شعراء أمويّون

د. نوري حمودي القيسي

د. نوري حمودي القيسي

الدكتور نوري حمودي القيسي أستاذ مساعد في كلية الآداب بجامعة بغداد، ومن الأساتذة المعروفين لا في العراق وحده، وإنما في الوطن العربي كله.

يهتم أكثر ما يهتم بالتحقيق، ونشر المخطوطات، والدراسات الجادة العميقة المتمكنة.

أصدر في العام الماضي بمساعدة جامعة بغداد كتاباً في جزأين سماه "شعراء أمويون"، عرض في الكتاب الأول سبعة شعراء، وهم: مالك بن الريب، وعبيد الله بن الحر الجعفي، والسمهري العكلي، وجحدر بن معاوية المحرزي، وعبيد بن أيوب العنبري، والخطيم المحرزي، والعديل بن الفرخ العجلي.

وعرض في الكتاب الثاني أربعة شعراء وهم: حارثة بن بدر الغداني، وكعب بن معدان الأشقري، والمرار بن سعيد الفقعسي، والشمردل اليربوعي.

واختيار المؤلف لهؤلاء الشعراء المجهولين – تقريباً – لدى الناس كان لهدفين:

الهدف الأول: إزالة الستار عن شعراء عاشوا في العصر الأموي، وشاركوا في أحداثه سلباً أو إيجاباً، وعبروا عن واقعهم ومشاعرهم بالشعر، فكان من حقهم على الدارسين ومؤرخي الأدب ألا يغفلوهم ويهضموا حقهم، ويتوجهوا فقط إلى الشعراء المشهورين في الغزل أو في السباب، أو في الدوران حول بلاطات الحاكمين.

الهدف الثاني: وهو الأهم، فكان محاولة من الأستاذ المذكور أن يلفت أنظار الباحثين والمؤرخين إلى جوانب في العصر الأموي طالما أغفلوها، واتجهوا إلى نواحٍ أخرى ليست أفضل منها ولا أكرم.

يرى الدكتور القيسي أن هناك تناقضاً كبيراً بين إنجازات العصر الأموي من توسع في الفتح، ومن تعمق في المجالات الفكرية والأدبية والسياسية والدينية وبين الصورة التي يرسمها المؤرخون لهذا العصر، تلك الصورة التي تظهر بجلاء ويقين أن خلفاء بني أمية وقادته ما كان لهم هم إلا معاقرة الخمرة، وسماع الغناء، ومجالسة الجواري، والعيش في ليال كأنها ألف ليلة وليلة، وكأنَّ الولاة مغتصبين لا شغل لهم إلا الجباية والضرائب.

هذا التناقض بين إنجازات العصر العظيمة وصورته في كتب المؤرخين سببه أن تاريخ هذه الحقيقة كُتب في العصر العباسي الذي كان حكامه أعداءً للأمويين، وبأيد مالأت الحكام المناوئين، ولم تنصف السابقين، وتقدرهم القدر الذي يستحقون.

حتى الأدب، فإنه يظهر الحياة الأموية أشد قتامة وأكثر ظلمةً وتشويهاً، فليس فيه – كما يذكرون – إلا هجاءٌ أو سباب هجاء، يتعاور فيه الشعراء على اختيار الألفاظ النابية، ويتسابقون إلى انتقاء الكلمات المقذعة للتراشق، وأصبح العصر العصر بكليته – كما شبه لنا– عصر غزل ماجن أو غزل عذري عفيف.

وفي غمرة هذه الاتجاهات التي أبرزت بهذا الشكل المؤلم، ضاعت الجوانب الخيرة التي تبناها الشعراء الآخرون الذين لم يكتب لهم الظهور، لأنهم خرجوا عن هذا الاتجاه، فظلت أخبارهم نادرة وموضوعاتهم التي عالجوها بعيدة عن الأيدي، فانقطعت صلتهم بالعصر، وأنبت ما كان بينهم وبين هذا التراث من أواصر ووشائج حتى خيل إلينا أن شعراء هذه الاتجاهات – كما صورت لنا – هم شعراء العصر الذين أطبق عليهم جفنه.

والمحقق العالم يأمل من خلال عرضه هؤلاء الشعراء، ومن خلال الشعراء الذين سوف يعرضهم في المستقبل أن يلقوا أضواء جديدة على كثير من الجوانب التي لم يتعرض لها من قبل المؤرخون والدارسون، فتعدل النظرة إلى العصر، وتصبح موضوعية وصادقة، وتكشف عن الحقيقة لا عن الزيف الذي كان.

وطريقة المحقق في عمله يقوم على استقصاء اسم الشاعر ونسبه، ونشأته، وأسرته، وشعره المتفرق في الدواوين والمجموعات والمخطوطات، ويذكر دائماً الصدر الذي اعتمد عليه، والمرجع الذي أخذ منه، وفي خلال ذلك يكتب تعليقات نافعة تظهر رأيه واتجاهه.