أبناء البلد .. العدد 51
أبناء البلد .. العدد 51
الاستثمار في الإسلام : عبادة ، يتقرب بها المستثمر لله تعالى بعمارة الأرض التي خلقها الله تعالى ، و قدَّرَ فيها أقواتها ، و ندَبَ الناس للسعي فيها ، و ابتغاء الرزق الحلال منها ، و الثمرة المرجوة من الاستثمار في النظام الإسلامي هي ثمرة طيبة .. متوازنة .. نافعة .. للدنيا و للآخرة .. للفرد و للمجتمع .. للمادة و للروح
و لهذا الاستثمار ضوابط في تمويله .. و في أنشطته .. و في توزيع عائداته
ففي التمويل نتجنب الربا و نعتمد مشاركة رأس المال و العمل في الأرباح و الخسارة .. والخسارة هنا هي خسارة محدودة لأنها تحفز الشركاء ( رأس المال و العمل ) على التعاون لتقليلها و تلافيها ، فهم في مركب واحد .. كلاهما حريص على البذل و الإبداع و الإتقان لتحويل الخسارة إلى ربح ، بعكس الربا الذي يضمن للمال قدرا محددا يتولد معه حقد صاحب المال إن زاد الربح أو حقد صاحب العمل إن قل الربح .
الأنشطة نبتعد عن أي منتج حرام أو خدمة حرام أو دعم للسفهاء أو أعداء الإسلام ، و يُلتزم فيها الإتقان و يُبتعد فيها عن الغش و الاحتكار و الغَرَر ، و تُراعى فيها أولويات احتياجات الناس ماديا و معنويا
و العائد يوزع بالعدل بين رأس المال و العمل ، بعد إخراج زكاته لتطهيره و مباركته لتثمِرَ الحبة المباركة سبع سنابل بإذن ربها
الاستثمار لا الاستئثار : و هنا يأتي دور الدولة : الأمانة في الحفاظ على ممتلكات الناس و استثماراتهم ، و توفير مناخ الحرية عموما و حرية الاستثمار خصوصا ، و العدل في توزيع فرص الاستثمار دون الاستئثار بها ، و دون مُحاباةٍ لأحد ، هذا مع مراقبة السوق و الأنشطة الاقتصادية بعفةٍ و أمانةٍ و عدل
للمواطن العادي شكوكٌ كثيرة حول ما أُعلِنَ عن نجاحٍ كبير للمؤتمر الاقتصادي ، و ما صاحب ذلك من ضجة إعلامية و مقابلات استعراضية و مليارات استثمارية و وعود براقة ، و هذه الشكوك لها أسباب رئيسية :
أولا : كذب الوعود السابقة ففد مضى أكثر من عام على وعد السيسي بإنشاء مليون وحدة سكنية عن طريق شركة إماراتية يُسلَّمُ خُمسُها بعد عام ، و مرَّ العام و لم ينشأ منها شقة واحدة رغم الضجة الإعلامية المصاحبة لوعد السيسي يومها ، و القياس على ذلك زراعة مليون فدان و اخترع العلاج بالكفته و الصفقه مع روسيا و عربات الخضار و الدجاجة بسعر 75 قرش و كيلو اللحم بجنيه واحد ، و .. و .. ، فلو صدق قائد الانقلاب و إعلامه و حكومته في وعدٍ واحدٍ من الوعود السابقة لأمكن تصديق وعود هذا المؤتمر
ثانيا : أين ذهبت الأموال السابقة فمجموع المساعدات الخليجية المعلنة التي أخذها الانقلاب بلغت على الأقل 26 مليار دولار ، لم يدخل رسميا منها إلى خزينة الدولة سوى ثلاثة مليارات ، و قد قال نائب الإمارات في المؤتمر أن بلده دفعت منها 14 مليار ، فأين ذهبت بقية الأموال ، و من لم تكفه هذه المليارات في العشرين شهرا الماضية هل تنفعه 12 مليار مشروطة وعدت بها دول الخليج في هذا المؤتمر .. هذه الأموال التي لم يلحظها المواطن إلا في زيادة الغلاء ، و في رصاص الجيش الموجه لصدور الأحرار المعارضين للانقلاب ، و في دعم الشرطة و الجيش لمزيد من البطش و الاعتقال ، و الباقي و هو القسم الأكبر في جيوب أكابر الانقلاب
ثالثا : وهم المشروعات الاستبدادية فالمشروعات التى تبرز فجأة في رأس رئيسٍ مستبدٍ دون مشورة من أحد و دون دراسة جدوي و دون مراعاة للأولويات ، ثم يتم إسنادها بالأمر المباشر لشركة معينة يختارها هو و لا يجرؤ أحدٌ أن يُراجعَه فيها أو يسألَه عن أسعارها و عن الامتيازات الخفية التي أُعطِيت لها أو عن مصادر تمويلها ، فهذه المشروعات يمكن تسميتها بالمشروعات الاستبدادية مثل مشروع العاصمة الإدارية المطروح في هذا المؤتمر ، و الذي يذكرنا بمشروع توشكي الذي قال عنه إعلام مبارك وقتها أن له آفاقا واعدة ستغير مستقبل مصر و تستوعب ملايين الأيدي العاملة و تُحدث طفرة غير مسبوقة .. فهذه مشاريع محكومٌ عليها بالفشل و إن نجح منها شيء فللأثرياء و الغرباء ، و هي للدعاية و التلميع للطاغية المستبد .. و سريعا ما تتبخر أحلامها و أوهامها بعد أن يكون قد صُرِفَ عليها الكثير و سُرِقَ من ورائها الكثير و دَفَع ضريبتها من قُوته و دمه هذا الشعب الفقير .. و العجيب أن يُراجِعَ السيسي مندوب الشركة أن يكون تنفيذ العاصمة المزعومة في خمس سنوات بدلا من عشر فيوافق مندوب الشركة ! و يصفق الحضور و يهللون !! .. هل تذكرون مشروع حسني مبارك الذي أسماه " الصحوة الكبرى " ، و " مصر تولد من جديد " ،ثم اسيقظنا على بيع معظم الغاز و التبعية للصهاينة ، فاليوم انتقلنا من " الصحوة الكبرى " إلى " تحيا مصر " ، و من " مصر تولد من جديد " إلى " مصر تسيقظ الآن " ، إن هذا المشروع هو نفسه توشكى في ثوبٍ جديد .. إنها سرقاتٌ في السر و تجارة بالشعارات المخدِّرة في العلن
رابعا : إهمال الأولويات حيث أن الاستثمارات المقترحة في هذا المؤتمر معظمها استهلاكية نخبوية و بعضها خدمية و لا توجد مشروعات انتاجية ، فما هي استفادة المواطن المصري من عاصمة فخمة جديدة ربما تكون عاصمة أمنية لا يستطيع الاقتراب منها إلا في كفالة مستثمر خليجي أو أجنبي ، و ما هي استفادته من منتجع سياحيي جنوب مارينا أو كومباوند جديد على أطراف القاهرة يضم ملاعب جولف و واحة ترفيهية ، و كم سترتفع عليه فاتورة الكهرباء بعد خصخصة محطاتها و تسليمها بالبخس لمستثمر أجنبى غربي أو صهيوني
خامسا : نوايا الدول المشاركة فمن بينها دول مأزومة اقتصادياً وفيها أفقر عشر دول في العالم ، و هناك دول عربية حكوماتها داعمة للانقلاب ، و هناك دول جاءت طامعة في استغلال حاجة الانقلاب إلى الدعم بأي ثمن و استغلال القوانين التي أصدرها السيسي قبل بدء المؤتمر بساعات و هناك دول جاءت لإثبات الحضور, أو مجاملة لأنهم حصلوا على نصيبهم مقدما كأثيوبيا بتمرير بناء السد و كاليونان وقبرص بالحصول على حصص من بترول مصر في حوض البحر الأبيض ، كما جاءت لاجارد مديرة صندوق النقد تلك اللصه التي فتشت الشرطه الفرنسيه منزلها منذ عدة أشهر لاتهامها فى قضية فساد متعلقه بالخصخصه فى مصر
سادسا : إخلاف الوعود و الانحياز لليهود ، فقد كان هناك منذ أشهر قليلة مؤتمر إعمار غزة و الذي استضافته مصر ، ثم تحللت من الوفاء بأيٍّ من قراراته إرضاءً للصهاينة ، فلم تحصل غزة المُعتدَى عليها على مليارات الخليج بل استحوذ عليها الانقلاب ، و لم يكتف السيسي بذلك بل أمعن في القتل في سيناء و الهدم و التدمير و إخلاء شريط حدودي في رفح لعزل غزة لإضعافها لصالح الصهاينة
سابعا : المكر و الخديعة فقد أعلنوا في المؤتمر عن توقيع عقد مع "برتش بتروليم" رغم سبق الاتفاق عليه في عهد الرئيس مرسي ، كما قطعوا الطريق على من يؤمل في ثمار منظورة للمؤتمر بقول أحد وزراء الانقلاب إن التحسن سيكون خلال عشرة أعوام أو خمسة عشرة عاما ليذكرنا بقصة جحا و الحمار ، كما أن السيسي بعدما أعلنوا عن النجاح الباهر للمؤتمر بجمع ما يزيد عن 100 مليار استثمارات عاد ليقول إن مصر تحتاج لحوالى 300 مليار دولار ليقطع أمل الناس في أي إصلاح قريب مرتقب
ثامنا : قرارات مشبوهة لمؤتمر بيع مصر فقبل يوم واحد من انطلاق المؤتمر الاقتصادي، بشرم الشيخ، أصدر السيسي، في 12-3 قرارات مشبوهة كان من أهمها إعطاء حق تملك الأراضي والعقارات للشركات الأجنبية أيًا كانت جنسية الشركاء أو المساهمين أو محال إقامتهم أو نسب مساهمتهم في رأسمالها، و تسوية المنازعات بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها معهم ، هذا بالإضافة إلى تسهيلات و إعفاءات ضرائبية و جمركية
تاسعا : تضارب الاستثمارات الكبيرة فبعد تدشين مشروع قناة السويس الجديدة ، و جمع عشرات المليارات من الناس ، يتم الإعلان عن مشروع أكبر لعاصمة جديدة دون أن يطمئن الناس على سير المشروع الأول خاصة مع ما أُشيع عن مشاكل في تسرب المياه لمناطق الحفر و عدم صدور أي بيانات رسمية عن معدلات الانجاز فيها
عاشرا : إن الله لا يصلح عمل المفسدين ، لا أحد يكره الخير و الانتعاش الاقتصادي لبلده و لكن من السذاجة عدم الاعتماد على المقدمات للوصول إلى النتائج ، فالذي غدر و زوَّر و انقلب على إرادة الشعب و قتل و اعتقل و قابل الصوت المعارض بالرصاص و والى الصهاينة و سرق المليارات التي جاءت للشعب و لم يعطهم منها إلا الفتات و سخَّر الفاسدين و المرتشين في القضاء و الإعلام لحبس معارضيه و إعدامهم و الترويج لنجاحه و فشلهم ، كل هذا الفجور يصعب معه توقع الخير من مؤتمرات و تآمرات قائد الانقلاب ، فما هذا المؤتمر إلا استعراض و سراب و محاولة إضفاء شرعية زائفة و استرداد شعبية ذاهبة بعد تدهور شعبية السيسي نتيجة الفشل في الوعود السابقة و تنبه الخليج لاسئثاره بملياراتهم و انتشار التسريبات التي فضحت نواياه و خبيئته.