الواضح للزبيدي تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة
الواضح للزبيدي
تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة
د. حسن الربابعة
قسم اللغة العربية
جامعة مؤتة
صدر حديثا عن دار جليس الزمان للنشر والتوزيع في مدينة عمّان ،طبعة ثانية ، 2011م ، كتاب" الواضح "لأبي بكر الزَّبيدي الاشبيلي النحوي المتوفى سنة 379هـ، تحقيق الأستاذ الدكتور عبد الكريم عبد الرحمن خليفة (رئيس مجمع اللغة العربية الأردني ) وقد ضم الكتاب بين دفتيه (339)صفحة من القطع الكبير ، معتمدا في تحقيقه على (25) خمسة وعشرين مصدرا ومرجعا ،وقد اعتمد الدكتور المحقق على صورتين فوتوغرافيتين لأصلي المخطوط هما:صورة عن مخطوط جامع غرناطة رمز إليه الأستاذ المحقق ب(غ)،وصورة عن مخطوط جامع صنعاء،وقد كتب المخطوط بخط أندلسي أنيق في روعة وإتقان ،وضبطت حروفه ضبطا تاما،وكانت عدد أوراقه (203)ثلاثا ومائتي ورقة ، كما رقمت أوراقه من الأسفل ،بأرقام عربية (1،2،3) .
وقد قّسّم أبو بكر الزبيدي كتابه (179) مائة وتسعة وسبعين بابا ،تنوعت طولا وقصرا حسب تصنيفه ومعطيات الباب الذي يذكره من عدة أسطر إلى عدة صفحات شأنه في باب أقسام الكلام قصرا، والأفعال التي لا يتعدى فاعلها إلى مفعول كما في صفحتي (46) و (50)على التوالي .
أمَّا موضوع الكتاب فنحو وصرف،كما عني بالصوتيات ؛ووقف عند مخارج الحروف والوقف والإنشاد وكان قصده أن يعالج قضايا في اللغة العربية ، كما كان غرضه من تأليفه تربويا تعليميا في الفترة التي عاش فيها هذا العالم النحوي الكبير ،وقد بسَّط أبوابه لنفع طلبة العلم ،وإيصال المعلومات إليهم بسهولة ويسر ؛ ليتخلص طلبة العلم من كثير من تعقيدات النحو ،كما كان قصده من تأليفه تقديم ما يحتاجه المرء في قراءة الكتب، وتسهيل مخاطبة الناس في عصره .وقد فتح الزبيدي صاحب "الواضح "بابَ التسهيل لابن حزم الأندلسي من بعده ، فاختار ابن حزم كتاب" الواضح"أنموذجا لتعليم الناشئة، وتكوينهم الثقافي والعلمي.
وكان الزبيدي يرى معنى النحو انه معرفة تنقل هجاء اللفظ ، وتنقل حركاته الذي يدل كل ذلك على اختلاف المعاني ،نحو رفع الفاعل ونصب المفعول وخفض المضاف وجزم الأمر والنهي ، والألف في رفع المثنى ،وإذا جهل المتعلم هذا العلم عسُر عليه علمُ ما يقرؤه من العلم.
وقصد الزبيدي في كتابه "الواضح"تسهيل اللغة وتوضيحها ، كأنه كان اسما على مسمى ، فاتجه به اتجاها عمليا، يسهل على المتعلمين مخاطبة الناس بسهولة ويسر ، ولم يكلف الزبيدي نفسه بالتزام مدرسة من مدارس النحو ، وكان حرا في اختياره مما سهَّل من مسائل النحو عند المدارس الكوفية والبصرية المختلفة ،لقد كان إعرابه لنائب الفاعل غيرَ إعرابنا نحن اليوم فيرى في "كُسِر الزجاجُ " أن الزُّجاج مفعول به مرفوع لفعل لم يذكر فاعله ، كأنه يخضعه للمنطق ،وذلك لان الزجاج قد وقع عليه فعل الكسر ، وعندما يُعرب الأفعال المضارعة المسبوقة ب"سين " و"سوف"يعربها فعلا واحدا "فعل مستقبل "ولا يفصلُ السين عنها حرفا للاستقبال ، ونحو إعرابه "حبذا "فيعربُها فعلا ماضيا ؛فصارت ذا كالباء من الفعل "ضرب "لكثرة الاستعمال، وكتابه يشمل غير فرع من فروع العربية فهو كتاب نحو ، وفيه أبواب من الصرف، وفيه أبواب من القوافي في الإنشاد والحُداء وفيه عن الروي والوصل والردف
واستوقفه موضوع الوقف شان الخليل من قبل فبيَّن في أبوابه الأوجه الجائزة في الوقف على المنقوص في نحو قاض والقاضي وقاضيا ، ووقف عند باب من الإملاء كأحد أبواب حروف الهجاء في بنات الياء والواو،فبيَّن كيف تُرسَمُ الألف اللينة في أواخر الكلمات .واستوقفته تفسيرات معاني بعض الحروف من نحو ما النافية كما في قولك ما زيد منطلقا (ص310)،وتجيء ما زائدة كقولك "غضبت من غير ما شيء"وما في الجزاء والاستفهام اسم ولم يدرج هنا أمثلة توضحية (310)، كما توقف عند معاني الحروف الأخرى منها "مِن" و"إلى"و"في " و"مع "و"قط"و"قد "و"كم " و"سوف"التي بمعنى التنفيس ،و"لكن " بمعنى الإيجاب بعد النفي "و "دون " بمعنى التقصير عن الغاية، و"ألا "تأتي لاستفتاح الكلام ، و"عن "وهي تأتي لما عدا الشيء كقولك "رميت عن القوس ، وجلس عن يمينه (ص311) ونلحظ في باب تفسير معاني حروف المعاني أن استشهاده لم يكن من نصوص قرآنية شان الزجاجي وغيره من جهة ،وان استشهد بأمثلة حينا وعزف عن أخرى، ربما لظنه ان التي ضرب عن أمثلتها صفحا سهلة ، كما نلحظ انه لم يشر إلى علماء حروف المعاني قبله ؛لأنه أراد التسهيل على ألا يرتبط بمنهج علماء الحروف من قبله .
و افرد بابا عنونه في ما يحتاج إلى معرفته (ص266)كان يفسر الكلمات الصعبة أحيانا نحو تفسيره العلباء "وهي عًصبة في العنق،ثم يأتي بمترادفات لها على نحو من سعة أفقه الثقافي فيقول "والليت وهي صفحة ولم يكملها ولو أتمها صفحة العنق كان أفضل ، ثم يدرج مسميات بعض أعضاء الإنسان مما لا يستغنى عن معرفتها منها "البطن والإبط ، والعاتق والّشِّبر والظهر والأشجع ويترجم له "أصل الإصبع"والمصير واحد المصران،والناب من الأضراس،والناجذ من الأضراس، ولعلَّ مثل هذا أن يدخل في علم التشريح ،لأنها من أعضاء الإنسان من جهة ولضبطه الدقيق لكل عضو منه ضبطا تاما ، من أخرى، ثم يدرج توقيتات زمنية من نحو "الضُّحاء"ويترجم له بأنه ما بعد الضحى إلى قريب من نصف النهار (266) ، ثم يذكر مترادفات البئر من نحو القليب ، والطويُّ ،والركيُّ ،والجُدُّ ،والجفر ، والكُّرُّ،كل ذلك في البئر ، واستوقفه باب ما يذكر فان أردت به غير ذلك المعنى أنثته كقولك البطن فان أردت به القبيلة أنثت ، والفردوس خضرة الأعناب فان أردت الجنة أنثت ،واللبوس اسم لعامة اللباس فان عنيت الدرع أنثت .
واستوقفه باب الصرف في نحو عشر صفحات في اواخر كتابه ذكر باب التصريف لباب الواو والياء وما كانت الياء والواو فيه ثانية وكانت عين الفعل ،وما كانت الياء والواو فيه ثالثة، وكانت لام الفعل وانتهى إلى باب من الهجاء في بنات الياء والواو واتى بشواهد كافية في بابه .
ويمكن أن يلحظ متلقي هذا الكتاب النافع السهل الميسر لموضوعات النحو التي غلبت على أبوابه ،أن باب أقسام الكلام عنده ثلاثة هي اسم وفعل وحرف جاء لمعنى (ص47) ولكنه لم يذكر الرابع من أقسامه وهي اسم الفعل الماضي من نحو هيهات ، واسم فعل أمر من نحو صه بمعنى اسكت ، واسم فعل مضارع كقولك "أف"بمعنى أتضجر ،هذه ملحظة ،وملحظة أخرى هي تسميته باب أدوات الخفض، وقد جمعها حروفا وظروفا وأسماء (59)ولعل الصواب أن تسمى حروف الخفض؛ إذ إن الحروف من أقسام الكلام وليس ذلك للأدوات، من جهة، ولو فصلها عن الأسماء من نحو شيه وشبيه وند وشكل وبعض ومثل وكل وغير وقرن وقرين (ص60) ولو عد الظروف من الحروف ، لما خرج عن باب أقسام الكلام الذي بدأ به أبواب كتابه ولكان بمنهجه أولى ، وثمة ملحظة نختم بها قولنا إن هذا الكتاب "الواضح "لأبي بكر الزبيدي ،يعد من كتب النحو الميسرة ،التي تسهل على متلقي النحو درس النحو بيسر وسهولة ، لان في الكتاب تركيزا على ربط قواعد اللغة بالحياة العصرية ، فتنبلج من ابوابه فلسفة ترى في اللغة والنحو وحدة متماسكة لا تتجزأ ، ولذا ينصح باقتناء هذا الكتاب في مكتباتنا المدرسية والجامعية وينصح بتدريسه لسهولته، ولا سيما أن المؤلف الزبيدي حرص على ضبطه بدقة متناهية من أولى ثم يسر الله للكتاب أستاذا جليلا دقيقا حققه على نسختين له ، ثم ضبطه ضبطا دقيقا ،وأخرجه بحلة قشيبة ؛مجلدا زاهيا وأنيقا وتحاشى الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة ، وهو العالم المصنف حرص على عدم ذكر آراء النحاة وشروحهم في حواشي الكتاب ، بغية أن تبقى هوية الزبيدي واضحة ، وتجنبا من أن يضيع صوته في النحو الميسر، بين أصوات النحاة الآخرين ،ليظل هذا الكتاب تعليميا؛ يقوم على نظرة علمية ، تربط قواعد اللغة بحياتنا العملية.
والله ولي التوفيق والهادي إلى سبيل الرشاد