الإسلاميون والمستقبل .. رؤية في تخطي الحواجز
في كتاب جديد لأدب النقد الذاتي للحركة الإسلامية
الإسلاميون والمستقبل .. رؤية في تخطي الحواجز
محمد سيد بركة
رغم أن صناعة التاريخ والأحداث في عالمنا العربي في العصر الحديث، كانت بصفة أساسية، بيد الاستعمار الأوروبي ومعه مجموعات المنهزمين والمتعاونين معه من بني جلدتنا،، إلا إن دور الحركات الإسلامية في قيادة الأمة لمواجهة مشاريع الغرب وأتباعه كان قويًا ومربكًا للقوم الذين مارسوا كل أنواع التنكيل ضد الحركة الإسلامية لمنعها من القيام بهذا الدور الوطني.
ولأن المشروع الإسلامي ظل يعمل في هذه الأجواء لعقود طويلة، فلم يكن هناك وقت كاف لدى الحركات الإسلامية لكي تتوقف لتراجع خططها وبرامجها وأفكارها وعلاقاتها بمجتمعاتها، لكننا نعتقد أن الوقت قد حان للقيام بهذا الدور النقدي المنتظر لفكر وسلوك الإسلاميين المصريين، رغبة في تصحيح الأخطاء من أجل جني الثمار التي طالما انتظرها الجميع.
ومن هنا تأتي أهمية كتاب "الإسلاميون والمستقبل .. رؤية في تخطي الحواجز"، الذي صدر حديثًا عن مكتبة جزيرة الورد للكاتب الصحفي السيد أبو داود، أحد أبناء الحركة الإسلامية والذي يقدم في الكتاب خبرته في صفوف الحركة والتي بدأت منذ عام 1978، حيث يقوم في كتابه بمراجعة نقدية شاملة للفكر السياسي والأداء السياسي والثقافة العامة والفكر والعمل الاجتماعي والبرامج التربوية وكذلك الرسالة الإعلامية للحركات الإسلامية.
وتأتي أهمية الكتاب كونه يندرج في إطار النقد الذاتي، فالكاتب لا ينقد الحركة الإسلامية من منظور سياسي معادي أو علماني رافض أو من منظور الكراهية لأي سبب كان، وإنما هو يعلن اعتزازه بالحركة الإسلامية وما قدمته لأوطانها، لكنه يعتقد أن القول بقداسة الحركة وحصانتها ضد الأخطاء وأنفة قادتها وأعضائها من النقد، قد ساهم في ضعف الحركة وعدم تطويرها، لأنها تكوين بشري يخضع للخطأ والصواب، ولذلك فلا بد أن لديها أخطاء، والقول بحصانتها ضد الأخطاء كانت نتيجته استمرار هذه الأخطاء وعدم تصحيحها، ثم تتراكم الأخطاء ويكون الفشل وعدم الوصول إلى الأهداف المنشودة، ومنها صياغة مجتمعاتنا الصياغة الإسلامية التي نرجوها وعرقلة المشاريع التغريبية لمجتمعاتنا وإقامة نظم سياسية مفتوحة وعادلة مكان نظم الاستبداد والقمع الحالية.
جاء الكتاب في ثمانية أبواب وواحد وثلاثين فصلاً ومائتين وواحد وأربعين صفحة من القطع الكبير، واجتهد الكاتب في أن تكون مراجعته شاملة لكل جوانب الفكر والأداء لفصائل الحركة الإسلامية، وتعرض لعلاقة الفصائل ببعضها، ثم لعلاقة فصائل الحركة بمجتمعها وبنظام الحكم.
يناقش الكاتب في الباب الأول قضية "الحركة الإسلامية وتطوير الذات" من خلال محورين أساسيين هما: خوف الإسلاميين من النقد وخشيتهم من الخلافات الفكرية، ويرى أن ذلك أحدث نوعًا من الضحالة الثقافية وساعد على التقوقع على أفكار معينة والتعصب لها حتى وإن كانت غير صحيحة، وينادي الكاتب بضرورة انفتاح الحركة الإسلامية على مجمل الحركة الثقافية داخل المجتمع بل وعلى الثقافة العالمية كلها. والمحور الثاني هو ضرورة مراجعة الحركة الإسلامية لبرامجها المختلفة كل فترة وتعريضها للنقد والنقاش مع الآخرين، فالنقد هنا عامل بناء وليس معول هدم، والعمل الذي يصمد أمام النقد تتأكد قوته بينما العمل الذي يكشف النقد عن عيوبه وثغراته يجب تغييره وتصحيحه وعدم تثبيته والدفاع عنه.
وفي الباب الثاني يناقش الكاتب قضية هامة وهي رؤيته أن التنظيمات أثرت على العمل الإسلامي تأثيرًا سلبيًا وأوصلته إلى طريق مسدود من خلال طبيعتها المغلقة وأذرعها شبه العسكرية التي أدت إلى الوقوع في أعمال عنف أخافت المجتمع والحكومات، وقدم الكاتب براهينه على أن المضي قدمًا في طريق التنظيمات معناه المضي قدمًا في استفزاز الحكومات والصدام معها وإخافتها، خاصة وأن التنظيم بطبيعته السرية يخيف الأنظمة لأنها لا تدري ما يحدث بداخله وتعتبره مناوأة للدولة وتجمعًا يهدف إلى الإطاحة بها. ومن هنا فإنه يدعو إلى أن يحل التيار العام محل التنظيم، حتى وإن أصبح لهذا التيار بعض الخصوصية اللازمة لبقائه قويًا مؤثرًا شرط ألا يكون سريًا، لأن السرية هي أساس كل المشكلات. كما يناقش الكاتب في هذا الباب التجربة القطرية حينما حل الإخوان المسلمون هناك تنظيمهم بعد دراسات مستفيضة انتهت إلى عدم جدواه، فإذا كان الهدف هو خدمة الشريعة والعمل على تعميقها في المجتمع وتأكيد هويته الإسلامية والوقوف أمام حملات العلمنة والتغريب ومواجهة المؤامرات على الإسلام والمسلمين، فإن ذلك يمكن القيام به من خلال التعاون مع الآخرين ولا يشترط له التنظيم السري الذي يجلب لأعضائه المشكلات والهموم، ويعتبر الكاتب أن هذه التجربة القطرية تستحق الدراسة.
وفي الباب الثالث يبحث الكاتب قضية التحولات السياسية التي يجب على الحركة الإسلامية القيام بها، من خلال ضرورة أن تقود المجتمع لصناعة وعي سياسي وطني على أسس جديدة لمواجهة التزييف الذي تقوم به النظم العلمانية الاستبدادية القائمة، ومن خلال التأكيد على خطورة أن يحدث التغيير القادم على الأرضية غير الإسلامية، وهنا يحذر الكاتب الإسلاميين من أن تتم سرقتهم مرة أخرى، ففي كل مرة يقود الإسلاميون العمل الوطني والمقاومة ضد العدوان الخارجي تكون النتيجة أن العلمانيين الذي لم يفعلوا شيئًا يقفزون ليقطفوا الثمار ويأخذوا بزمام الأمور ويهمشوا أصحاب الفعل والإنجاز الحقيقي. ويبحث الكاتب في ضرورة أن تقود الحركة الإسلامية الشرعية السياسية الجديدة، بعدما تأكد أن النظم السياسية الحاكمة فقدت شرعيتها وخانت شعوبها بتفريطها في استقلال هذه الشعوب وبهزيمتها أمام المشروع الاحتلالي الصهيوني وبخرقها للعقد الاجتماعي عن طريق تصميمها على التزوير المستمر واللانهائي للانتخابات وتزييف إرادة الشعوب. ويدعو المؤلف إلى ضرورة أن تبذل الحركة الإسلامية جهودًا فكرية وسياسية لإقناع مجتمعاتها بأنها ليسًا عائقًا أمام الديمقراطية ولا رافضة لها بل إنها أول داعم لها لأنها ببساطة أول من يكتوي بنيران غيابها. كما يدعو المؤلف الحركة الإسلامية إلى أن تعتمد في فكرها الجديد على تفعيل دور الأمة وجعله أهم الأولويات، بعد أن همشتها النظم العسكرية والعلمانية الاستبدادية. ويؤكد الكاتب أن هناك قضايا كبرى تنتظر الحسم من الحركة الإسلامية ككل وأهمها القناعة الكاملة واليقين بأن الخروج على الدول والأنظمة لا يفيد، وأن تحسم موقفها من خوض الانتخابات كطريق للعمل السياسي، وقبل ذلك أن تحسم موقفها من الأحزاب، وأن تؤكد أن الديمقراطية آلية من آليات الشورى فلا تقف ضدها.
وفي الباب الرابع، يناقش الكاتب قضية الإصلاح الثقافي والفكري المأمول والمنتظر من الحركة الإسلامية، فيبين الخطوط العامة للإصلاح الثقافي المطلوب، ويؤكد على خطورة الجمود الفكري على الإسلاميين، ويعقد فصلاً مستقلاً يدعو فيه إلى تقديم الثقافة على السياسة. وفي فصل آخر يناقش المؤلف قضية إدراك الحركة الإسلامية للآخر الغربي والمرتكزات التي يجب أن تنطلق منها الرؤية في هذه القضية. ولأن الإصلاح الثقافي يحتاج إلى قادة ثقافيين يتمتعون بمعايير الجودة الثقافية والعمق العلمي والانفتاح الثقافي والهدوء وعدم التشنج .. فقد حدد المؤلف مواصفات القادة الثقافيين المنتظرين. وعاب المؤلف على بعض فصائل الحركة الإسلامية اختلاط الثوابت والمتغيرات وعدم التفريق بينهما .. ولذلك فقد تعمق في مناقشة هذه القضية الهامة. وناقش الكتاب أيضًا كيف تحقق الحركة الإسلامية في برنامجها الثقافي المنتظر أنماطًا للتفكير أكثر كفاءة عند أبنائها، ثم انتقل إلى قضية التعددية فأكد أن فكر التعددية الثقافي والسياسي غائب بصورة كبيرة عن ثقافة شباب الإسلاميين .. ودعا إلى ضرورة الوعي بهذه القضية المهمة. وفي نهاية هذا الباب توقف المؤلف أمام نظرية المؤامرة وآثارها السلبية على ثقافة الحركة .. ودعا إلى ضرورة التخلي عن هذه الثقافة السلبية التي تبرر الأخطاء وتعمل على تجذر الفشل.
وفي الباب الخامس، يناقش الكتاب أولوية تطوير الأداء الاجتماعي عند الإسلاميين، ويرى أن العمل الاجتماعي مستقبل جديد للإسلاميين .. يجذر وجودهم في المجتمع .. ودعا الحركة إلى التوسع في العمل الاجتماعي وابتكار آليات ووسائل جديدة فيه، وأكد أن على الإسلاميين التحرك في هذا الباب من منطلق خدمة المجتمع وليس اختراقه. ثم خصص فصلاً لعرض كيف تجذرت حركة "حماس" في المجتمع الفلسطيني عن طريق العمل الاجتماعي قبل أن يختارها الناس سياسيًا ويفضلونها على حركة "فتح".
وخصص المؤلف الباب السادس لنقد الفكر التربوي والبرامج التربوية داخل الحركة الإسلامية، ودعا إلى إعادة هيكلة هذا الفكر وهذه البرامج، وأكد على أن أولى الأولويات التربوية هنا هي آليات مواجهة التدهور الأخلاقي في المجتمع ودور الإسلاميين فيه، ثم ناقش أزمة الفكر التربوي داخل الحركة الإسلامية ضاربًا الأمثلة ومناقشًا النماذج ومستشهدًا بآراء خبراء التربية. كما أكد أن الخلل والنقص في العناصر القيادية واضح وله أسباب قام بتحديدها. ومن القضايا المهمة التي ناقشها المؤلف في هذا الباب أن ثمرة الخلل التربوي كانت أنماطًا وقوالب مكررة غير مبدعة وكلام محفوظ. ونبه المؤلف إلى مأزق التداخل بين الدعوي والسياسي .. وقال إن هذه القضية في حاجة إلى إدراك سليم داخل الحركة الإسلامية حتى لا تتسبب في تراكم الأخطاء.
أما الباب السابع، فقد قدم المؤلف فيه برنامجًا مفصلاً لتغيير الخطاب الإعلامي الإسلامي، باعتبار المؤلف كاتبًا صحفيًا وخبيرًا إعلاميًا. وتضمن الباب فصلين، حدد الفصل الأول ملامح الخطاب الإعلامي الذي نفتقده، بينما توسع الفصل الثاني في وضع أسس مهنية احترافية لإعلام إسلامي، يقبله الناس ويتابعونه ويتعلقون به.
وأخيرًا جاء الباب الثامن والأخير كنموذج تطبيقي على ثلاثة فصائل رئيسية للحركة الإسلامية وهم: الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد وجماعة الإخوان المسلمون. وبتطبيق المعايير التي تحدث عنها المؤلف في أبواب الكتاب السابقة التي تنطلق من أهمية النقد الذاتي وممارسته ودوره في تصحيح مسار الحركة، أثنى المؤلف على الجماعة الإسلامية التي نقدت نفسها نقدًا شديدًا ولم تخف بل كانت جريئة إلى أبعد حد في هذا الجانب رغم ما تعرضت له من تحامل كل فصائل الحركة. وأكد المؤلف أن جماعة الجهاد قام نصفها بحركة نقدية من خلال جهود الشيخ سيد إمام الشريف بينما ما زال النصف الثاني على منهج الظواهري .. مؤيدين لفكر القاعدة رافضين النقد الذاتي والمراجعة. أما بخصوص جماعة الإخوان فقد انتقدها المؤلف لكونها ترفض المراجعة والنقد الذاتي انطلاقًا من أنه إذا كان الآخرون قد نقدوا أنفسهم وراجعوا فكرهم فإننا ليس لدينا أخطاء لكي نتراجع عنها أو ننقد أنفسنا فيها، واعتبر المؤلف أن التعالي على الاعتراف بالأخطاء ومحاولة تحصين النفس ضد النقد ثقافة سلبية ينبغي على الحركة الإسلامية أن تلفظها وهي تدخل الألفية الثالثة.