أمتي في العالم
بدر محمد بدر
الكتاب: أمتي في العالم
المؤلف: مجموعة باحثين
الناشر: مركز الحضارة للدراسات السياسية, القاهرة
عدد الصفحات: 580
الطبعة: الأولى 2010
يناقش التقرير الإستراتيجي "أمتي في العالم" في عدده السنوي التاسع, الذي صدر في القاهرة قبل أسابيع, أبعاد الدلالات الحضارية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (شتاء 2008 / 2009), وتداعيات استمراره تحت الحصار الدولي, الذي جاوز السنوات الأربع حتى الآن.
ويحلل أكثر من 40 باحثاً وخبيراً ـ شاركوا في إعداد التقرير ـ خلفيات ونتائج ما جرى من عدوان: عسكرياً وسياسياً وإستراتيجياً وقانونياً وثقافياً واقتصادياً, في رؤية اتسمت بالواقعية والموضوعية والخبرة في رصد الواقع, واستشراف آفاق المستقبل, وتضع الأمة أمام مسئوليتها التاريخية, فيما يخص القضية الفلسطينية.
وفي المقدمة يستعرض المؤرخ طارق البشري تاريخ الحروب الإسرائيلية ـ الأميركية في المنطقة العربية, التي التقت على هدف رئيسي وهو أنها كانت "ضدنا نحن العرب", ومنها: حرب الأميركان في الكويت والعراق، وحرب العراق 2003، وحرب لبنان 2006، ليصل بفكرته إلى أن العدوان الأخير على قطاع غزة هو "الحرب الثانية عشرة" منذ عام 1948 وحتى الآن, أي بمعدل حرب كل خمس سنوات.
ارتباط إستراتيجي
وينبه البشري إلى أهمية الموقع الإستراتيجي لفلسطين, باعتبارها البوابة الشرقية لمصر, وأنه ـ فيما عدا الحملة الفرنسية (1798) ـ فقد جاءت كل حملات الغزو والاحتلال لمصر من الشرق, وهذا يؤكد الارتباط المصري الفلسطيني كأساس إستراتيجي ثابت.
وينقسم التقرير إلى محاور أربعة؛ الأول تحت عنوان "عالم الأفكار والرؤى" وفيه يتناول سيف الدين عبد الفتاح أستاذ النظرية السياسية الحديث عن "معركة الذاكرة الحية" و "صراع المعاني", ويؤكد أن المقاومة هي عملية معرفية وثقافية وفكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة, حضارية في محتواها وفي مقاصدها, وأن أولى معاركنا ينبغي أن تكون معركة ضبط المفاهيم والمصطلحات في صراعنا مع الاحتلال الصهيوني.
وتقدم نادية مصطفي مدير مركز الدراسات الحضارية قراءة حضارية للعدوان على قطاع غزة, تستدعي فيها أكثر من مجرد موازين القوى على الأرض, وتركز في دراستها على مشاهد أربعة, الأول: التظاهرات التي عمت الشعوب العربية والإسلامية تضامنا مع الشعب الفلسطيني وضد الاحتلال, والثاني: مشهد النظام الرسمي العربي والإسلامي, الذي حاصر هذه المظاهرات بقوات الأمن والشرطة, في ظل حالة من الاستسلام للاحتلال, والثالث: مشهد فلسطين التي تقاوم في غزة, وانتهت في هذا المشهد إلى أن حركة "حماس" قامت خياراتها على حسابات، وحركتها دوافع وسعي إلى أهداف, دون التقيد بالنمط التقليدي الذائع من حسابات الربح والخسارة, كما استندت إلى رؤية واضحة عن الإطار الدولي والعربي والأهداف الإسرائيلية, وحالة الصف الفلسطيني، أما المشهد الرابع فقد تناولت فيه ماتسميه "أركان الأمة الثلاثة: تركيا ـ إيران ـ مصر", ومسئوليتها التاريخية عن دعم المقاومة الفلسطينية, خصوصاً في المرحلة الحالية، التي تشهد وضوحاً في موقف إسرائيل الرافض لأى تنازلات في المفاوضات مع الفلسطينيين.
اللجوء للمحاكم الدولية
ويطرح محمد شوقي عبد العال أستاذ القانون الدولي في بحثه رؤية قانونية للعدوان, مشيرا إلى أنه يجب اللجوء مباشرة إلى محاكم الدول، التي تقبل الاختصاص العالمي فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد الإنسانية, لمقاضاة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني, وخصوصاً العدوان على قطاع غزة, وأن علينا ندرك أيضاً أن القضايا الخاصة بالانتهاكات ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم, وهذا يعني أن علينا أن نحاصر قادة الاحتلال بالقانون, طالما نحن غير قادرين الآن على غيره.
وتحت عنوان "الانتصار في حروب الجيل الرابع" يقدم العميد المتقاعد صفوت الزيات رؤيته العسكرية لما جرى من عدوان, خطط له الاحتلال قبل عامين من وقوعه, وهو عدوان بين طرفين غير متكافئين, لكن إسرائيل ـ رغم كل الحمم التي قذفت بها المدنيين العزل من سكان قطاع غزة, ومئات الأطنان من القنابل ـ لم تتمكن من تحقيق أهدافها العسكرية, ونجحت حركة "حماس" طوال الحرب في معركة الصواريخ، التي استمرت حتى اليوم الأخير من العدوان, ونجحت كذلك في أن يظل المجتمع الإسرائيلي مهدداً وغير آمن حتى الآن.
ويستعرض مصطفى علوي أستاذ العلاقات الدولية في دراسته قيود الواقع الإقليمي والدولي في مواجهة العدوان, حيث الانقسام العربي والانقسام الفلسطيني, واستمرارية الإستراتيجية الأميركية في عهد أوباما لحماية إسرائيل, لافتاً إلى أن هذه الإستراتيجية يجب أن نتعامل معها على أنها ثابتة على المدى الطويل.
ويناقش المحور الثاني للتقرير "عالم الأحداث" عدة دراسات, منها: الدلالات الحضارية في خطابات فصائل المقاومة, وانتهت إلى أن المقاومة التي شهدتها أرض غزة، وشهدها العالم كله, كانت مثالاً واضحاً لمعنى المقاومة الحضارية الشاملة, اجتمع فيها القيمي والمادي, وأن حسن استثمارها قد يحيي ثقافة المقاومة من جديد , وتتسارع خطى الإحياء والإصلاح في الأمة مرة أخرى.
واستعرضت دراسة أخرى موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح وعرب 48 من العدوان على القطاع، حيث أشارت إلى مسارعة السلطة إلى إدانة العدوان، مع تحميل حركة حماس في نفس الوقت، مسئولية شن العدوان في ظل سياستها السابقة عليه, وبعد الحرب عاودت السلطة الهجوم على حماس، وبالتالي تعثرت جهود المصالحة بينهما, ولم يختلف موقف حركة فتح عن موقف السلطة, أما فلسطينيو 48 فقد تصاعدت أصداء الغصب منهم على الصعيد الشعبي إلى جانب النخبة, وتجسد ذلك في انطلاق تظاهرات حاشدة طيلة أيام الحرب الإسرائيلية، تندد بالعدوان وتطالب بإيقافه فورا.
تصاعد المكون الصهيوني
ورصدت دراسة أخرى تصاعد المكون الصهيوني والأصولية اليهودية في المجتمع الإسرائيلي, حيث كان العدوان على قطاع غزة محل اتفاق غالبية التيارات السياسية الإسرائيلية، قبيل انتخابات الكنيست، لاجتذاب الرأي العام الإسرائيلي، الذي تحول نحو اليمين السياسي المتطرف, وأصبحت غالبية قطاعاته تؤيد بصورة واضحة استخدام القوة العسكرية ضد الفلسطينيين, كما اتضح دور الجماعات الأصولية الدينية في العدوان، من خلال النشاط التبشيري في الجيش الإسرائيلي، لنشر الأفكار العنصرية، وتصوير العدوان على أنه حرب مقدسة.
وتناولت بقية دراسات هذا المحور عدة دوائر, منها: الدائرة العربية وموقفها من العدوان, وبخاصة مواقف مصر والسعودية ودول الشام والعراق، وأيضاً موقف دول المغرب العربي, وفي الدائرة الإسلامية استعرضت مواقف تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى, وكذلك الأقليات الإسلامية في الغرب، وأيضاً مواقف إفريقيا غير العربية, كما ناقشت الدراسات أيضاً الموقف الأميركي والموقف الأوربي, وكذلك دول الشرق الكبرى، ودول الأطراف الصاعدة وهي: روسيا والصين والهند واليابان.
واستعرضت دراسات المحور الثالث "عالم المؤسسات", مواقف المؤسسات العربية والإسلامية والدولية مثل: جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي, وهيئة الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة, وأيضاً حلف شمال الأطلنطي, حيث تشير الدراسات التي قدمت في هذا المحور إلى أن العدوان على قطاع غزة جاء كاشفاً بقوة عن إخفاق جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في القيام بدوريهما, بينما ما صدر عن بعض أجهزة ومسئولي الأمم المتحدة، في الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان بشأن العدوان على غزة, كان أمراً جيداً إلى حد ما.
وتشير دراسة أخرى إلى أهمية منظمات المجتمع المدني، سواء كانت حقوقية أو إغاثية أو نقابات مهنية واتحادات نوعية، على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي، في التعامل مع العدوان وآثاره، وتخلص في النهاية إلى أن الأمل معقود على أداء هذه المؤسسات، لأن الدول تحكم سياساتها مصالح عليا، بغض النظر عن الدوافع الإنسانية.
ماذا تغير؟!
أما المحور الرابع والأخير فقد ناقش تطورات ما بعد العدوان على غزة, مثل قضايا إعادة إعمار القطاع أو الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني, أو مبادرة السلام العربية، وكذلك موضوع يهودية دولة الاحتلال الإسرائيلي, ومدى تأثير انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما, ووصول نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، على واقع القضية الفلسطينية.
وفي قضية إعادة إعمار قطاع غزة انتهت دراسة إلى أن حل الخلافات الداخلية الفلسطينية, يمكن أن يؤدي إلى حل الخلافات حول إعادة إعمار القطاع, والعكس صحيح أيضاً, غير أنه في الإطار العملي يتم توظيف هذه العملية في الصراع السياسي القائم, ولغايات تتجاوز إعادة الإعمار ومصالح الناس, وتطالب الدراسة بإخراج عملية إعادة الاعمار من الصراع بين الأطراف الفلسطينية والعربية.
وتستعرض دراسة أخرى واقع الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني تحت وطأة الشروط الخارجية, وترى أن الدور المصري أكثر الأدوار العربية تداخلاً مع الشأن الفلسطيني, وتتناول الدراسة أيضاً دور جامعة الدول العربية، والدور السعودي، والدور السوري, ومواقف القوى الإقليمية والإسلامية (إيران وتركيا) في الحوار الفلسطيني، وكذلك الدور الأميركي والدور الإسرائيلي في هذا الشأن, وتنتهي إلى أن الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني ليس شأناً وطنياً أو داخلياً، مقصوراً على حركتي: فتح وحماس, ولا يمكن قياس مدى نجاحه أو فشله بمواقفهما فقط, لأن الحوار يتداخل مع مصالح عربية وإسلامية وإقليمية ودولية، ويتأثر بها كما يؤثر عليها.
وناقشت دراسة أخرى في هذا المحور موضوع المبادرة العربية للسلام, حيث أكدت أن الموقف الإسرائيلي منها لم يتغير من حيث رفضها, ونبهت دراسة إلى أن مفهوم "يهودية الدولة" لم يغب عن ذهن مخططي الحركة الصهيونية منذ القرن التاسع عشر, وتنتهي إلى أن "يهودية" إسرائيل، بات مطلبا علنياً لقادة الاحتلال على اختلاف مشاربهم.
ويؤكد التقرير في الختام أنه بعد عام من العدوان على قطاع غزة ليس هناك جديد يذكر, فالسياسة الإسرائيلية كما هي لم تتغير, والداخل الفلسطيني باق على صراعاته وعلى خلافاته, ولا يزال موقف الحكومة المصرية كما هو، فيما يتعلق بالتعامل مع الحكومة المنتمية لحركة حماس, وهو موقف متهم بتجاوزه للشرعية الفلسطينية، التي اختارت حركة حماس بأغلبية في انتخابات حرة.