التصوّف بين الدروشة والتثوير
كتب .. كتب .. كتب :
ست وعشرون – عبد الله الشيخ :
د. حسين سرمك حسن
عن دار ضفاف (الشارقة / بغداد) للطباعة والنشر ، صدر كتاب "التصوّف بين الدردشة والتثوير" للأستاذ "عبد الله الشيخ" .
ومن المهم الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب قد اثار ضجّة كبيرة حتى قبل صدوره حيث رفضت دائرة المصنّفات الأدبية في السودان إجازته بحجة أن الكاتب قد ذكر معلومات لم يشر إلى مصادرها ! وبعد أن تم إصدار الكتاب عن دار ضفاف منعت السلطات السودانية عقد ندوة لمناقشته ، وحاصرت القوات العسكرية مكان الندوة .
فوق ذلك قام الأزهر بحجز خمسين نسخة من الكتاب في مطار القاهرة الدولي ومنعت توزيعه في مصر في آذار 2013 .
بالإضافة إلى ذلك فقد تعرّض الكتاب ومؤلفه إلى حملة شرسة من الإنتقادات في صحافة الإسلام السياسي الذين يرفعون راية الإيمان بالله والدفاع عن الإنسان وحرية الرأي كذباً وهم مستعدون – بسفالة رجال العصابات الأمريكية – لتصفية اي صوت حرّ وقتل أي كاتب شريف .
وقد علّق الأستاذ عبد الله الشيخ على هذه الحملات الظالمة من حكومتين تتشدّقان بالديمقراطية والرحمة والعدالة بالقول : (إن الكتاب يبشر بتصحيح المسار السياسي والفكري في السودان بإشاعة مبادئ التصوف العلمي كحلقة ثالثة بعد الدروشة في عهد الفونج ، والتثوير المهدوي).
ومن الجدير بالذكر أن عبد الله الشيخ قد لوحق من قبل السلطات الأمنية القامعة مدّة طويلة وحرّمت عليه العمل الصحفي فاضطر إلى مغادرة السودان والعمل في التدريس الثانوي .
يقول الشيخ في كتابه المهم هذا :
(نمت الدولة فى السودان بماء التصوف القدسي على أشلاء التنظيم القبلي الآخذ في التصدّع تحت ايقاع الهجرة العربية الوافدة .. كان الانتساب للثقافة العربية الاسلامية فاتحة لادعاء ان الشريعة قد طُبقت كاملة في سلطنة سنار، ومن بعدها في دولة المهدية، وفي عهد الانقاذ!! والحقيقة ان الشريعة كما دونها الفقهاء، لم تجد حظاً من التطبيق في أية مرحلة من مراحل التاريخ، لا سيما وان الأنظمة الوطنية ليست وحدها في ادعاء القداسة باسم الشريعة، فحتى الاتراك، وحتى كتشنر، كانا على دعوى تمثيل الخلافة العثمانية !.
إن جوهر الأمر هو امتطاء القداسة لكسب الشرعية السياسية، واتخاذها مسوغاً لقمع الآخر ومدعاة لتميز القادة واشياعهم، في تخليط متجاوز بين العقدي والاثني.
ان ديناميكية الحراك الاجتماعي في السودان، ظل لقرون طويلة يتخذ من القداسة والعنف أداتين في ميدان السياسة، فالتركية غزو تسربل بالقداسة لقطع مسيرة التطور الداخلي - الصوفي -، ودفع بمجتمع السودان قسراً إلى مناخات الرأسمالية دون اكتمال شروط الانتقال، والمهدية كانت قسراً صبّ الولاءات الاجتماعية والروحية في قالب واحد، اذ طلبت الغد بتبني الماضي، محتمية بالقداسة دون برمجة لذلك التمثل، وكذلك الانقاذ، عنفت بالناس تحت شعار "الإسلام هو الحل"، دون أن تطبق ذلك الشعار، في تنصل تام عن المثال!.
إن العنف والقداسة، سمتان متلازمتان لأنظمة الحكم في السودان طيلة خمسة قرون، أي منذ القرن السادس عشر وحتى الألفية الثالثة .. خلال هذه السنوات الطويلة ترفع الدولة شعارات تبنّي الشريعة ولا تطبقها) .
ويرى الشيخ أيضاً إن التصوف موقف تاريخي اجتماعي وسياسي اتخذته النخبة السياسية عقيدة وتقية لكسب الغالبية التي تدين به، ويرى أنه صراع مذهبي وتاريخي في جوهره، مستدلاً بقراءة تاريخ السودان السياسي والاجتماعي والطبيعة السكانية. وأشار أيضاً إلى أنّ النخبة السودانية تتخذ من المقدس طقس عبور للكسب السياسي والمادي.
ويهمني القول إن من الواجب المقدّس احترام حرّية الفكر وحق الإنسان في التعبير عن أفكاره ، وهذا يتطلب الوقوف إلى جانب الأستاذ عبد الله الشيخ ومساندته في وجه القمع والتسلط والمصادرة .
تحيّة للأستاذ عبد الله الشيخ .