المقاصد الجزئية

أ.د. أحمد الريسوني

ضوابطها. حجيتها. وظائفها. أثرها في الاستدلال الفقهي

(رسالة دكتوراه)

العلامة أ.د. أحمد الريسوني

تقديم (2)

حينما تعرفت - قبل بضع سنين - على الأخ الدكتور وصفي عاشور أبو زيد ظهر لي من أول لحظة أنني أمام شُعلة متميزة متوقدة من النشاط والحيوية والأخذ والعطاء.

ورغم أن الدكتور وصفي كان - ولا يزال - يشتغل ويتحرك في اتجاهات عديدة، فإن ذلك لم يُضْعف ولم يقلل من كثافة اعتنائه بالبحث عن مقاصد الشريعة وما يدور في فلكها.

وبحكم الاهتمام والتخصص المشترك بيننا، كان يأتيني كلما سنحت له فرصة هنا أو هناك، أو يتصل بي بأي وسيلة ممكنة، ليسألني أو يستوضحني، أو يناقش معي آخر مستجدات المقاصد، فأجد عنده من الجديد المفيد أكثر مما يجد هو عندي؛ ولفرط حرصه وتتبعه ومناقشته لكل ما يتعلق بالمقاصد، كنت أقول له ولبعض أصدقائه عنه: "هذا مجنون المقاصد"، ومن الجنون فنون كما يقولون. نعم.. لقد جُنَّ بالمقاصد إلى حد التفنُّن...

فهاهو وصفي عاشور يخرج لنا من جنونه وفنونه هذا السفر النفيس: (المقاصد الجزئية).

وبما أن الكتاب الآن بين يدي طُلابه وقرائه، فلن أطيل في "وصفه"، وتفصيل القول في مضامينه، ولكني أقول كلماتٍ موجزةً عن بعض مميزاته، وأذكر منها:

1.       الاستقصاء والإحاطة.

فالمؤلف إذا طرق مبحثًا لا يكاد يَفُوتُه من أمره وما قيل عنه من شيء، سواء عند الأقدمين وأقدمِ ما تركوه، أو عند المعاصرين وآخرِ ما كتبوه.. وإنَّ قراءة سريعة للقائمة الشيقة لمصادر البحث ومراجعه لتُنبئك عن بعض هذه الميزة، ويستطيع من يريد تكوين مكتبة أو "ببليوغرافيا" في مقاصد الشريعة أن يجد بغيته وغنيته في هذه القائمة الوافية.

2.       الاجتهاد في التأصيل والتنزيل.

 فالدكتور وصفي يستفيد من خاصيته السابقة أيَّما استفادة، فيضع بين يديه وبين أيدي قرائه ثروةً طائلة من المعلومات والاستشهادات المنتقاة المنسقة، ولكنه لا يبرح حتى يُعملَ فيها فكرَه وجرأته الاجتهادية، سواء في تركيبها وتشكيلها النظري، أو في نقلها إلى حيّز التنزيل والتطبيق، وقد بلغ ذلك أوجَهُ في الفصول الأخيرة وملحقاتها...

3.       الواقعية والمعاصرة.

 وأعني بذلك أن لعصرنا وواقعنا حضورًا قويًّا، فاعلا ومنفعلا، في قضايا الأطروحة وتنظيراتها وتطبيقاتها، وهذه ميزة ليست بالسهولة التي تُظَنُّ؛ ولذلك نجد عامة الباحثين في القضايا الشرعية يلوذون بالتراث ويغرقون في التاريخ وقضايا السلف والخلف، حتى إذا اقتربوا من زمانهم ومكانهم أدرك شهرزادَ الصباحُ... ولقد قلت مرارا لبعض الباحثين والمؤلفين: يا أخي، تحكي لنا عن موضوعك من عهد سيدنا آدم، مرورا بالعصر الجاهلي وصدر الإسلام، والمذاهب الأربعة ووفاقها وخلافها وتطبيقاتها ... ثم تُغَيِّب عصرَك وما يعجُّ به من قضايا وإشكالات واحتياجات، وحتى ما فيه من فتاوى واجتهادات!

لكن الدكتور وصفي كتب ما كتب عن عصره ولعصره، مما يجعلنا نحس في كل مبحث من مباحثه أن الرجل يَنظر ويُنظّر من قلب الميدان، وأن مقاصده الشرعية تتحرك وتَفْعلُ فِعْلَها في معمعة الميدان.

وأريد في ختام هذه الكلمة أن أقرر شيئا - ربما كان سابقًا لأوانه - وهو أن الدكتور وصفي عاشور أبو زيد - بكتابه هذا وكتاباته المقاصدية الأخرى - وقبله الدكتور جاسر عودة - بكتابه (فقه المقاصد...) وكتاباته ومحاضراته الأخرى في المقاصد - يشكلان فاتحةَ طورٍ جديد، وطليعةَ جيلٍ جديد من المفكرين والبنَّائين المقاصديين؛ إنه جيل التنزيل والتفعيل لمقاصد الشريعة وأصولها...والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

كتبه

أحمد الريسوني، بمدينة الرباط.

 صبيحة الجمعة 17ذي القعدة 1432هـ – 14 أكتوبر2011م.