قراءة في كتاب - غزة وصمودها

قراءة في كتاب

غزة وصمودها

محمد هيثم عياش

[email protected]

برلين  /‏15‏/08‏/10 /  قليل من الكتب التي تتحدث عن مأساة شعوب في العالم كما ان مواضيع مثل هذه  الكتب تعتبر شحيحة للغاية اذا ما  تناولت مأساة الشعب الفلسطيني او مأساة شعب ما من شعوب العالم الاسلامي ، ولا يكمن هذا الشح جراء عدم وجود كتَّاب على خبرة بمدينة اسلامية او شعب مسلم بل الى شح في المال لنشر مثل هذه الكتب .

الا أن مدينة غزة منذ ان اشتعلت بها اول شرارة انتفاضة الفلسطينيين الاولى  ضد الاحتلال   الصهيوني التي بدات بأطفال الحجارة اولئك الاطفال الذين القنوا الضمير العالمي درسا لن ينساه يكمن هذا الدرس بأن الإرادة تصنع المعجزات ارغم هؤلاء الاطفال والشباب الذين سقط الكثير منهم ضحية همجية الصهاينة دول العالم التي تدعم الكيان الصهيوني بشكل اعمى الانتباه الى معاناة الفلسطينيين وطموحاتهم بالحرية والبقاء في بلدهم تلك الانتفاضة التي اعادت قادة منظمة التحرير الفلسطينية المشردين في تونس ودمشق وعمان وبيروت وغيرها الى الضفة الغربية ليساوموا المحتل على مستقبل بلادهم .

ومنذ حصار غزة الذي نجم عن خلاف الفلسطينيين وصراع السياسة مع اخوة السلاح وفشل حكومة الوحدة الفلسطينية التي تم قيامها في مكة المكرمة تحت رعاية وجهود قوية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ومحاولة يائسة لجيش الكيان الصهيوني بإخماد صوت المقاومة الاسلامية والوطنية دخلت هذه المدينة التاريخ الانساني من ابوابه العريضة  فهي لم تحاصر من قبل الصهاينة فحسب بل  تقوم السلطات المصرية  بين الحين والاخر بإغلاق الطرق المؤدية الى القطاع تماديا بتمويت سكانها وتأديبهم لانتخابهم  حماسا زعيمة لهم  متناسين في الوقت نفسه الحديث النبوي الذي يقول / ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع /  و / انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، قالوا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما ؟ قال أن تأخذ على يده بأن لا يظلم / ، حتى اصبح حال اهل غزة مثل قول احدهم

وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند

وظن اولئك الذين يحاولون تجويع سكانها بأنهم بمنأى عن اي عقوبة الهية فالشاعر الذي يقول :

لا تظلمن اذا كانت مقتدرا   فالظلم شيمته يفضي الى الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه  يدعو  عليك وعين الله لم تنم

ماثلا امام اهل المدينة والغرباء التي يحاولون تحد الصهاينة بانهاء الحصار المفروض على تلك المدينة .

غزة مدينة الصمود ومدينة لها باع طويل في تاريخ الانسانية يمتد عنوان كتاب / غزة جسر بين الثقافات /  لاكثر من ستة آلاف عام من المقرر أن ينزل الى دور الثقافة بداية سبتمبر المقبل قامت مدينة اولدينبورج الجامعية الواقعة على بحر الشمال  بولاية سكسونيا السفلى بعرضه في بهو قسم تاريخ الانسانية في جامعة المدينة المذكورة .

ويعتقد مؤلفوه بأن هذه المدينة لها اهمية كبيرة في التاريخ فهي كانت موطن للعرب القدامى وله مكانة لدى المسلمين اذ يفتخر الغزاويون بأن ارضهم تضم رفات هاشم بن عبد مناف جد الهاشميين الذين منهم رسول الله محمد صلى عليه وسلم وهي ارض لم يكن للكنعانيين فيها نصيب فبنو اسرائيل ان كانوا من الكنعانيين فشلوا باقامة دولة لهم عندما كانوا يحاولون السيطرة على فلسطين بأزمنة غابرة بالتاريخ الانساني ، كما ويبذل واضعو هذا الكتاب جهودهم للتعريف بمدى اهمية المدينة لكل الشعوب التي اعلنوا سيرتها عليها منذ الاسكندر الكبير وحتى الرومان ومن ثم الفتوحات الاسلامية علما ان تلك المدينة تعتبر عربية قحة وان المسلمين لما فتحوها واستردوها من  الرومان كانت اسلامية الطابع كما ان تلك الدينة ولموقعها الجغرافي الهام  بين مصر وبلاد الشام والحجاز وموقعها على البحر كانت منطلقا  التجارة  في قديم الزمان بين افريقيا واسيا واوروبا  انها ملتقى الحضارات القديمة .

ويؤكد واضعو الكتاب انه لولا مجاهدة سكان تلك المدينة المحتل الصهيوني منذ وقوعها تحت احتلاله في حرب خاطفة عام 1967 وحتى ايام الانتفاضة الاولى لسهل على الصهاينة البقاء في بعض مناطق الضفة الغربية وانه لو استمرت الانتفاضة لوافق الكيان الصهيوني بالتوصل الى تسوية مرضية بانهاء قضية القدس الشريف ، فغزة وعلى حسب تأكيد مؤلفي الكتاب  وهم من خبراء المنطقة الالمانية تعتبر لب الجهاد في فلسطين ومحاصرتها محاصرة لمحبي الحرية في العالم وستبقى غزة مدينة الصمود ولن تركع بالرغم من الضغوط عليها فهي مثل دمشق ايام الحروب  الصليبية فعاصمة الامويين صمدت في وجه الصليبيين ولو انهم استطاعوا احتلالها لتأخر الفتح الاسلامي الثاني للقدس لقرنين او ثلاثة قرون .

ويؤكد مؤلفو الكتاب ضرورة بقاء غزة بعد انهاء حصارها على ما هي عليه الان من تسوية وحشية الكيان الصيهوني لبعض مبانيها بالارض وغير ذلك من الاضرار التي لحقت بها جراء الحرب التي وقعت ضد شعبها اواخر ديسمبر من عام 2008 واستمرت حتى اواخر يناير من عام 2009 وضم منظمة الثقافة والعلوم / اليونيسكو / المدينة بأسرها الى لائحة الارث العالمي حتى يكون  صمودها عبرة للاجيال القادمة  .

ويقع الكتاب بحوالي 280 صفحة من الحجم الوسط .