المقاصد الجزئية

أ.د. محمد كمال الدين إمام

ضوابطها. حجيتها. وظائفها. أثرها في الاستدلال الفقهي

(رسالة دكتوراه)

العلامة أ.د. محمد كمال الدين إمام

تقديم (3)

اتجهت الدراسات المقاصدية المعاصرة – خاصة الأطروحات الجامعية – إلى البحث عن المقاصد عند أشخاص، أو في كتاب، أو من خلال مذهب، أو في موضوع، ويبدو البحثُ في هذه المجالات الأربعة ضروريا، فهي في حاجة إلى ارتياد.

ولا شك أن خطواتٍ جادةً قطعناها في هذه السبيل، كان حصادُها تراكمًا معرفيًّا حول المقاصد في اتجاهات شتى وعوالم متباينة، إلا أنها خطواتٌ مقيدة؛ لأن البحث في بنية المقاصد ظل هو البعدَ الغائب عن غالبية الدراسات المعاصرة، فلم تُسفر عن منهجية معاصرة في الدرس المقاصدي، كما لم تُثمر تفعيلا يتحرك على خارطة العلوم الإسلامية، ومن ثم يدخل في حركة الإنسان المسلم تشريعيًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، حتى بدا رجال المقاصد المعاصرين - إلا قلة منهم من جيل الرواد ومن شباب الباحثين – وكأنهم في برج عاجي يتأملون في اللوحة المقاصدية بإعجاب دون استقبال لها بترحاب في الحياة العقلية والعملية.

ومن هذه القلة من المعاصرين من شباب الباحثين يأتي الدكتور وصفي عاشور أبو زيد الذي اكتسبتْ أطروحتُه للدكتوراه عن "المقاصد الجزئية" أهمية خاصة في المكتبة المقاصدية بما تتناوله من أفكار، وما تثيره من قضايا، وما تطرحه من رؤى.

وهي من عنوانها المختار تنتمي إلى الاتجاه الذي يسعى إلى تفعيل المقاصد عمليًّا بعيدًا عن الاستغراق في التفاصيل، الذي لا يتقدم بالدرس المقاصدي إلى الأمام متجاوزًا – كما قال – التكدس في مجال التنظير في محاولة جادة لتجسير الفجوة بين النظرية والتطبيق.

واللافت للنظر أن المقاصد الجزئية عند وصفي عاشور تجد مكانها الطبيعي في علم الأصول، وتستأنف وظيفتها في الاستدلال والحجية، وتستوعب في حركتها العبادات والمعاملات.

وقد ناقشت الباحث في رسالته الممتازة، واعترضت عليه في أمرين:

الأول: اعتماده على أكثر من منهج في موضوع أراه أحوج ما يكون إلى اختيار منهج وحيد؛ لأن الجمع بين مناهج الاستقراء والاستنباط والتحليل وما أسماه بمنهج التكميل يفضي – كما يقال – إلى تجزئة المجزأ، وتقسيم المقسم، مما يجعل الفكرة الرئيسة تتوارى وراء تنوع المناهج، بل وتناقضها في بعض الأحيان.

الثاني: إغفاله – وهو في مجال التطبيق المقاصدي – إيضاح العلاقة العضوية بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي، فالحكم التكليفي - على أهميته – لا يمكن تنزيله واقعيًّا إلا بعد وجود السبب وتوافر الشروط وانتفاء الموانع.

لقد بذل الباحث جهدًا كبيرًا في ضبط المقاصد الجزئية وتحريرها، وأظنها من أكثر المباحث المقاصدية التباسًا وغموضًا، فهي كالمقاصد الكلية تحددها المصلحة التي تُجْلب والمفسدة التي تُدفع، وهي كالمقاصد الكلية كذلك لها دور في عملية الاجتهاد.

وقد اختار الباحث الطريق الصعب؛ ليصل إلى تنظير دور المقاصد الجزئية في الاستدلال الفقهي، ورسم خرائطه الأصولية من خلال تطبيقاته العملية، وكان موفقًا في ذلك غاية التوفيق، وكان أمينًا مع نفسه – باعتباره باحثًا متميزًا – عندما تحدث في مباحث من رسالته عن خطورة وصعوبة تحديد المقاصد الجزئية.

لقد آثر الباحث تطبيق نظريته في المقاصد الجزئية على أنظمة تشريعية متكاملة خاصة في المعاملات مثل نظام الزواج، والنظام الجنائي الإسلامي في مبحث الردة، وحسبه أنه استكمل الأدوات، وحاول توفير الأسباب في موضوع هو مزلة أقدام وأفهام، وله أجر المجتهد إن أخطأ وإن أصاب.

محمد كمال الدين إمام

القاهرة في 30 نوفمبر 2012م