قالت لنا القدس

للأستاذ الأديب محمود شقير

موسى أبو دويح

كتب الصديق العزيز محمود شقير –حفظه الله وهداه سواء السبيل- كتابه "قالت لنا القدس"، والذي صدرت طبعته الأولى عن وزارة الثقافة الفلسطينية / الهيئة العامة للكتاب سنة 2010 في مئتي صفحة من القطع المتوسط.

قسم الكاتب كتابه إلى أقسام ثلاثة: نصوص، يوميات، شهادات.

فالقسم الأول تمهيدان حول القدس كما كانت وكما هي الآن، وشبابيك بناياتها القديمة على الأخص ومقاهيها وتبدلات شوارعها وهكذا، وجاءت في ثمانين صفحة. والقسم الثاني المدينة كما هي في المشهد اليومي وهي يوميات كتبها الكاتب بدأت من يوم 22/4/1996 إلى يوم 9/9/2009 وهي ثمانية وتسعون نصا يوميا جاءت في ثلاث وسبعين صفحة. والقسم الثالث سماه "المدينة كما هي في الشهادات" وجاءت في خمسة مواضيع هي: بيت السكاكيني وشتات العائلة ومفارقات الحصار ومن القدس إلى برلين وأنا والقدس والكتابة، وجاءت في تسع وعشرين صفحة.

الكتاب كله ابداع، وأروع الإبداع فيه عنوانه "قالت لنا القدس". القدس عند كاتبنا تقول وتشكو وتبكي وتندب حظها وتلوم أهلها فلسطينيين وعربا ومسلمين، والقول هو قول الكاتب على لسان القدس، والكلام كلامه، والوصف وصفه، والكتابة كتابته. ولكنه أبدع كل الإبداع حين سماه "قالت لنا القدس". فقال: قالت لنا القدس، ولم يقل قالت لي القدس وهذا غاية في التواضع وترك الأنا وحب الذات، والذوبان في الجماعة، والإعتراف بأن المجتمع هو المؤثر والفاعل، وليس الفرد. والمرء كثير بإخوانه.

والكتاب يؤرخ للقدس ويصفها -شوارعها وشبابيكها- وصفا دقيقا، وعلى الأخص قبل حرب حزيران وبعدها إلى هذه الأيام.

لغة الكتاب لغة سهلة سلسة، لا تكلف فيها ولا تعقيد، تنساب انسيابا رقيقا، وتمتاز بالرقة والبساطة، استمع إلى قوله: "في القدس شبابيك مقموعة لا ترى الشمس، ولا تراها الشمس" (صفحة 25). وقوله: " قد تنجح حينا ولا تنجح في كثير من الأحيان" (صفحة 29). ويصف هدم المحتلين للبيوت العربية بقوله: "تنهار الحيطان التي انبنت بالجهد والعرق، وتتكوم الشبابيك بما فيها من زجاج وألمنيوم وحديد فوق الركام" (صفحة 30). وقوله في وصف شبابيك القدس: "وقد تبدو منطوية على نفسها، كما لو أنها تتوقع مفاجآت غير سارة، ذات صباح أو ذات مساء" (صفحة 30). وغير هذا كثير.

اختلف مع الأستاذ والصديق الكاتب في نظرته إلى إمكانية العيش مع يهود والتصالح معهم؛ فهذا أمر لن يكون، ولا يريد له اليهود أبدا أن يكون، ولا يقبل يهودي بالعيش مع الآخر، وإن وجد من يقبل ذلك من يهود، فإنه يكون قد تخلى عن يهوديته. وصدق الله العظيم "أم لهم نصيب من الملك، فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً" (سورة النساء الآية 53). هذا هو وصف الله ليهود ووصف الله لا يتخلف.

فلا حل وسطاً لقضيتنا، ففلسطين كلها لنا أو لهم، ولن تكون لنا ولهم؛ فهم لا يقبلون بذلك، وإن قبله أمثال كاتبنا الكريم الذين يحسنون الظن ببعض يهود.

جاء في التمهيد الأول في الصفحة السادسة "وهم يجتازون درب الآلام نحو المكان الذي صلب فيه السيد المسيح". وكان الأجدر بالكاتب أن يقول: "نحو المكان الذي صلب فيه المصلوب". فالسيد المسيح لم يصلب ولم يقتل؛ بدليل قول الله سبحانه: "وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم إلا اتباع الظن، وما قتلوه يقينا" (الآية 157 من سورة النساء).

يكاد الكتاب يخلو من أي خطأ في اللغة، خلا كلمتين فيهما خطأ في الطباعة، صوبهما الكاتب بقلمه وذلك في النسخة التي أهدانيها، الأولى في الصفحة 61، والثانية في الصفحة 97. وخلو الكتب من الأخطاء نادر في هذه الأيام.

وأخيرا الكتاب وثيقة من الوثائق النادرة التي تناولت القدس وأرخت لها ووصفتها –شوارعها وأزقتها وبناياتها- وعلى الأخص الشبابيك فيها، يستحق القراءة وحري بكل فرد أن يقرأ هذا الكتاب وأن يقتنيه، وأن يرجع إليه كلما أراد أن يستزيد معلومات عن القدس.