أدِيبُ الشَّامِ وشَاعِرُهَا ومُرَبِّيهَا ومُفَكِّرُهَا الكَبِيرُ الأُستَاذُ والنَّابِغَةُ المُعَمَّرُ عِصَامٌ العَطَّارُ رَحِمَهُ اللهُ
مَرثية العطار وشرحها - بحث
فريد: تاريخ مسجد جامعة دمشق -
حياة العطار- شعره - مَقالات مُهِمَّة عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الكتاب
الحمد لله رب العالمين القائل سبحانه: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) القصص -(68) والقائل: (نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم*). يوسف - (76).
وهو القائل جل شأنه: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب*). الزمر- (9).
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وقائدنا إلى الأبد محمد المختار القائل: مُبَيِّنًا مَزَايَا بعضِ أصحابه الأجِلَّاء:
"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح". حديث صحيح رواه الترمذي، والبيهقي في السنن، وأحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه. *"كشف الخفاء" للعجلوني 1/130- (313).
وفي رواية الطبراني في -"معجمه الأوسط"- عن جابر: "وأقضى أمتي علي بن أبي طالب". وهو حسن لغيره. *"موسوعة السنة النبوية" للشيخ علي بن نايف شحود 490- (2267).
"وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وغيرهم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه. الترغيب والترهيب للمنذري ص 43، رقم الحديث 106.
وقال عليه الصلاة السلام أيضا: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالِمًا اتخذ الناس رُؤوسًا جهالا؛ فسُئلوا، فأفتوا بغيرعلم، فضلُّوا وأضَلُّوا". رواه البخاري في صحيحه؛ ص: 37، برقم (100) عن عبد الله بن عمرو.
ورحم الله سيد التابعين سيدنا الحسن البصري -ت 110هـ- القائل: "العُلماء
سُرُج الأزمنة، فكل عالم مِصباح زمانه يستضيء به أهل عصره، ولولا العلماء لصار الناسُ كالبهائم".
*"تنبيه المغترين". للشيخ عبد الوهاب الشعراني ص: 19.
ولله در بعض ساداتنا العارفين إذ يقول: "إن لله خواص؛ في الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص".
أما بعد:
فهذا الكتاب المُطول ألفته وتعبتُ فيه كثيرا، واستغرق مني زُهاء شهرين مُتواصلين من الوقت والجهد الكبيرين، يتحدث عن عَلَم كبير، وشخصية عظيمة قلَّ أن يجود الدهر بمثلها، على حد قول الشاعر:
حلف الزمان ليأتين بمثله إن الزمان -بمثله- لضَنِينُ
وقول الآخر:
حلف الزمان ليأتين بمثله حنثت يمينُكَ يا زِمانُ! فَكَفِّرِ
وسميت كتابي هذا:
"أدِيبُ الشَّامِ وشَاعِرُهَا ومُرَبِّيهَا ومُفَكِّرُهَا الكَبِيرُ الأُستَاذُ والنَّابِغَةُ المُعَمَّرُ عِصَامٌ العَطَّارُ رَحِمَهُ اللهُ، مَرثية العطار وشرحها - مع بحث فريد عن: تاريخ مسجد جامعة دمشق- حياة العطار- شعره- مَقالات مُهِمَّة عنه".
إنه العلامة والمفكر والمربي، والأديب الأريب والشاعر المُجيد، والخطيب المصقع، والسياسي والفيلسوف الحكيم، والداعية الشجاع المُعمَّر الأستاذ عصام العطار الدمشقي، أبو أيمن رحمه الله، وطيب ثراه.
وهو الذي رحل عن عالمنا الفاني إلى دار الخلود والبقاء قبل نحو شهرين من الزمان عمر يناهز مئة سنة.
قضاها بعيدا عن وطنه، شريدا طريدا، مُكافحا مناضلا ضد الطغاة المُستبدين أعداء الله والأنبياء والرسل، والإنسانية والحضارة والسلام.
كما قضى زُهاء ثمانية عقود في الدعوة إلى الله تعالى، وإلى دينه الحنيف خطيبا، ومُعلما، ومربيا، ومحاضرا، ومؤلفا، وشاعرا وكاتبا.
عاش حياته وباع نفسه لله تعالى، وتنقل بين بلدان كثيرة؛ ما بين بلده سورية عامة، ودمشق خاصة، لنحو 37 عاما.
قضى حياته في سورية في دمشق طالبا لعلم ودارسا له؛ فدرس في "المعهد العربي الإسلامي" حتى تخرُّجه على والده القاضي والشاعر الشيخ محمد رضا العطار، وعلى غيره من العلماء، كالشيخ علي الطنطاوي أستاذه ونسيبه، وغيره من علماء الشام، وحفظ بعض المتون العلمية كمتن "الزُّبَد" في الفقه الشافعي، وغيره.
كما ثقَّف نفسَه بنفسه فقرأ لكبار الأدباء والكتاب في عصره في مجلة "الرسالة" وغيرها؛ كمصطفى صادق الرافعي، والعقاد، والمازني، وطه حسين، وأحمد أمين، وعلي الطنطاوي، ...
ثم نبغ في الخطابة فعمل خطيبا في "مسجد جامعة دمشق" لبضع سنوات، وكان الخطيب المجلي في دمشق بل في كل سورية، وكان يحضر خطبته الآلاف المؤلفة من الناس طلاب الجامعة السورية وأساتذتها وغيرهم من كل التخصصات، ومن نُخب المجتمع السوري.
واختير عام 1955م أمينا عاما لـ "هيئة المؤتمر الإسلامي" الذي كان يضم كبار علماء سورية حينذاك.
كما انتظم في سلك جماعة "شباب سيدنا محمد"، و"جماعة الإخوان المسلمين" مع مؤسسها الأستاذ د. مصطفى السباعي أبي حسان رحمه الله، ومع إخوانه الآخرين، حتى أضحى المراقب العام الثاني للإخوان بعد مرض الأستاذ السباعي.
ثم بدأ رحلة الغربة والتشرد عام 1964م؛ فذهب إلى الحجاز وبلاد الحرمين الشريفين، فحج بيت الله الحرام، ثم رجع إلى بلده سورية فمنع من دخوله ظلما وعدوانا، فأقام لنحو سنة لبنان على أمل العودة إلى وطنه
الحبيب، فلما يئس من ذلك وضيق عليه في لبنان خرج منها مهاجرا مضطرا إلى أوربا فنزل بلجيكا فأقام في بروكسل نحو 3 سنين ابتلاه الله تعالى فيها بالشلل ثم عافاه منه جزئيا.
ثم انتقل من بلجيكا إلى ألمانيا الغربية فأقام في مدينة "آخن" واستقر فيها، ومنها بدأ واستمر في عمله الإسلامي إلى وفاته.
وفي آخن أسس مع إخوانه "جامع بلال"، و"اتحاد الطلاب المسلمين في أوربا"، ومجلة "الرائد" الإسلامية الرائدة التي استمرت نحو ثلاثة عقود، كما أسس "الدار الإسلامية للإعلام" في آخن أيضا.
وكان الأستاذ عصام العطار رحمه الله شعلة نشاط، لا يكاد يهدأ أو يتوقف عن العمل؛ فكان مع ثلة من إخوانه وتلاميذه رجالا ونساء كخلية النحل يعملون للإسلام ليل نهار دون كلل أو ملل؟!!
وكان هو يخطب الجمعة في "جامع بلال" ويلقي فيه وفي غيره الدروس والمحاضرات، وينظم البرامج واللقاءات، والمنتديات العلمية الأسبوعية والشهرية والسنوية، ويكتب المقالات، ويؤلف الكتب، وينظم القصائد والأشعار، ويلبي الدعوات التي تدعوه لإلقاء الدروس والمحاضرات.
ويشهد له بذلك أعداد مجلة "الرائد" الـ (277)، وكتبه التي نشرها، وقصائده وأشعاره، ومئات المقالات التي دبجتها يراعه، ونشرها في مجلة "الرائد"، و "المجتمع" و"الفيس بوك"، والقنوات التي استضافته كقناة "الحوار الفضائية"، وقناة "الجزيرة الفضائية"، وغيرهما.
وقد سمعت من بعض الإخوة -ممن يعرفون تُراثَ العطار جَيِّدًا- أن مجموع مقالاته لو طبع جميعها لساوى نحو عشرة مجلدات.
هذا، وقد كتبت هذا الكتاب المتواضع عن الأستاذ عصام العطار، وجعلته في عشرة فصول شملت جل جوانب حياته من ولادته إلى وفاته.
وقد حاولت جُهدي الاستقصاءَ والشمول، وقد ساعدني على ذلك كتبه المُتاحة جميعها على الشابكة، في "الدار الإسلامية للإعلام"، ومجلته "مجلة الرائد" كل أعدادها المنشورة في الدار الإسلامية، ومقالاته كثير منها متوافر على موقعه الخاص "الفيس بوك"، وموقع "أصدقاء عصام العطار"، وكثرة المقالات التي كتبت عنه، ولا سيما بُعيد وفاته.
وقد بدأت كتابي هذا بمرثية قلتها فيه في (49) بيتًا، ثم شرحتها شرحا وافيا في الفصل الأول منه.
وتناولت في الفصل الثاني: الحديث عن "مسجد جامعة دمشق" فكتبت فيه بحثا طريفا مفصلا تكلمت فيه عن تاريخه وإنشائه، ونشاطاته، ومؤذنيه وخطبائه ومدرسيه، ولجنته، والرسائل التي نشرتها جلها، ونهايته.
ثم تناولت في الفصل الثالث شذرات من حياة الأستاذ عصام العطار، كاسمه ونسبه وشهرته، وولادته، وترجمة والديه، ودراسته، وثقافته، وحياته الدعوية والسياسية في سورية، وحياته العملية في منفاه، ومؤلفاته، ونشاطه الصحافي والإعلامي، وأشهر تلاميذه، وأسرته، ثم نبذة عن مدينة "آخن" التي استقر فيها، و"مسجد بلال" الذي أسسه وعمل فيه، وعمله للدعوة في أوربا وألمانيا، وموقفه من أخته العلمانية د. نجاخ العطار، وموقفه من الثورات العربية، ومحاولات اغتياله، واغتيال المخابرات السورية زوجه، ثم وفاته ونعيه ودفنه.
وفي الفصل الرابع جمعت له ديوانا ورتبته، واخترته من روائع قصائد العطار وأناشيده وشعره ومُقطَّعاته، وجعلت مُفتتحه دراسة نقدية نفيسة لشعره للأديب والناقد الكبير الأستاذ عبد الله الطنطاوي، وهي بعنوان: "عصام العطار شاعِرًا".
وتناولت في الفصلين الخامس والسادس نثره؛ فاخترت روائع من بديع نثره في موضوعات شتى إسلامية وعربية، وعامة، وفي شخصيات ومشاهير وعلماء وأدباء وزعماء وشعراء تحدث عنهم، وعن علاقته بهم.
وفي الفصل السابع ذكرت موقفه من درتنا المغتصبة قضية فلسطين في كتابه: (في قضية فلسطين آراء ومواقف).
وذكرت في الفصل الثامن موقفه من ثورات الربيع العربي.
وفي الفصل التاسع ذكرت مختارات مما قيله فيه من قصائد جميلة.
وجعلت الفصل العاشِرَ والأخيرَ لِما قيل في العطار من مقالات مُهمة.
ثم اختصرته في نحو ثُلثي حجمه، مع إبقاء فُصوله كما هي.
واللهَ الكريمَ أسأل، وبنبيه الكريم أتوسَّل، أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، ومُتقبَّلًا عنده، وقليلَ الخطأ والزلل، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه: سيد أحمد بن محمد السيد-
صباح الجمعة، الساعة الثالثة ودقيقتان، في:
22/12/1445هـ = 28/6/2024م
وسوم: العدد 1085