إسرائيل في النيل
بدر محمد بدر
الكتاب: إسرائيل في النيل
المؤلف: د. زبيدة عطا
الناشر: مكتبة الشروق الدولية, القاهرة
عدد الصفحات: 184
الطبعة: الأولى 2010
يصدر هذا الكتاب في وقت مناسب تماماً, حيث يتزايد الجدل في حوض نهر النيل بين دول المنبع ودول المصب وبخاصة مصر، وحصتها في مياه النهر, ومدى إلزامية الاتفاقيات الدولية المبرمة منذ عقود في الحقبة الاستعمارية, التي تحدد حصص الأطراف المختلفة والتزاماتها تجاه نهر النيل.
ويلقي الكتاب، الذي نعرض له هذه المساحة، الضوء على جانب آخر من الصورة, حيث يناقش أبعاد الدور الإسرائيلي، منذ أكثر من نصف قرن وحتى الآن، في الوصول بالمشكلة إلى مرحلة الأزمة حالياً.
والدكتورة زبيدة عطا مؤلفة الكتاب هي أستاذة جامعية في التاريخ, ومتخصصة أكثر في تاريخ اليهود والحركة الصهيونية, وتستعرض في هذه الدراسة الموثقة جذور وأبعاد المشكلة, التي بدأت مع ظهور المشروع الصهيوني نفسه, وبحثه عن حل لمشكلة المياه, ومروراً بإعلان قيام "إسرائيل", والدور الذي تلعبه في القارة السمراء, وصولاً إلى حالة الأزمة التي تعيشها المنطقة فيما يخص قضية المياه.
إسرائيل وأفريقيا
وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب, الأول بعنوان : "إسرائيل وأفريقيا" وفيه تناقش المؤلفة تراجع الدور المصري في أفريقيا, بعد عهد الرئيس جمال عبد الناصر, والذي كان لفترة حكمه تأثير واضح، في دعم ومساندة حركات التحرر في مناطق عديدة من دول القارة, وهو ما أدى إلى قيام معظم دول أفريقيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، في أعقاب حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973م.
ورغم ذلك فإن الحكومة المصرية لم تحاول الاستفادة من هذا الموقف في توثيق التعاون بينها وبين الدول الأفريقية عموماً, ودول حوض النيل خصوصاً, وهو ما أدى إلى نجاح إسرائيل في استعادة علاقاتها تدريجياً مع دول القارة, خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية، في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية عام 1979م.
وينتقد الكتاب قلة الاهتمام والتهوين الرسمي المصري من خطورة الدور الإسرائيلي في أفريقيا, فيما يخص أزمة حصة مصر من مياه النيل, حتى إن بعض الرسميين، وصحفيين وكتاب محسوبين على السلطة، يربطون الحديث في هذا الجانب بنظرية "المؤامرة" التي تتخيل خطراً وهمياً قادماً بلا دليل!
ويستند أصحاب الرأي الرسمي إلى أن حجم استثمارات إسرائيل في إثيوبيا مثلاً, وهي إحدى الدول الرئيسية المؤثرة في حوض نهر النيل, لا يزيد عن مائة مليون دولار, وهو رقم ضعيف بالمقارنة بالاستثمارات المصرية في تلك الدولة.
لكن الرأي الآخر في هذا الجانب لا يربط بين تدفق الاستثمارات وحجم التأثير السياسي, منها مثلاً ما يقوله خبير المياه الدولي الدكتور مغاوري شحاتة دياب من أن إسرائيل لديها أحلام كبيرة في مياه النيل, ولديها مشروع جاهز للحصول على مياهه تخطط لتنفيذه, وهو رأي العديد من خبراء المياه في مصر والسودان, ويستند أصحاب هذا الرأي أيضاً إلى أن إسرائيل تستخدم أزمة المياه، كورقة ضغط على مصر، لتحقيق مطالبها الخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
ويشير الكتاب إلى جملة من الوقائع والشواهد التي تؤكد قيام إسرائيل بتغذية الشعور لدى المسئولين الأفارقة في دول حوض النيل، بأن مصر تسلبهم حقوقهم ومواردهم الطبيعية بلا ثمن, بالإضافة إلى الدعم العسكري الإسرائيلي لبعض الدول وحركات التمرد في القارة, سواء من خلال التسليح أو تدريب المقاتلين, وهو ما يجعل دورها وتأثيرها على صناعة القرار أكبر من مجرد النظر إلى حجم الاستثمارات المالية.
النيل وسيناء
ويتناول الباب الثاني أطماع إسرائيل في شبه جزيرة سيناء، وإمكانية توصيل مياه نهر النيل إليها عبرها, ويشير إلى فقرات متعددة من كتاب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"، تؤكد على اهتمام المسئولين هناك بمشروع توصيل مياه النيل إلى إسرائيل، عن طريق القنوات المائية في مصر, وهو المشروع الذي تسعى إليه الصهيونية العالمية منذ أيام هيرتزل, ولذلك جاء اهتمام إسرائيل بشبه جزيرة سيناء, وهي النافذة الغربية التي يمكن أن تؤمن لها حلاً لأزمة المياه التي تعاني منها.
ويذكر الكتاب أن الحكومة الإسرائيلية حاولت الضغط على الرئيس المصري أنور السادات في أعقاب اتفاقيات السلام 1979, من أجل نوصيل مياه النيل إليها عبر سيناء, واستخدمت في ذلك إثيوبيا, سواء من خلال دعمها لبناء بعض السدود، التي تقلل من تدفق المياه إلى مصر, أو في دعم الرئيس الإثيوبي منجستو هيلا ماريام لإحداث قلاقل في السودان، من خلال دعم المتمردين في الجنوب, وهو ما أدى إلى إغضاب الرئيس المصري, فألغى فكرة مد المياه إلى سيناء، تمهيداً لنقلها إلى إسرائيل.
ويشرح الباب الثالث, وهو الأهم والأكبر حجماً بين صفحات الكتاب, الأبعاد التفصيلية لعلاقات إسرائيل بدول حوض نهر النيل، والدول الغربية التي تساندها في ذلك, فالولايات المتحدة تتبع سياسة الترهيب والترغيب مع الدول الأفريقية، التي تقف موقفاً معادياً لإسرائيل في المحافل الدولية, ومن الحقائق التي تم الكشف عنها انضمام هولندا وألمانيا إلى الولايات المتحدة في دعم وتمويل النشاطات الإسرائيلية في أفريقيا, وأيضاً فإن لفرنسا دوراً لا يستهان به في تسهيل عودة إسرائيل إلى القارة السمراء, بحكم شبكة علاقاتها الواسعة بقادة الدول الناطقة بالفرنسية, كما لا يمكن تجاهل دور بريطانيا في هذا الميدان، في شرق أفريقيا وفي نيجيريا.
السودان
وتستعرض المؤلفة واقع دول حوض النيل وعلاقاتها بإسرائيل، مؤكدة أن إسرائيل تلعب دوراً مهماً في محاولة تقسيم السودان وتفتيته إلى عدة كيانات، يرتبط بعضها بمصالح مشتركة معها, وتشير إلى كتاب عميل الموساد السابق "موشيه فرجي" بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، الذي يؤكد فيه أن إستراتيجية إسرائيل تقوم على أساس تقوية الحركات الإثنية المعارضة للسلطة في الشمال, بعد فشلها في إجراء اتصالات مع الزعامات السودانية, وتحول السودان إلى الخندق المعادي, فلزم إتباع سياسة شد الأطراف ثم بترها.
ويذكر عميل الموساد أيضاً أن جون جارانج كان على علاقة قوية بإسرائيل, وأن أفراداً من الموساد شاركوا في سقوط عدد من مدن الجنوب في أيدي المتمردين في عام 1990, وتشير بعض التقارير إلى أن حادث تحطم طائرة جارانج كانت تقف وراءه إسرائيل, بعدما بدأ يميل إلى وحدة السودان, ويبدو الدور الإسرائيلي في أزمة دارفور واضحاً جلياً, حيث لم تخف بعض قيادات فصائل التمرد صلتها بإسرائيل, ويعتبر أنصار اللوبي الإسرائيلي الأميركي أن نشاطهم، لما يوصف بحملة إنقاذ دارفور، كان وراء تشكيل رأي عام عالمي, لدفع المجتمع الدولي نحو اتخاذ قرار من الأمم المتحدة، بإرسال قوات دولية إلى دارفور, كما تم اكتشاف شبكات لتهريب الأسلحة الإسرائيلية إلى المتمردين في دارفور.
إثيوبيا
تعتبر إثيوبيا من أكثر الدول أهمية لمصر, إذ يأتي منها مايعادل 85% من مياه النيل, وتوجد فيها أكثر من مجموعة عرقية وإثنية, وينبع منها أحد عشر نهراً, تعبر حدودها إلى كل من: الصومال والسودان, ويعد النيل الأزرق من أكبر هذه الأنهار.
ولإثيوبيا أهمية استراتيجية لمصر والسودان واليمن والسعودية وكينيا, وأيضاً لإسرائيل, ومن ثم كان اعتبار الأمن مبرراً للموساد والجيش الإسرائيلي للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية, وعلى الرغم من أن إثيوبيا ليس لها مواني على البحر الأحمر, إلا أنها تمثل قاعدة حيوية لإسرائيل في مناطق جنوب البحر الأحمر, وتمتاز بثرائها في المواد المعدنية، التي تخدم الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
وهذا بالإضافة إلى المشروعات المشتركة بين إثيوبيا وإسرائيل في إقامة السدود، منها 33 مشروعاً للري وتوليد الكهرباء حول حوض النيل الأزرق, ومشروعات أخرى قيد التنفيذ, بمساعدة المجموعة الاقتصادية الأوربية.
كينيا
كينيا كانت إحدى الدول المرشحة لإقامة وطن قومي لليهود في بدايات القرن العشرين, وبالفعل استقرت 30 عائلة يهودية في نيروبي, اقتطعت لها الحكومة البريطانية في ذلك الوقت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية, وبالتالي تحظي كينيا بأهمية خاصة لدى إسرائيل, وهناك شركات إسرائيلية عديدة تعمل هناك, بالإضافة إلى عدد كبير من المستشارين والخبراء العسكريين، الذين يعملون في صفوف القوات الكينية, وكانت نيروبي مكانا لاجتماعات المتمردين في حركة تحرير جنوب السودان مع الإسرائيليين.
أوغندا
أيضاً بدأت علاقات أوغندا بإسرائيل مبكراً, ونتيجة لهذه العلاقات قامت في عام 1996 بانتقاد مصر والسودان لحصولهما على أكثر من حصتهما من المياه, مؤكدة حقها في استغلال موارد المياه وإقامة السدود, وتقف إسرائيل بالدعم والمساندة خلف قبائل التوتسي الحاكمة في رواندا وأوغندا, حتى إن المخابرات الإسرائيلية اعترفت بقيامها بتأجيج الصراعات بين التوتسي والهوتو، وتصدير السلاح إلى الطرفين للسيطرة عليهما.
تنزانيا
تحظى تنزانيا بموقع إستراتيجي مهم على ساحل المحيط الهندي, مما جعلها منفذاً مهما للعديد من الدول الأفريقية, وسعت إسرائيل للتغلغل فيها, وتقوم بدور واضح في إثارة الفرقة ضد مصر والدول العربية في أفريقيا, وهناك تعاون بينهما فيما يتعلق بالزراعة والمياه, ووافقت إسرائيل على تمويل إنشاء خمسة سدود لتخزين المياه، لكل من تنزانيا ورواندا.
إرتيريا
أيضاً تحظى إرتيريا بأهمية استراتيجية على ساحل البحر الأحمر, وبتأثير من إسرائيل تقوم بدعم المتمردين في حركة تحرير السودان, وكان لها تأثير في أزمة دارفور, وانتهجت سياسة عدوانية تجاه حكومة السودان، والهدف المشترك بينها وبين إسرائيل: إيجاد حالة من عدم الاستقرار في السودان, ودعمهما للحصار الدولي المفروض عليه, ويعمل في إرتيريا أكثر من 500 خبير ومستشار عسكري وفني من إسرائيل.
رواندا وبورندي
يشكل الجزء الخاص بحوض النيل نصف مساحة بورندي تقريباً, وكانت مع رواندا دولة واحدة لكن الاستعمار فرقهما, وفي رواندا بلغ النفوذ الصهيوني حداً كبيراً, حتى أصبح يطلق عليها الآن "إسرائيل منطقة البحيرات"، وتحاول إسرائيل التركيز في خطابها على النخبة في رواندا، باعتبار أن هناك تماثلاً بينهما وبين إسرائيل, فكلاهما صغيرتان بجوار جيران كبار.
الكونغو
وتعد الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) هي ثاني أكبر دول حوض النيل من حيث المساحة، بعد السودان، وأكثرها سكاناً, وبها بحيرة موبوتو سيسي سيكو, التي يمكن في حالة إقامة سد عليها زيادة حصة كل من: أوغندا والسودان وبالتالي مصر, وسعت إسرائيل للتقرب منها, وقامت بتدريب ضباط وجنود الجيش، ولها مصالح متعددة تشمل جميع المجالات الاقتصادية.
وفي الختام تتساءل الدكتورة زبيدة عطا: هل يمكن بعد كل هذه المعلومات والوقائع على الأرض ـ أن ينهار ذلك تحت شعار نظرية المؤامرة الوهمية؟
الكتاب إذن صيحة تحذير لكل من يهتم بأزمة المياه في دول حوض نهر النيل وبخاصة لكل المسئولين في مصر والسودان.