سيد قطب.. ومعاركه الأدبية والنقدية
لعلي عبد الرحمن
سيد قطب رحمه الله
مجلة المجتمع
تعددت المواهب لدى الشهيد سيد قطب، وهذا إن دل فإنما يدل على أنه أحد العباقرة في القرن العشرين، فمن يريد أن يتحدث عن الشعر والشعراء فهو أحد رواد الشعراء، حيث إنه قد بدأ يقرض الشعر ويكتبه في بداية شبابه، وبدأ ينشر قصائده في الصحف والمجلات أثناء المرحلة الثانوية، وظهرت أولى قصائده في شهر أكتوبر عام 1924م بمجلة "الحياة" الجديدة.
ثم توالى نشر القصائد في صحف ومجلات "البلاغ"، و"الأهرام"، و"البلاغ الأسبوعي"، و"الأسبوع"، و"الرسالة"، و"دار العلوم"، و"المقتطف"، و"أبولو"، و"الثقافة"، وغيرها على مدار ثلاثين عاماً، حيث أصدر ديوان "الشاطئ المجهول" في بداية يناير عام 1935م، ولم يصدر منذ أكثر من 76 عاماً، حتى أنه صار مجهولاً ولم تبق منه إلا نسختان، إحداهما بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، والأخرى بجامعة لندن، ولقد كان ينوي إصدار عدد من الدواوين، ولم يمهله الوقت؛ نظراً لانشغاله بالعديد من القضايا.
وإذا أردت أن تتتحدث عنه كقاص، فهو روائي قدير، فقد بدأ يكتب القصة القصيرة منذ عام 1929م وحتى منتصف الأربعينيات، وكان يوظف هذه القصص القصيرة لخدمة قضايا مجتمعه، وهذا ما ذكره د. عز الدين إسماعيل في كتابه "قضايا الأدب"، حيث قال: إن الأديب هو الذي يوظف أدبه لخدمة قضايا مجتمعه، وهذا ما تنص عليه نظرية الأدب، فقد كانت قصصه القصيرة تتحدث عن الأمراض التي كانت تنتشر في جسد المجتمع المصري؛ "من الجهل والفقر والأمية والمرض والمعاناة الشديدة التي كانت تواجه المصريين".
وكذلك كانت رواياته تتحدث في نفس الموضوع، ورواية "طفل من القرية" هي سيرة ذاتية تمثل قمة الواقعية في عالم الرواية؛ لأنها وصفت المجتمع المصري وصفاً دقيقاً وبارعاً، ومما كانت تعانيه القرية المصرية في مطلع القرن العشرين.. ثم تأتي روايته "المدينة المسحورة"؛ وهي على غرار قصص "ألف ليلة وليلة" التي تمثل الرواية الرمزية.. ثم "مجموعة من الأطياف الأربعة"؛ وهي مجموعة القصص القصيرة التي كتبها هو وأخوه محمد قطب، ثم أختاه حميدة وأمينة قطب.
أما موهبته الأدبية والنقدية، فقد ظهر نبوغه فيها منذ التحاقه بالمرحلة الجامعية، حيث بدأ ينشر المقالات الأدبية والنقدية منذ عام 1924م، ثم توالى نشر مئات المقالات على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، ونشر مقالاته في صحف ومجلات: "الحياة الجديدة"، و"البلاغ"، و"الأسبوع"، و"البلاغ الأسبوعي"، و"الرسالة"، و"الأهرام"، و"الثقافة"، و"المقتطف"، و"الوادي"، و"الجهاد"، و"المقطم"، و"دار العلوم".. ففي هذه الدوريات نشرت أكبر المعارك الأدبية والنقدية التي كانت بينه وبين جيل الشيوخ أمثال: طه حسين، والعقاد، والزيات، والرافعي، وتوفيق الحكيم، وأحمد أمين، ومحمود تيمور، وغيرهم.. وأما جيل الشباب، فقد خاض معهم العديد من المعارك الأدبية والنقدية، وهم: إبراهيم ناجي، وأبو شادي، ومختار الوكيل، والعوضي، ونجيب محفوظ، وسعيد العريان، ومحمد مندور، وصلاح ذهني، ودريني خشبة، وغيرهم من الشعراء والأدباء.
وأما عن أشهر هذه المعارك الأدبية والنقدية، فهي معركته مع سعيد العريان (تلميذ مصطفى صادق الرافعي)، حيث كان يمثل مدرسة العقاد والتلميذ الأول للعقاد، وامتدت المعركة بينه وبين العريان عاماً تقريباً على صفحات مجلة "الرسالة" التي كانت من أكبر المجلات الثقافية في مصر والعالم العربي (1933 – 1953م)، حيث ظلت هذه المعركة مشتعلة بينهما على مدار عام كامل؛ مما أحدثت دوياً كبيراً في الأوساط الأدبية والفكرية، وقد اشترك في هذه المعركة كل من الغمراوي، ومحمود شاكر، وعلي طنطاوي، وكانت بحق تمثل حواراً أدبياً راقياً؛ ما جعل العديد من مؤرخي الأدب يشيدون بهذه المعركة، وقد وصفت بمعركة "الرافعيين والعقاد".
ثم معركته مع د. طه حسين بخصوص كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" الذي صدر عام 1938م، وقام سيد قطب بالرد عليه في بحث كبير نشر في مجلة "دار العلوم" في العام نفسه، ثم معركته مع أحمد حسن الزيات، صاحب مجلة "الرسالة"، بخصوص الدفاع عن البلاغة، ثم معركته مع د. محمد مندور في قضية "الأدب المهموس".
ومعركته مع العقاد في عرض كتبه وقصصه ودواوين شعره، وكذلك نقده لقصص محمود تيمور، وعبد الحميد جودة السحار، ونجيب محفوظ، وعادل كامل، ويحيى حقي، وغيرهم من الأدباء.. وبفضل نقده للأعمال الروائية، فقد اكتشف نجيب محفوظ، وكان أول ناقد يكتشفه عام 1944م، وتنبأ به بأنه سوف يكون رائداً في مجال القصة العربية، واكتشف أيضاً كلاً من عبد الحميد جودة السحار، ويحيى حقي، وعلي أحمد باكثير.
لقد تبوأ سيد قطب مكانة كبيرة في النقد، فصار رائداً من رواد النقد الأدبية في مصر، وذلك بفضل مصاحبته للعقاد والمازني، وقد أصدر كتابه "النقد الأدبي.. مناهجه وأصوله"، ثم كتاب "كتب وشخصيات".
وهناك العديد من المقالات النقدية المنشورة في "الرسالة"، و"الأهرام"، و"الثقافة"، و"الكتاب"، و"الكاتب المصري"، و"الوادي"، و"الأسبوع"، و"أبولو".. كما ألقى محاضرات نقدية في المجامع الأدبية، نالت استحسان وإعجاب جمهور المثقفين والأدباء.
من أشهر معاركه الأدبية أيضاً "معركة المنبر الحر" التي كانت على صفحات مجلة "الأسبوع" عام 1934م، وكانت بينه وبين أصدقائه من الشعراء الشبان والأدباء، واستمرت على مدار ست حلقات، وأما نبوغه في مجال الإصلاح الاجتماعي والسياسي فله حديث آخر.