صدور رواية جديدة للكاتب الفلسطيني مأمون احمد مصطفى
صدور رواية جديدة للكاتب الفلسطيني
مأمون احمد مصطفى
مأمون احمد مصطفى
عن دار ميم للنشر في الجزائر صدرت قبل ايام للكاتب الفلسطيني مأمون احمد مصطفى رواية بعنوان " فوضى"، وكان العمل قد انتهى بها في العام 2006، ولكنها استطاعت ان رغم ذلك، التنبؤ بالثورات العربية التي تجتاح الوطن العربي، وقد كان التنبؤ واضحا من خلال الشخصية الرئيسة في الرواية، ورغم انها لم تحدد نتيجة الثورة التي فجرها الشعب ضد الحاكم في الرواية ، الا انها وضعت الثورة كمكون اساسي لحياة الشعب.
وحين نشرت الرواية لاول مرة في مواقع الشبكة العنكبوتية، لم يكن هناك أي ثورة قد انطلقت في الوطن العربي، وفي لحظة تفجر الثورة في تونس، كانت الرواية تحت الطباعة، وكذلك حين انطلقت الثورة المصرية، مما اضطر الكاتب لتصدير الرواية " بمقدمة لا بد منها"، للاشارة الى التواصل الذهني بين الكاتب وبين الثورات والشعوب فقال:
(حين شرعت في كتابة الرواية، كنت نهبا موزعا بين العجز واليأس والقنوط، وبين الامل المستحيل، حتى دخل روعي، واعتقد جازما بانه دخل روع الكثير من الامتين العربية والاسلامية، بان خلاص الشعوب من الحكام، من الفراعنة، من الاستبداد المطلق الى حدود التناهي، ليس من مفردات العصر الذي احياه ونحياه، فكتبت مقالة " شعوب وصمت"، ثم اتبعتها بمقالة " زعماء وشعوب"، وحين اصطدمت الامة بالرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم كتبت مقالة ثالثة بعنوان " طز "، وكنت في المقالات كلها ارسم يأسي وقنوطي من الشعوب التي ركنت كل هذه الفترة الى مصير لم يكن لها يد فيه او رأي، حتى وصلت الى مرحلة الاقتناع بان الامة العربية والاسلامية تحمل كل منها جينات خاصة، مكوناتها الخضوع والركون الى الاستعمار بامتياز لم تحظى به امة من قبل.
كنت اذ ذاك، الامس الالم المغروس بأعماقي، ملامسة العاشق لمعشوقه، والحبيب لحبيبه، حتى اصبحت حالة مختلطة من العجز والقهر والركون، بل وحالة متقلبة بين الماضي الذي عاشته امتنا الاسلامية، حين لمت اطراف الكون وادنته ليكون مساحة من العدل والعدالة والامن والامان، والفخر والعزة والكرامة، وبين امتنا الموزعة بين ذل هنا وهوان هناك، شعرت بالخضة، التي تذروني الى هباء يحاول لملمة ذراته من اجل التنفس ولو لمرة واحدة، بنفس يحمل لي عزة او كرامة.
لم اكن اعرف يومها بان الياسمين يعشق الندى، ولم ادرك بان الحبق يعشق انسلالات النهار وشرود النسمات، ولم ادرك تحت ضغط القنوط بان النار الكاوية الحارقة يمكن ان تنهض بياسمين تونس وحبق مصر، الى أن جاءت الهزة، وتبعها الزلزال، فوقفت مشدوها، فاغرا ذاتي كلها، لملمت ذرات هبائي ونهضت، بروعة مشهد استطاع ان ينفث عزيمة محت يأسي ومحقت قنوطي، فرحت، نعم، فرحة تتسع لحشو الزلازل بالحنان، وسعدت سعادة تستطيع ان تضع في نواة البركان برودة الايمان، الايمان بالشعوب، التي لا تصمت الا صمت المخادعة، ولا تنتظر، الا انتظار اللحظة التي يجب ان تحين في نفس الوقت الذي يجب ان تحين فيه.
وقفت امام محمد البوعزيزي، فشعرت بضآلتي امام عظمته التي تفجرت لتفجر الملايين، وقلت: بان الشهداء يقفون على نفس بوابة الخلود والتاريخ، بوابة الحاضر والمستقبل، وانهم هم فقط من يملكون قبل موتهم لغة الحوار مع من سبقهم الى عليين، لذلك هم فقط من يمكن ان نقف امام عظمتهم لنقول للأجيال كلها، بانهم يستترون دوما خلف زيتونة تونسية، او نسمة نيلية، ولا نعرف ابدا القادم أسيكون خلف سنديانة ام خلية نحل متدفقة بالشهد، لكننا نعرف، بان هناك قادم، علينا انتظاره بإيمان الصبر الذي يقود الى الحقيقة.
لكني استطيع ان افخر باللاوعي، الذي اقتحم سطور الرواية وبؤرة ذاتي، ليسجل رغما عني وعن وعيي، استبصارا ونبوءة، حركت الشعب ليهاجم القصر الملكي في الرواية، ويصل الى ذات الفرعون المستبد، الى باب قصره، قبل ان يصحو من نومة القنوط المحملة باليأس.
اعترف للقارئ بكل صراحة ووضوح، بان ما سجله اللاوعي، كان بذاتي الامل المستحيل الذي غرقت بأمواج استحالته، لكنه جاء من المستحيل ليهز ذاتي وبنفضها من العجز، وليقول لي ولكل من مثلي، بان العزائم الشبابية تنهض من المستحيل الذي يتحول الى ممكن يخضع لإرادتها، بل ولإرادة من شعروا بالعجز يوما.
قد تكون النبوءة غير مكتملة، لكنها تشعرني بالفخر، بالعزة، بميلاد الامل من جوف الالم، وبتسلق الياسمين فروع الحبق، وضمة الحبق لفروع الياسمين، أأطلب اكثر من هذا؟ لو فعلت، سأكون مجانبا لطبائع الوجود، ومجانفا لسنن الكون والتاريخ، ولكنت اطمع من فرعون ذاته.
اشكر ومن كل قطرة في دمي، شباب تونس وشباب مصر، الذي ضخ بعجزي قدرة، وبكساحي عزيمة، من خلال التعانق بين لاوعيي ووعيهم.)
وكان على الكاتب ايضا، العودة الى الاهداء الذي تعود ان يقدمه لوالديه في كل كتاب، ليصل البوعزيزي في حركة الحياة التي يحياها الكاتب، وحركة الماضي التي عاشها جيل والديه، ليضفي على الرواية انفاس الماضي والحاضر والمستقبل.