ندف الروح
إسماعيل البويحياوي
صدر عن دار "التنوخي" للنشر والتوزيع مجموعة قصصية قصيرة جدا للقاص
المغربي إسماعيل البويحياوي عنونها بـ "ندف الروح".
المجموعة من القطع المتوسط، تضم بين ثناياها 55 نصا قصصيا قصيرا جدا
وتقديما للناقد المغربي نجيب العوفي جاء كما بلي:
تقطير الحكي
نجيب العوفي
يكتب إسماعيل البويحياوي القصة القصيرة جدا، بمهارة وذكاء وحب أيضا.
إنه عاشق لهذا النوع الجديد من القص الصغير. والمرء حين يعشق شيئا، يهب
له ذاته. والإبداع كما قيل، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك.
وقد أصدر البويحياوي في مجال القصة القصيرة جدا، لحد الآن، ثلاث
مجاميع قصصية متميزة، تؤكد شغفه بهذا الفن ومواظبته على كتابته، وهي/
- أشرب وميض الحبر.
- طوفان.
- قطف الأحلام.
وهي تتراوح زمنيا، بين 2008 و2010. والبقية آتية بلا ريب.
وقبل أن أتحدث عن إسماعيل البويحياوي وتجربته المتميزة مع القصة
القصيرة جدا، مدارِ اهتمامه وإبداعه. هذا الفن السردي المكثف والمقطر،
نشأ عندنا حديثا. وهو ليس فرعا أو ذيلا للقصة القصيرة، بل هو فن قائم
بذاته وصفاته.
وتاريخيا، يعتبر القاص الستيني- المخضرم محمد إبراهيم بوعلو، رائدا
وماهِدا لهذا الفن، حيث أطلق عليه مصطلح( قصة في دقيقة). وقد أصدر في هذا
الشأن مجموعته الرائدة (50 أقصوصة في 50 دقيقة).
ومصطلح( قصة قصيرة جدا)، هو الذي يعادل في الإنجليزية مصطلح .SHORT
SHORT STORY وأرى شخصيا أن مصطلح ( قُصَيْصَة) هو المناسب والمقارب لهذا
الفن.
والقصة القصيرة جدا هي عبارة عن ومضة قصصية أو حالة قصصية آنية
ومُقَطَّرَة في أسطر وجمل قليلة، شعارها( ماقَلَّ ودَلَّ ولم يُمَلّ).
إنها أقرب إلى " الهايكو" القصصي.
وقد لقيت في الآونة الأخيرة، إقبالا كبيرا من لدن المبدعين الشباب،
الذين تألق بعضهم في كتابتها تألُّقا كبيرا.
وإسماعيل البويحياوي، في رأس قائمة هؤلاء. وهو واع جدا بقواعد لعب
وصَنْعَة هذا الفن الأدبي. يبدو ذلك جليا من خلال لغته الإيحائية
المُكَثَّفَة والسَّلسة، ومَوْضوعاته المتُنَوِّعَة المُثيرة
والشَّائِقة، وإحساسه القصصي الْمُرْهَف بالأشياء.
يقول البويحياوي في تصدير مجموعته ( أَشْرَب وميض الحِبْر)/
( أريدها قصَّة قصيرة جدّا جدّا، مُشِعَّة بمعان ودلالات ومقاصد كبيرة
جدّا جدّا). وكذلك الأمرُ عند البويحياوي،
قصر في المَحْكي والْحَكي، والجُملة الحكائية، وثَراء في الدَّلالات
والإيحاءات والمَعاني.
وفي الجِرْم الأصغر ينطوي الجِرْم الأكبر، كما يقول الْمَعَرِّي.
تتنوع وتتفاعل الهموم والأسئلة الحكائية التي تدور عليها قصص
البويحياوي، من ذاتية واجتماعية وسياسية ووجودية. لكن القالب القصصي يبقى
دوما قصيرا جدا، وأنيقا جدا، وسلسا جدا، وممتعا جدا.
وفي مجموعته الجديدة ( نُدَف الرّوح)، يواصل إسماعيل البويحياوي رحلته
الجديدة مع القصة القصيرة جدا، بلغة نَضِرة يانعة السنابل، تَنْضَح شعرية
وسلاسة وخفة دم. والمجموعة كما يقول استهلال الإهداء، عبارة عن نُدَف
قصصية ملتقطة من رحم الروح والذَّاكرة.
إنها سيرة ذاتية" مُشَذَّرة" أو بالأحرى " مُقَطَّرَة" في قصص قصيرة
جدا، هي قَطَرات زُلالية عِذَاب، يَرْشفها القارئ بمتعة حكائية كبيرة. و(
ندف الرّوح) ليست رجع صدى لسيرة الذَّات فحسب، في تفاصيلها ومفرداتها
الحميمية الصُّغْرى، بل هي أيضا وتبعا، رَجْع صدى لمرحلة تاريخية
برُمَّتِها، في تفاعلاتها وعَلاماتها الكبرى، لكن بأسلوب" الجليد العائم"
الذي يُضْمِر أكثر مما يُظْهِر.
إن إسماعيل البويحياوي في هذه المجموعة الجديدة الجميلة، يُقَطِّر لنا
ذاته وتاريخه في نُدَف قصصية نابعة من أعماق الرُّوح والذَّاكرة.
لذلك تقع في القلب توّا.
وما يصدر من القلب يقع حَتْما في القلب.
ويحِقُّ لإسماعيل البويحياوي،
ويحقُّ للقصة القصيرة جدا،
أن يَزْهُوَا بالمولود الجديد.