توثيق فريد للصحافة اليسارية
توثيق فريد للصحافة اليسارية
كاظم فنجان الحمامي
كلما قرأت كتابا جديدا للكاتب العراقي المغترب الأستاذ ذياب فهد الطائي, يزداد اهتمامي بما يكتبه هذا الرجل عن تاريخ الصحافة في المدن العراقية والمراحل التي مرت بها الحركات الفكرية, فلم يترك شارة ولا واردة في أنشطتها الثقافية إلا وشد الرحال للبحث عنها, فتعمق في دراستها وتحليلها, وواصل الكتابة عنها بصبر وثبات, حتى قطع شوطا كبيرا في رصد حراكها الثقافي والفكري, وتتبع انعكاساتها الايجابية على النواحي الإنسانية الأخرى, فجمع ثماره البحثية في ستة سلال استعراضية معلمة بعلامات زمنية رافقت المراحل السياسية التي مرت بها المدينة المينائية الكبيرة, ثم وضع السلال فوق سلم الرفوف التاريخية المتعاقبة, الواحدة بعد الأخرى, وجمعها في كتابه الأول, الذي حمل عنوان:
تاريخ الصحافة في البصرة للفترة من 1889 إلى 2009
تناول فيه الصحف الصادرة في البصرة في العهد العثماني, واثناء الاحتلال البريطاني, وفي العهد الملكي, وبعد ثورة الرابع عشر من تموز, والفترات اللاحقة, فأهدى للمكتبة العراقية سجلا موسوعيا رائعا, وفتح بوابات التاريخ الصحافي في البصرة أمام الباحثين عن انجازاتها في عوالم السلطة الرابعة, ثم توجه للكتابة عن الصحافة النسوية في عموم المدن العراقية بكتاب آخر, لكنه حقق قفزة استباقية هائلة في كتابه الجديد عن:
الصحافة اليسارية في العراق للفترة من 1924 إلى 2003
وهو من إصدارات دار أمل في دمشق, ويقع في (350) صفحة من القطع المتوسط, مقسم إلى ثلاثة فصول, خصص الفصل الأول عن صحافة الحزب الشيوعي السرية والعلنية, والصحف الخاصة, التي أصدرتها المجاميع المنشقة عن الحزب, أو المجاميع التي أنشأت لها أحزابا شيوعية بواجهات مختلفة, وقد حرص الكاتب على التدوين الحرفي لخصوصيات المجاميع وأيديولوجياتها من دون حذف أو تحريف, فالأمانة التاريخية والفكرية تقضي بوجوب توخي الصدق والصراحة والوضوح في تثبيت الحقائق وسرد الوقائع كما هي, وهو أول من أحصى الأعداد السرية والعلنية للصحف والنشرات الشيوعية, بكل مصنفاتها وتفاصيلها ومسمياتها, وتواريخها, فذكر منها (67) صحيفة سرية بالتمام والكمال, وتطرق للصحافة الشيوعية خارج العراق, وصحافة أنصار الحزب الشيوعي التي بلغت نحو (35) جريدة ومجلة, وخصص الفصل الثاني للصحافة اليسارية الكردية بطبعاتها المحلية والخارجية, موثقا منها (46) جريدة ومجلة, من دون أن يهمل دور الرائد اليساري (إبراهيم أحمد) في التحرير والإعداد والنشر, واختتم فصوله الثلاثة بجرد شامل عن الصحافة اليسارية خارج تصنيفات الحركة الشيوعية, وكانت في حدود (66) مجلة وجريدة, سرية وعلنية. .
ولسنا مغالين إذا قلنا إن الكاتب ذياب فهد الطائي كان يعمل في الخفاء بطاقات استثنائية, ساعدته في انجاز ما عجزت عن انجازه المؤسسات المعنية برصد المؤشرات المكتبية والإحصائية, فنجح في تسهيل مهمة الأجيال القادمة في تجميع وتصنيف وتوزيع وتحليل مواد الإصدارات الصحفية بكل ألوانها واتجاهاتها وأفكارها وتواريخها, وهيئات التحرير التي تعاقبت على إدارتها, فتنقل بين المحطات اليسارية, والنسوية, بعد أن أنهى مشواره البصري على الوجه الأكمل, فاستحق بهذه الجهود الفردية الرائعة أن يقف في طليعة الذين سبقوه, أو الذين نافسوه في هذا المضمار, وسترى الأجيال القادمة إن مهماتها المستقبلية في العودة لأرشيف الماضي, وحاجتها لتصحف المنشورات العراقية القديمة ستكون في منتهى البساطة واليسر بعد مراجعتها لمؤلفات الكاتب ذياب فهد الطائي في الحقل الصحفي الشامل.