صدور كتاب الجيزاوي وعالمه الروائي

صدر كتاب (خليل الجيزاوي وعالمه الروائي) مقالات ودراسات نقدية عن دار سندباد للنشر والتوزيع بالقاهرة يناير 2012، وجاء الكتاب في 580 صفحة من القطع الكبير، وغلاف الكتاب بورتريه بريشة الفنان حسام عبد الصمد، والكتاب من إعداد وتقديم الكاتب والناقد إبراهيم حمزة ويضم مقدمة وخمسة فصول وبها معظم المقالات والدراسات النقدية التي كُتبت عن روايات الجيزاوي خلال خمسة عشر عامًا، والجدير بالذكر أن الكاتب خليل الجيزاوي قد أصدر خمس روايات: يوميات مدرس البنات 2000، وأحلام العايشة 2003، والألاضيش 2004، ومواقيت الصمت 2008، وسيرة بني صالح 2011، وثلاث مجموعات قصصية: نشيد الخلاص 2001، وأولاد الأفاعي 2004، وحبل الوداد 2010، وكتابين في النقد الأدبي: مسرح المواجهة 2004، ويوسف الشارونى .. عمر من ورق 2009، وتحت الطبع روايتان: حدائق النساء، وأيام عز.

ويضم الكتاب أكثر من 40 أربعين دراسة نقدية ترصد مشروع الجيزاوي الروائي بالدرس والبحث والتحليل. في البداية يؤكد الناقد الكبير د. عبد المنعم تليمه أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة القاهرة قائلا: يصوغ هذا العمل الروائي ـ مواقيت الصمت ـ للكاتب خليل الجيزاوي اللحظة التاريخية الراهنة في المجتمع المصري، ويجعل هذا الراهن الماثل مركزاً يستدعي الماضي القريب الذي مهّد له وأنتجه، ويستشرف آفاق مستقبل يتجه إليه، ولهذا كله قاعدة من العوامل الاجتماعية الفعّالة والقوية والتناقضات والصراعات المُوارة، ولهذا الراهن من الرؤى والخطط والأداءات والسياسات ما ينتج المناسبات والملابسات والظروف والأسباب التي تُؤدي إلي تعطيل حركة الجماعة وتوسيع الهوة بين الفئات وإلي صور غريبة من الاحباطات والتي تؤدي في نفس الوقت إلي تفجير الأشواق نحو الوئام والعدل والدفع إلي أمام.

ويستفيد الكاتب في صياغته لعمله الروائي هذا من جماليات اصطنعتها الأعمال الروائية العربية الراسخة التي وعي الكاتب ما استقر من أساليبها ومناهجها البنائية، وسيجد القارئ الراصد ـ في هذا العمل ـ أصداء قوية من إبداع التشكيل الزماني والمكاني، ومن تأسيس الشخصية بالحوار وتقنية السيرة، ومن طرائق الموروثات والمرويات الشعبية في القص والسرد والحكي.

ويؤكد الناقد الكبير د. محمد حسن عبد الله أستاذ النقد الأدبي بكلية دار العلوم جامعة الفيوم قائلا:

  رواية الأديب خليل الجيزاوي (يوميات مدرس البنات) تثير إشكاليات كثيرة، تبدو إشكالية الكتابة في هذه الرواية التي تتحدث عن خمس فتيات، وألوان من محاولتهن للسيطرة علي المدرسة والمدرسين بوسائل غير مستقيمة، وسقوط بعض المدرسين تحت ذريعة الدروس الخصوصية، والرغبة في الكسب المادي، وأيضا في اصطياد فرص المتعة في مجتمع فقير شحيح بالمتع، كل هذا يجعل من عملية الكتابة مسئولية ليست بعيدة عن كل ما حصل من فترة غير بعيدة مع حدود المباح، مع حدود المحظور في الكتابة الأدبية، وكأننا نحمل علي شخصية الكاتب كل ما كتب وليس علي الشخصية الروائية ذاتها.

والكاتب موفق جدا عندما يستدعي التراث الفرعوني في يوم الخروج، فيأخذ اقتباس من "نشيد الموتى" يقول عندما يتم القبض عليه: "لم أظلم أحدًا، لم أسرق أحدًا، لم ألوث ماء النيل"!

هذا المقطع هو وثيقة الدفاع من المصري القديم أمام الآلهة ليحصل علي البراءة.

في الرواية قدرة عالية جدا للغة المحكية ـ بنائيًا واجتماعيًا ـ وهذا القدر من المهارة نادرًا ما يوفق فيه كاتب العامية، فينزلق إلي المبالغة في شعبية المفردات، وأخيرًا إن هذا الروائي متميز جدًا وكم أتمنى أن يجعل البنية الروائية مبتغاه وهدفه، وينمى خبرته؛ لأنه يملك القدرة علي امتداد النفس والتنويع والاحتفاظ بقارئه في حالة تشويق ومتابعة بلغة شاعرية تجعل الرواية ذات المائتين صفحة كأنها صفحة واحدة.

ويكتب الكاتب الكبير بهيج إسماعيل بجريدة الأهرام المسائي قائلا: هذا كاتب يمتلك أدواته، ويعرف كيف يستخدمها؛ ليصنع بها رواية جيدة شكلا ومضمونا، ورؤية. لم يسبق لي أن قرأت لـ "خليل الجيزاوي" شيئا من الأدب، قصة قصيرة أو رواية، رغم أنه حاصل في كل ما كتب على جوائز من نادي القصة، هو مقل ربما، لكنه مبدع ما في ذلك شك، روايته الطويلة اسمها "روايات مدرس البنات" ومرسوم على غلافها اللوحة الشهيرة لزوجة سلفادور دالي بريشته، والغلاف مع اسم الرواية قد يوحيان بأنها رواية "جنسية"، لكنها ليست كذلك رغم أن الجنس فيها وارد كجزء من تركيبتها الأساسية، لكن دون التركيز عليه كتفاصيل أو كمتن للرواية. خليل الجيزاوي أهداني الرواية منذ عدة سنين، لكنني لم أقرأها إلا من عدة أيام؛ ولأنها مشوقة جدا فقد قرأتها في جلسة واحدة، وهذه ميزة أخرى تضم لمزايا الكاتب، وأعنى بها التشويق، وهو سمة أساسية ومطلوبة للقارئ العصري الذي تتنافس عليه كل أجهزة الدراما والإعلام، استخدم الكاتب "الراوي" مقدمات لفصول الرواية تتناص مع بعض القصائد والمقاطع الشعرية للشاعر الراحل أمل دنقل، مقاطع ثورية متحدية فيها نبل وبطولة تتماشى تماما مع بطل الرواية في صراعه ضد الفساد، كما أعطى للرواية شكل اليوميات،   كل تلميذة من شخوص الرواية تحكى فصلا من فصولها على لسانها، وقد أعطى ذلك للرواية مصداقية خاصة، إذ كل واحدة أقدر من الكاتب نفسه على حكى أسرارها ودواخلها، وهى حيلة فنية من "الجيزاوي" أفادت الشكل، مما أعطى للرواية تشويقاً ومصداقية خاصة تلك اللغة الشبابية العصرية الحية التي ما إن تقرأها كحوار على لسان شخوص الرواية بتنوعاتهم حتى يكتسوا لحما ودما وحرارة أمامك على الفور، كذلك تلك اللغة الشاعرية على لسان البنات، خاصة من تحب منهن، وهى لغة علاوة على شاعريتها، عميقة تغوص في نفوسهم وقلوبهم وتخرج مع الدموع  والآهات بأبخرتها الساخنة، فتضع القارئ وتسحبه إلى عالمها الخاص المثير. "يوميات مدرس البنات" رواية جميلة، لغتها مكثفة، بها رؤية عميقة معاصرة للواقع.

ويؤكد د. السعيد الورقي أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة الإسكندرية قائلا: مواقيت الصمت عنوان مُشكل لرواية حديثة تطرح العديد من الإشكاليات الفنية مضموناً وشكلاً، والرواية هي الرابعة في مشروع الكاتب خليل الجيزاوي إلي جانب مجموعتين قصصيتين، وهو ما يعنى أننا أمام إنتاج متمرس واع لديه قضاياه الإنسانية المهموم بها، ولديه تجربته الإبداعية الواعية بأسرار صنعته الفنية. وإشكالية العنوان تأتي في مفارقة الجمع بين المواقيت وهى أزمنة، أي أفعال حركية منطلقة تجاه الآتي وبين الصمت أي السكون، هكذا تبرز ثنائية المفارقة منذ الوهلة الأولي متمثلة في عتبات النص، فكيف للصمت أن يتحرك في زمن أو أزمنة؟ هذا ما تحاوله الرواية في بعديها المكاني والزماني.

وهكذا استطاع الكاتب خليل الجيزاوي من خلال المفارقة وسرد المراوغة أن يقدم نصاً روائياً جيداً موازياً للحظة تاريخية لها بعداها الذاتي والإنساني، وتطرح العديد من الأسئلة التي تناقش أزمة اللحظة كما تطرح عدداً من التصورات والإشكاليات التي يمور بها الشارع المهموم بأمته وقضاياها القومية.

ويكتب الناقد الكبير شوقي بدر يوسف قائلا: في مواقيت الصمت يكمن الرمز في هواجس الكلام وفى مواقيت الكلام تكمن المعاني البليغة للصمت، ولعل هذا النص بما يحمل من مضامين وإشكاليات هو المعبّر عن تلك المقولة التي صدرنا بها هذه الدراسة "السكوت علامة الرضا"، فقد حفل النص بكثير من علامات الصمت والسكوت. وكان في بنائه الفني الخاص أيقونة مهمة فى سيميائية الرواية العربية المعاصرة، فقد اعتمد الكاتب على عدة تقنيات في تشكيله لبنية نصه الروائي هذه التقنيات تكمن فى عدة سمات منحت النص أبعادا سردية مهمة من هذه السمات، الواقعية الغرائبية المستخدمة فى تحديد واقع خاص يمس البعد الاجتماعي لواقع الشخصيات، كما يمس البعد الاجتماعي للمجتمع وقضاياه الملحة، كذلك استخدام الراوي السارد المتمثل في حكى المرأة والذي ينتقل منه السرد ثم يعود إليه مرة أخرى من خلال استنطاقه للشخوص الأخرى المشاركة معه في بنية العمل، واستخدام الصوت الراوي أو الشخصية الراوية التي تحكى أبعاد حياتها الخاصة وهذه الأصوات تمثلت في سرد شخصيات أم شحته وأولاد الشوارع الذين أتى بهم محمد جنينه كنماذج لرسالة الدكتوراه التي تعدها هند عن أطفال الشوارع. كان سردهم لحياتهم الخاصة هو نوع من السرد الذاتي الخبري المكمّل لتجربة الصوت الراوي، كذلك كان للمكان والزمان دور مهم في تأطير الواقع بما يحمل من سمات خاصة وعامة أضافت إلى النص أبعادا موحية تتناسب مع طبيعة الموضوع ومناخه الخاص الذي جاء عليه. كما اعتمد الكاتب أيضا على لغة واقعية مزجها ببعض العامية المصرية لتجسيد الأبعاد الرئيسية لنسيج النص الذي جاء في سبع مقاطع رئيسية، وضع في كل منها تيمة عمل عليها في إيجاد أبعاد وجوانب تخدم البنية الأساسية لمعمار النص. كما اعتمد على خاصية الزمان والمكان في ترتيب أركان النص وجعل التداخل بينهما هو المهيمن على أبعاد وجوانب خاصة ما يخص الزمان الداخلي. حيث كان الزمن الداخلي في الرواية يكمن في أنه علامة أخرى تحدد من خلاله العلاقات المتشابكة والمتداخلة بين الرجل والمرأة وبين الخير والشر وبين القديم والحديث وبين ما مر من أحوال وتجارب من خلال هذا النص الروائي الذي نجح كاتبه في أن يعالج من خلاله ظاهرة من أهم الظواهر الاجتماعية التي يمر بها العالم الثالث الآن ألا وهى ظاهرة أطفال الشوارع حينما طرح من خلال المقاربة الأخيرة في الرواية وصف هيكلي لشخوص نمطية تم انتخابهم لطرح هذه الإشكالية التي جاءت انسجاما مع التصميم الذي وضعه الكاتب ليحدد من خلاله حدود البحث النابع من تطور الشخصية وحيثيات هذا التطور، وعمق المشكلة وحثيثيات هذا العمق.