التحالف السوري الإيراني والمنطقة

التحالف السوري الإيراني والمنطقة

عبد الحليم خدام

المقدمة

تتمتع إيران بموقع حسّاس أعطاها مكانةً مهمة في مختلف مراحل التاريخ، وازدادت أهميتها بعد اكتشاف النفط في أراضيها وفي كلٍّ من العراق والمملكة العربية السعودية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانطلاق الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والغرب شكّلت إيران خطَّ الدفاع الذي يَحُول دون امتداد النفوذ السوفيتي إلى مناطق النفط، كما تحوّلت إلى قاعدة رئيسية لحماية مصالح الغرب، وكانت إحدى المناطق الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

بعد نجاح الثورة الإسلامية في آذار عام 1979 وسقوط نظام الشاه انتقلت إيران من موقع التحالف مع الغرب إلى موقع العداء له، ومن موقع حماية مصالحه إلى موقع يهدد تلك المصالح.

أثارت الثورة الإسلامية بشعاراتها وأهدافها قلقًا كبيرًا في المنطقة، كما في العالم كله، في الغرب كما في الشرق السوفيتي، وتعرضت لحصار شديد خلال الحرب التي شنها النظامُ العراقيُّ في مطلع أيلول عام 1980، واستمر هذا الحصار حتى الآن.

رغم السنوات الثماني من الحرب فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة آية الله الخميني، وبعده بقيادة آية الله علي خامنئي، استمرت في مسيرتها من أجل تحقيق أهدافها الكبرى؛ وفي المقدمة بناء دولة كبرى قوية وقادرة على حماية مصالح وأهداف الجمهورية الإسلامية وقائدة لشعوب المنطقة.

لم يقف الصراع لحظة واحدة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم تقف حملات العداء المتبادلة بين الجانبين.

تحتل إيران اليوم في الساحة الدولية موقعًا مُهمًّا كان يحتله الاتحاد السوفيتي قبل الاتفاق بينه وبين الغرب على سياسة التعايش السلمي في مؤتمر هلسكني في مطلع عقد السبعينات.

كما أن شبح إيران أصبح مُقلقًا لدول المنطقة.

كان الإسرائيليون الأشد قلقًا وعداءً للجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب المواقف الصلبة التي اتخذتها الثورة الإسلامية في أيامها الأولى من إسرائيل.

عَرَفْتُ الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ بداية قيامها في عقد السبعينات، وأتاح لي موقعي في الدولة السورية زيارتها مرات كثيرة والتعرف على قياداتها الذين قامت بيني وبين معظمهم علاقات من المودة والصداقة، كما تعرّفت على سياساتها وطرق تعاملها مع الوقائع والأحداث.

رأيت أن أُعد هذا الكتاب للتحالف بين نظامين متناقضين في العقيدة التي يقومان عليها وفي البنية السياسية، ولكنهما متفقان في الأهداف الكبرى.

لقد قيل الكثير عن الجمهورية الإسلامية؛ بعضه فيه الكثير من الصحة وبعضه فيه الكثير من الخطأ. وهذا الكتاب مزيج من قراءتي للوقائع واستخلاص لأهداف الثورة الإسلامية في إيران وطبيعة العلاقات السورية الإيرانية وتأثيرها في أوضاع المنطقة وفي أحداثها، وحرصت على الموضوعية في سرد الوقائع وفي قراءة أسبابها ونتائجها بعيدًا عن العواطف؛ ذلك أن الأمانة التاريخية تتطلب الدقة في سرد الوقائع، والموضوعية في تحليلها وفي تحديد تأثيراتها وانعكاساتها.