المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية
أسامة شحادة – كاتب أردني
هذا الكتاب هو أوراق العمل لورشة عمل بنفس العنوان نظمها مركز أميمة للبحوث والدراسات الإستراتيجية، وذلك في القاهرة بتاريخ 14/10/2012، وصدر الكتاب عن دار عمار بالعاصمة الأردنية في 370 صفحة من القطع الكبير، بعد سنة تقريباً من عقد الورشة.
الكتاب أو الورشة قيمة في مضمونها ومهمة جداً، وقد كانت غالب أوراق العمل قوية ومفيدة للقارئ والباحث، بل لعل الكتاب يعد من الكتب المتميزة في رصد وتحليل خطورة المشروع الشيعي وأذرعه ووسائله واستراتيجياته، ويصلح الكتاب أن يعتمد في مناهج التثقيف للحركات الإسلامية في هذا المجال.
الورشة تكونت من أربع جلسات، وشارك بها عدد من الباحثين من عدة دول وتخصصات وتوجهات، قُدم في الورشة 15 ورقة عمل شارك بتقديمها: د. صباح الموسوي، د.غازي التوبة، د. أحمد حقي، د. محمد السعيد إدريس، د. ناصر الطويل، د. فاطمة الصمادي، د. إبراهيم الديب، د. عادل العبد الله، د. عزام التميمي، د. محمد سالم الراشد، أ. علي باكير، السيد علي الأمين، أ. ناصر الفضالة.
وقد تنوعت بين تحليل السياسة الإيرانية وإستراتيجياتها وتكوينها الديمغرافي وعلاقاتها الاقتصادية بالمنطقة العربية.
ثم كان هناك محور خاص بالمشروع الإيراني والذي يقصد به الرغبة الإيرانية بالسيطرة والهيمنة المطلقة على المنطقة وذلك بدافع طائفي شيعي وقومي فارسي، ومقارنة هذا المشروع بالمشروع الإسرائيلي والمشروع التركي، وبيان خطورة المشروع الإيراني كونه يأتي متخفيا باسم الإسلام ونصرة فلسطين.
وكان هناك عدد من الأوراق استعرضت الموقف الإيراني المتلاعب والمتناقض من ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا، وكيف أن إيران فضحت نفسها في تأييدها الظالم للنظام السوري ضد شعبه، وكيف أن هذا انعكس على سحبها للثورات العربية حين وجدت نفسها لم تستفد منها.
كما استعرضت أوراق أخرى بيان طبيغة النظام الإيراني وتركيبته الطائفية العدوانية مقارنة بتركيبة دول الخليج الهشة والمفككة والمفتقدة للرؤية، وكيف أن إيران أجادت توظيف سلاح الإعلام وخاصة القنوات لصالح مشروعها الطائفي.
وكانت هناك ورقة حالمة بخصوص وضع إستراتيجية للتعامل مع المشروع الإيراني، قدمت أفكارا جيدة وجديرة بالاهتمام لكن تطبيقها يحتاج إلى عوامل وظروف وبيئة يصعب توفيرها، وسنعود للحديث عنها.
المعلومات والأفكار في أوراق العمل غنية وزاخرة، وذلك أنها لم تكن أوراقا مختصرة أو تقتصر على نقاط أساسية بل كانت فعلاً أوراقا موضوعية وعميقة ومطولة أحياناً، ولذلك يصعب استعراضها في مقالة كهذه، لكثرة الفوائد والأفكار الهامة فيها، لكن هنا أعلق فقط على ورقة د. محمد السعيد إدريس حيث كشفت ورقته عن حقيقة الموقف الناصري من الثورة الخمينية والجمهورية الإيرانية، وعرّت موقف مركز الأهرام للدراسات وأنه في الحقيقة ميال للإيرانيين.
ولأن أي عمل لا يخلُ من نواقص ولعلها تستدرك في طبعة ثانية، أنبه على أمرين لتحسين الكتاب، ومن ثم ذكر ملاحظة على الندوة والجو العام لها من خلال قراءتي لأوراقها ومتابعة التطورات بخصوص المشروع الإيراني.
- افتقر الكتاب للتعريف بالباحثين وصورهم وصور الورشة!
- الكتاب بحاجة ماسة لفهرس موضوعات تفصيلي، وعدم الاكتفاء بعنوان الورقة، ليسهل الاستفادة منه للباحثين لما فيه من فوائد ناتجة عن الخبرة والممارسة للموضوع.
الندوة جاءت من واقع الثورة السورية وخيانة إيران وإجرامها بحق الشعب السوري، وكان الغالب على الورشة الصبغة الإخوانية من جهة الجهة المنظمة وهي تتبع جماعة الإخوان المسلمين السوريين كما أن عددا من ضيوف الورشة هم من جماعة الإخوان في عدد من البلاد.
ولذلك جاءت الأوراق المقدمة من الدول التي بها عدوان إيراني صريح ومباشرة في إدانة إيران وطائفيتها، ولكن الورقة الأردنية (فاطمة الصمادي) والمداخلة الفلسطينية (عزام التميمي) كانتا تميلان للتهوين من العدوان والطائفية الإيرانية والميل للوم الدول العربية والسنية!
وهذا يكشف عن تعدد المواقف بداخل جماعة الإخوان تجاه إيران وهو أحد أسباب نجاح المشروع الإيراني في اختراق الحصون والتغلغل في بنية الدول العربية بسبب الغطاء الذي تقدمه جماعة الإخوان للمشروع الإيراني تحت عناوين (الوحدة الإسلامية) (التقريب) (المقاومة والممانعة).
وهذا يعني أن بقاء جماعة الإخوان في المنطقة الرمادية من المشروع الإيراني هو جزء رئيسي في نجاحه، وسبب رئيسي في إخفاق مشروع المقاومة والتصدي له، وهنا يأتي دور الورقة الحالمة للتصدي للمشروع الإيراني والتي قدمها د. محمد سالم الراشد، فهو يدعو لمحور (مصر، السعودية، سوريا، تركيا)، وتطوير تحالف وطني في العراق برعاية تركية خليجية، بناء على نجاح الثورة السورية وبقاء الإخوان في حكم مصر، ولكن بعد أقل من سنة لم يعد الإخوان في حكم مصر وقبل ذلك لم يتمكنوا من تطمين الخليج والوصول معه إلى تفاهمات، مما يجعل كل هذه التصورات خيالية لانعدام أبسط عوامل نجاحها، وهو غياب رؤية إخوانية واضحة وصحيحة تجاه المشروع الإيراني، وهو ما يسبب انقسام الصف العربي والإسلامي في مواجهته.
وعليه فإن حسم الخلاف الإخواني من خطورة المشروع الإيراني هو حجر الأساس لنجاح مقاومته، خاصة الآن في هذه المرحلة والتي قد يكون المشروع الإيراني قد استطاع التملص من تبعات الثورة السورية بخبثه ودهائه.
وأخيراً كم كان صادماً ما جاء في تقديم مركز أميمة للكتاب: "ولعل هذه الورشة العلمية أول ورشة عمل على هذا المستوى – فيما نعلم- تدرس هذا المشروع بمهنية ذكية وموسوعية"، فيا إخواننا: قليلاً من التواضع ولتبتعدوا عن التعالي، فأنتم كنتم سببا في قيام المشروع الإيراني أصلاً وتوطيد أركانه، وكم كنتم تخذلون من يتحدث عنه، فلماذا هذا الإدعاء وقد سبقتكم جهود كبيرة وكثيرة من جهات متعددة، وكم أخشى اليوم أن تتغير مواقف كثير منكم بسبب ميل الريح باتجاه إيران وحلفائها كبشار وحزب الله، وهو ما سيحاسبكم عليه الناس والتاريخ والله عز وجل، وأعيذكم من أن تتحولوا عن عداء المشروع الإيراني.