كنائس ومساجد، والهوية الوطنية للدولة
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر كتاب «كنائس ومساجد» / والهوية الوطنية للدولة... للكاتب الصحفي "محمود سلطان".
الكتاب يقع في 184 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن 40 مبحثًا يناقش من خلالها العديد من القضايا المتقاطعة ما بين أوروبا والعالم الإسلامي، ويقدِّم مقاربة رصينة للإجابة عن سؤال: لماذا يعادي الغرب الإسلاميين تحديدًا وليس العالم الإسلامي؟! مستعرضًا الفرق بين النظام الدولي الحالي والنظام القديم القائم على الغزو والتوسع الإمبراطوري - الغزوات - والذي لا يزال حاضرًا وبقوة في العقل الجمعي الإسلاموي المعاصر ويظل حلمًا معلقًا.
يستهل "محمود سلطان" كتابه بما أسماه "المكبوت الديني في أوروبا"، وخلُص خلاله إلى أن المسيحية تم قمعها بقسوة في عصور التنوير، وأصبحت تُستدعى فقط وقت الأزمات والمواجهات مع الآخر؛ المخالف ثقافيًا وحضاريًا ودينيًا، خاصةً إذا بلغت الأزمة مبلغ الصدام العسكري أو الثقافي العنيف، وأنه إذا كان الدين في الشرق مُشهَّرًا في الواجهة وحاضرًا في كافة تفاصيل الحياة، فإنه في الغرب أُحيل إلى ما وراء الجدار متخفيًا مقموعًا، خلف واجهات "ميك أب" الحداثة والتنوير والحريات وحقوق المرأة وما شابه... ولكنه يُستدعي مع كل مواجهة مع الآخر المخالف.
كما يستعرض الكتاب ردود أفعال عدد من العواصم الغربية، على تنامي انتشار الإسلام الرمزي "المساجد، الحجاب، النقاب، وغير وذلك"، موضحًا أن القضية في الغرب تتجاوز ما يُعتقد بأنه تمترس بالمسيحية كدين ضد الإسلام كدين أيضًا، وإنما القضية أكبر وأعمق وأبعد من هذا التفسير البسيط والساذج، إذا أنها تتعلق بالهوية الحضارية والمعمارية والثقافية للدولة، وأن أي عبث بهذه الهويات يعتبر تهديدًا لأمنها القومي، يمتد في تفاصيله ليصبح تهديدًا لوجودها ذاته ولتمايزها الثقافي والحضاري، ويعكس تغيرًا في الأوزان النسبية للطوائف والتي بدورها ستنعكس على هوية الدولة. فالمسألة – من وجهة نظر المؤلف - لا تتعلق بالدين أو بالعقيدة، وإنما بالهوية. فالمسيحية في أوروبا تحولت بمضي الوقت وتراكم الخبرات، من "دين/ عقيدة" إلى هوية، وأن الأوروبيين لا تعنيهم المسيحية كدين، ولا المسيح "يسوع" كنبي أو كـ"إله" كما يعتقد المؤمنون بألوهيته، وإنما تعنيهم هوية بلدانهم المسيحية وحسب، ولن يقبلوا بأي ثقافة أو هوية أخرى تخصم من حضورها التاريخي في الضمير الوطني العام... مستدعيًا - في هذا الشأن - العديد من تصريحات القيادات والرموز السياسية الرسمية الغربية، وكذلك ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا والمحافظين الجُدد في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تؤكد على هوية بلدانها المسيحية، وأنها لن تسمح بأن يتمدد الإسلام الرمزي (مساجد، الحجاب، الذبح على الطريقة الإسلامية) حتى لا يخصم من هويتها المسيحية بما فيها الهوية المعمارية ممثلة في الكنائس، فضلاً عن تشدد هذه البلدان في عدم السماج لمآذن المساجد أن تعلو قباب الكنائس.
ويؤكد المؤلف أن الغرب لا يمزح في مسألة هويته المسيحية، ليس من منطلق ديني محض، ولكن من قلق جاد على مستقبل القارة الأوربية وقدرتها على الحفاظ على خصوصيتها وتمايزها الحضاري والثقافي المهدد بالانقراض بل والاختفاء في المستقبل البعيد.
ويؤكد الكتاب على أن الحقيقة التي لازالت غائبة عن الوعي العام، أن ثمة فارق كبير بين منزلة الإسلام في ضمير الشرق الذي يدين به، وبين منزلة المسيحية في الوعي الجمعي الغربي، فالإسلام في الشرق "عقيدة"، بينما المسيحية في الغرب "هوية"، فالشرق المسلم لن يتنازل عن إسلامه لأنه دين، والغرب المسيحي لن يتخلى عن مسيحيته رغم أنها فقدت قداستها كدين، إلا أنها تحولت إلى هوية لا يمكن المساس بها لأنها مناط التميز الثقافي والحضاري عن الآخرين.
ويخلُص المؤلف أن أوروبا لا تريد إخافتها بخطاب استعلائي - كما يفعل الإسلاميون غير المتعلمين والأقل ثقافة وتعليمًا ووعيًا - يقدِّم الإسلام بوصفه خصماً لمسيحيتها، لاسيما وأنها اليوم تبحث عن الإسلام كشريك حضاري، وباتت مهيأة إلى قبوله إذا اقتنعت بأن فيه حلاً لمشاكلها على صعيد التجربة وليس التنظير المحض، وهو ما فعلته المصارف الإسلامية بشكل يفوق جهود المئات من الدعاة والفضائيات والمواقع الإلكترونية.
كما يستعرض الكتاب عددًا من التجارب من بينها لبنان، ويقدِّم تفسيرًا مدهشًا لتناوب الهيمنة المعمارية بين الكنائس والمساجد في بيروت، قبل وبعد الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، واتخذ من مسجد "محمد الأمين" وكاتدرائية "سانت جورج" نموذجًا، في دولة تقوم على المحاصصة الطائفية... كما أشار أيضًا إلى النموذج التركي ودلالة ومغزى هيمنة المساجد ـ دون غيرها ـ على مجمل الهوية المعمارية في تركيا.
ويرى المؤلف أن الحالة الطائفية في مصر، لم تكن بعيدة، كأداة للمقاربة وولوج الحالة الغربية وتفسيرها وفهمها بعيدًا عن ديماجوجية الإسلام السياسي التي شوشرت لعقود على أية محاولة محايدة لفهم مكانة المسيحية في أوروبا ووظيفتها الثقافية وعلاقتها بالإسلام في طبعته الجديدة.
وسوم: العدد 1007