القوة اليهودية
محمد دلبح
يقول مؤلف الكتاب جي غولدبيرغ: إن يهود الولايات المتحدة لا يرتاحون لأحاديث الناس علناً عن قوتهم السياسية بدعوى أن ذكريات الاضطهاد والقتل والمذابح الجماعية التي يقولون إنهم تعرضوا لها خلال النصف الأول من القرن الحالي ما زالت حية في أذهان الكثيرين، وأن قوة اليهود ليست سوى تناقض لفظي، فكيف يمكن للمضطهد بالأمس أن يكون صاحب نفوذ اليوم؟
ويحاول غولدبيرغ في كتابه الذي صدر حديثاً بعنوان "القوة اليهودية" إظهار كيف أن يهود الولايات المتحدة الذين تقل نسبتهم عن 3% من مجموع سكان الولايات المتحدة يملكون قدرة الحصول على ما يريدون في واشنطن، فهو يتطرق للحديث عن اليهود، مؤسساتهم، الأموال والأفكار التي أدت إلى النفوذ اليهود السياسي في الولايات المتحدة... من رابطة مكافحة تشويه السمعة إلى النداء اليهودي المتحد مروراً بنيويورك تايمز إلى تجمع الأعضاء اليهود في الكونغرس.
غير أن الكتاب الذي يبلغ 422 صفحة لا يشرح طريقة عمل تلك المنظمات، فهو يذكر مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة والمجلس الاستشاري لليهود، ويقول بأنهما ساعدا في إصدار تشريعات تدفع الولايات المتحدة بموجبها أموالاً لتغطية نفقات تهجير اليهود من الاتحاد السوفييتي وإثيوبيا إلى فلسطين المحتلة.
ولا يتحدث الكتاب بما فيه الكفاية عن مؤسسات يهودية هامة مثل "رابطة مكافحة تشويه السمعة" الصهيونية التابعة لمنظمة بناي بريث "أبناء العهد" وهو بذلك لا يكاد يأتي على ذكر المؤثرين وأصحاب النفوذ في هذه المؤسسات وأدوارهم، وبدلاً من ذلك فإن مؤلف الكتاب يفصل تاريخ اليهود في الانخراط في العمل السياسي الأمريكي ويعرب في الوقت نفسه عن عدم رضاه عن اتجاه اليهود إلى التيار المحافظ في الأعوام الثلاثين الماضية.
ويقول غولدبيرغ – وهو صحفي وابن لعضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة آرثر غولدبيرغ - إنه بعد انتصار إسرائيل على الدول العربية في حرب يونيو 1967م وبروز قوتها العسكرية بشكل واضح أمام العالم أجمع بدأ كثير من اليهود الأمريكيين يشعرون بعدم الأمان، غير أنه لم يفسر كيف أن الانتصار يدفع بيهود أمريكا إلى الشعور بعدم الأمان.
ويقول إنهم مثل إسرائيل تماماً شعروا أنهم محاطون بالأعداء من كل جانب، وكان أي انتقاد لإسرائيل مهما كان بسيطاً يثيرهم إلى أبعد الحدود، وقد خرج العديد من صفوف "اليسار الأمريكي الجديد" وكانوا يرون أن الحركة المناهضة للحرب في الستينيات وأوائل السبعينيات "وخاصة في فيتنام" وحركة مقاومة الاستعمار والإمبريالية، وبدؤوا يرددون أقوالاً مثل أن الإعلام في الولايات المتحدة معاد لإسرائيل.
أما الجيل الجديد من اليهود الأمريكيين وهم ممن ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية فقد أسهموا في جعل المنظمات اليهودية الأمريكية وخاصة منظمة "إيباك" التي تمثل اللوبي اليهودي في واشنطن منظمات فعالة وناجحة حيث نجحت في ربط العلاقة الاقتصادية الأمريكية – السوفييتية بهجرة اليهود السوفييت، ويصف غولدبيرغ نجاح اليهود في ذلك في جزء من الكتاب بعنوان "كيف ربح اليهود الحرب الباردة".