخل السجن الحربى رغم محالفة ذلك لنصوص قانون الإجراءات الجنائية.. ولكن عبد الناصر فى قانون فرعون الذى أصدره أعفى رجال النيابة من التقيد بأى نصوص.
واستغرقت التحقيقات مع أكثر من الألف من المقبوض عليهم 4 شهور فقط.. ولم يستطع أى محقق أن يسجل فى محاضر التحقيق شيئا مما رآه بعينيه من آثار التعذيب على المتهمين.. أو سمعه بأذنيه من أفواههم باستثناء ما سجله حسن جمعه المحامى العام حاليا عند استجوابه الشهيد محمد يوسف هواش.. وفى يوم 3 فبراير سنة 1966 عقد وزير العدل مؤتمرا صحفيا وأعلن فيه صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة أول قرار اتهام فى قضايا تنظيم الإخوان .. ويضم ما أسماهم القادة.. وشمل القرار 43 متهما بينهم ثلاثة فى السعودية وامرأتان هما السيدة زينب الغزالى والآنسة حميدة قطب.. أما الباقون فأغلبهم من خيرة شباب مصر.. فقد ضم قرار الاتهام:
1- سيد قطب إبراهيم... وعمره 60 سنة ووظيفته كاتب..
2- محمد يوسف هواش.. وعمره 43 سنة ووظيفته مراجع صرف طلبات بالجمعية التعاونية للبترول.
وسوم: العدد 917