النظرية الماركسية والعولمة
كتب .. كتب .. كتب :
خمس وعشرون – فلاح أمين الرهيمي:
د. حسين سرمك حسن
عن دار تموز للطباعة والنشر بدمشق صدر كتاب للباحث "فلاح أمين الرهيمي" (تقديم ومداخلات) عنوانه "النظرية الماركسية والعولمة" (279 صفحة) .
وقد جاء في "التمهيد" قول الباحث :
(إن أية ظاهرة في الوجود منذ أن تكونت الطبيعة ونشوء الحياة عليها وتطورها وتقدمها ووصولها إلى ما هي عليها الآن سواء كانت علمية أو فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، تكمن وراء ظهورها أسباب وعوامل، وهذه الأسباب والعوامل تعتبر روافد تصب في تلك الظاهرة وتؤدي إلى تطورها وتقدمها، أما ولادة تلك الظواهر فتكون خارجة عن إرادة الإنسان، لأنها تولد من خلال الحركة والتغيير فتنشأ وتترعرع وتنمو وتولد معها متناقضاتها التي تعتبر بذرة موتها ويولد التناقض بين المولود الجديد والأصل القديم ويتحول إلى صراع حدي بينهما يؤدي إلى انتصار الجديد الذي يمتاز بالقوة والعنفوان والإرادة والشجاعة والجرأة والحركة وفناء القديم الذي يصبح هرماً لا قدرة لديه على المقاومة والحركة في التصدي ومقاومة الجديد، هكذا هي الحياة منذ وجودها إلى الآن وستستمر الحياة إلى أبد الآبدين بموجب هذه القاعدة التي لولاها لما وصل الإنسان إلى ما نحن عليه الآن من تقدم علمي هائل في اكتشافاته واختراعاته العلمية الكبيرة) (ص 7) .
ثم ينتقل ليوضّح جوانب كلاسيكية من الفكر الماركسي بالقول :
(لقد حدد كارل ماركس تلك الأحقاب المتسلسلة في المراحل التاريخية على الشكل التالي : 1) المشاعية البدائية 2) مرحلة الرق والعبودية والإقطاع 3) المرحلة البورجوازية 4) المرحلة الاشتراكية.
سوف نشرح المشاعية البدائية التي لم يحدث فيها تناقض وصراع طبقي وإنما حدث في نهايته المنافسة وبروز الذات الشخصية مما مهدت ظهور وولادة مرحلة العبودية والرق والإقطاعي، أما الأنظمة الباقية فنستعرضها بالبحث والتحليل لأن الطبقات الاجتماعية ظهرت فيها وأفرزت التناقض في المجتمع الإنساني والصراع الطبقي فيه الذي خلق ديناميكية الحركة في مسيرة التاريخ وأدى إلى التطور والتقدم في المجتمع الإنساني. فهي ولادة وحركة وتغير متناسقة ومتفاعلة مع الإنسان ووجوده ومستقبله وهذا يعني أن التناقض والصراع يؤدي إلى الحركة والتغير، وهذا يعني أيضاً أن الإنسان ما دام خاضعاً لكابوس الظلم والاضطهاد والاستغلال والحرمان فإن التناقض والصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان يؤدي إلى الحركة والتغير وكما قلنا أن الحركة والتغير تؤدي إلى انتصار الجديد وانتهاء وفناء القديم ومهما تكن القوة والجبروت هو الحاكم المطلق والسلطة العاتية فإن الحسم والانتصار في المحصلة النهائية يكون في جانب الإنسان المجاهد والمبدع والخالق لجميع مستلزمات الحياة الإنسانية المادية والمعنوية) (ص 8 و9) .
وقد اعتدنا أن يقدّم الكاتب في "التمهيد" فكرة عن موضوعة الكتاب المركزية وأهدافه ، وحدود البحث وأهميته ، وتحديد مفاهيمه الأساسية ، والأسباب التي دعته إلى تناول هذا الموضوع ، ونبذة موجزة عن محتويات المتن وفصوله ، ولكنني لم أجد اي إشارة إلى علاقة النظرية الماركسية بالعولمة ، بل وعد بشرح المشاعية البدائية وباقي مراحل التاريخ الإنساني وفق طروحات المادية التاريخية وحديث عام عن صراع الطبقات والتطور والتناقض في المجتمع الإنساني .
ثم يبدأ الكاتب بمعالجة مقالات أو بحوث الكتاب المتنوعة ومنها : المراحل المتعاقبة للتاريخ المشاعية البدائية ، ماركس ونظرية دارون ، النظرية الماركسية ، النظرية الماركسية ومراحلها ، فلاديمير إيليتش لينين ، قوانين التطور في النظرية الماركسية ، مراحل النظرية الماركسية ، فلاديمير إيليتش لينين ، النظرية الماركسية ومرحلة العولمة ، الفكر الماركسي والمرحلة الراهنة والمستقبلية .. وغيرها .
وسيلاحظ القاريء وجود تكرارات في العناوين والموضوعات والشروحات ، وقد أشار الكاتب نفسه إلى هذه الظاهرة بالقول :
(وهنا لي عودة وإعادة وتكرار لبعض النصوص والكلمات، فأوافق أن تطلق علي صفة (صقال) إذا كانت معاني هذه النصوص والكلمات تنسجم مع غايتي وهدفي في استيعابها وفهمها من قبل أحبتي المتلقين الأعزاء، فأكون مرتاحاً وسعيداً لأن هذه الصفة كانت تطلق على أستاذنا الكبير الراحل الدكتور علي الوردي، وأرجو في نفس الوقت من أحبتي وتعزيزاً للموضوع أن يقدروا كم قضيت من سهر الليالي وتوتر النفس وأنا المريض العليل أبحث عن كلمة تنسجم مع النص، وأفتش في الكتب عن مصدر ينسجم مع نصوص الموضوع) (ص 250 و251) .
وقد حمل الغلاف تعبير (تقديم ومداخلات : فلاح أمين الإبراهيمي) ، وعندما نقرأ صفتي : تقديم ومداخلات ، فمعنى ذلك أن الكتاب يضم مقالات ليست للكاتب ويقوم هو بالتقديم لها وطرح "المداخلات" والتعليقات عليها والملاحظات النقدية عنها ، لكننا لم نجد أسماء لكتاب المقالات ومعنى ذلك أن الكتاب من تأليف الكاتب ولا حاجة لوصف التقديم والمداخلات الذي يعني ان الرهيمي يقوم بدور "المحرّر" أو ما يُصطلح عليه في الغرب بالـ "EDITOR" .
وعلى الغلاف الداخلي جاء تعبير (تدقيق ومراجعة : شكر حاجم الصالحي) ، وبالنسبة للمراجعة فهي مفهومة ومعروفة ، ولكن لم أفهم معنى "التدقيق" .. وفي أيّ شيء : اللغة .. التسلسل التاريخ .. المراجع ..
ولم أجد صلة واضحة ومُحدّدة بين العرض الطويل (28 صفحة من الصفحة 149 إلى الصفحة 177) لجوانب من حياة جوزف ستالين وسلوكه البوليسي الدموي وسياساته الزراعية مثلا بموضوعة الكتاب المركزية : النظرية الماركسية والعولمة .
لكن الجهد المتميّز والمهم للباحث يكمن في القسم الذي حمل عنوان الكتاب : "النظرية الماركسية والعولمة" (من ص 178 إلى ص 243 ) حيث ضم نظرات ثاقبة وتحليلات عميقة لطوفان العولمة المدمّر ، ومشروعها الإمبريالي في السيطرة على الكون ومصادرة إرادة الشعوب والإستيلاء على ثرواتها . لقد أحكم الباحث فلاح أمين الإبراهيمي في هذا القسم ، وهو الجوهري من الكتاب ، الإمساك بالأفكار المركزية التي تشغل الباحثين والمفكرين في عصرنا الراهن المدوّخ هذا ، من ناحية علاقة العولمة بالنظام الإقتصادي الإستغلالي الجديد ، والممهدات الفكرية التي تحاول تبريره وجعله نهاية للتاريخ ، وتأثيره على حركة الشعوب ومستقبلها .
وأعتقد أن من أدق الأوصاف الموفقة التي استخدمها الرهيمي هو "العولمة المتوحّشة" ، فعلاً نحن أمام نظام عالمي متوحّش يسحق الإنسان والشعوب بلا رحمة من أجل مصالح الشركات متعددة الجنسيات (عابرة القارات) ومؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها المصممة لتدمير اقتصاديات البلدان وخصخصتها وفتح حدودها بلا ضوابط . يقول الرهيمي :
(يمتاز نظام (العولمة المتوحشة) بتحطيم الحدود السياسية للدول الوطنية وسلبها سيادتها واستقلالها، بحيث تستعمل مع تلك الدول مختلف الأساليب الشريفة وغير الشريفة حينما تتمرد بعض الدول في وجه العولمة المتوحشة وترفض الارتباط بشبكة الرأسمالية المعولمة وبشكل خاص رأس المال الأمريكي، وليس فقط على الصعيد الاقتصادي وإنما السياسي والثقافي، وإن هذا الصراع والتناقض لم يظهر بين الدول الرأسمالية والدول الوطنية فقط، وإنما بين الدول الرأسمالية الكبرى أيضاً، حينما يسيطر الخوف والحساسية على تلك الدول صاحبة رأس المال المتوحش الأوسع قدرة والأكبر والأكثر إمكانية من خلال التفاوت في القدرات والإمكانيات عند المنافسة والصراع فتبرز الكلفة الأكثر تفوقاً ومقدرة التي تكون هي الراجحة والحاسمة في الصراع، وهنا تبرز الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك هذا الامتياز فتصبح العملية كما يقول المثل (السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة) لأن الفوز والنصر في المنافسة والصراع من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية يكون إلى جانب الدول الأقوى وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وبما أن الاقتصاد يسير بوتيرة أسرع في مرحلة العولمة المتوحشة من الطابع السياسي، فإن الخوف والقلق والحساسية يستحوذ على الدول الرأسمالية الأخرى مما يؤدي إلى تحفيزها وتحذيرها الذي يدفعها إلى التمرد والوقوف بوجه الولايات المتحدة الأمريكية من أجل أن تحافظ تلك الدول على كياناتها وسيادتها الوطنية وحدودها الإقليمية) (ص 227 و228) .
ثم يشير إلى النتائج السلبية المدمّرة التي خلقتها العولمة المتوحشة بالقول :
(لقد أفرزت مرحلة العولمة المتوحشة وربيبتها الخصخصة المتعجرفة التفاوت والاغتراب واللامساواة بين عالمين موجودين على كوكبنا في التنمية الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي الذي لا يقتصر على منطقة معينة وإنما يشمل أقطاراً عديدة من العالم، أحدهما المتقدم والآخر المتخلف ويشمل البلدان الفقيرة في العالم الأول والثالث أما العالم المتقدم فيشمل البلدان الغنية، إن الإحصائيات التي تصدر من منظمات إنسانية عالمية تقدر عدد الأفراد الذين يعيشون دون مستوى المتوسط خمسة بلايين إنسان من أصل سكان العالم الذي يبلغ عدد سكانه ستة بلايين إنسان وحتى بمستوى الفقر أو دون مستوى الفقر حيث يبلغ متوسط دخل الفرد الواحد أقل من ثلاثة دولارات يومياً ويصل مع بعضهم إلى أقل من دولار في اليوم الواحد، بينما يعيش الإنسان في البلدان الغنية ذات الدخل العالي على مستوى أكثر من ثلاث وعشرين مرة يحصل عليه الفرد في البلدان الفقيرة وأن الفجوة ما زالت تتسع وتزداد قهراً بين الفريقين كلما ازدادت سيطرة وقوة واتساع إخطبوط عصر العولمة المتوحشة حتى أصبح الإنسان في البلدان الفقيرة بالكاد يستطيع أن يوفر قوته وعائلته الضروري لمعيشته وديمومته في الحياة، مما أدى إلى انتشار ظاهرة سوء التغذية والمجاعة وفقر الدم الذي أدى إلى إعاقة النمو والتطور لنحو 40٪ من كل أطفال العالم اعتباراً من عمر سنتين فما فوق. لقد أفرزت هذه الظاهرة أساليب العنف والتطرف والجريمة المنظمة والانفلات في الأخلاق مما أصبحت تهدد حياة وسلامة الناس الأبرياء والمصالح التجارية والمشاريع والمؤسسات في مختلف الدول الفقيرة والغنية وإلى زعزعة الأمن وعدم الاستقرار والاطمئنان) (ص 232 و233).