خبط.. لزق

محمد طعيمة

[email protected]

مُخاض

تنفي رواية "مطمورة" عن مبررات تغيير طريقة اختيار الرئيس تأثير الحراك السياسي عام 2004 على تعديل المادة 76 من الدستور. الرواية التي تسربت في بلد تغيب عنه الشفافية، يعود جذرها إلى حصول النائب السابق أيمن نور في ديسمبر 2000 على 168 صوتاً كمرشح لوكالة مجلس الشعب. لم يكتمل التصويت، إذ استدعى كمال الشاذلي أمين تنظيم الحزب الحاكم وقتها النواب واستعاد سيطرته عليهم. وقيل إن رجل الأعمال رامي لكح، حليف نور وقتها، نجح في استمالة النواب بطريقة أو بأخرى، عوقب لكح.. ولم ينس النظام "دلالات" اختراق سيطرته.

مخاوف اختراق السيطرة طالت المنصب الأعلى، وتساءلت شخصيات فاعلة: ماذا لو نجحت قطر أو ليبيا، مثلاً، في تكرار ما فعله لكح، وفوجئنا بمجلس الشعب يختار "اسمًا ما" كمرشح للرئاسة، وضربت مثلا بقيادة ناصرية معروفة، ونجبر سياسياً على طرحه للاستفتاء كرئيس قادم. كان الحل من وجهة نظرها.. فتح المنافسة على الرئاسة بما يبقيها "تحت السيطرة"، فما يمكن اختراقه في قاعة المجلس.. يستحيل فعله بامتداد خريطة البلد، وكان اقتراب نهاية مدة الرئاسة الأخيرة توقيتاً مناسباً لتنفيذ التعديل، وتصادف أنه تزامن مع الحراك.

هكذا التقطت قيادات مؤثرة داخل النظام، مبكراً، مؤشرات تفكك بنيته الداخلية.. والتآكل الذاتي لمنظومة فساده.

هي أوان مستطرقة، فما فعله اللانظام الحاكم في البلد خلال ثلاثين عاماً، طاله هو نفسه. الفوضى تنخر أقدم دولة عرفتها البشرية، ولسان حالنا "إن وقع بيت أبوك.. الحق خد لك قالب". فمع مجرد خطوات تمهيدية للتوريث تكاد بنية مصر أن تتفكك. والأمر لا يقتصر على "أنت وأبوك لا تدركان قيمة البلد الذى تحكمونه"، كما قال المفكر الليبرالي الراحل سعيد النجار لجمال مبارك في نادى الدبلوماسيين، بل إنهم أصلاً لا يعون معنى "دولة".. من مصلحتهم الإبقاء عليها ليجدوا ما يتحكمون فيه.

فى ظل حكم الأب.. ثم بالشراكة مع الابن، تقزم الرصيد الاقتصادى والسياسى والإقليمى والاجتماعى والثقافي.. و"الانتمائي" للبلد. فإذا كان الأب لم يع معنى "رجل الدولة"، فالابن وفريقه يتصرفون وكأنها "مخطوفة" يتقاسمون ناسها وزرعها وضرعها، متعاونين على النهب الفوضوي، مع نماذج مثل ممدوح إسماعيل وأحمد عز وهشام طلعت مصطفى. توابع شراكة الأب والابن المدمرة حركت البعض من داخل "بنية" الدولة، للتحذير.. ثم الاعتراض المباشر، الذى قيل إنه أوقف محاولة لتنفيذ التوريث نوفمبر 2008. وتنقل مصادر لها صدقيتها أن عنصرين فاعلين جدا، عرضا الاستقالة بهدوء.. حين جاءهما رد حاد على انتقادهما المُتتابع لخطوات التمهيد له، رغم أن "العادي" هو عداؤهما لبعضهما.

الآن، عدة أجنة تتصارع فى رحم مصر. أولها حمل كاذب يخدع من يتوقف عند السطح، ويفضحه من يمد نظرته إلى ما وراء "الانتفاخ". وثان لا تتوافر له لا إمكانية الحمل ولا الولادة الطبيعية.. وحتى القيصرية منها لن تحقق له فرص حياة حقيقية، رغم اعتماده على تضخيم إعلامى ذاتي.. أو مخدوع، مستفيداً من لعبة "الفزاعة" المشتركة بينه وبين اللانظام. ويجمع المراقبون على أن الحسم بأيدى من يملك ما تبقى من مفاصل القوة داخلياً وإقليمياً، ليحتد الجدل بين توريثين. الأول لجمال، والثانى لمنظومة حكم أتت بأبيه، مع حديث عن "مقايضة تاريخية".. تشمل حزمة إصلاحات دستورية مقابل إعلان قوى المعارضة والحراك تأييدها لاستمرار ذات المنظومة.. مع توسيع الهامش المدني.

البداية كانت على صفحات جريدة (العربي). وقتها كانت تلميحات التوريث خجولة بالمجالس الخاصة، لتتشجع قليلاً بعد إشارة (الأستاذ هيكل) إليها فى الجامعة الأمريكية، وتتخوف أعمدة رأي من استنساخ سيناريو بشار الأسد، لكن أحدا لم يقترب من خطوط السيناريو كما كان يُطبخ. منتصف عام 2002، وبعد لقاء جاك سترو وزير خارجية بريطانيا الأسبق بجمال، دشن مصريون من تورنتو بكندا حملة توقيعات ضد التوريث، أخذناها مدخلاً لفتح الملف في (العربي) بتأثيرها، حينها، الأوسع إعلامياً وسياسياً. كان أول تحقيق صحفي عن إرهاصات التوريث، وبدأت معارضته تخرج للنور فى حلقات متتابعة، وتنقلها عنا وكالات أنباء وصحف عالمية. أذكر وقتها كلمات العم (صُنع الله إبراهيم)، بثقله الثقافي والوطني: "هذا عمل غير مسبوق فى تاريخ صحافتنا"، كوسام سأظل أفخر به، شجعني على إكمال متابعتي لتطورات السيناريو، ثم توثيقها فى هذا الكتاب.

لكل مقال منها "طزاجته الزمنية" في تاريخ نشره. من الطبعة الخامسة، حذفت ما رأيت أن غيابه لن يؤثر على رصد تطور السيناريو، وأضفت ما تيسر لى متابعته وتعميقه. أزعم أن الطبعة الجديدة تقدم، لأول مرة، رؤية شبه متكاملة لمشروع التوريث.. ميلاداً وتطوراً ومواقف كل اللاعبين منه، مع أو ضد.. أو مُناورة.

كلها نُشرت فى تجربة سيتوقف عندها تاريخ مصر أكثر فيما بعد.. (العربي)، التى لم تخترق الخطوط الحمراء فقط.. بل انفردت بكشف ومقاومة التوريث، وسيطرة "العائلة".. لأعوام، قبل أن ينضم لها آخرون.

* مقدمة الطبعة الخامسة من (جمهوركية آلـ مبارك) التي صدرت عن دار (الثقافة الجديدة).

الاحد 18 أكتوبر 2010

http://www.middle-east-online.com/?id=98815 

";جمهوركية ألــ مبارك" يتوقع تراجع سيناريو التوريث بعد صعوده

http://www.elaph.com/Web/Culture/2010/10/604024.html?entry=homepageculture